كيف يعمل التشابك الكمي حقاً ولماذا نقبل غرابته
يمكن أن تبدو الجسيمات تحت الذرية وكأنها تؤثر في بعضها بعضا على الفور، بغض النظر عن مدى تباعدها. وفي هذه الأيام، لم يعد هذا مصدراً للغموض، بل إنه حقيقة من حقائق الكون ومصدر لتكنولوجيات جديدة
بقلم مايكل بروكس
بينما يحاول العلماء عموماً العثور على تفسيرات معقولة للظواهر الغريبة، فإن التشابك الكمي جعلها مقيدة في عقدة.
هذا الرابط بين الجسيمات تحت (دون) الذرية Subatomic، والذي يبدو فيه أنها تؤثر في بعضها بعضا على الفور بغض النظر عن مدى تباعدها، يتحدى فهمنا للمكان والزمن. فقد أربكت تلك الظاهرة ألبرت آينشتاين Albert Einstein، الذي أطلق عليها اسم «العمل المخيف (الشبحي) عن بعد» Spooky action at a distance. ولا يزال مصدراً للغموض حتى يومنا هذا. يقول نيكولاس جيسين Nicolas Gisin من جامعة جنيف University of Geneva بسويسرا: «يبدو أن هذه الارتباطات الكمية تظهر بطريقة ما من خارج الزمكان Space-time، بمعنى أنه لا توجد قصة في المكان والزمن تفسرها».
لكن الحقيقة هي أنه مع قبول الفيزيائيين للطبيعة الغامضة Entanglement واستخدامهم لها لتطوير تقنيات جديدة، فإنهم يشككون في أنه بقي لديها أي شيء لتخبرنا به عن كيفية عمل الكون.
يمكنك إنشاء تشابك كمي بين الجسيمات عن طريق تقريبها من بعضها بعضا بحيث تتفاعل وتتشابك خصائصها. وبدلاً من ذلك، يمكن إنشاء جسيمات متشابكة معاً في عملية مثل انبعاث الفوتون Photon emission أو التفكك التلقائي Spontaneous breakup لجسيم واحد مثل بوزون هيغز Higgs boson.
الأمر المخيف هو أنه، في الظروف المناسبة، إذا قمت بإرسال هذه الجسيمات إلى الجانبين المتقابلين من الكون، فإن إجراء قياس على أحدهما سيؤثر بشكل فوري في نتيجة القياس على الجانب الآخر، على الرغم من حقيقة أنه لا يمكن أن تكون هناك معلومات متبادلة بينهما.
بالنسبة إلى آينشتاين، كانت هذه الغرابة مؤشراً على وجود شيء مفقود في نظرية الكم. ولكن في هذه الأيام، يُنظر إلى التشابك على أنه مجرد مورد روتيني Routine resource. في الواقع، لم يعد يثير أي نوع من الحيرة لدى الفيزيائيين الذين يعملون معه بشكل يومي.
حقيقة لا يمكن تفسيرها
تقول ميريام فايلينمان Mirjam Weilenmann، التي تعمل أيضاً في جامعة جنيف: «لا يمكننا أن نفسر الأمر بمصطلحات كلاسيكية، لكنها ليست مشكلة حقيقية بطريقة أو بأخرى». وتشعر آنا ساينز Ana Sainz، التي تعمل في مجال التشابك في جامعة غدانسك University of Gdansk في بولندا، بالمثل. وتقول: «حقيقة أننا لا نراها في عالمنا المجهري كل يوم تجعل الأمر يبدو غريباً، لكنني أعتقد أنها مجرد حقيقة من حقائق الكون».
في الواقع، أظهر المنظرون في عام 2017 أن التشابك يجب أن يكون موجوداً حتى يكون كوننا كما هو، ولا علاقة له بصياغة نظرية الكم نفسها. تقول ساينز: «إن التشابك يتجاوز نظرية الكم… يمكنك الحصول على التشابك حتى ولو كانت نظرية الكم خاطئة».
وتكمن هذه الظاهرة في قلب عدة أنواع جديدة من التكنولوجيا. يقول أرتور إيكيرت Artur Ekert من جامعة أكسفورد University of Oxford، حتى في أبسط أشكاله، «يمكن أن يكون مفيداً جداً للحوسبة الكمية والتشفير الكمي، على سبيل المثال».
وهذا لا يعني أننا نفهم كل شيء عن التشابك. تقول ساينز: «هناك الكثير من الأسئلة المفتوحة، بعضها أسئلة أساسية حقاً». الأول هو ببساطة كيفية قياس قوة التشابك. ولكن على الرغم من أن التشابك غالباً ما يُنظر إليه على أنه لغز يحمل المفتاح لفهم أفضل للكون عند مستواه الأساسي، إلا أنه ربما لا يسير على هذا النحو، وفقاً لإيكرت.
مثلا، وصف التشابك على أنه الظاهرة الأساسية التي ينبثق منها الزمكان نفسه. وقد اقتُرح مؤخراً دراسة هذه الظاهرة عند الطاقات العالية في مصادم الهادرونات الكبير Large Hadron Collider في مختبر سيرن CERN، بالقرب من جنيف، كوسيلة لمعرفة ما تخبرنا به نظرية الكم عن طبيعة الواقع.
لكن أولئك الذين يتعاملون مع التشابك كل يوم يشعرون بالقلق من مثل هذه الوعود الكبرى. ويقول إيكيرت إن هذا الأمر جزء لا يتجزأ من صورتنا للكون، بحيث لا يوجد ضمان بأن المزيد من التجارب ستكشف عن أي شيء آخر. ويقول: «هناك الكثير فيما يتعلق بالمكان والزمن مما نفهمه… ولكن هل التشابك مظهر من مظاهر ذلك؟ لا أعرف».
© 2024, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.