المكون السري الذي يشكل الميكروبيوم وصحتك
جسمك هو موطن لتريليونات الفيروسات المفيدة الضرورية لوجود ميكروبيوم Microbiome صحي. وقد نتمكن يوماً ما من تعديل هذا «الفيروم» Virome لعلاج السمنة والقلق
بقلم ليندا غيديس
بأعراضها الانسحابية وقلقها، كانت الفئران في مختبر جون كريان John Cryan تتصرف كما يمكن أن نتصرف، أنا أو أنت، إذا تعرضنا للتنمر في مكان العمل واعتقدنا أننا قد نواجه المتنمر مرة أخرى.
والخبر السار، صدق أو لا تصدق، هو أن بعض هذه القوارض كانت تتغذى أيضاً بخلطة من الميكروبات المشتقة من برازها. فعلى الرغم من أن هذا يبدو غير مستساغ، إلا أنه كان له تأثير إيجابي مدهش في سلوكها. يقول كريان، عالم الأحياء العصبية في جامعة كوليدج كورك University College Cork في أيرلندا: «لقد كان أمراً استثنائياً. وجدنا أن هذه التغييرات السلوكية الناجمة عن الإجهاد Stress-induced changes عادت لطبيعتها؛ أي أنها بدأت تتصرف تماماً مثل الحيوانات العادية».
والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن هذا التحول العقلي لم يحدث بسبب تغيير البكتيريا الموجودة في أحشائها، ولكن بالتلاعب بجانب مهم آخر من الميكروبيوم، والذي زاد الاهتمام به مؤخراً فقط، ألا وهو الفيروسات.
اتضح أننا ممتلؤن بهذه الفيروسات. ليست تلك التي تسبب المرض، بل هي تريليونات من الفيروسات المتسللة التي تؤدي دوراً حاسماً في زراعة ميكروبيوم مفيد وتجعلنا أكثر صحة. وتظهر الأبحاث الحديثة أن تأثير هذا الفيروم يمكن العثور عليه في جميع أنحاء الجسم، من الدم إلى الدماغ. وما نأمله هو أنه من خلال التلاعب به، يمكننا إيجاد طرق جديدة لعلاج مختلف الأمراض، من مرض التهاب الأمعاء Inflammatory bowel disease والسمنة Obesity إلى القلق Anxiety.
تنوع الميكروبيوم
شهد العقد الماضي موجة من الاهتمام بالميكروبيوم – كل الأشياء متناهية الصغر، والتي تعيش علينا وفينا – لكن أغلب التركيز انصب إلى حد كبير على البكتيريا. وكان الافتراض حتى وقت قريب هو أن الفيروسات كانت في الأساس زائرات مؤقتة، تستخدمنا لتنشر نفسها، حيث تجعلنا نمرض خلال هذه العملية. ومع ذلك، في أوائل إلى منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، في بدايات انطلاق الجهود المبذولة لتوصيف الأنواع الكثيرة من البكتيريا في أجسامنا، بدأ بعض الباحثين يتساءلون عما إذا كانت الفيروسات قد تشكل أيضاً مكوناً طويل الأجل لميكروباتنا.
كان من بينهم ديفيد برايد David Pride، والذي كان وقتها عالم أحياء دقيقة شاباً، والذي كانت أول مغامرة له في هذا العالم الخفي «بصراحة تامة، أغبى تجربة قمنا بها على الإطلاق»، بحسب ما يقول. «لقد أخذنا حرفياً مجموعة من الأنابيب، وبصقنا فيها، ثم وضعناها تحت المجهر الإلكتروني لنرى ما يمكننا العثور عليه».
وهو ما أثبت فكرة ملهمة. «كان هناك الكثير من الفيروسات، وهو أمر كان يصعب تفويته» كما قال برايد، والذي يعمل الآن في جامعة كاليفورنيا University of California في سان دييغو. وبدعم من هذه النتيجة، بدأ هو وزملاؤه بفحص سوائل الجسم الأخرى ووجدوا فيروسات في كل مكان، من الدم إلى السائل المحيط بالدماغ. يقول برايد: «انتقلت فرضيتنا من “لا نعرف ما إذا كان هناك أي فيروسات في أي مكان” إلى “الفيروسات في كل مكان، وربما لا يوجد مكان لا توجد فيه أي فيروسات”». كما تشير التقديرات إلى أن كلاً منا يحمل 380 تريليون فيروس – مع تفوق هذه الكيانات النانوية على البكتيريا بنسبة 10:1.
لكن العثور على الفيروسات شيء، ومعرفة ما هي وماذا تفعل هو شيء آخر تماماً. نظراً للتحديات التقنية، فإن الغالبية العظمى من الفيروسات في الأمعاء البشرية لم تُحَدَّد بعد، مما يعني أن الأبحاث المجراة على الفيروم تخلفت كثيراً عن أبحاث المكون البكتيري لأجسامنا. ومع ذلك، فإن العينات الوراثية المأخوذة من فيروم الأمعاء قد أتت بمفاجآت.
يقول برايد: «بدأنا بفكرة أننا سنقوم بتحديد تسلسل الحمض النووي للفيروسات التي تصيب الخلايا البشرية، لكن اتضح أن 97% مما كنا نحدد تسلسله كان عاثيات بكتيرية Bacteriophages – وهي الفيروسات التي تصيب البكتيريا».
ويقول: «لقد كانت لحظة مخيبة للآمال بشكل غير عادي. لكنني تجاهلت الأمر وقلت، “حسناً إذاً، دعونا نكتشف مدى أهمية العاثيات للبشر”».
تحتوي العاثيات على رؤوس منتفخة Bulbous heads تتكون من مادة وراثية Genetic material مغطاة بقشرة بروتينية وألياف ذيل تشبه الساق، والتي تستخدم لاختراق جدران خلايا Cell walls البكتيريا. وكل هذا يعني أنها تحمل تشابهاً غريباً مع القراد – وهي طفيليات تمتص الدم من الحيوانات. في الواقع، يعتقد بعض الباحثين أن العاثيات يجب أن تصنف كطفيليات بكتيرية، حيث تنطوي دورة حياتها على الارتباط بالبكتيريا المعرضة للإصابة بها واختراق آلياتها الخلوية لإنتاج نسخ جديدة منها. في بعض الأحيان تقتل العاثيات البكتيريا المضيفة بمجرد تحقيق هذا الهدف – كلمة «Phage» مشتقة من الكلمة اليونانية «Phagein» والتي تعني «يلتهم».
تدمج أنواع أخرى من العاثيات، المعروفة بالعاثيات المندرجة Temperate phages، جينوماتها في جينومات مضيفاتها البكتيرية، وتبقى نائمة حتى تدفعها بعض الأحداث الخارجية إلى البدء بالتكاثر، والتعايش بسلام مع البكتيريا، وإخراج ذريتها من مضيفها دون الإضرار بها.
يُعتقد أن العاثيات تفوق عدداً أي كيان بيولوجي آخر على هذا الكوكب ويمكن العثور عليها أينما توجد البكتيريا، من أعمق المحيطات والتربة إلى أحشائنا.
«ما يثير الاهتمام حول العاثيات والفيروسات الأخرى في الأمعاء هو أن كل شخص لديه مجموعة فريدة خاصة به، بحيث إن التشابه يكاد يكون معدوماً بين الأشخاص»، بحسب ما تقول إيفيلين أدريانسينس Evelien Adriaenssens من معهد كوادرام Quadram Institute في نورويتش، المملكة المتحدة. أحد اهتمامات أدريانسينس هو فهم من أين تأتي هذه الفيروسات، وهو الأمر الذي تدرسه من خلال تحليل عينات البراز من النساء وأطفالهن حديثي الولادة ومتابعتها بمرور الوقت. وتقول: «ما نراه هو أن الأطفال الأصحاء يولدون دون وجود فيروم ملحوظ، ثم، في أول أسابيع الحياة، يتكون لديهم فيروم، جنباً إلى جنب مع البكتيريا وجميع المكونات الأخرى للميكروبيوم».
فيروم بشري
أول ما يصل هي العاثيات المندرجة، على الأرجح تصل متسلقةً على جينومات البكتيريا المبكرة التي تستعمر أمعاء الطفل. على مدى السنوات القليلة المقبلة، تُستبدل هذه العاثيات تدريجيا بأصناف أكثر انسجاما مع تلك الموجودة في أمعاء البالغين، والتي قد تكون مرتبطة بالتغيرات في البكتيريا المعوية مع تقدم الأطفال في السن. يبدو أن هذا الفيروم بمجرد أن يتأسس يظل مستقراً نسبياً طوال الحياة.
على الرغم من انتشارها في كل مكان، إلا أن العاثيات شديدة الانتقائية فيما يتعلق بالبكتيريا التي ستصيبها. يقول كولين هيل Collin Hill، وهو أيضاً في كلية كورك الجامعية: «حتى داخل الأنواع [البكتيرية]، فإنها تصيب سلالات معينة فقط، لذلك فهي انتقائية بشكل رائع».
ومع ذلك، لمجرد أن مجموعة العاثيات تتبع التغيرات في البكتيريا التي تستعمر أجسامنا تدريجياً، فإن هذا لا يعني أنها ركاب عديمة الفاعلية. بمجرد وصول العاثيات، فإنها قد تؤدي دوراً مهماً في الحفاظ على بنية ووظيفة المجتمعات البكتيرية. فعلى الرغم من أن العاثيات تفترس البكتيريا، إلا أنه لن يكون من مصلحتها تدمير جميع الأفراد في المجتمع. في حالات معينة، قد تفيد العاثيات البكتيريا المضيفة لها. على سبيل المثال، وجد برايد عاثيات في اللعاب، والتي كانت تحتوي على جينات قد تساعد البكتيريا التي تصيبها على التهرب من الجهاز المناعي – وهي جينات يُفتَرَض أنها مكتسبة من البكتيريا التي أصابتها سابقاً.
طورت البكتيريا أيضاً استراتيجيات للتهرب من هجوم العاثيات أو الرد عليه، وفعلت العاثيات الشيء نفسه مع التدابير المضادة. نشك بشكل متزايد في أن سباق التسلح المستمر هذا قد يساعد على الحفاظ على الأرقام البكتيرية تحت السيطرة وتعزيز صحة البكتيريا الباقية على قيد الحياة. يقول هيل: «إنهم شركاء ويحتاجون إلى بعضهم البعض للتطور المشترك والحفاظ على صحتهم».
طريقة أخرى للنظر إلى العاثيات هي أنها كالبستاني للبكتيريا. من خلال التخلص من البكتيريا الضعيفة، فإنها تخلق مساحة للبكتيريا الأخرى للنمو والازدهار. تقول أدريانسينس: «في النظام الذي يشتمل على مزيج من البكتيريا والعاثيات، عادة ما يكون هناك تنوع أكبر في البكتيريا».
من المتفق عليه على نطاق واسع أن الميكروبيوم الأكثر تنوعاً هو أكثر صحة – وهذا يشمل الفيروسات أيضاً. في الواقع، تشير دراسة أجريت عام 2023 على المعمرين إلى أن طول العمر والحياة الصحية قد يكونان مرتبطين بوجود تنوع أكبر من الفيروسات في الأمعاء.
قد يكون تأثير الفيروم محسوساً أيضاً في الدماغ. تنتج ميكروبات الأمعاء لدينا بعضاً من الناقلات العصبية Neurotransmitters نفسها التي تُصنَّع في الدماغ، وقد تؤثر أيضاً في المزاج عن طريق إثارة الالتهاب. ولكن في حين أن معظم الأبحاث حول «محور الأمعاء-الدماغ» هذا ركزت على دور البكتيريا، إلا أن هناك تلميحات محيرة إلى أن العاثيات قد تؤثر فيه أيضاً.
في دراسة نشرت عام 2022، حلل خوسيه-مانويل فيرنانديز-ريال José-Manuel Fernández-Real في جامعة جيرونا University of Girona في إسبانيا، هو وفريقه عينات البراز من أكثر من 1,000 متطوع للتحقق مما إذا كانت أنواع العاثية في أمعائهم مرتبطة بالقدرة على تعلم المعلومات الجديدة والاحتفاظ بها. وجدوا أن الأشخاص الذين لديهم مستويات أعلى من فئة من العاثيات المعروفة بالفيروسات الذنبية Caudovirales كان أداؤهم أفضل في الاختبارات المعرفية، في حين أن أولئك الذين لديهم الكثير من العاثيات من عائلة الفيروسات الميكروية Microviridae استغرقوا وقتاً أطول لإكمال الاختبارات واحتفظوا بمعلومات أقل.
بعد ذلك، زرعوا عينات براز من متطوعين لديهم مستويات عالية من الفيروس الذنبي في أحشاء الفئران لمعرفة ما إذا كان هذا قد غير إدراكهم. ويقول فرنانديز-ريال: «لقد فوجئنا جداً». لم تتحسن درجات اختبار الحيوانات بعد الزرع فحسب، بل صارت الجينات ذات الصلة بالتعلم والذاكرة وتطور الخلايا العصبية أكثر نشاطاً في قشرة الفص الجبهي – وهي منطقة مرتبطة بالتخطيط وصنع القرار والذاكرة. وعلى الرغم من أن الفريق لم يكن متأكداً من أن هذه التحسينات كانت ناتجة فقط من التغيرات في الفيروم، إلا أن المزيد من التجارب على ذباب الفاكهة التي أعطيت نظاماً غذائياً غنياً بالفيروسات الذيلية العاثية اقترح أن ذاكرتهم تحسنت أيضاً.
تأثيرات الإجهاد
تسلط أبحاث كريان الضوء أيضاً على دور العاثيات في وظائف الدماغ. قبل نحو 15 عاماً، اكتشف كريان أن الإجهاد يمكن أن يؤثر في تكوين المجتمعات الميكروبية في الأمعاء. كما أشارت تجارب أخرى إلى أن زيادة مستويات بعض بكتيريا الأمعاء في الفئران يمكن أن يحميها من بعض الآثار السلبية للإجهاد – وهو أمر يبدو أنه يحدث بتأثير من العصب المبهم Vagus nerve، والذي ينقل الرسائل بين الدماغ وبقية الجسم.
يقول كريان: «لقد كانت لحظة حاسمة. أظهرنا أن الميكروبيوم ينظم استجابة الإجهاد ويمكنك استهداف الميكروبيوم للتخفيف من استجابة الإجهاد».
للتحقيق فيما إذا كانت العاثيات قد توفر وسيلة للقيام بذلك، أخضع كرايان وزملاؤه الفئران لسيناريو مصمم للحث على التوتر الاجتماعي عن طريق وضعها في قفص مع زميل عدواني. تُفصَلُ الفئران قبل حدوث أي ضرر جسدي ثم توضع الضحية في مأوى يبعد مسافة معينة بحيث يكون بإمكانه رؤية وشم الفأر المتنمر. عادة، تكون الفئران المعرضة لمثل هذا العلاج قلقة ومنسحبة اجتماعياً. ومع ذلك، إذا زوِّدت الميكروبيومات لديها في هذه المرحلة بالفيروسات المأخوذة من أحشائها قبل المواجهة المجهدة، فإنها تقضي المزيد من الوقت في المناطق المفتوحة، وتتحرك أكثر، وإذا وضعت في قفص مع فأر مختلف، فإنها تتفاعل معه أكثر.
كما كشفت المزيد من الأبحاث أن هذه المكملات تقلل من آثار الإجهاد على الخلايا المناعية للفئران، كما أن النشاط الجيني في الحُصَين Hippocampus واللوزة الدماغية Amygdala – وهما منطقتان دماغيتان مرتبطتان بالذاكرة والخوف والسلوك الاجتماعي – عاد لطبيعته. يقول كريان: «نعتقد أن الفيروسات تؤثر في البكتيريا، والتي تؤثر بدورها في الدماغ. ولكن الفيروسات هي المنظم الرئيسي للبكتيريا».
كما يعتقد أن عمليات زرع الفيروم يمكن أن توفر يوماً ما وسيلة بديلة لعلاج الاضطرابات المرتبطة بالإجهاد. ويقول: «نحن نبحث فيما إذا كان بإمكاننا توليد شكل من أشكال التدخل بحيث يمكن تقديمه لشخص يعرف أنه يتعرض لموقف مجهد يمكن أن يساعده على إدارة هذا الإجهاد بشكل أفضل». وأحد الأمور التي تشجع على استخدام العاثيات للقيام بذلك هو تخصصها. يقول كريان: «إذا تمكنت من تحديد بكتيريا معينة تريد استهدافها في مواقف محددة، فإن العاثيات هي أداة رائعة لمساعدتك على القيام بذلك. المشكلة التي نواجهها في علم الأعصاب الآن هي أننا لا نعرف بعدُ ما البكتيريا المحددة التي نريد القضاء عليها».
ومع ذلك، هناك سيناريوهات أخرى نعرف فيها ذلك. الأول هو عند معالجة الالتهابات التي تسببها البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية. يقول هيل: «في الكتب الدراسية، يعد العلاج بالعاثيات حلاً أقرب للحلم؛ لأنه إذا كنت مصاباً بعامل ممرض Pathegen معين ولديك عاثية تقتله، فيمكنك القضاء على هذا العامل الممرض دون التأثير على البكتيريا الأخرى في بيئته، في حين أن المضادات الحيوية تقتل الكثير من الأشياء الأخرى أيضاً».
العلاج بالعاثيات
في وقت سابق من هذا العام، نشرت لجنة العلوم والابتكار والتكنولوجيا Science, Innovation and Technology Committee في المملكة المتحدة تقريراً يدعو الحكومة والهيئات التنظيمية إلى بذل المزيد من الجهد لتعزيز استخدام العاثيات لعلاج البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية. كما استخدم العلاج بالعاثيات في أجزاء من أوروبا الشرقية وروسيا منذ عقود. فعلى سبيل المثال، يستخدم معهد جورج إليافا للعاثيات وعلم الأحياء الدقيقة وعلم الفيروسات George Eliava Institute of Bacteriophages, Microbiology and Virology في تبليسي، جورجيا، العاثيات لعلاج الالتهابات البكتيرية منذ عشرينات القرن العشرين ويعالج اليوم المرضى من معظم أنحاء العالم في مركز إليافا للعلاج بالعاثيات. «لدينا ست تركيبات من العاثيات جاهزة للاستخدام، وإذا لم تعمل هذه التركيبات ضد عينة إكلينيكية (سريرية)، فسنقوم بإعداد عاثية محددة للمريض»، بحسب ما تقول مزيا كوتاتيلادزي Mzia Kutateladze مديرة المعهد.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الأنظمة الطبية في أماكن أخرى بطيئة في تبني العلاج بالعاثيات – ويرجع ذلك جزئياً إلى عدم نشر تجارب إكلينيكية (سريرية) كبيرة لإثبات فعاليتها. يقول هيل إن المنظمين يميلون أيضاً إلى الرغبة في معرفة الجرعة الدقيقة والآلية التي تعمل من خلالها التدخلات، والتي يصعب رسم خريطة لها فيما يتعلق بكوكتيلات العاثيات.
قد يكون هناك بديل: يقوم هيل وزملاؤه بتوصيف الإنزيمات التي تستخدمها عاثيات البكتيريا المسماة بشبيهة المطثية العسيرة كلاستروديودي ديفيسيل Clostridioides difficile (واختصاراً: البكتيريا C. difficile) لكسر جدران خلايا مضيفيها والهروب. فالبكتيريا C. difficile هي السبب الرئيسي للعدوى المرتبطة بالرعاية الصحية، ومقاومة المضادات الحيوية هي مشكلة متنامية فيها، ولكن إذا كان من الممكن تنقية هذه الإنزيمات وإيصالها إلى البكتيريا، فإنها يمكن أن تقتلها دون الإضرار بالميكروبيوم الأوسع. على المدى الطويل، يمكننا تطوير كوكتيلات من العاثيات أو إنزيماتها لتعديل تكوين الميكروبات لدينا وعلاج حالات الصحة العقلية Mental-health مثل القلق، أو غيرها من الحالات المرتبطة بميكروبيوم غير متوازن، مثل مرض التهاب الأمعاء والسمنة.
ولكن في الوقت الحالي، يبدو أن أفضل رهان لدينا لرعاية فيروم الأمعاء لدينا هو من خلال ما نأكله. وعلى الرغم من أنه من السابق لأوانه تحديد العاثيات المرتبطة بالصحة الجيدة وكيفية تعزيز نموها، إلا أن الأبحاث الحديثة قدمت بعض الأدلة. تميل العاثيات إلى الركوب مع الخلايا البكتيرية المضيفة لها؛ فهي وفيرة في الأطعمة الغنية بالبكتيريا، لا سيما في المنتجات المخمرة مثل مخلل الملفوف والكفير والكيمتشي ومنتجات الألبان المخمرة، بما في ذلك الجبن. وعلى سبيل المثال، وجد فرنانديز- ريال أن المشاركين في دراسته الذين لديهم مستويات عالية من عاثيات الفيروسات الذنبية المفيدة أبلغوا عن استهلاك منتظم لمنتجات الألبان. قد تكون بعض الأطعمة أيضاً قادرة على تغيير وفرة بكتيريا الأمعاء عن طريق تغيير سلوك العاثيات النائمة. فعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أجريت عام 2020 أن بديل السكر ستيفيا تسبب في إيقاظ أنواع معينة من العاثيات ويجعلها تبدأ بقتل مضيفيها.
على الرغم من أنها مرحلة مبكرة، إلا أن هناك شيئاً واحداً واضحاً: الفيروسات بعيدة كل البعد عن الأشرار ذوي البعد الواحد. يقول كريان: «كان للفيروسات تاريخياً سمعة سيئة حقاً، ولم يؤد كوفيد إلا إلى تفاقم ذلك. ولكن كما تظهر بياناتنا بوضوح، لا يمكننا أن ننسى دور الفيروسات في الحفاظ على الصحة العامة وكيفية إدارتنا للإجهاد. لقد حان الوقت لتسليط الضوء عليها».
© 2024, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.