من الكم إلى الكون: لماذا يعد الحجم أمراً حيوياً لفهمنا للواقع
من اتساع الكون إلى الجسيمات المتناهية الصغر التي يتكون منها، فإن الحدود القصوى للحجم تتحدى الفهم وتمثل مشكلة للفيزيائيين الذين يبحثون عن نظرية موحدة
بقلم تشن لي
تخيل الانطلاق على متن مركبة فضائية يمكنها السفر بسرعة الضوء. لن تبتعد كثيراً. وحتى الوصول إلى الجانب الآخر من درب التبانة سيستغرق 100 ألف عام. إنها مسافة 2.5 مليون سنة أخرى عن مجرة المرأة المُسلسلة (أندروميدا Andromeda، أقرب المجرات إلينا). وهناك نحو 2 تريليون مجرة أبعد من ذلك.
اتساع الكون Cosmos يتحدى الفهم. ومع ذلك، على المستوى الأساسي، فإنه يتألف من جسيمات صغيرة. يقول آلن بار Alan Barr عالم فيزياء الجسيمات من جامعة أكسفورد: «إنها منطقة أجنبية إلى حد ما، سواء تلك الصغيرة أم الكبيرة جداً. لا أعتقد أنك تفهم الأمر حقاً، أنت تعتاد عليه فحسب». ومع ذلك، فأنت بحاجة إلى أن يكون لديك بعض الفهم للحجم حتى يكون لديك أي فرصة لتقدير كيفية عمل الواقع.
لنبدأ بالأبعاد الكبيرة، مع إشعاع الخلفية الكونية الميكروي Cosmic microwave background (اختصاراً: الإشعاع CMB)، وهو الإشعاع الذي صدر بعد 380 ألف سنة من الانفجار الكبير (العظيم) Big bang. يقول عالم الفيزياء الفلكية بيدرو فيريرا Pedro Ferreira، الذي يعمل أيضاً في جامعة أكسفورد University of Oxford: «إن أكبر المقاييس التي قمنا بقياسها هي السمات الموجودة في الإشعاع CMB». وقد ساعدنا ذلك على تحديد قطر الكون المرئي Observable universe بـ 93 بليون سنة ضوئية. وعلى الطرف الآخر من المقياس، فإن أصغر الكيانات هي جسيمات أساسية مثل الكواركات Quarks. ومع ذلك، فإن فيزياء الكم Quantum physics ترسم هذه الصور على أنها ومضات بلا أبعاد في مجال كمي، بلا حجم على الإطلاق. إذن، ما أقصر مسافة ممكنة؟ أفضل ما يمكننا فعله هو ما يسمى بطول بلانك Planck length، وهو أصغر بنحو 100 بليون بليون مرة من البروتون Proton.
ما طول بلانك؟
ينشأ هذا المقياس من فكرة في ميكانيكا الكم Quantum mechanics تُعرف بمبدأ عدم اليقين Uncertainty principle لهايزنبرغ Heisenberg، والتي تنص على أن أزواجاً معينة من الخصائص، بما في ذلك الموقع Position والعزم Momentum، لا يمكن معرفتهما بدقة في الوقت نفسه. والنتيجة هي أننا لا نستطيع أبداً قياس أي شيء تحت طول بلانك، بغض النظر عن مدى تقدم التكنولوجيا لدينا. وتنطبق قيود مماثلة على قياس أشياء أخرى، مثل الطاقة Energy أيضاً.
لكن بالنسبة إلى الفيزيائيين، فإن التحدي يتجاوز مجرد القياس. جوهر المشكلة هو أن الواقع يبدو أنه يعمل بشكل مختلف على مستويات مختلفة، مما يجعل من الصعب جداً تحديد وصف موحد لكل شيء.
خذ القوى الأساسية الأربع للطبيعة Fundamental forces. تربط القوة القوية Strong nuclear force الكواركات معاً لتكوين جسيمات تحت ذرية مثل البروتونات والنيوترونات Neutrons، والقوة الضعيفة Weak nuclear force تحاصر النيوترونات والبروتونات في النوى الذرية Atomic nuclei، في حين تحافظ القوة الكهرومغناطيسية Electromagnetic force على الذرة بكاملها معاً، بما في ذلك الإلكترونات Electrons. فهذه القوى الثلاث أقوى بكثير من القوة الرابعة – الجاذبية Gravity. حتى القوة الضعيفة أقوى 1025 مرة من الجاذبية. وبطبيعة الحال، يريد الفيزيائيون فهْمَ سبب وجود مثل هذا التناقض الهائل.
بل أكثر من ذلك، أننا مضطرون أيضاً إلى استخدام نظريات منفصلة لوصف هذه القوى. تصف نظرية النسبية العامة Theory of general relativity لألبرت آينشتاين Albert Einstein الجاذبية على مستوى النجوم والمجرات. وفي الوقت نفسه، القوى الثلاث الأخرى تحكمها ميكانيكا الكم، والتي تنطبق على العالم تحت الذري. ولا يزال يتعين علينا إيجاد طريقة لدمج الاثنين في نظرية الجاذبية الكمية Quantum gravity. يقول بار Barr: «إن إحدى أكبر المشكلات في الفيزياء هي التفاوت في المقاييس بين حجم الذرات وحجم الكون».
ربما يخبرنا صراعنا مع الحجم بشيء أعمق عن الكون. ربما، على المستوى الأساسي، لا يوجد مقياس على الإطلاق. هذه هي الفكرة التي يسعى مانفريد ليندنر Manfred Lindner إلى تحقيقها في معهد ماكس بلانك للفيزياء النووية Max Planck Institute for Nuclear Physics في ألمانيا عبر فرضية تسمى «تناظر المقياس» Scale symmetry. فالفكرة الأساسية هي أن المقياس «ناشئ» Emergent، بمعنى أنه ينشأ من التأثير الجماعي لكيانات أكثر جوهرية حيث يكون المقياس بلا معنى. يقول ليندنر: «في نهاية المطاف، جميع المقاييس في الطبيعة هي تأثير كمي».
© 2024, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.