بقلم دافيد روبسون
من جين أوستن Jane Austen إلى ألبرت آينشتاين Albert Einstein، ومن زها حديد Zaha Hadid إلى أي واي وي Ai Weiwei، من السهل تسمية الأشخاص الذين طوروا تفكير البشرية – ولكن من الصعب جداً شرح سبب تفكير أشخاص مثل هؤلاء بشكل أكثر إبداعاً من بقيتنا. هل أدمغتهم بهذه الطريقة فقط، أم أن أي شخص يمكنه تعلم القيام بذلك؟ حير لغز الإبداع العلماء لفترة طويلة. والآن، يحرز الباحثون أخيراً بعض التقدم في سحب الستار. والأفضل من ذلك، أن تبصراتهم يمكن أن تساعدنا جميعاً على ممارسة المزيد من التفكير الأصيل.
تأتي بعض الأفكار الأكثر إثارة في هذا السياق من «نظرية المعالجة المزدوجة» Dual process theory للإبداع، والتي تميز بين توليد الفكرة وتقييم الفكرة. أما توليد الأفكار؛ فينطوي على الخوض بعمق في معرفتنا الحالية للوصول إلى بذور الإلهام – ربما عن طريق أخذ تشبيه مستوحًى من مجال مختلف كلياً. والتداعي الحر Free association هو أمر مفتاحي في هذه المرحلة، حيث يؤدي أحد الأفكار إلى استبصار آخر أكثر أصالة. وفي المرحلة الثانية، مرحلة تقييم الفكرة، يجب أن نكون أكثر انتقائية حتى نختار الأفكار التي تناسب أهدافنا بشكل أفضل. يجب على الروائي أن يقرر ما إذا كانت حبكة غريبة وخارقة للطبيعة ستدغدغ القراء أو تنفرهم؛ كما يجب على المهندس أن يفكر فيما إذا كانت طائرته المستوحاة من الأسماك ستكون عملية وفعالة. يتطلب أي مشروع كبير العديد من التكرارات لهاتين المرحلتين في الرحلة الطويلة والمتعرجة تبدأ من تصور الفكرة وتنتهي بإكمالها.
تشير فحوصات الدماغ للأشخاص الذين يشاركون في الحل الإبداعي للمشكلات إلى أن توليد الأفكار وتقييمها يعتمدان على شبكات عصبية مختلفة. أما توليد الأفكار؛ فتشارك فيه الشبكة الافتراضية Default network، والتي عادة ما تكون نشطة عندما يكون العقل في حالة راحة ويسرح في التفكير. في هذه الحالة من حرية الحركة، تكون الشبكة قادرة على بث ذكرياتك لإحداث الإلهام – وهو ما قد يفسر سبب التوصل إلى حلول المشكلات في كثير من الأحيان عندما نكون في الحمام أو أثناء المشي في الحديقة. على النقيض من ذلك، يبدو أن تقييم الفكرة يعتمد على الشبكة التنفيذية Executive network، والتي تنشط في حين نركز على أهداف محددة. قد تعمل منطقة ثالثة – شبكة البروز Salience network – كجسر بين الاثنتين. ووظيفتها هي تحديد أهم الأشياء أو الأشياء المثيرة للاهتمام من حولنا. في جلسات العصف الذهني، قد تحمل هذه الشبكة تبصرات مثيرة بشكل خاص قبل أن تقيمها الشبكة التنفيذية تقييماً دقيقاً.
لماذا بعض الناس أكثر إبداعاً من غيرهم؟
يبدو أن قدرتك الإبداعية تعتمد على كفاءة التواصل بين هذه الشبكات المختلفة. دعا فريق بقيادة روجر بيتي Roger Beaty -من جامعة ولاية بنسلفانيا Pennsylvania State University – 163 شخصاً إلى الاستلقاء في ماسح ضوئي للدماغ أثناء أداء «مهمة الاستخدامات البديلة» Alternative uses task – وهو اختبار قياسي للإبداع يتضمن التفكير في طرق جديدة لاستخدام شيء شائع، مثل الطوب. ويميل الأشخاص الذين لديهم الإجابات الأكثر إبداعاً إلى وجود قدر أكبر من التوصيل العصبي Connectivity بين مناطق الشبكات الافتراضية والتنفيذية والبروز. ووفقاً لدراسة أجراها باحثون من جامعة كاليفورنيا University of California، لوس أنجلوس، تميل الأدمغة الأكثر إبداعاً أيضاً إلى وجود اتصال عشوائي أكبر بين مناطق الدماغ البعيدة عن بعضها. وقد يسهم هذا في استخدام طرق أقل تقليدية لمعالجة المعلومات، وتوليد المزيد من الأفكار الأصلية. تقول أريانا أندرسون Ariana Anderson والتي قادت الدراسة: «يتطابق ذلك مع ما نراه في حياة الأشخاص المبدعين: إنهم يتبعون طريقهم الخاص».
تعطي هذه النتائج إشارات تدل على كيفية تعزيز إبداعك. يبحث بيتي حالياً فيما إذا كان بإمكان التدريب على التفكير الإبداعي وحل المشكلات أن يعزز الاتصال بين الشبكات الافتراضية وشبكة البروز والشبكة التنفيذية. وقد تتضمن برامج التدريب، مثلا، الممارسة الموجهة لتوليد الأفكار واختيارها. وجدت دراسة تحليل تلوي (وصفية) Meta-study نُشرت في عام 2023 أن هذا يمكن أن يعزز الإبداع بالفعل. في هذه الدراسة، حلل الباحثون 332 دراسة، وقسموها إلى 12 فئة، كان التدريب على الإبداع من بين الأكثر تأثيراً على الإبداع، والأدوية نفسية المفعول كانت الأقل تأثيراً. كانت أفضل الطرق الأخرى لتشجيع التفكير الإبداعي هي ممارسة الوعي التام Mindfulness والانخراط في ثقافات مختلفة عن ثقافتك، ويوصي بيتي بتجربة هاتين الطريقتين. ويقول: «إنها تساعدك على الاستفادة من التجارب المختلفة وتجميع الأشياء معاً بطرق جديدة ومثيرة للاهتمام».
© 2024, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.