أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
ملف خاص

ما الفِكر وكيف يظهر التفكير في الدماغ؟

يمكننا وصف أنواع مختلفة من الأفكار وكيفية ظهورها، إلى حد ما، ولكن العلاقة بين النشاط العصبي وطبيعة ما نفكر فيه ليست مفهومة جيداً

بقلم كايت دوغلاس

نحن جميعا نقوم بذلك، في كل الأوقات. ومع ذلك، فإن التفكير، أو كيف يجب أن نفكر في الفِكر، هو أمر من الصعب تحديده لدرجة مدهش. فعندما سألت الناس من خلال استطلاعات الرأي في الشارع، مثلا، وصف بعض الأصدقاء الأفكار بأنها «شذرات مراوغة». ورأى آخر أنها شرارات لامعة، تتلألأ بومضات فوضوية ولكنها تحتوي على مصدر ضوء مركزي يمكن التحكم فيه.

وكل ذلك غير علمي بالتأكيد. ولكن حتى الخبراء ليسوا متأكدين تماماً من ماهية الأفكار، وما يمكن أن نستنتجه من أحدث دراسات التصوير العصبي يشير إلى أننا ربما لا نتمكن أبداً من تحديد كيفية تشكّلها في الدماغ.

يقول تيم باين Tim Bayne، الفيلسوف من جامعة موناش Monash University في أستراليا ومؤلف كتاب «الفكر: مقدمة قصيرة جداً» Thought: A very short introduction: «الإجابة المختصرة هي أنه لا أحد يعرف حقاً ما الفكر». ومع ذلك، من المفيد النظر في جانبين من جوانب الفكر، كما يقول: محتواه وطبيعته.

ولعل تعريف كالينا كريستوف Kalina Christoff يفعل ذلك بالضبط. تقول كريستوف، مديرة مختبر علم الأعصاب الإدراكي للفكر Cognitive Neuroscience of Thought Laboratory في جامعة كولومبيا البريطانية University of British Columbiain في كندا: «الفكر هو حالة ذهنية Mental state، أو سلسلة من الحالات الذهنية، التي تحتوي على نوع ما من المحتوى، مع بعض المواقف الشخصية تجاه المحتوى – مثل الموقف من Attitude التذكر Remembering أو الاعتقاد Believing أو التخيل Imagining». 

أولاً، دعونا نفكر في المحتوى. التفكير Thinking ليس مثل الإدراك Perceiving أو الإحساس Sensing: فكل ذلك يتضمن وضع شيء ما أمام ذهن المرء، إذا جاز التعبير، لكن الأفكار تتميز بكونها مستقلة عن أي حافز ينتج من الشيء الذي يتم التفكير فيه.

فيما يتعلق بكيفية ظهورها، تحدد كريستوف ثلاثة تيارات تغذي وعينا Consciousness لتحريض الأفكار: الاستقبال الخارجي Exteroceptive (من العالم الخارجي)، والاستقبال الداخلي Interoceptive (من أعضائك والبيئة الفسيولوجية الداخلية) والتصوري Conceptive (وهو مصطلح تستخدمه لوصف المدخلات التي «تتدفق» (أو تطفو إلى السطح Wells up) من اللاوعي Subconscious على صورة فكر عفوي، بما في ذلك شرود العقل Mind wandering أو أحلام اليقظة day dreamin، على عكس التفكير المقصود Intentional thought مثل الاستدلال المنطقي Reasoning وحل المشكلات Problem-solving).

صورة: PHILIPPE PSAILA / SCIENCE PHOTO LIBRARY

خمسة أنواع من الفـِـكر
وتحت المحتوى نجد الشكل Form. هناك خمسة أنواع رئيسية من الأفكار، وفقا لراسل هيرلبورت Russell Hurlburt من جامعة نيفادا University of Nevada في لوس أنجلوس، الذي اخترع «أخذ عينات من الأفكار» Thought sampling، حيث يسجل المتطوعون تجربتهم الداخلية الحالية عندما يتم تحفيزهم عشوائيا بواسطة الصافرة. وتكشف هذه العملية أن الفكرة يمكن أن تكون لفظية Verbal، أو بصرية Visual أو عاطفية Emotional، وترتكز على أحاسيس جسدية أو غير رمزية Unsymbolised (ليست أيا مما سبق، لكنها لا تزال متميزة) – أو مزيج من هذه كلها. يقول هيرلبورت: هناك اختلاف كبير بين الأفراد من حيث طريقة تفكيرهم، حتى لو لم يدرك كثير منا ذلك.

أما بالنسبة إلى طبيعة الفكر، أو كيف تبدو الأفكار في الدماغ، تستخدم كريستوف التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي Functional Magnetic Resonance imaging لاستكشاف ذلك. وتقول: «من المؤكد أن هناك ارتباطات عصبية Neural correlates». تعكس بعض أنشطة الدماغ ببساطة نوع التفكير الذي يتم التفكير فيه – مثلا، ستظهر الفكرة البصرية تنشيطاً في القشرة البصريةVisual cortex.

والأكثر إثارة للدهشة هو ما يحدث قبل التفكير التلقائيSpontaneous thought : قبل نحو 3 ثوانٍ، يكون هناك نشاط في أجزاء من شبكة الوضع الافتراضي Default mode network، والتي تنشط عموماً عندما يكون دماغك في وضع الخمول Idling، وكذلك في مناطق الدماغ المرتبطة بالذاكرة. وللأخيرة روابط متنوعة تنوعا غير عادي، وهو ما قد يساعد على تفسير سبب كون الأفكار العفوية انتقائية Eclectic واعتباطية Arbitrary.

يمكن لتقنية تصوير الأعصاب Neuroimaging أن يعطينا فكرة عامة عما يفكر فيه شخص ما. ولكن كريستوف لا تعتقد أن هذه التقنية ستفسر بدقة التجربة الذاتية Subjective experience للتفكير، ومن ثمَّ تجعل من الممكن قراءة أفكار الناس – وهو الأمر الذي يُروَّج له كهدف لواجهات الدماغ والحاسوب Brain-computer interfaces التي تسعى إليها شركة نيورالينك Neuralink إحدى شركات إيلون ماسك Elon Musk، من بين عدد من الشركات الأخرى. وتقول: «إن العقل Mind ينبثق من ركيزة مادية Physical substrate، وهي الدماغ Brain، وعلاقة الانبثاق ليست حتمية Deterministic».

© 2024, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى