أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
ميكانيكا الكم

كيف يبدو الواقع؟ نظرة جديدة لنظرية الكم قد تكشف عن كيفية نشأته

عند أصغر المقاييس، يتألف كل شيء من سحابة من الاحتمالات الكمّيّة، وتحاول حاليا فكرة جديدة شرح كيفية نشوء عالمنا اليومي من هذا، باستخدام قوانين الديناميكا الحرارية

بقلم توم ريفلين

في أحد أيام العام الماضي قارسة البرودة، خرجت من مدينة فيينا في النمسا متجهاً إلى إحدى مقابرها لزيارة المثوى الأخير لأحد عمالقة فيزياء القرن التاسع عشر. وتتميز شاهد قبر لودفيغ بولتزمان Ludwig Boltzmann بتمثال نصفي مهيب له يظهره عابساً مع تعبير حاد على وجهه. ومن فوقه نُقشت بحروف ذهبية معادلته للإنتروبية. فلا بد أنها واحدة من بضعة شواهد قبور في العالم مزخرفة بمعادلة.

جئت إلى هنا بحثا عن مكانٍ للتأمل، لأنني أعتقد أن أفكار بولتزمان التي يعود تاريخها إلى قرن من الزمن يمكن أن تساعد على حل واحدة من أصعب مسائل الفيزياء في عصرنا: كيف تؤدي الجسيمات الكمية Quantum particles، الموجودة في سحابة ضبابية Fuzzy cloud من الحالات المحتملة، إلى ظهور العالَم الراسخ وواضحَ المعالم من الثلج وأوراق الشجر وشواهد القبور وكل شيء آخر من حولنا.

لقد كانت هناك العديد من المحاولات لتفسير ذلك على مر السنين، بما في ذلك الفكرة الغريبة القائلة إن الاحتمالات الكمّيّة الأخرى تظهر في العديد من الأكوان الموازية Parallel Universes أو أنها تختفي ببساطة. ولكنني أعتقد مع زملائي أن الإجابة قد تقع على عاتق بولتزمان.

تتمحور النظرية التي عمل عليها، والتي تسمى الديناميكا الحرارية Thermodynamics حول الإنتروبية ،Entropy وهي مقياس لمدى فوضى الأشياء. فهي توضح كيف تبرد الأشياء، وتتزود بالطاقة، وكيف -الأهم لنا- تمتزج،. إنها تغطي الأحداث اليومية، مثل امتزاج الحليب بالقهوة. ولكن إذا كنا محقين، فإن قواها تمتد أيضاً إلى عالم الكم. فنحن نعتقد أن تلك الاحتمالات الكمية لا تضيع أبداً، بل تمتزج تماماً في شقوق الواقع لدرجة أننا لا نستطيع رؤيتها. وإذا كان هذا صحيحاً، فإنه سيغير فهمنا للواقع تغييرا جذريا.

فعلى مستوى أساسي، يعيش العالم وفقاً لقواعد ميكانيكا الكم Quantum Mechanics، النظرية التي طُوِّرت للمرة الأولى في أوائل القرن العشرين لتفسير السبب الذي يجعل أشياء كالضوء والمادة تسلك سلوكاً موجيّاً تارةً وأحياناً أخرى تسلك سلوك المادة. بعد ذلك، وفي عام 1926، ابتكر إرفين شرودنغرErwin Schrödinger طريقة لمعاملة الأشياء على أنها تسلك كليهما على حدٍّ سواء، في مصطلح رياضياتي يسمى الدالة الموجية Wave Function.

تصف نظرية الكم العالم المجهري (الميكروسكوبي Microscopic) بدقة غير مسبوقة. لكن قوانينها غريبة: فهي، على سبيل المثال، تسمح للجسيم بالوجود في أماكن متعددة في وقت واحد. ولا نرى هذه التأثيرات الغريبة أبداً في العالم اليومي التقليدي (الكلاسيكي). فما الذي يحدث؟

على مر السنين، كان الفيزيائيون يفكرون بالقياسات حين كانوا ينظرون إلى هذا السؤال. فبغض النظر عن عدد الأماكن التي كان يشغلها الإلكترون قبل اكتشافه، كنا نراه في مكان واحد فقط لدى قياسه. بطريقة ما، فإن عملية القياس تحوّل سحابة الاحتمالات الشبيهة بالموجة إلى واقع يشبه النقطة بموضع محدد. وقد أثبتت التجارب هذا مراراً وتكراراً. تبدو العملية عشوائية وآنية، لكن الفيزيائيين مثلي ليسوا راضين تماماً عن ذلك، إذ لا يوجد شيء آخر يسلك هذا السلوك.

انهيار الدالة الموجية
ظل الجدل حول كيفية تفسير هذا الغموض محتدماً لأكثر من 100 عام. وفي عشرينات القرن العشرين، استقر مفكرون عظماء مثل جون فون نيومان John von Neumann على فكرة مفادها أنه عند إجراء القياس، «تنهار» Collapse الدالة الموجية لتعطي نتيجة واحدة، تلغي الاحتمالات الأخرى (تحذفها). لكن هذا التفسير، الذي صار يعرف بتفسير كوبنهاغن لميكانيكا الكم Copenhagen interpretation، بعيد كل البعد عن أن يكون القراءة الوحيدة للوضع. ويقول تفسير العوالم المتعددة Many-worlds Interpretation إنّ كل نتيجة محتملة للقياس تحدث، لكن في عوالم أخرى لا يمكننا الوصول إليها. في حين يقول تفسير الفيزيائي ديفيد بوم David Bohm إن الاحتمالات الأخرى لم تكن موجودة على الإطلاق، بل كانت مجرد أوهام أنتجها افتقارنا للمعلومات.

ولتعقيد الأمور أكثر، فقد صار واضحاً – بفعل التجارب التي أجريت في سبعينات القرن العشرين- أن القياسات لا تُجرى فقط على طاولات المختبرات، فحتى جزيئات الهواء الضالة التي تصطدم بالإلكترونات يمكنها «قياسها» وتدمير كمّيتها Quantumness. ندعو هذه العملية «فك الترابط» Decoherence، وهي تفسر سبب عدم رؤيتنا للتأثيرات الكمية Quantum Effectsعلى المستويات اليومية: فبمجرد أن يكون شيء ما كبيراً إلى درجة كافية، يكون هناك الكثير من الأجسام الأخرى التي تحوم حوله والتي يمكنها «قياسه» والإخلال بخصائصه الكمية الدقيقة. ولكن السؤال نفسه لا يزال قائماً: ما مدى دقة حدوث هذه العملية؟

في العقد الأول من الألفية الجديدة، نقل الفيزيائيان روبن بلوم-كوهوت Robin Blume-Kohout، الذي كان يعمل آنذاك في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا California Institute of Technology، وفويتشيك شوريك Wojciech Żurek، من مختبر لوس ألاموس الوطني Los Alamos National Laboratory في نيو مكسيكو، فكرة فك الترابط خطوة أخرى إلى الأمام. وقالوا إنه خلال هذه العملية، تنتشر جميع المعلومات الموجودة في النظام، بما في ذلك الكمّيّة منها، في البيئة المحيطة Surrounding environment. وتتضمن هذه المعلومات الكمية خاصية النظام التي تنص على الوجود في «مكانين في الوقت ذاته»، أو تراكبها Superposition. ولكنها تعلل أيضاً سمات كمية جوهرية أخرى، مثل «التشابك» Entanglement الغريب والذي يحدث عبر مسافات طويلة، ويبدو أنه يسمح بالتفاعل الآني بين جسمين كميين.

وقال الاثنان إنه لا يسهل الوصول إلا إلى أنواع معينة فقط من المعلومات بعد عملية الانتشار هذه، ويشمل ذلك تحديداً المجموعة الكلاسيكية Classical Variety. باختصار، المعلومات الكمية موجودة؛ لكن يستحيل عملياً رؤيتها. أطلق روبن وفويتشيك على هذه الفكرة اسم الداروينية الكمية Quantum Darwinism، في تشبيه بتطور الكائنات الحية. في هذا التقدير، مثلاً، فإن البيئة المحيطة بالجسم الكمي «تختار» ما يلائم المعلومات الكلاسيكية، على نحو يشبه كيفية اختيار البيئة -بمعنى مختلف تماماً للكلمة- الأعناق الطويلة للزرافات.

على الرغم من أن المصطلح في رأيي ليس مناسباً تماماً، إلا أن الفكرة رائعة. فهي لا تتضمن أي طفرة Mutation ولا تتكرر عبر الأجيال. ومع ذلك، فإن هذا الإطار Framework هو طريقة فعالة لوصف التفاعلات بين النظام الكمي وبيئته. لكنه وحتى وقت قريب، افتقر إلى وصف دقيق للعملية الفيزيائية التي تؤدي إلى حدوث الانتخاب (الانتقاء) Selection. هذا هو المكان الذي تدخل فيه مجموعتنا إلى المشهد.

الديناميكا الحرارية الكمّيّة
تقوم فكرتنا على أن كل خطوة في العملية يمكن تفسيرها باستخدام الديناميكا الحرارية Thermodynamics. ونحن مهتمون بما يحدث للحالات الكمية المتلاشية Vanishing quantum states ظاهرياً، وهو أمر لا تميل الداروينية الكمية إلى التركيز عليه. باختصار، نعتقد أن هذه المعلومات الكمية تنتشر بين الجسم Object والكاشف Detector. ونعتقد أن عملية الانتشار هذه تعكس الطريقة التي تمتزج بها الأشياء وفقاً للديناميكا الحرارية.

لكن لم يكن توافق الديناميكا الحرارية وميكانيكا الكم مع بعضهما البعض جيداً تاريخياً. وفي الواقع، يبدو أن الفكرة التقليدية للقياسات الكمية تخرق قوانين الديناميكا الحرارية. تنص هذه القوانين، التي تعتبر مقدسة لدى الفيزيائيين، على أنه لا يمكن خلق الطاقة أو إفنائها، وأن الكون يصير أكثر فوضى Disordered مع مرور الوقت. ويبدو أن الوصف المرجعي للقياس ينتهك كل هذا. وإضافة إلى ذلك، ينطوي على حذف المعلومات: عندما ينتقل الجسيم من وجوده في مكانين في آن واحد إلى مكان واحد فقط، يبدو أن التفاصيل المتعلقة بالموقع الثاني تنهار. وهذا ينتهك مبدأ حفظ المعلومات Conservation of information principle، وهو المبدأ الذي تؤيده كل قوانين الفيزياء الأخرى.

كان من السهل إخفاء هذه المشكلات لعقود من الزمن، كوننا لم نتمكن من البحث بالتفصيل في التفاعلات الدقيقة بين الأجسام الكمية والشيء الذي يجري القياس. وكان من السهل التصور أن المشكلة كانت نتيجة ثانوية لنمذجة غير دقيقة «لجهاز» القياس Measuring device. ومع تحسن التجارب، صار إخفاء التناقضات أكثر صعوبة.

تكمن قوة فكرتنا في أنها لا يمكن إلا أن تلتزم بقواعد الديناميكا الحرارية، لأنها مدمجة بها منذ البداية. تقول صوفي إنجينير Sophie Engineer، وهي عضوة في فريقنا وتعمل بين جامعة بريستول University of Bristol وجامعة هيريوت وات Heriot-Watt University في المملكة المتحدة: «يجب أن يكون أي نموذج للقياس متوافقاً مع بقية قوانين الفيزياء».

في قلب فكرتنا توجد عملية ديناميكية حرارية درسها بولتزمان تسمى الموازنة Equilibration. تحب مجموعتنا القهوة، لذلك نود أن نتخيل هذه العملية من خلال تصوير بقعة من الحليب تُسكب في فنجان قهوة. في البداية، يكون الحليب عبارة عن فقاعة منفصلة، ولكن مع تحرك الجزيئات المختلفة عشوائياً، فإنها تنتشر بسرعة وتختلط مع القهوة. بمجرد خلط جزيئات الحليب والقهوة بشكل كامل، فمن غير المرجح أن تتجمع جميع جزيئات الحليب تلقائياً في فقاعة واحدة مرة أخرى. وفي النهاية، يستقر خليط القهوة والحليب في حالة توازن Equilibrium، ونقول إنه يتوازن.

لكن قوانين الديناميكا الحرارية تنصُّ على أنه مع مرور ما يكفي من الوقت، سينفصل الحليب والقهوة تلقائياً مرة أخرى عائدين إلى حالتهما الأصلية قبل اختلاطهما. ربما لا نرى هذا يحدث أبداً لأنه سيستغرق وقتاً أطول بكثير من عمر الكون لكننا نراه يحدث عند إعدادات أبسط بكثير.

لقد علمنا مؤخراً أن شيئاً مشابهاً يحدث في العالم الكمي أيضاً. وفي دراسة أجريت عام 2018، أظهر يورغ شميدماير Jörg Schmiedmayer من الجامعة التقنية في فيينا Vienna University of Technology (TU Wien) في النمسا وزملاؤه أن فك الترابط الكمي يمكنه أيضاً يعود إلي حالته الأصلية. فقد رصدوا بضعة آلاف من الذرات فائقة البرودة Ultracold atoms في صندوق، وشاهدوا كيف صارت مواقع الذرات أقل ارتباطاً ببعضها البعض من خلال الاصطدامات العشوائية. وقد وصل مقدار الارتباط في النهاية إلى قيمة «توازن» منخفضة. ولكن بعد بضعة أجزاء من الثانية، عاد الارتباط إلى قيمته الابتدائية تقريباً.

كانت هذه نتيجة رائعة. إذ ينبغي أن يؤدي فك الترابط إلى تدمير هذا النوع من الارتباطات، لذا فإن مشاهدتها تعود إلى الظهور تلقائياً وتشير إلى أنها لا تلغي المعلومات، بل تشوشها أو تخفيها فقط. ومثل هذه النتائج هي ما ألهم زملائي ماكسيميليان لوك Maximilian Lock وماركوس هوبر Marcus Huber، من الجامعة التقنية في فيينا كذلك، للتساؤل عما إذا كانت الموازنة يمكن أن تعزز أيضاً القياسات الكمية، إلى جانب إيمانويل شوارزانز Emanuel Schwarzhans، الذي كان يعمل سابقاً في جامعة فيينا التقنية، وفيليكس بيندر Felix Binder من ترينيتي كوليدج دبلن Trinity College Dublin في أيرلندا، فجمعوا أفكارهم في إطار أطلقوا عليه اسم فرضية موازنة القياس Measurement-Equilibration Hypothesis (اختصارا: الفرضية (MEH).

تصف الفرضية القياسَ بأنه عملية يتفاعل فيها النظام الكمي مع جهاز القياس. ويمكن أن يكون «الجهاز» أي شيء يتفاعل مع الجسم الكمي، وليس فقط ما نعتبره عادة جهاز قياس. يؤدي ذلك إلى نشر المعلومات داخل الجهاز، حتى الوصول إلى حالة توازن للمعلومات بين النظام والجهاز. كلما زاد حجم الجهاز، زاد عدد الأماكن التي يمكن أن تختبئ فيها المعلومات الكمية، ما يجعل استعادة تلك المعلومات أكثر صعوبة، ولكنها ليست مستحيلة أبداً.

كيف يمكن أن يعمل هذا في الممارسة العملية؟ لنأخذ مثالاً بسيطاً لجسيم في سحابة تَشْغَل عدة مواقع مختلفة في وقت واحد. فقبل أن يقيس الكاشف موضع ذلك الجسيم، تكون هناك معلومات حول جميع الأماكن المحتملة التي كان من الممكن اكتشافه فيها. ولدى تماس الكاشف مع الجسيم، تمتزج هذه المعلومات مع جزيئات الكاشف. ونعتقد أن عملية الانتشار هذه «تبث» Broadcasts بطريقة أو بأخرى معلومات من النظام، ما يتيح قراءة المعلومات حول موقعه الكلاسيكي، ولكنه يكون اكتشاف المعلومات المتعلقة بخاصية «مكانين في وقت واحد» أصعب.

ما الآثار المترتبة؟
الرياضيات الكامنة وراء هذه العملية معقدة، لذا فإن أول ورقتين بحثيتين حول الإطار، ولا تزالان قيد مراجعة الأقران، تغصان Calculations. في البداية، أظهر زملائي أن جعل النظام يبدو كلاسيكياً بين نظام التوازن الكمي والكاشف، مع إخفاء السلوك الكمي فقط، لا يؤدي إلى انهياره. ولكن كاشفاً صغيراً بما يكفي سيسمح للتأثيرات الكمية بالظهور عبره. أما الورقة التالية والتي قادتها إنجينير وكانت الأولى التي أسهمتُ فيها، فتتجه خطوتها الأولى نحو ربط ذلك بالتجارب، من خلال النظر في أفضل السبل لاستخراج المعلومات هنا.

أخيراً، نرغب في اختبار أفكارنا في مختبر، ولحسن الحظ فإن شميدماير حريص على العمل مع مجموعتنا لتحقيق ذلك. ومن خلال تحضير تجربة مثل تجربة شميدماير عام 2018، يمكننا أن نشاهد عملية القياس تحدث في نظام صغير، ثم نشاهدها وهي لا تحدث، كما يعتقد لوك. ويقول: «ربما يمكننا بعد ذلك أن نبين أنه مع تزايد حجم النظام، يقل احتمال عدم حدوثه». إذا رأينا ذلك، فسيكون دليلاً على أن فرضية موازنة القياس تسير على الطريق الصحيح. ويتفاءل لوك: «وسيكون ذلك يوم بالغ السعادة».

حتى الآن، لا ندري ما تعنيه هذه الفكرة بالنسبة إلى أي من التفسيرات الفلسفية لميكانيكا الكم. لكن أفكارنا تعمل على تجديد هذه المفاهيم. مثلاً، تشرح فرضية موازنة القياس ما يحدث لجميع نتائج القياس التي لا تراها، «العوالم» الأخرى لفكرة العوالم المتعددة. فهي لا تزال موجودة في عالمنا، لكن لا يمكننا التحكم في النظام الكمي بدقة كافية لرصدها. يقول لوك: «إذا تمكنا من إمساك كل إلكترون والتحكم فيه بأي طريقة نريدها، فلن نسأل أنفسنا لماذا يتحرك الجسيم يساراً أو يميناً، وستكون فكرة القياس نفسها غير ذات صلة».

وهذا من شأنه أن يزيل الكثير من الغموض المفترض عن انهيار الدالة الموجية، فالقياس يبدو غامضاً فقط عندما نتجاهل مدى صعوبة ذلك في الممارسة العملية. وكما يقول لوك، فإن الأمر يدور حول التساؤل: «كيف يمكنني، وأنا كائن بجسم القردة العليا وغير دقيق، أن أحاول الوصول إلى شيء مفصل بدقة مثل دوران الإلكترون؟».

لا أحد يجبرك على جعل العالم الكلاسيكي مختلفاً عن العالم الكمي، كل ما يمكنك قوله هو إن التعقيد كبير جداً في العالم الكلاسيكي. ولذا لا يمكنني رؤية الجزء الكمي

كما أنه يستبعد فكرة أن الانهيار هو عملية فيزيائية تحذف المعلومات، وأن هناك بعض التحول العنيف بين الحقائق الكلاسيكية والكمية. يقول شميدماير: «لا أحد يجبرك على جعل العالَم الكلاسيكي مختلفاً عن العالَم الكمي، كل ما يمكنك قوله هو إن التعقيد كبير جداً في العالم الكلاسيكي. ولذا لا يمكنني رؤية الجزء الكمي».

دماغ بولتزمان
هناك أثر محتمل آخر لأفكارنا. إذا أخذت أفكار بولتزمان حول التوازن إلى حدودها القصوى، فيمكنك أن تتخيل الكون بكامله يتوازن. إذا كانت هذه هي الحال، فقد توقع البعض أنه في المستقبل البعيد جداً، وبعد فترة طويلة من موت آخر النجوم، سوف تحدث تذبذبات Fluctuations عشوائية بعيداً عن التوازن، ما يؤدي إلى نشوء ومضي تلقائي لكائنات واعية Sentient Beings وظهورها إلى الوجود ولفترة وجيزة جداً. تشير هذه التجربة الفكرية، المعروفة بــ«دماغ بولتزمان» Boltzmann brain، إلى أن التوازن ليس نهاية القصة بالنسبة إلي نظام ديناميكي كبير.

ماذا يحدث إذا دفعنا فكرتنا إلى مثل هذا الحد الأقصى؟ حسناً، إذا تمكنا من الاستمرار بتتبع كل جسيم تحت (دون) ذري Subatomic Particle في كاشف وداخل بيئته، فإنه وفقاً لفرضية موازنة القياس يمكنك من حيث المبدأ، العثور على جميع المعلومات الكمية المخفية. وهذا من شأنه أن يكون أقرب إلى رؤية جسيم في مكانين في وقت واحد مرة أخرى، حتى بعد قياسه. إنها بالتأكيد فكرة غريبة، وأحياناً لا أستطيع إلا أن أتساءل عما كان سيفعله بولتزمان لو كان لا يزال حيّا.

© 2024, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى