تصنيع الماس دون تعرُّضه لضغوطٍ شديدة
تنمو البلورات ضئيلة الحجم داخل المعادن المنصهرة تحت ظروف الضغط الجوي القياسي
بقلم روبرت إف. سيرفيس
لقد صار صنع الماس، وهو أكثر المواد صلابةً، أسهل بأشواط. إذ أبلغ باحثون في 24 أبريل 2024 عن طريقةٍ جديدةٍ لتصنيع (زراعة) الماس الاصطناعي Synthetic diamonds دون الحاجة إلى الضغوط الساحقة المطلوبة اعتياديا. وفي النهاية، يتوقَّع الباحثون أن تؤدّي هذه الطريقة إلى إنتاج بلورات Crystals أكبر وأغشيةٍ ماسيَّةٍ Diamond films مُتطاولة، والتي تتميز بقيمتها العالية في مجال الإلكترونيات المتقدِّمة Advanced electronics والبصريات Optics، وذلك على الرغم من أن عرض البلورات الناتجة من هذه الطريقة لا يتجاوز المئة نانومتر – أي أنّها تُقارب في حجمها حجم فيروسٍ نموذجي.
«إنَّها تقنيةٌ مثيرةٌ للاهتمام»، كما يقول جون سيرالدو John Ciraldo، المتخصّص في تصنيع الماس من شركة دبليو دي للمواد المتقدمة WD Advanced Materials. «حبذا لو يستطيعون صنع بلورات Crystals مُفردة أكبر حجماً»، كما يقول ستيفن غودنيك Stephen Goodnick، المهندسٌ الكهربائي من جامعة ولاية أريزونا Arizona State University، والمتخصّص بصناعة الأجهزة الإلكترونية المُغلَّفة بالأغشية الماسيَّة Diamond films.
يُعدُّ الألماس أحد أشكال الكربون النقي، الذي ينشأ بِفعل ترابط ذرات الكربون مع بعضها بعضا في ترتيبٍ هرميّ مُتراص
يُعدُّ الألماس أحد أشكال الكربون النقي Pure carbon، والذي ينشأ بِفعل ترابط ذرات الكربون مع بعضها بعضا في ترتيبٍ هرميّ مُتراص. والنتيجة هي تمتُّع الألماس بصَلادة (قساوة) Hardness ومقاومة إشعاعية Radiation resistance عالية، إضافة إلى قدرته على توصيل الحرارة والكهرباء بمعدلات لا تُضاهى. ويُستعمل الألماس في الحواسيب الكمّيّة (الكمومية) Quantum computers، والمستشعرات المغناطيسية Magnetic sensors، والأجهزة الكهربائية عالية القدرة، وكاشفات الإشعاع Radiation detectors، وأجهزة الليزر.
يتشكَّل الألماس الطبيعي في طبقة الوشاح Mantle على عمق مئات الكيلومترات تحت سطح الأرض في ظلِ ظروف ضغطٍ وحرارةٍ شديدة. ولقد تمكَّن المهندسون من إنتاجِ ألماسٍ اصطناعي Synthetic diamonds منذ زمن طويل من خلال إعادة خلق هذه الظروف. وفي يومنا هذا، تتم الطريقة الأكثر شيوعاً من خلال سحق جزيئات الكربون تحت ضغطٍ يبلغ نحو 60 ألف ضعف وحدة ضغط جوي قياسي، ودرجات حرارة تصل إلى 1600 درجة سيليزية، وهو ما يتطلب الاستعانة بمعدات باهظة الثمن.
قبل سنوات، بدأ رودني رووف Rodney Ruoff، عالم الكيمياء الفيزيائية من معهد العلوم الأساسية Institute for Basic Science في كوريا الجنوبية، بملاحظة بعض الأدلة التي قد تشير إلى أن هذه الظروف القصوى لم تكن ضرورية. فعلى سبيل المثال، وفي عام 2017، أبلغ باحثون في اليابان عن تعريض الغاليوم السائل Liquid gallium لغاز الميثان Methane gas، ممّا أدّى إلى انحلال ذرات الكربون الموجودة في الميثان داخل المعدن المنصهر Molten metal لتترابط في طبقات صلبة تشبه الغرافين Graphene، وهو شكل آخر من أشكال الكربون النقي Pure carbon. «كنا نعتقد أن تمكننا من العثور على الظروف الملائمة قد يقودنا إلى الألماس»، كما يقول رووف، والذي أضاف: «لذا فقد قرَّرنا أن نحاول ذلك».
ففي بادئ الأمر، وضع هو وزملاؤه نثرات Flecks من الماس على كِسَرَات من رقاقة سيليكون شبه مُوصِّلة Silicon wafer، وأضافوا قطرات من الغاليوم المنصهر Molten gallium وغيرها من المعادن السائلة، ومن ثم عرَّضوا المزيج للميثان Methane أو غيره من الغازات الأخرى المحتوية على الكربون. وكانت آمالهم، على حدِ قوله، أن ينتشر الكربون الصادر عن الغازات إلى الغاليوم Gallium ويرتبط بالبذور الماسيّة Diamond seeds ليتجمَّع مشكِّلاً بلورات Crystals أكبر. في البداية، بدا أن رقاقة السيليكون شبه المُوصِّلة Silicon wafer، والتي غطُّيت بطبقة سميكة من ثاني أكسيد السيليكون Silicon dioxide، كانت تعوق نمو الألماس. ولكن إحدى التجارب شهدت انهمارَ لطخةٍ من الغاليوم المنصهر Molten gallium على حافة الرقاقة Wafer لتذيب بعض السيليكون النقي Pure carbon المكشوف. وعثروا على مجموعة من البلورات الماسية Diamond crystals متناهية الصغر حين نظروا إلى داخل المعدن المُتصلِّب فيما بعد.
وفي حين نشر فريق رووف بحثهم في دورية نيتشر Nature في 24 أبريل 2024، كان الباحثون يعملون على تحسين هذه الطريقة باستعمالِ بوتقةٍ Crucible صغيرةٍ تحتوي على مزيجٍ من الغاليوم السائل والحديد والنيكل والسيليكون، والذي سُخِّن لدرجة حرارة 1025 درجة سيليزية، وعرِّض لغازيّ الميثان والهيدروجين. ولم تكن هناك حاجة إلى البلورات البذرية Seed crystals أو الضغط الإضافي. تعمل المعادن على إذابة الغاز الكربوني، ويبدو أن السيليكون يساعد ذرات الكربون على الترابط مع بعضها بعضا، بطريقةٍ أو بأُخرى، مشكلين الترتيب الهرميّ الذي يميز الألماس. «إن لم نُضف بعض السيليكون، فإنَّنا لن نحصل على الماس»، كما يقول رووف.
وبالنسبة إلى التطبيقات المستقبلية، فإن السؤال الأكبر الذي يطرح نفسه الآن هو إلى أي مدى يمكن الدفع بهذه التقنية إلى الأمام. وبالفعل، فقد استعملها فريق رووف لصنعِ أغشيةٍ ماسيَّةٍ Diamond films مكوَّنةٍ من آلاف البلورات Crystals بالِغة الصغر المرصوصة بجوار بعضها البعض. وأشار سيرالدو إلى أنّه صار بوسعنا الآن صناعة مثل هذه الأغشية Films تحت ضغط منخفض من خلال الاستعانة بإحدى التقنيات الناشئة المعروفة بترسيب البخار الكيميائي Chemical vapor deposition، إلّا أنّها تتطلب وجود عدد من معدّات تصنيع أشباه الموصِّلات Semiconductor fabrication الأعلى كُلفةً. كذلك يمكن للبلورات Crystals العديدة أن تُضعف أداء الإلكترونيات المصنوعة من هذه الأغشية. يأمل رووف بأن تغدو التقنية قادرةً على إنتاج أغشية رقيقة مؤلَّفة من طبقة واحدة من الماس النقي Pure diamond.
وفي غضون ذلك، يتوقع رووف أن تقبل العديد من المختبرات على تجربة الطريقة الجديدة والسهلة للحصول على الماس. «سوف تبدأ العديد من المختبرات حول العالم بالإنتاج»، كما يقول.
© 2024, American Association for the Advancement of Science. All rights reservedC