أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
حضارة

اكتشاف مدن قديمة في الأمازون هي الأكبر حتى الآن

بنت حضارة غامضة شبكة من المدن والطرق في الأمازون قبل ما بين 3000 إلى 1500 سنة، ثم اندثرت

بقلم مايكل لو بيج

كشفت مسوحات جوية عن مدن هي الأكبر حتى الآن في فترة ما قبل الاستعمار في الأمازون، تربطها ببعضها البعض شبكة واسعة من الطرق.

يقول ستيفن روستين Stéphen Rostain، من المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي French National Center for Scientific Research في باريس: «إن المستوطنات أكبر بكثير من غيرها في الأمازون. إنها مماثلة لمواقع المايا».

إضافة إلى ذلك، عمر هذه المدن يتراوح بين 3,000 و1,500 عام، فهي بذلك أقدم أيضا من مدن ما قبل العصر الكولومبي المكتشفة في الأمازون. أما سبب اختفاء الأشخاص الذين بنوها، فغير واضح.

غالبا ما يفترض أن غابات الأمازون المطيرة لم يمسها البشر إلى حد كبير قبل وصول المستكشف الإيطالي كريستوفر كولومبوس Christopher Columbus إلى الأمريكيتين في القرن الخامس عشر. لكن في الواقع، أفاد الأوروبيون الأوائل أنهم شاهدوا العديد من المزارع والبلدات في المنطقة.

دعمت هذه التقارير، التي صرف النظر عنها لفترة طويلة، اكتشافات في العقود الأخيرة لأعمال حفر قديمة وتربة غامقة واسعة الانتشار أنشأها مزارعون. يشير أحد التقديرات إلى أن عدد سكان الأمازون قبل العصر الكولومبي يصل إلى ثمانية ملايين.

يدرس روستين وزملاؤه المواقع الأثرية في وادي أوبانو Upano في الأمازون الإكوادورية، في سفوح جبال الأنديز Andes، منذ تسعينات القرن العشرين. إذ عُثِر على آثار المستوطنات القديمة هناك لأول مرة في سبعينات القرن العشرين، لكن لم ينقب إلا في عدد قليل من المواقع. في عام 2015، أجرى فريق روستين مسحا جويا باستخدام تقنية الليدار Lidar، وهي تقنية مسح بالليزر يمكنها إنشاء خريطة تفصيلية ثلاثية الأبعاد للسطح الموجود أسفل معظم الغطاء النباتي، مما يكشف عن معالم لا تكون مرئية لنا عادة. وتظهر النتائج التي نشرت حديثا جدا أن المستوطنات كانت أكثر اتساعا بكثير مما كان يعتقده أي أحد.

إذ كشف المسح عن أكثر من 6,000 منصة ترابية مرتفعة ضمن مساحة 300 كم2. هذه هي الأماكن التي كانت توجد فيها المباني الخشبية ذات يوم – وكشفت الحفريات عن فتحات ومواقد في هذه المباني.

تبلغ أبعاد معظم المنصات نحو 10×20 متراً وارتفاعها متران، ويعتقد أنها المواقع السابقة للمنازل. أما أكبرها، فتبلغ أبعادها 40×140 متراً وارتفاعه 5 أمتار، ويعتقد أنها موقع مبان ضخمة استخدمت للاحتفالات.

كانت هناك حقول حول المنصات، صرفت مياه العديد منها بقنوات صغيرة شقت حولها. يقول روستين: «لقد عُدِّل الوادي بالكامل تقريبا». يشير تحليل الفخار إلى أن الذرة والفاصوليا والمنيهوت والبطاطا الحلوة زرعت هناك.

هناك خمس مستوطنات رئيسية في المنطقة ويمكن وصفها بأنها مدن حدائقية، لأنها تألف من مبانٍ منخفضة متراصة بكثافة

كانت هناك في المجمل خمس مستوطنات رئيسية في المنطقة التي مسحت. ويمكن وصفها بحسب قول روستين بأنها مدن حدائقية Garden city، لأنها تألف من مبانٍ منخفضة متراصة بكثافة.

وكشف المسح أيضا عن شبكة من الطرق المستقيمة التي أنشئت بحفر التربة وتكديسها على الجوانب. ويمتد أطولها لمسافة 25 كم على الأقل، لكنه ربما يستمر خارج المنطقة التي مسحت.

يقول روستين إن الأمر الغريب هو أن شعب الأوبانو بذلوا جهودا كبيرة لجعل الطرق مستقيمة. فعلى سبيل المثال، حفروا في بعض الأماكن بعمق 5 أمتار بدلا من اتباع التضاريس الطبيعية. ويقول إنه ربما كانت للطرق أهمية رمزية، إذ لم يكن هناك سبب عملي لجعلها مستقيمة. توجد في بعض الأماكن أيضا علامات على وجود بنى دفاعية مثل الخنادق، لذلك ربما كان هناك بعض الصراعات بين المجموعات.

في بقية الأمازون، هجرت العديد من المستوطنات بعد وصول الأوروبيين، ربما لأن الأمراض والعنف الذي أطلقه الغزاة أدى إلى مقتل نسبة كبيرة من السكان.

جميع القطع الأثرية في أوبانو التي أرخها فريق روستين يزيد عمرها على 1,500 عام، مما يشير إلى أن المستوطنات في الوادي هجرت بعد هذا الوقت، قبل فترة طويلة من العصر الاستعماري. فالسبب غير واضح، لكن الفريق عثر على طبقات من الرماد البركاني، لذلك من المحتمل أن سلسلة ثورانات بركانية أجبرت الناس على الرحيل عن الوادي.

يقول مايكل هيكنبرغر Michael Heckenberger من جامعة فلوريدا University of Florida: «يظهر هذا درجة غير مسبوقة من التعقيد وكثافة الاستيطان في هذا الإطار الزمني المبكر. يستنتج المؤلفون استنتاجا له ما يبرره هو أن التعقيد والحجم مماثلان لحالات معروفة، مثل المايا، في هذه الحقبة نفسها».

يقول تشارلز كليمنت Charles Clement، من المعهد الوطني لأبحاث الأمازون National Institute of Amazonian Research في ماناوس بالبرازيل: «هذا هو أكبر مجمع يضم مستوطنات كبيرة عثر عليه حتى الآن في منطقة الأمازون».

ويضيف كليمنت إن هناك المزيد، إذ استنتج باحثون آخرون أن الكثافة السكانية في منطقة عثر عليها في الأمازون كانت متدنية في عصر ما قبل كولومبوس.

© 2023, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى