أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
Advertisement
صحة

الأدوية الجديدة تمنع ردود الأفعال التحسسية تجاه الفول السوداني والأطعمة الأخرى

أظهرت نتائج مذهلة من تجارب العديد من الأدوية الجديدة أنها يمكن أن تمنع ردود الأفعال المُميتة المحتملة تجاه الأطعمة مثل الفول السوداني والبيض ومنتجات الألبان - وربما تعالج الربو في يوم من الأيام

بقلم غرايام لوتون

يعاني ابني الأصغر حساسيةً تجاه الفول السوداني والسمسم منذ أن كان طفلاً صغيراً. فعلى الرغم من أنه لم يتعرض مطلقاً لردة فعل تهدد حياته، إلا أن خطر حدوثها يخيم عليه باستمرار. لا يستطيع تناول الطعام بالخارج في معظم المطاعم أو السفر إلى أجزاء كثيرة من العالم. شراء البقالة هو محنة. لديه مكانه الخاص الآن، وأنا أعيش في قلق دائم. كنا نأمل دائماً بأن يتخلص من حساسيته. وفي سن الحادية والعشرين، من المؤكد أن ذلك لن يحدث.

إنه في مركب تزداد ازدحاما. لأسباب غير مفهومة جيداً، تزايدت الحساسية الغذائية بشكل كبير في القرن الحادي والعشرين. يعد الفول السوداني من المسببات الشائعة، وكذلك القمح وحليب البقر والبيض وفول الصويا والمكسرات الأخرى والأسماك والمحاريات. وراء «الثمانية الكبار» Big eight يكمن ذيل طويل من الحساسية تجاه الأطعمة الأخرى، بما في ذلك العديد من الفواكه والخضراوات والبذور. طالما يستهلكه البشر، فمن المحتمل أن يكون هناك شخص ما، في مكان ما، لديه حساسية منه.

تُدمج مكونات غير متوقعة في الأطعمة المُصنَّعة، والعلامات عليها في كثير من الأحيان غامضة أو غير دقيقة

وقد تُرجم هذا الارتفاع إلى زيادة العبء على الرعاية الصحية وانخفاض نوعية الحياة بالنسبة إلى الكثيرين، وهم يسعون جاهدين إلى تجنب ردة فعل مميتة محتملة. حتى وقت قريب، لم يكن هناك سوى طريقة واحدة لتجنب هذه النتيجة: عدم تناول الطعام المحفز. ومع ذلك، فإن قول ذلك أسهل من فعله، حيث تُدمج مكونات غير متوقعة في الأطعمة المُصنَّعة، والعلامات عليها في كثير من الأحيان غامضة أو غير دقيقة.

ولكن الآن، أخيراً، هناك أمل يلوح في الأفق، مع وصول العديد من العلاجات الجديدة التي يمكن أن تساعد الناس على تجنب ردة الفعل التحسسية، ليس فقط تجاه الطعام، ولكن أنواع أخرى من المحفزات أيضاً. تقول إيديل إيرتوشان Idil Ezhuthachan من جامعة إيموري Emory University في أتلانتا بولاية جورجيا: «نحن على مشارف حقبة مثيرة».

ما مدى شيوع الحساسية الغذائية؟
من الصعب جداً الحصول على تحكم صارم في مدى انتشار الحساسية الغذائية، نظراً لوجود طرق مختلفة لقياسها. لكن معظم الدراسات وجدت زيادة حديثة، على الأقل لدى البالغين. وجدت مسوحات سلامة الأغذية التي أجرتها إدارة الغذاء والدواء الأمريكية US Food and Drug Administration (اختصاراً: الإدارة FDA) أن عدد البالغين الذين أبلغوا ذاتياً عن حساسية الطعام ارتفع من 9.1% في عام 2001 إلى 13% في عام 2010. وفي عام 2019، وجدت مجموعة بحثية مختلفة أن الرقم يعادل 19%. وظل معدل انتشار المرض بين الأطفال عند نحو 8% خلال العقد الماضي أو نحو ذلك.

وفي الوقت نفسه، ارتفعت معدلات دخول المستشفيات بسبب الحساسية الشديدة ارتفاعا كبيرا. وفي الولايات المتحدة، ارتفع العدد لكل 100 ألف شخص من 153 في عام 2004 إلى 218 في عام 2016. ونما الرقم المعادل في المملكة المتحدة بأكثر من 179% من عام 1998 حتى عام 2018.

يقول كريستوفر وارين Christopher Warren من جامعة نورث وسترن Northwestern University في إلينوي إن الارتفاع في حالات البالغين لم يستحوذ على اهتمام علماء الأوبئة – الذين كانوا يركزون في السابق على حساسية الأطفال – إلى في وقت متأخر. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الأطفال الذين يعانون الحساسيةَ يكبرون، ولكنهم لا يتخلصون من هذه الحالة كما هو متوقع – فنحو 20% فقط من الأطفال يتخلصون من حساسية الفول السوداني. ولكن الزيادة ترجع أيضاً إلى الحساسية التي تصيب البالغين، والتي «تبدو شائعة بشكل متزايد»، وفقاً لوارن.

أولاً، وقبل كل شيء، هي متلازمة حبوب اللقاح الغذائية Pollen food syndrome. في هذه الحالة، تكون الحساسية الأساسية تجاه مجموعة متنوعة من حبوب اللقاح المحمولة جواً، مما يؤدي إلى حمى القش Hay fever نتيجة لتعرف الجهاز المناعي عن طريق الخطأ على البروتينات (أو «المواد المسببة للحساسية» Allergens) الموجودة في حبوب اللقاح على أنها خطيرة. ويميل الأشخاص المصابون بهذه الحساسية أيضاً إلى التفاعل مع الأطعمة التي تحتوي على مسببات حساسية وثيقة الصلة. مثلا، المادة الرئيسية الموجودة في حبوب لقاح شجر البتولا Birch تتطابق تقريباً مع تلك الموجودة في التفاح والبندق. والحساسية تجاه حبوب اللقاح يمكن أن تجعل الأشخاص حساسين للقمح والخوخ والجوز وفول الصويا ومنتجات اللاتكس Latex.

تعتبر المأكولات البحرية أيضاً مسبباً شائعاً لدى البالغين: في الولايات المتحدة، نحو 60% من حساسية المحار و40% من حساسية الأسماك الزعنفية تنشأ في مرحلة البلوغ، وفقاً لجاي ليبرمان Jay Lieberman من مركز العلوم الصحية بجامعة تينيسي University of Tennessee Health Science Center في ممفيس. ويضيف: «لا نعرف لماذا يتحمل الجسم هذه الأطعمة لسنوات ثم إذا هي فجأة تسبب الحساسية».

ما الذي يسبب الحساسية؟
الحساسية الغذائية لدى الأطفال موضوع مثيرة للحيرة. من الواضح أن هناك مكوناً وراثياً Genetic component يمكن أن يعرض الأشخاص لخطر أكبر للإصابة بالحساسية الغذائية، ولكن ما الذي يجعل أجسام بعض الأشخاص تتفاعل مع محفز بيئي غير ضار لا يزال غير معروف (انظر: كيف تحول دون إصابة طفلك بالحساسية الغذائية، أدناه). إن فرضية النظافة Hygiene hypothesis التي تفترض أن العيش في بيئة شديدة التعقيم في مرحلة الطفولة المبكرة يؤدي إلى ضعف التحمل المناعي Immune tolerance في وقت لاحق من الحياة، تفتقر إلى أدلة مقنعة، وفقا لغيديون لاك Gideon Lack من جامعة كينغز كوليدج لندن King’s College London.

إن التفسير الأكثر واعدا لحساسية الأطفال هو التعرض الجلدي، حيث تخترق المواد المسببة للحساسية الغذائية الجلد المتشقق وتؤدي إلى استجابة مناعية، والتي تُشفّر بعد ذلك في ذاكرة مناعية، كما تقول إيرتوشان. ويتناسب هذا مع ما يعرف بــــ«مسيرة الحساسية» Allergic march، حيث يكون الأطفال الذين يصابون بالإكزيما Eczema في البداية أكثر عرضة للإصابة بالحساسية الغذائية والربو وحمى القش. وقد يكون الجلد المتشقق الذي يميز الأكزيما هو الطريق الذي تواجه به المواد المسببة للحساسية الغذائية جهاز المناعة لأول مرة. ومع ذلك، يقول جيوثي تيرومالاسيتي Jyothi Tirumalasetty من جامعة ستانفورد Stanford University في كاليفورنيا: «إن العمليات البيولوجية التي تحكم فقدان التحمل هذا غير مفهومة بشكل كامل».

ومن ناحية أخرى، صارت آليات ردود الأفعال التحسسية معروفة الآن، وهذا هو السبب جزئياً في الطفرة الأخيرة في العلاجات الجديدة. تبدأ ردة الفعل عندما يخطئ الجهاز المناعي في تعريف شيء غير ضار على أنه تهديد ويدخل في وضعية الدفاع الخاطف Blitz-defence mode. في ردة الفعل الكلاسيكي، يتعرف نوع من خلايا الدم البيضاء تسمى الخلايا التائية المساعدة Helper T-cell على مسببات الحساسية، وتطلق الإنذار، مما يحفز الخلايا البائية B-cells على إطلاق جسم مضاد Antibody يسمى الغلوبولين المناعي Immunoglobulin اختصاراً: الجسم المضاد E (IgE). 

وهذا يرتبط بالخلايا المستهدفة Target cells، مما يؤدي إلى تدفق الجزيئات الالتهابية Inflammatory molecules، بما في ذلك الهيستامينات Histamines. يمكن الإشارة إلى ردة الفعل التحسسي الكلاسيكي: التورم، والحكة، وسيلان الدم من العينين والأنف، والشرى Hives، وفي حالة الطعام، القيء والإسهال.

كما يتسبب الهيستامين في تمدد الأوعية الدموية، مما يؤدي إلى انخفاض سريع في ضغط الدم. وفي الحالات الشديدة، يمكن أن تكون هذه الاستجابات المناعية قاتلة. يؤدي تورم المسالك الهوائية واللسان إلى صعوبة التنفس، في حين أن انخفاض ضغط الدم بشكل كارثي يمكن أن يتطور إلى حالة تسمى صدمة الحساسية Anaphylactic shock، حيث لا يصل الدم الكافي إلى الأنسجة. وهذا يمكن أن يؤدي إلى فقدان الوعي والسكتة القلبية.

كيف تعالج الحساسية؟
العلاج الوحيد لتفاعلات الحساسية الشديدة في الوقت الحاضر هو الإبينفرين Epinephrine، المعروف أيضاً بالأدرينالين Adrenaline، الذي يوسع الشعب الهوائية بسرعة ويضيق الأوعية الدموية ويسرع القلب. ولهذا السبب غالباً ما يحمل الأشخاص الذين يعانون حساسيةً مهددة للحياة جرعات قابلة للحقن من الإبينفرين في قلم حقن EpiPen أو ما شابه. الاستجابة السريعة يمكن أن تحدد الفرق بين الحياة والموت. ومع ذلك، فإن نحو نصف الأشخاص الذين يعانون حساسيةً غذائية شديدة قد تعرضوا لردة فعل حاد واحد على الأقل وتم نقل ثلثهم تقريباً إلى المستشفى. في الولايات المتحدة، يموت ما بين 50 إلى 100 شخص بسبب صدمة الحساسية بعد تناول الفول السوداني كل عام.

يمكن أن تتصاعد الحساسية المفرطة، مع حدوث هجمات لاحقة أسوأ من السابقة. ويعاني نحو 20% من الأشخاص صدمةَ «ثنائية الطور» Biphasic، وهي عبارة عن موجة ثانية من أعراض الحساسية بعد ساعات أو حتى أيام من الموجة الأولى. يقول غاري وونغ Gary Wong من الجامعة الصينية Chinese Universityفي هونغ كونغ: «إن الأشخاص الذين يعانون حساسيةً شديدة تجاه الطعام، وخاصة أولئك الذين لديهم حساسية تجاه العديد من الأطعمة، هم بأمسِّ الحاجة إلى علاجات فعالة وآمنة».

يبدو أن مثل هذه العلاجات تلوح في الأفق أخيراً بعد سنوات من الوعود. في ثمانينات القرن العشرين، توصل العلماء في شركة التكنولوجيا الحيوية تانوكس Tanox في هيوستن بولاية تكساس، إلى مفهوم قد ينقذ الحياة. فإذا كانت الحساسية الشديدة ناجمة عن الجسم المضاد IgE، فلِمَ لا نستهدف ذلك؟ فطوروا عقاراً يسمى TNX-901 يرتبط بإحكام بالجسم المضاد IgE ويمنعه من الالتصاق بالخلايا التي قد تطلق جزيئات التهابية مثل الهيستامين. كوانت الفكرة هي إعطاء حقن منتظمة من TNX-901 للأشخاص الذين يعانون حساسيةً شديدة لحمايتهم من عاصفة الجسم المضاد IgE إذا تناولوا طعاما مُحفز اعن طريق الخطأ.

في تجربة إكلينيكية (سريرية) Clinical trial لاحقة نُشرت في عام 2003، شملت 84 متطوعاً تتراوح أعمارهم بين 12 إلى 60 عاماً مصابين بحساسية الفول السوداني، أظهرت تانوكس أن المفهوم نجح: أربع حقن من TNX-901 على مدى 12 أسبوعاً زادت «إحصائيا وجوهريا» عتبة تحمل المشاركين من مستوى أعلى في المتوسط من نحو تناول نصف حبة فول سوداني إلى ما يقرب من تسع حبات. وهذا، وفقا للباحثين، كان كافيا للحماية من معظم حالات الابتلاع غير المقصود.

وللأسف، فإن هذه الأداة الواعدة لم تنجح. توقفت التجربة بسبب نزاع قانوني بين تانوكس وشركائها في الصناعة، نوفارتس Novartis وجينينتيك Genentech، حول من يملك حق تطوير الدواء. لم ير العقار TNX-901 النور قطُّ.

ثلثا الأشخاص المصابين بحساسية الفول السوداني والذين جربوا الدواء الجديد تحسنوا من تحملهم بدرجة كافية لمنع صدمة الحساسية. صورة: Alena_Kos / Shutterstock

العلاج المناعي عن طريق الفم
ومع ذلك، في هذه الأثناء، كان يجري اختبار استراتيجية مختلفة تسمى العلاج المناعي عن طريق الفم Oral immunotherapy (اختصاراً: العلاج OIT). يتضمن ذلك تغذية الأشخاص الذين يعانون الحساسية الغذائية بجرعات صغيرة، ولكن متزايدة تدريجيا من مسببات الحساسية لديهم. والفكرة هي أن الجرعات الصغيرة جداً في البداية بحيث لا تؤدي إلى حدوث ردة فعل ستعيد تدريب الجهاز المناعي تدريجياً على تحمل المادة المُهيِّجة.

هذه التقنية ليست جديدة في الواقع – فقد نُشرت أول حالة مسجلة للعلاج OIT في عام 1908، وتتعلق بصبي يبلغ من العمر 13 عاماً يعاني حساسية شديدة للبيض. افترض طبيبه، وهو ممارس في شارع هارلي بلندن يدعى ألفريد سكوفيلد Alfred Schofield، أن بروتينات البيض كانت تتسبب في أن تكون الأوعية الدموية للصبي مُسرِّبة Leaky، لذلك بدأ بإطعامه كميات صغيرة من البيض لجعل نظامه يتحمل هذه المواد الغذائية. كان يعطى في البداية جزءاً من عشرة آلاف من البيض يومياً ثم زاد تدريجياً إلى سدس البيضة. وفي غضون أشهر، صار الصبي قادراً على تناول البيض الكامل دون أي ردة فعل.

وعلى الرغم من النتيجة الإيجابية، فقد اعتبر هذا النهج محفوفاً بالمخاطر جداً ووضع العلاج OIT جانباً. لم تتم إعادة النظر فيه إلا في تسعينات القرن العشرين، ومنذ ذلك الحين استخدمته العديد من الدراسات بنجاح على الأشخاص، وخاصة الأطفال، ضد حساسية الفول السوداني وحليب البقر والبيض والأسماك. وجدت إحدى الدراسات أن العلاج OIT يمكن أن يحفز «عدم الاستجابة المستدامة» Sustained unresponsiveness للبيض، مما يعني أن الناس يمكن أن يأكلوا كميات طبيعية من هذا الطعام دون أي رد فعل. في عام 2017، أوصت الأكاديمية الأوروبية للحساسية والمناعة الإكلينيكية European Academy of Allergy and Clinical Immunology باستخدام العلاج OIT للأطفال الذين يعانون حساسية تجاه حليب البقر أو البيض أو الفول السوداني. في عام 2020، وافقت الإدارة FDA ووكالة الأدوية الأوروبية European Medicines Agency على تركيبة الفول السوداني عن طريق الفم للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 4 إلى 17 عاماً تسمى بالفورزيا Palforzia، والتي طورتها شركة العلاجات المناعية Aimmune Therapeutics في بريدجووتر بولاية نيوجيرسي.

لكن العلاج OIT أبعد ما يكون عن الكمال. إحدى المشكلات، كما تقول شارون تشينتراجا Sharon Chinthrajah من جامعة ستانفورد Stanford University، هي أنها عملية شاقة. يمكنها فقط إزالة حساسية الأشخاص تجاه مسبب حساسية واحد في المرة الواحدة، لكنها تقول إن ما لا يقل عن 43% من الأطفال الذين يعانون حساسية الطعام في الولايات المتحدة لديهم حساسية تجاه أكثر من طعام واحد. كما أن الطريقة لا تزال محفوفة بالمخاطر، كما تقول، فردود الفعل التحسسية، وحتى الحساسية المفرطة، خلال هذه العملية شائعة.

ولحسن الحظ أنه تم أيضاً إحياء مفهوم حجب الغلوبيولين الجسم المضاد (IgE) في النهاية. قبل التعاون مع تانوكس، طورت جينينتيك ونوفارتيس جسماً مضاداً أحادي النسيلة مضاداً للجسم المضاد IgE يسمى أوماليزوماب Omalizumab، ويباع تحت الاسم التجاري Xolair. لقد اختبروه في البداية ضد الربو الناجم عن مسببات الحساسية المحمولة جواً وحصلوا على موافقة الجهات التنظيمية على هذا الاستخدام في عام 2003.

أحدث النتائج
التالي في المرمى كان الفول السوداني. بدأت الأمور بداية صعبة: فقد اضطرت أول تجربة إكلينيكية للأوماليزوماب لعلاج حساسية الفول السوداني إلى التوقف عندما أصيب اثنان من المتطوعين بصدمات الحساسية أثناء اختبارات لقياس مدى تحملهم الأساسي لهذا الطعام. ولكن المتطوعين التسعة الذين حصلوا على الدواء أظهروا زيادة في تحملهم بمقدار 80 ضعفا.

ومنذ ذلك الحين، أُجريت المزيد من تجارب الدواء على حساسية الفول السوداني وحققت نتائج جيدة. يقول وونغ إن بعض الأطباء بدأوا بإعطاء الأوماليزوماب للأشخاص الذين يعانون الحساسية الغذائية على الرغم من عدم حصولهم على تصريح تنظيمي.

وتم الكشف عن أحدث النتائج في فبراير 2024. وقد أعطى فريق بقيادة تتشينتراجا وروبرت وود Robert Wood من جامعة جونز هوبكنز Johns Hopkins University في ميريلاند 177 طفلاً ومراهقاً ممن لديهم حساسية شديدة تجاه الفول السوداني دورة من حقن الأوماليزوماب أو دواءً غُفلا (وهمياً) Placebo، ثم اختبروا ما إذا كانت حساسيتهم للفول السوداني قد انخفضت. وقد شهد نحو ثلثي المتطوعين الذين تلقوا الدواء زيادة في تحملهم بمقدار ستة أضعاف على الأقل، من أقل من نصف حبة فول سوداني إلى نحو 2.5 حبة فول سوداني. ويقول الباحثون إن هذا يكفي لمنع الحساسية المفرطة بعد معظم حالات الابتلاع العرضي. تقول تشينتراجا: «حتى في العائلات الأكثر حرصاً، تحدث الأخطاء». «لذا فإن الحصول على دواء يوفر مستوى أعلى من الحماية أعتقد أنه أمر لا يقدر بثمن حقاً».

ولم يقتصر الأمر على إزالة حساسية المشاركين تجاه الفول السوداني. للتأهل للتجربة، كان على المتطوعين أيضاً أن يكون لديهم حساسية تجاه ما لا يقل عن اثنين من الأطعمة المحفِّزة الأخرى، من الكاجو والبيض والبندق والحليب والجوز والقمح. وقد شهد المشاركون الذين حصلوا على الدواء زيادة مماثلة في تحمل تلك الأطعمة الأخرى. وعلى خلفية تلك البيانات، وافقت الإدارة FDA في السادس عشر من فبراير 2024 على عقار أوماليزوماب كأول دواء لحساسية الفول السوداني، منهية بذلك انتظاراً دام عقوداً من الزمن. تقول إيرتوشان، الذي لم يشارك في التجربة: «من المثير حقاً أن تتم الموافقة على شيء ما. أعتقد أنه سيكون له دور جيد حقاً».

وتقول إنها ليست الإجابة النهائية. وهذا الدواء باهظ الثمن وآثاره تزول، مما يستلزم حقنه كل أسبوعين إلى أربعة أسابيع.

وتقول تشينتراجا إن عدم النجاح في ثلث المتطوعين يمثل أيضاً مشكلة. «من الأهمية بمكان بالنسبة إلينا أن نفهم البيولوجيا الكامنة وراء المستجيبين وغير المستجيبين، فهذا سيمكننا من ضبط علاجاتنا ودفع الإبرة إلى ما هو أبعد من الثلثين. فلا يزال هناك الكثير مما يتعين القيام به، ولكن أعتقد أننا يجب أن نتوقف لحظة ونحتفل بهذا النصر العظيم».

هذه النتائج هي مجرد البداية. هناك تجربتان أخريان جاريتان أيضاً على عقار أوماليزوماب، إحداهما تجمع بينه وبين العلاج OIT. والأمل هو أن إعطاء الدواء أثناء مرحلة التصعيد في العلاج OIT سيجعل العملية أكثر أماناً، وأن يُسحب لاحقاً، وعندها يمكن الحفاظ على التحمل من خلال العلاج OIT وحده.

هناك أيضاً حاصرات الجسم المضاد IgE (IgE blockers) أكثر فعالية قيد التطوير. اختبر أحدهما، وهو ليجيليزوماب Ligelizumab، ضد حساسية الفول السوداني. أوقفت الشركة المصنعة نوفارتيس تجربة المرحلة الأخيرة مؤخراً لأسباب غير معلنة، لكن الشركة تقول إنها ستبدأ تجربة أخرى في وقت لاحق من هذا العام. واختبر أيضا مانع الجسم المضاد IgE آخر، وهو UB-221 من شركة United BioPharma التايوانية، ضد الأكزيما، ووفقاً لتشينتراجا، فإن له «إمكانات كبيرة في علاج حساسية الطعام».

وقف رد الفعل التحسسي
هناك نهج مختلف قليلاً وهو تعطيل الجسم المضاد IgE وكذلك حصره Block it. بمجرد أن يرتبط الجسم المضاد IgE بالخلايا المستهدفة، ويبدأ إطلاق الهيستامين، تصبح الحاصرات عاجزة إلى حد كبير عن التدخل. لكن فئة جديدة من الأدوية تسمى مثبطات الجسم المضاد IgE المُعطِّلة Disruptive IgE inhibitors لا تمنع الجسم المضاد IgE من الارتباط فحسب، بل تفك أيضاً ارتباطها بالخلايا المستهدفة بمجرد ارتباطها. لم تصل هذه الأدوية بعد إلى مرحلة التجارب الإكلينيكية، لكنها تظهر نتائج واعدة كعلاج إنقاذ سريع للحساسية المفرطة، وفقاً لتشينتراجا. يمكن للأشخاص الذين يعانون من ردة فعل تحسسي أن يستخدموها مثل قلم EpiPen لوقف السلسلة القاتلة المحتملة.

وتُدرس أيضا العديد من الأدوية الموجودة بهدف إعادة استخدامها لعلاج حساسية الطعام، وهناك العديد من اللقاحات قيد التطوير، على الرغم من أنها في مرحلة مبكرة جداً. ونتيجة لذلك، وبعد عقود من عدم تقديم الكثير للأشخاص الذين يعانون من الحساسية الغذائية، هناك فجأة شعور بفجر جديد. تقول تتشينتراجا: «إنها تغير قواعد اللعبة».

في نهاية المطاف، الأمل هو تثبيط جميع أنواع الحساسية الشديدة. تحدث معظم صدمات الحساسية بسبب الطعام، ولكن من الممكن أيضاً أن تحدث بسبب مادة اللاتكس، ولسعات الحشرات، وسموم الحيوانات. هناك أيضاً حالة تسمى الحساسية المفرطة مجهولة السبب حيث تأتي الصدمة دون سبب واضح. يمكن لحاصرات الجسم المضاد IgE، من حيث المبدأ، التعامل مع كل هذه الأمور.

هناك الربو التحسسي Allergic asthma، الذي ينجم عن مسببات الحساسية المحمولة جوا مثل حبوب اللقاح ووبر الحيوانات الأليفة. وهو يمثل غالبية نوبات الربو، التي تقتل 455 ألف شخص سنويا. تمت الموافقة بالفعل على عقار أوماليزوماب لعلاج هذه الحالة، لكن حاصرات الجسم المضاد IgE الأفضل يمكن أن تحول هذا المرض أيضاً.

يعاني ابني أيضاً الربو، والذي يتحكم فيه جيداً ولكنه يعاني نوبات أحياناً. وأنا أعلم أن الدواء الجديد للقضاء على هذا الخطر، وأيضا إزالة التهديد المتمثل في الحساسية المفرطة المرتبطة بالغذاء، من شأنه أن يحسن حياته ــ وحياتي ــ بشكل لا يقاس، وحياة الملايين من الناس الذين يعيشون في وضع مماثل. هل هذا في مستقبلنا؟ نعم، يقول إيرتوشان: «أعتقد أن هذا هو ما سنصل إليه في النهاية». يجب عليك استشارة طبيبك قبل البدء بالعلاج الطبي

كيفية تحول دون إصابة طفلك بالحساسية الغذائية
معظم الأشخاص الذين يعانون الحساسية الغذائية الشديدة لديهم قابلية وراثية، وفقاً لإيديل إيرتوشان من جامعة إيموري في أتلانتا بولاية جورجيا. إذا كانت الحساسية شائعة في عائلتك، فإن أطفالك يكونون أكثر عرضة للإصابة بها. لكن البيولوجيا ليست أمرا محتوما، فهناك أشياء يمكن للوالدين القيام بها لمنع ظهور الحساسية.

رقم واحد هو التعرض المبكر. عندما كانت زوجتي الراحلة تحمل وترضع ابننا الذي يعاني حساسية الفول السوداني (انظر: المقالة الرئيسية)، كانت النصيحة في المملكة المتحدة لها أن تتجنب تناول الفول السوداني، وهو ما فعلته. كما نصحنا بتأخير إدخال الفول السوداني في نظامه الغذائي خلال فترة الفطام. ولكن الأبحاث أظهرت لاحقا أن هذه الاستراتيجيات ليس لها أي فائدة وتم سحب النصيحة في عام 2008.

والواقع أن مثل هذه التدابير قد تؤدي إلى نتائج عكسية. أظهرت العديد من الدراسات أن الإدخال المبكر لمسببات الحساسية النموذجية المتعددة، مثل الفول السوداني والبيض، يقلل من خطر الإصابة بأي حساسية، وتشجع المبادئ التوجيهية لفطام الرضع في الولايات المتحدة الآن على الإضافة المبكرة للأطعمة الشائعة المسببة للحساسية. في بداية الحياة، يُعد الجهاز الهضمي لتعزيز القدرة على تحمل مسببات الحساسية، وسيفعل ذلك إذا تعرض لها في وقت مبكر.

والشيء الآخر هو مراقبة حالة الأكزيما الجلدية، والتي غالباً ما تسبق تطور الحساسية الغذائية. تسبب الأكزيما تشققات في الجلد، مما يسمح لمسببات الحساسية الغذائية المحتملة بالوصول إلى الجهاز المناعي العميق تحت الجلد، وهو أقل تحملاً لها. ويمكن أن يساعد الإدخال المبكر لمسببات الحساسية الشائعة على منع ذلك، وكذلك علاجات الأكزيما. تقول إيرتوشان: «أتحمس عندما أرى طفلاً مصاباً بالإكزيما في عيادتي لأنني أشعر بأنني الآن أستطيع أن أحدث فرقاً في حياته، دعونا نعالج الإكزيما التي يعانيها حتى نمنع حساسية الطعام».

© 2024, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى