لماذا يعد نسيان الأشياء جزءاً أساسياً من طريقة عمل عقلك
يمكن أن يكون النسيان محبطاً، لكن علماء الإدراك يعتقدون أنه يدعم قدرة الدماغ على معالجة المعلومات الحسية بكفاءة – وقدرته الفريدة على تعميم معرفتنا
بقلم أليكس ويلكنز
من أكثر الأشياء إحباطاً أن تحاول تذكر معلومة أو ذكرى ما فتجد أنها مفقودة من ذاكرتك. قد تسأل نفسك ما إذا كانت هذه بداية التدهور العقلي أو بداية حالة تنكسية Degenerative condition تُصيب الدماغ. ما لا تعتقده على الأرجح هو أن النسيان أمر جيد. لكنه قد يكون كذلك بالفعل. يقترح بحث جديد في الذاكرة أنها في الواقع وظيفة دماغية صحية وضرورية – وهي وظيفة تزداد أهميتها في حياتنا سريعة التغير. يقول توماس ريان Tomás J Ryan، من كلية ترينيتي في دبلن Trinity College Dublin في إيرلندا: «عليك أن تكون قادراً على التكيف مع بيئتك لأن بيئتك تتغير دائماً. ولكن إذا كنت تركز بشكل مفرط على تجربتك الأولى، فلن تتصرف بشكل تكيفي». ومن المثير للاهتمام أن بحثه يشير أيضاً إلى أن الذكريات المنسية تظل في الدماغ، لذلك يمكن، إذا لزم الأمر، استعادتها.
النسيان اليومي – مثل عدم القدرة على تذكر ما تناولته على العشاء الأسبوع الماضي – يسمى النسيان الطبيعي Natural forgetting. وهو يختلف عن النسيان المرضي Pathological forgetting، الذي ينتج عن إصابات الدماغ أو حالات مثل داء ألزهايمر (تُنطق ألزهايمر) Alzheimer’s disease. والنسيان الطبيعي لا يشكل مشكلة، بل إنه يدعم واحدة من أكثر سماتنا الفريدة والقوية – قدرتنا على التعميم Generalization. فعلى الرغم من أن هناك أوقاتاً يكون فيها امتلاك ذاكرة فائقة التفصيل أمراً لا يقدر بثمن، كما هي الحال عند المراجعة للامتحانات أو أن تكون شاهداً على جريمة، لا يمكن لنا القيام بالتعميم دون تقليل اهتمامنا وصرامتنا فيما يتعلق بالتفاصيل، بحسب ما يقول إدوين روبرتسون Edwin Roberstson من جامعة غلاسكو University of Glasgow، في المملكة المتحدة. ويقول: «لكي يُنظر إلى الكرسي على أنه كرسي، لا يجب بالضرورة أن يحتوي على تنجيد خشبي أو جلدي، بل يتطلب فقط عدداً قليلاً من الميزات. من المحتمل أن يكون تذكر التفاصيل الدقيقة للكرسي غير مفيد لأنه يمنعك من التعميم في جميع حالات الكرسي».
لكن النسيان الطبيعي قد تكون له ميزة أخرى. يقول ريان: «من السهل الإتيان بسلوكيات يمكن تدريب الحيوانات أو البشر على القيام بها، بحيث ينسونها في غضون أسبوعين. لقد تركنا أنفسنا نعتقد أن هذا فقط بسبب مرور الوقت وتراجع الذاكرة. ولكن في الواقع، خلال فترة الأسبوعين تلك، يختبر الفرد معظم أنواع الأشياء، ونتيجة لتلك الأشياء التي يختبرها، فإنه في الواقع يغير توقعاته». هذا مهم لأن التوقعات تؤدي دوراً رئيسياً في الصورة الناشئة للدماغ على أنه آلة للتنبؤ، حيث تتكون التجربة الواعية من تنبؤات حول ما يتوقع الدماغ إدراكه بناءً على ما يحس به من خلال الحواس. يقول ريان إن هذا لن ينجح ما لم يتمكن الدماغ من تعديل وتحديث تنبؤاته على شكل نسيان.
إضافة إلى ذلك، فإن البحث الذي أجراه ريان وزملاؤه يتحدى فكرة أن ذكرياتنا القديمة تضيع إلى الأبد. يُعتقد أن كل ذاكرة تُخَزَّنُ في الدماغ على شكل مجموعة من التغيرات الفيزيائية والكيميائية في مجموعات من العصبونات (الخلايا العصبية) Neurons تسمى الإنغرامات Engrams. باستخدام الأدوية التي تمنع تكوين بروتينات معينة في خلايا الإنغرام، تمكن الباحثون من منع تخزين الذكريات التي تشكلت مؤخراً في الفئران على المدى الطويل. في وقت لاحق، عندما قام الباحثون بتحفيز الإنغرامات الأصلية باستخدام تحفيز الضوء البصري أو من خلال إعطاء الحيوانات معلومات مماثلة لتلك التي شكلت الذكريات الأصلية، عادت لها تلك الذكريات. ويشير ذلك إلى أنه حتى الذكريات التي لا تخزَّنُ على المدى الطويل تظل موجودة في الدماغ بطريقة أو بأخرى ويمكن استرجاعها في ظل الظروف المناسبة.
يمكن أن يكون تحفيز الإنغرامات الخاملة طريقة واعدة لاستعادة الذاكرة لدى الأشخاص الذين عانوا النسيان المرضي. في يوم من الأيام، قد تساعدنا هذه الرؤى الجديدة على تحسين نسياننا الطبيعي. ولكن، في الوقت الحالي، يجب أن تجعلنا أكثر تسامحاً مع النسيان، كما يقول ريان، لأنه يدل على أنك تتكيف مع بيئتك.
© 2024, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.