ما الكُسيريّات وكيف يمكن أن تساعدنا على فهم العالم؟
الكُسيريّات شائعة في الطبيعة بسبب الطريقة البسيطة المدهشة التي تنتج بها. ومن ناحية الرياضيات، فهي تساعدنا أيضاً على فهم التعقيد والفوضى، وربما حتى غرابة الكم
بقلم مايكل بروكس
من المؤكد أنك قد شاهدت الكُسيريّات (فركتلات) Fractals مُنشأة بالحاسوب – صور جميلة ثلاثية حيث تتكرر الهياكل الملونة والمعقدة إلى ما لا نهاية في حين تسقط أكثر فأكثر في حفرة الأرانب. من الناحية النظامية، الكُسيريّات هي أنماط معقدة جداً ومتشابهة ذاتياً عبر مقاييس مختلفة. ولكن، في من حيث هندستها، يمكن للكُسيريّات أن تساعدنا على فهم العالم بشكل أفضل على العديد من المستويات.
لنبدأ بما هو مألوف: الكُسيريّات في الطبيعة. يقول ديف فيلدمان Dave Feldman من كلية أتلانتيك College of the Atlantic في بار هاربور بولاية ماين: «إنها موجودة في كل مكان حولنا – في الأشجار، وسلاسل الجبال، ودلتا الأنهار، وما إلى ذلك». مثل هذا الوجود في كل مكان منطقي بسبب الطريقة التي تُنتج بها الكُسيريّات: «عملية متكررة بسيطة – الطي المتكرر أو التفرع – يمكن أن تُنتِج كُسيريّات»، كما يقول.
الجزء الداخلي من رئتيك يتبع نمط الكُسيريّات لسبب ما: مثل هذه الترتيبات تحشر مساحة سطحية ضخمة في مساحة صغيرة من الفضاء
هذه النماذج ليست فقط للتحديق فيها. الجزء الداخلي من رئتيك يتبع نمط الكُسيريّات لسبب ما: مثل هذه الترتيبات تحشر مساحة سطحية ضخمة في مساحة صغيرة من الفضاء. هذه هي الطريقة التي حل بها التطور مشكلة تعظيم مساحة الأنسجة التي يمكنها امتصاص الأكسجين.
ومع ذلك، فإن الأمر الذي يجعل الكُسيريّات محيرة هو الأسباب التي تجعلها تأسر علماء الرياضيات، ليس أقلها كونها ملعباً لاستكشاف الأرقام. هذا هو المكان الذي نواجه فيه الأبعاد الكُسيريّة. في عالمنا اليومي، الخط المستقيم هو أحادي البعد، والمربع أو المستطيل ثنائيا الأبعاد، والمكعب أو الكرة ثلاثيا الأبعاد. لكن الهياكل الكُسيريّة لها أبعاد بين هذه القيم. على الرغم من استحالة تصورها إلى حد كبير، يمكنك التفكير في هذه الأمور كمقياس لمدى التعقيد الذي يحتوي عليه الكُسير – أو عدد الهياكل المشابهة ذاتياً التي يمكنك تقسيمها إلى تكبير معين.
الأبعاد الكُسيريّة
هذه الأنواع من القياسات يمكن أن تكون ذات أهمية. مع تغير الخط الساحلي بمرور الوقت، يتغير أيضاً البعد الكُسيريّ له، والذي يمكن أن يعطي مقياساً لتأثير ارتفاع مستوى سطح البحر، في حين أن الخصائص الكُسيرية التي كشفت عنها فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي يمكن أن تساعد الأطباء على تشخيص الأمراض المختلفة. تقول بيغي بيوريغارد Peggy Beauregard من جامعة هارتفورد Hartford University في ولاية كونيتيكت: «إن مرض الرئة غالباً ما يكون اضطراباً في التعقيد الكُسيرّي للرئتين، كما يؤدي مرض آلزهايمرز (تنطق آلزايمرز) إلى تدهور التعقيد الكُسيريّي للخلايا العصبية».
تساعدنا الكُسيريّات أيضاً على فهم الطقس والمناخ والأنظمة «الفوضوية» Chaotic الأخرى – تلك التي تتطور على طول مسارات مختلفة تماماً من خلال خريطة لجميع حالاتها المحتملة استجابة لأصغر تغيير في الظروف الأولية. العلاقة مع الكُسيريّات هي أن خريطة هذه المسارات، المعروفة باسم «الجاذب» Attractor، غالباً ما تحتوي على بنية كُسيريّة.
وقد تؤدي الهياكل الكُسيريّة المخفية إلى تغيير فهمنا للفيزياء الأساسية، وفقاً لتيم بالمر Tim Palmer من جامعة أكسفورد University of Oxford. فقد طور طريقة لوصف قوانين الفيزياء من حيث الهندسة الكُسيريّة، حيث يتم تمثيل جميع الحالات الممكنة للكون بواسطة جاذب، وهو ترتيب يمنع الوصول إلى بعض الحالات على الإطلاق.
وهذا من شأنه أن يفسر غرابة «التشابك الكمي» Quantum entanglement، كما يقول بالمر، حيث يؤثر جسيمان أو أكثر على بعضهما البعض بطرق تتحدى المنطق السليم. ويقول إن التشابك هو وهم يتولد من خلال تخيل أن الكون يمكن أن يتحرك بين أي وجميع الحالات الممكنة، في حين أنه في الواقع لا يستطيع ذلك.
لكن بالمر يذهب إلى أبعد من ذلك، فيقترح أن إعادة التفكير في كل الفيزياء بناء على الهندسة الكُسيريّة يمكن أن تظهر كيف أن الخصائص الصغيرة والكبيرة الحجم للكون مترابطة. ويقول: «قوانين الفيزياء أكثر شمولية بكثير مما نعتقد».
© 2024, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.