بقلم توماس ليوتون
في عام 2012، كتب عالم الأعصاب كريستوف كوخ Christof Koch في كتابه «الوعي: اعترافات مختزل رومانسي» Consciousness: Confessions of a romantic reductionist أن الدماغ البشري هو «الشيء الأكثر تعقيداً في الكون المعروف». وبالنظر إلى وجود نحو 86 بليون خلية عصبية في الدماغ، متصلة بطرق بدأنا للتو بفهمها، يبدو هذا بديهياً. لكن، عندما أعرض ذلك على ديفيد وولبرت David Wolpert من معهد سانتا في Santa Fe Institute في نيو مكسيكو – والذي أنشئ في ثمانينات القرن العشرين كمركز لمجال علم التعقيد Complexity science الناشئ – فإنه لا يرى الأمر بهذه الطريقة. يقول: «يكاد يكون من السخافة أن نفكر بأننا النظام الأكثر تعقيداً في الكون. السؤال في الواقع خاطئ».
على الرغم من هذا، سوف أصرُّ على هذا السؤال. بالتأكيد، هناك مقياس شائع للتعقيد يمكن تطبيقه على جميع أنواع الأنظمة المعقدة؟ ففي النهاية، إذا أمعنت النظر، فإن مجموعات المجرات والخيوط التي تربطها تبدو كأنها دوائر متشابكة من العصبونات (الخلايا العصبية) Neurons. بل إن عدد العصبونات في الدماغ البشري هو تقريباً عدد المجرات نفسه في الكون المرئي. وقد يكون لهذا التشابه في الشكل علاقة بالقوانين العامة التي ينشأ من خلالها التعقيد، بحسب ما يقول ريكارد سولي Ricard Solé في جامعة بومبيو فابرا Pompeu Fabra في برشلونة، إسبانيا. وربما لا يكون كذلك. ويقول: «قد يظهر ذلك في كلا النظامين من قبيل المصادفة، لكن هذا لا يعني أي شيء».
إلى جانب ذلك، لا يعرَّف التعقيد من خلال المكونات والترابطات فيما بينها. بل إنه يشير إلى فكرة أن الكل هو أكثر من مجموع أجزائه – وهو ما يسميه علماء التعقيد بالظهور Emergence. وبهذا المعنى، يشبه الدماغ البشري مستعمرة النمل – حيث ينشئ مدناً متقنة تحت الأرض دون مخططات أولية أو قائد – أكثر من كونه شبكة مجرية. كلا الخلايا العصبية والنمل تعتبر وحدات بسيطة نسبياً تؤدي، بطريقة ما، بشكل جماعي إلى سلوك معقد. يعتقد سولي أن الدماغ البشري مستواه أعلى من مستوى عصبوناته، وذلك بسبب قدرتنا غير العادية على اللغة. يقول: «من معجمنا، يمكننا بناء مجموعة لا حصر لها من الجمل تقريباً». يسمح لنا هذا، جنباً إلى جنب مع ذاكرتنا، بالتنبؤ بالمستقبل وحتى تخيل مستقبلات بديلة، إضافة إلى التنبؤ بعقول الآخرين
لكن اللغة والذاكرة والخيال ليست سمات لجميع الأنظمة المعقدة. في عام 2001، بحثاً عن رابط مشترك، اقترح الفيزيائي سيث لويد Seth Lloyd في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا Massachusetts Institute of Technology ثلاثة أسئلة للكشف عن مدى تعقيد الشيء. أولاً، ما مدى صعوبة وصفه؟ ثانياً، ما مدى صعوبة إنشائه؟ ثالثاً، ما درجة تنظيمه؟ واستمر بسرد نحو 40 مقياساً مختلفاً من التعقيد الذي يتناسب مع إطاره العام. يقول وولبرت: «صار هناك الكثير من المقاييس منذ ذلك الحين».
واحدة من هذه هي نظرية التجميع Assembly theory، والتي تحدد مستوى تطور أي شيء من خلال النظر في عدد الخطوات المطلوبة لبنائه، وإلى أي مدى يؤدي هذا الشيء إلى المزيد من التعقيد. تقول سارا إيماري ووكر Sara Imari Walker من جامعة ولاية أريزونا Arizona State University: «تصنع الأدمغة البشرية أشياء ذات تعقيد عالٍ جداً وبكثرة، لذلك، بالاستنتاج المباشر، يمكن القول إنها الشيء الأكثر تعقيداً». مقياس آخر هو نظرية المعلومات المتكاملة Integrated information theory (واختصاراً: النظرية IIT)، والتي تقيّم مقدار الوعي في النظام وفقاً لمدى الترابط الكثيف داخل شبكته. والدماغ البشري معقد جداً بحسب هذا المقياس أيضاً.
لا يؤمن بعض منظري التعقيد بنظرية التجميع أو النظرية IIT، ويتفق الجميع على أن هذه المقاييس لا ترقى إلى تعريف عام للتعقيد. بل ويذهب وولبرت إلى أبعد من ذلك، حيث يحاجج قائلاً إن قيمة علم التعقيد لا تأتي من إيجاد مقياس عالمي، ولكن من تنوع التعريفات.
في ضوء ذلك، ماذا بشأن سؤال الدماغ البشري؟ وولبرت واثق تمام الثقة. ويقول إنه من الغطرسة المحضة رؤيته على أنه الشيء الأكثر تعقيداً في الكون. كما يقول: «لا شيء يتعلق بالبشر يتمتع بالامتيازات على الإطلاق. في أحسن الأحوال، يمكن اعتباره أمراً عادياً – وهذا ينطبق على الدماغ».
© 2024, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.