كيف يمكن للسببية غير المحددة أن تقودنا إلى نظرية الجاذبية الكمية؟
تظهر التجارب أن النتيجة لا تتبع دائماً السبب في العالم الغريب للجسيمات تحت الذرية، مما يوفر أدلة جديدة حول الأصول الكمّيّة للزمكان
بقلم مايكل بروكس
أَسقط كوباً فينكسر. اُنقر على مفتاح الضوء ويضيء المصباح. النتيجة تتبع السبب، إنها قاعدة صارمة وسريعة في الكون. ربما باستثناء المستوى الأساسي Fundamental level. لأنه عندما نتعامل مع الإلكترونات المسؤولة عن عمل مفتاح الضوء والذرات الموجودة في المصباح والتي تحول الطاقة الكهربائية إلى ضوء، تبدو العلاقة السببية أكثر غموضاً.
في عام 2017، وصف فريق من جامعة فيينا University of Vienna في النمسا تجربة توضح أنه في العالم الكمّيّ Quantum realm للذرات والجسيمات، من المستحيل تحديد أي الملاحظات كانت السبب وأي الملاحظات كانت المسبب. فقد كانت، على حد تعبير الباحثين الذين أجروا التجربة، «أول دليل حاسم على عملية ذات ترتيب سببي غير محدد Indefinite causal order».
ومع ذلك، فإن المجتمع البحثي الأوسع لم يكسروا أكواب القهوة. على العكس من ذلك، كانت هذه أخباراً مرحب بها على الأقل لبعض أولئك الذين يسعون إلى معرفة من أين ينشأ الزمكان Space-time. ففي اعتقادهم، فإن النظرية الكمية للجاذبية، التي يكون فيها الزمكان خاصية ناشئة لمكونات أكثر أساسية للكون، قد تفتقر بالضرورة إلى السببية الأحادية الاتجاه One-way causality المحددة للحياة اليومية.
الزمكان، كما وصفته نظريات ألبرت آينشتاين Albert Einstein حول النسبية، يتسم بالفعل ببعض الغموض عندما يتعلق الأمر بتحديد ترتيب الأحداث. فالأشخاص الذين يتحركون عبر المكان والزمن بطرق مختلفة لديهم «أطر مرجعية» Reference frames مختلفة، وأولئك الذين يتحركون بطرق مختلفة لن يتفقوا دائماً على ما إذا كان الحدث «أ» قد حدث قبل الحدث «ب».
لكن هذا لا يسمح بانتهاكات السببية. إذ لا يحدث عدم وضوح ما قبل وما بعد إلا عبر مسافات كبيرة جداً بحيث لا يمكن لتلك المناطق من الفضاء التأثير في بعضها بعضا بسبب الحد الأقصى لسرعة الضوء. تقول جوليا روبينو Giulia Rubino، التي تعمل حالياً في جامعة بريستولUniversity of Bristol بالمملكة المتحدة، والتي قادت العمل في عام 2017: «إذا كان بإمكان أحد الحدثين إرسال إشارة ضوئية إلى الآخر، فلن يكون هناك إطار مرجعي يمكنك من خلاله الخلط بين ترتيبهما». ومع ذلك، فإن «السببية غير المحددة» Indefinite causality ممكنة في عالم الكم الصغير لأن القواعد التي تحكم سلوك الذرات والإلكترونات وفوتونات الضوء تسمح بظاهرة تسمى «التراكب» Superposition.
هذا هو المكان الذي يمكن أن يوجد فيه نظام من هذه الكيانات في حالتين أو أكثر في وقت واحد – حتى لو كان المنطق السليم يقول إنه من المستحيل أن تتزامن تلك الحالات.
ومن ثمَّ، فإن تجربة العام 2017 تتضمن إنشاء تراكب من «أ يسبب ب» و«ب يسبب أ» عند التعامل مع الفوتونات، أو جسيمات الضوء، التي هي نفسها في حالة تراكب. هذا لا يزعج الفيزيائيين لأن القوانين الأساسية لفيزياء الكم لا تحدد اتجاهاً للزمن، كما يقول هيو برايس Huw Price من جامعة كيمبريدج University of Cambridge: «الفيزياء لا تهتم بالفرق بين الماضي والمستقبل».
عكس السببية
ومن ثمَّ، هناك مجال لـ«تناظر انعكاس الزمن» Time-reversal symmetry، حيث تتصرف الجسيمات بالطريقة نفسها إذا جعلت الوقت يسير في الاتجاه المعاكس. كما أن الفيزيائيين لا يستبعدون احتمال السببية المعكوسة Backwards causation، أو السببية بأثر رجعي Retrocausality، حيث يمكن أن يتسبب وهج المصباح في تشغيل مفتاحه.
السبب وراء لاعتقاد بعض المنظرين بالسببية غير المحددة هو أنه إذا كان الزمكان ميكانيكياً كمياً بشكل أساسي – كما يعتقد الكثيرون – فيجب أن تكون الجاذبية بطريقة ما ميكانيكية كمية أيضاً. لمعرفة كيف تبدو هذه الجاذبية الكمية، اقترح لوسيان هاردي Lucien Hardy من المعهد المحيطي للفيزياء النظرية Perimeter Institute for Theoretical Physics في واترلو بكندا، الجمع بين السمات المميزة للنسبية العامة وميكانيكا الكم: قابلية تطويع Malleability المكان والزمن وتراكبات الاحتمالات المتزامنة Simultaneous possibilities، على التوالي. إذا فعلت ذلك، فإنه يستنتج أن المفاهيم التقليدية للزمن الثابت والسببية يجب أن تختفي.
يقول كاسلاف بروكنر Caslav Brukner من معهد البصريات الكمية والمعلومات الكمية Institute for Quantum Optics and Quantum Information في فيينا: «يبدو أن بعض المواقف، مثل النظام السببي غير المحدد، يجب أن تكون طبيعية في الجاذبية الكمية Quantum gravity».
© 2024, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.