ماذا يوجد في طعامك؟ جهود بحثية جديدة تهدف إلى معرفة ذلك
يهدف الجدول الدوري للأغذية إلى تفصيل المحتويات الجزيئية للمحاصيل الغذائية والحيوانات
بقلم ريتشارد شيفمان
مدينة نيويورك – يتناول البشر أكثر من 30 ألف نوع من النباتات والحيوانات. ولكننا لا نعلمُ الكثير عن محتواها في أغلبِ الأحوال. لم يحلّل الباحثون إلا المكونات الجزيئية لبضع مئات من الأطعمة الأكثر شيوعاً، وهو ما ترك فجوةً واسعةً في معرفتنا الغذائية.
في الأسبوع الرابع من أبريل 2024، اجتمع علماء ونشطاء غذائيون في نيويورك للإعلان عن إطلاقِ قاعدة بيانات جديدة تهدف إلى سد هذه الثغرة. تُشكِّل قاعدة البيانات جزءاً من مشروع مبادرة الجدول الدوري للأغذية Periodic Table of Food Initiative (اختصاراً: المبادرة PTFI)، التي تقودها مؤسسة روكفيلر Rockefeller Foundation، والتي ترمي إلى توثيقِ مجموعة واسعة من الجزيئات الحيوية Biomolecules الموجودة في الطعام بهدف دعم الجهود المبذولة لتحسين الزراعة والتغذية والصحة على المدى الطويل.
«يتمتع كوكبنا بتنوعٍ بيولوجي Biodiversity مدهش في الأطعمة»، كما تقول سيلينا أحمد Selena Ahmed، اختصاصية علم النبات العرقي Ethnobotanist في جامعة ولاية مونتانا Montana State University والمديرة العالمية لمبادرة PTFI في جمعية القلب الأمريكية American Heart Association (اختصاراً: AHA)، خلال المؤتمر الصحفي للإعلان عن قاعدة البيانات في 24 أبريل. غير أن معظم المُركَّبات الموجودة في النباتات واللحوم والأسماك ومشتقات الألبان التي نتناولها لم تُذكر حتى الآن، وهي تمثّل «المادة المعتمة للطعام»، كما يقول تشي-مينغ تشين Chi-Ming Chien، المؤسِّس المشارك لشركة فيرسو للعلوم البيولوجية Verso Biosciences، والتي تساعد في هذه الجهود.
استعرضَ تشين النتائج المتعلقة بعينة واحدة من الكينوا Quinoa، وذلك تجسيداً للتنوع الجزيئي Molecular diversity المذهل في الطعام. احتوت العينة على 6,000 نوع من البروتينات المختلفة، والتي يتحدد معظمها عن طريق سلاسل مُشفَّرة Crypticstrings من الأرقام والحروف. «تتيح لنا هذه المنصة تحليل التعقيد الغذائي بطريقةٍ لم تكن ممكنةً من قبل»، كما يقول.
كانت المبادرة -والتي دخلت في شراكة مع عدد من الجامعات والمنظَّمات غير الربحية إلى جانب جمعية القلب الأمريكية AHA- قد جمعت معلومات عن نحو 500 نوع من الأطعمة، فضلاً عن 1,600 نوع آخر لا يزالُ قيدَ الدراسة.
وعلى خلافِ جداول المكونات الغذائية Food composition tables السابقة -والتي ركّزت على المغذيات الكبرى Macronutrients مثل الدهون والبروتينات والكربوهيدرات- فإن قاعدة البيانات الجديدة تحتوي على معلومات حول مجموعةٍ أوسع من المركّبات، ومن ضمنها المغذيات الصُغرى (الدقيقة) Micronutrients، والمُستَقلَبات المُتخصِّصة Specialized metabolites، والتي يساعد بعضها على الوقاية من الأمراض. تعاونت المبادرة PTFI مع أكثر من عشرين مختبراً بحثياً حول العالم لجمع تلك البيانات. وحتى الآن، قامت مؤسسة روكفيلر Rockefeller Foundation وجهات تمويل أخرى بإنفاق أكثر من 30 مليون دولار على هذه الجهود المتواصلة لسنواتٍ عدة. «وبالنظرِ إلى النمو السريع لعدد سكان [العالم]… فمن الواضح أن زراعة ما يكفي من الغذاء صار يُمثّل أولويةً مُلحّةً»، كما يقول بروس جيرمان Bruce German، مدير معهد الغذاء من أجل الصحة Foods for Health Institute، ورئيس المجلس الاستشاري لمبادرة PTFI. ولكن أدّى اختزال النشاط الزراعي في عددٍ متضائلٍ من المحاصيل عالية الإنتاجية High-yielding crops، في بعض أنحاء العالم، إلى إفقار النظام الغذائي والمساهمة في زيادة معدل الوفيات على حدِ قوله. للمساعدة على تصحيح هذا الوضع، انصب تركيز المبادرة على الأغذية النباتية المحلية الأقل شهرة، والتي قد تكون أكثر ملاءمةً لظروف الزراعة المحلية، وتحملُ قيمةً غذائيةً أعلى من بعض المحاصيل التجارية الرائجة.
وبالنتيجة، يأمل المنظِّمون بأن تُمكِّن قاعدة البيانات الباحثين من مقارنة القيم الغذائية للأطعمة المُنتجة في أماكنٍ مختلفة وبتقنيات مختلفة، ويشمل ذلك كلاً من الزراعة الأحادية Monoculture واسعة النطاق والزراعة العضوية Organic agriculture. كذلك سوف تتَّبع كيف سيؤثر التغيّر المناخي Climate change على المحتوى الجزيئي للنباتات. فبوسع مثل هذه المعلومات أن تساعد على «تأمين الغذاء للناسِ بطريقةٍ مُتجدّدة ومُنصِفة ومُغذّية بالنسبة إلى الكوكب»، كما يقول جون دي لا بارا John de la Parra، مدير محفظة الغذاء العالمية Global Food Portfolio في مؤسسة روكفيلر Rockefeller Foundation.
إضافة إلى إنشاء قاعدة بيانات خاصّة بالمكونات الغذائية، تشارك المبادرة PTFI في عدة مشروعات بحثية أخرى. يتولى أخصائي علم النبات العرقي أليكس ماكالفي Alex McAlvay من حديقة نيويورك النباتية New York Botanical Garden الإشراف على إحداها. يتقصى هذا المشروع الممارسات المتَّبعة في منطقة مرتفعات وولو Wollo Highlands في إثيوبيا. فعلى مر التاريخ، دأبَ المزارعون على غرسِ خليط من أنواعٍ مختلفةٍ من البذور في الحقل نفسه، وساعدتهم هذه الممارسة على درءِ خطر تلف المحاصيل Crop failure خلال فترات الجفاف والآفات الحشرية Insect infestations. كما تحمل هذه الإستراتيجية فوائد صحية عدة. «عند زراعة محاصيل مختلفة سويةً وحصدها سويةً واستهلاكها سويةً، يبدو أنها تكون متكاملةً غذائياً، وهو ما يقود إلى نظامٍ غذائي أفضل»، كما يقول ماكالفي، الذي عبَّر عن أمله بأن تساعد مثل هذه الأبحاث على تنشيط الزراعة التقليدية وتحسين الزراعة التجارية.
بإمكان هذه المبادرة إحداث «نقلة نوعية في أبحاث التغذية خلال القرن الحادي والعشرين»، كما تقول جيس فانزو Jess Fanzo، خبيرة النظم الغذائية في جامعة كولومبيا Columbia University، والتي لم تُشارك في المشروع. ولن يقتصر دورها في المساعدة على تأهيل العلماء في معظم أنحاء العالم وحسب؛ بل ستشجع أيضاً على اعتماد «معايير عالمية موحدة في مجال التحليل الغذائي Food analysis» على حد قولها، وهو ما سيتيح مقارنة النتائج التي سيتم التوصل إليها في مختبرات مختلفة.
الوصول إلى واجهة البيانات Data interface مفتوحة للجميع، مع أنّها مُصمَّمة خصيصاً للاستخدام من قِبل الباحثين. كذلك يعتزم المنظِّمون وضع قاعدة بيانات باستخدام مدفوع الثمن خاص بقطاع الصناعات الغذائية، كما تقول سيلينا أحمد، وذلك إضافة إلى إنشاء واجهات بيانات أخرى مخصّصة للمزارعين والمستهلكين.
© 2024, American Association for the Advancement of Science. All rights reservedC