كيف جعلتنا خلايا الدماغ المكتشفة حديثاً نعيد التفكير في العقل البشري
تستمر أنواع جديدة غريبة من خلايا الدماغ البشري في الظهور للضوء. ووفقاً لآخر إحصاء، هناك أكثر من 3,300 نوع، ولا نعرف حتى وظيفة معظمها
بقلم جيسون أرون موروغيسو
من الغريب التفكير بأننا لا نزال نجهل تكوين دماغنا. ومع ذلك، على الرغم من عقود من البحث وتطوير تقنيات المسح عالية التقنية، فهذه هي الحقيقة. بالتأكيد، نحن نعرف الأساسيات. يبلغ متوسط وزن الدماغ البشري نحو 1.4 كيلوغرام وله قوام التوفو الناعم. ويتكون من نوعين عامين من الخلايا: العصبونات (الخلايا العصبية الدماغية) Neurons، التي تقوم بالتفكير، والدبقيات Glia، والتي توفر الدعم لها. ولكن تحت هذا الوصف البسيط يكمن تعقيد محير للعقل – تعقيد لا يزال يفاجئ حتى علماء الأعصاب.
يعرف الجميع العصبونات، وهي الخلايا التي ترسل نبضات كهربائية بين مناطق مختلفة من الدماغ. يحتوي دماغك على نحو 86 بليون خلية منها، ولها العديد من الأنواع المختلفة بناءً على شكلها ووظيفتها وخصائصها. ولكنه لا يزال هناك الكثير مما لا نعرفه عنها. خذ، على سبيل المثال، عصبونات ثمر الورد Rosehip neurons، والتي اكتُشِفت عام 2018. وحصلت هذه الخلايا على اسمها بسبب شكلها، ويبدو أنها تقلل النشاط الكهربائي للعصبونات الأخرى. ومن المثير للاهتمام أنه لا توجد خلية مكافئة لها في أدمغة الفئران، على الرغم من حقيقة أن الفئران تميل إلى أن يكون فيها نظائر لخلايا الدماغ البشرية الأخرى. كما أننا لا نعرف الكثير عن وظائفها في الدماغ البشري، بحسب ما تقول ريبيكا هودج Rebecca Hodge من معهد ألين لعلوم الدماغ Allen Institute for Brain Science في سياتل، واشنطن، والتي كانت عضواً في الفريق الذي اكتشف هذه الخلايا.
أما الدبقيات، والتي يبلغ عددها أيضاً نحو 86 بليوناً في الدماغ البشري، فإن تحديد وظيفتها أصعب حتى من سابقاتها. اشتُقَّ اسم هذه الخلايا من الكلمة الإغريقية التي تعني الغراء، وكانت تُعتبر لفترة طويلة مجرد دعم هيكلي محسَّن للعصبونات. نحن نعلم الآن أن الدبقيات تؤدي بعض الأدوار الرئيسية في وظائف الدماغ. مثلا، ينتج نوع منها يسمى الخلايا قليلة التغصن oligodendrocytes أغلفة المايلين Myelin sheaths العازلة التي تساعد العصبونات على نقل النبضات الكهربائية. أما الدُّبيقيات (الدبقيات الدقيقة/ميكروجليا) Microglia، فهي خلايا الدماغ المناعية: والتي تتجول بحثاً عن علامات الالتهاب والأضرار الأخرى ثم تتجمع للتخلص منها. وتساعد الخلايا النجمية Astrocytes ذات الشكل النجمي على تنظيم تدفق الدم في الدماغ، كما أن لها وظائف أخرى.
في سبتمبر 2023، صارت الصورة أكثر تعقيداً من ذي قبل. وصف أندريا فولتيرا Andrea Volterra من جامعة لوزان University of Lausanne، سويسرا، هو وزملاؤه نوعاً جديداً من خلايا الدماغ البشرية التي يبدو أنها تعمل كخليط بين العصبونات والدبقيات. ويقول: «الحدود بين الخلايا العصبية والدبقية أكثر مرونة بكثير مما كان يعتقد سابقاً. يُظهر اكتشافنا أن بعض الخلايا النجمية لها أيضاً سمات جزيئية ووظيفية تشبه العصبونات». يبدو أن الخلايا التي اكتشفها فريقه لها علاقة بالذاكرة المكانية، والتي، مثلا، تساعدك على بالتنقل في طريق مألوف. لكننا ما زلنا بعيدين عن الفهم الكامل لدورها في الدماغ، كما يقول فولتيرا.
ومع ذلك، فإن هذا التنوع في أنواع الخلايا ليس سوى غيض من فيض. في مارس 2023، أبلغ باحثون في معهد ألين عن نتائج دراسات نظروا فيها إلى 4.1 مليون خلية من خلايا أدمغة الفئران. وقد حددوا عدداً ضخماً مقداره 5,200 نوع مختلف من الخلايا التي تختلف في نشاطها الجيني، والذي يشير إلى وظيفة الخلية. كانت الغالبية العظمى – نحو 5,000 – عبارة عن عصبونات، في حين تكون الباقي من الدبقيات.
وقد أظهر باحثو معهد ألين وغيرهم منذ ذلك الحين أن التقنية نفسها يمكن استخدامها لرسم خرائط لأنواع الخلايا في الدماغ البشري. في أكتوبر 2023، نُشِرت المسودة الأولى لأطلس خلايا الدماغ البشري بكامله،
والذي يضم أكثر من 3,300 نوع من الخلايا. وهو ما يمثل التحليل الأكثر شمولاً حتى الآن، حيث يُفحَص كلُّ الدماغ البشري بدلاً من مناطق منه فقط. وعلى الرغم من أن الدقة أقل بكثير من أبحاث الفئران، إلا أن هودج تأمل بأن يكون الأطلس الخلوي الكامل أمراً ممكن التحقيق. لكنها تضيف أننا ما زلنا بعيدين جداً عن معرفة كيفية اتصال كل هذه الخلايا ببعضها البعض لإنشاء العقل البشري. وتقول: «سيستغرق هذا سنوات عديدة أخرى من البحث لفهمه تماماً».
© 2024, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.