كيف يمكن أن تكشف تجربة فيزيائية بسيطة عن الأبعاد المعتمة؟
هل يمكن أن تكون مادة الكون المفقودة مخفية في بعد إضافي «معتم»؟ لدينا الآن طرق بسيطة لاختبار هذه الفكرة الغريبة، واختبار وجود أبعاد إضافية بصورة عامةً
بقلم تشان لي
لا نميل إلى الخوض في حقيقة أننا موجودون في أبعاد ثلاثة Three dimensions. فالمحاور التي نتحرك في العالم وفقها هي أمام-خلف Forwards-back، يسار-يمين Left-right، أعلى-أسفل Up-down. وعندما نحاول أن نتخيل شيئاً آخر، فإننا عادةً ما نستحضر صوراً من أغرب صور الخيال العلمي Science fiction لبوابات في نسيج الزمكان Space-time والعوالم الموازية Parallel worlds.
ومع ذلك، فقد انبهر الفيزيائيون الجادون منذ مدة طويلة باحتمال وجود أبعاد إضافية. وعلى الرغم من أنها غير ملموسة، فإنهم تعهدوا بحل العديد من الأسئلة الكبيرة حول أعمق أعمال الكون. إلى جانب أنه لا يمكن استبعادها ببساطة لأن تخيلها صعب، ورصدها أصعب. يقول جورج عبيد Georges Obied من جامعة أكسفورد University of Oxford: «ليس هناك سبب يجعل العدد ثلاثة. كان من الممكن أن يكونا اثنين؛ أربعة أو عشرة»َ.
ومع ذلك، تأتي نقطة يريد عندها أي فيزيائي مهني أدلةَ دامغة. ولهذا كان تطوير الباحثين خلال السنوات القليلة الماضية لمجموعة من التقنيات التي يمكنها أخيراً التقاط دليل على وجود أبعاد إضافية مدهشاً. وعلى سبيل المثال، قد نكتشف تسرب الجاذبية Gravity إليها، أو قد نرى بصماتها الدقيقة على الثقوب السوداء Black holes، أو نجد آثارها في مسرعات (مُعجِّلات) الجسيمات Particle accelerators.
لكن الآن، وفي تطور غير متوقع، يطرح عبيد وآخرون قضية وجود بُعد إضافي يختلف جذرياً عن أي بُعد ابتكرناه سابقاً. ومن شأن هذا «البعد المعتم» Dark dimension أن يُخفي جسيمات تعود إلى بداية الزمن (الأفضل بداية الكون)، ويمكن أن تحل لغز المادة المعتمة Dark matter التي يُعتقد أن جاذبيتها هي التي أعطت الكون شكله. والأهم، أن يكون اكتشافه سهلاً نسبياً، وهناك تجارب جارية فعلاً يمكن أن تكشف عنه أو تستبعده.
ما البعد الإضافي؟
ليس تعريف البعد صعباً. يقول عبيد: «إنه يشير أساساً إلى الاتجاهات التي يمكنك التحرك فيها». ومن ثمَّ يمكنك التفكير في الأبعاد المكانية على أنها محاور x وy وz على رسم خطي للمكعب. ويرى البعض أن الزمنَ بعدٌ آخر، ما يعطينا مفهوم الزمكان رباعي الأبعاد.
لتفسير السبب الذي يجعلنا نجد صعوبة بالغة في التفكير فيما هو أبعد من ذلك، غالباً ما يشير الفيزيائيون إلى رواية القرن التاسع عشر «الأرض المسطحة: قصة حب متعددة الأبعاد» Flatland: A romance of many dimensions لإدوين أبوت Edwin Abbott. بطل القصة هو مربع يعيش في عالم ثنائي الأبعاد Two-dimensional world تماماً. تزوره في أحد الأيام كرة، ولا يتمكن من مشاهدة شكلها الحقيقي، ولا يشاهدها إلا كمقاطع عرضية Cross-sections لسلسلة من الدوائر مختلفة الأقطار. وتدريجياً يبدأ المربع مصارعة إدراكه أن عالمه السلس قد لا يكون المدى الكامل للواقع.
تزايد افتتان الفيزيائيين بالأبعاد الإضافية في أوائل القرن العشرين. في عام 1915، نشر ألبرت آينشتاين Albert Einstein نظريته في النسبية العامة General Theory of Relativity، وفيها تنشأ الجاذبية من تشويه الأجسام الضخمة لنسيج الزمكان رباعي الأبعاد. وبعد سنوات قليلة، كان الفيزيائي تيودور كالوزا Theodor Kaluza يلعب بمعادلات أينشتاين حين قدم بعداً خامساً Fifth dimension. في البداية، لم تكن الآمال المعلقة على ذلك كبيرة، فقد كان الأمر يتعلق بشكل أو بآخر بإضافة حدود (رموز) رياضياتية Mathematical terms إضافية إلى المعادلات، أخذت الحرف w لتتماشى مع x وy وz.
ولكن المذهل أن إضافات كالوزا قدمت طريقة لتمثيل الحقول الكهرومغناطيسية Electromagnetic fields بدقة. بمعنى آخر، يبدو أن هذه الإضافة خماسية الأبعاد للنسبية العامة وحدت بأناقة قوتين أساسيتين – الجاذبية Gravity والكهرومغناطيسية Electromagnetism – في إطار واحد. ذهب معاصرو كالوزا إلى أبعد من ذلك، حيث توقعوا أن الجاذبية قد «تتسرب» Leak بطريقة أو بأخرى إلى هذا البعد الإضافي، وهو ما قد يفسر أحد الألغاز الكبرى في الفيزياء: ما سبب الضعف الشديد للجاذبية مقارنة بقوى الطبيعة الأخرى.
في عام 1926، بحث الفيزيائي النظري أوسكار كلاين Oskar Klein في إطار كالوزا مرة أخرى، الآن من منظور نظرية الكم Quantum theory المكتشفة حديثاً وقتها. ويشير تحليله إلى أن البعد الإضافي الذي تعمل من خلاله الكهرومغناطيسية يجب أن يكون متناهي الصغر -أصغر بكثير من ذرة نصف قطرها 10-32 متراً. اقترح كلاين أن هذا البعد الشفاف سيكون موجوداً في كل نقطة في الفضاء، وملفوفاً كشريط قياس متناهٍ في الصغر.
نعلم الآن أن فرضية كالوزا-كلاين Kaluza-Klein hypothesis، كما عُرفت لاحقاً، ليست انعكاساً حقيقياً للواقع. ترى الفيزياء الحديثة أن الكهرومغناطيسية قوة عاملة من خلال حقل كمي Quantum field في الزمكان المألوف لدينا. ومع ذلك، استمرت فكرة استدعاء أبعاد إضافية لتفسير الصعوبات في الفيزياء. ويقول كامران وفا Cumrun Vafa، الفيزيائي النظري في جامعة هارفارد: «على الرغم من أننا نعلم الآن أن هذا ليس عالمنا، فإنه ألهم بعض الناس لدراسة أفكار الأبعاد الأعلى منذ منتصف القرن العشرين».
وفي النهاية، أدى ذلك إلى مجال دراسة وفا، وهو نظرية الأوتار String theory. تقول نظرية الأوتار إن كل شيء مصنوع من أوتار تهتز في 10 أبعاد، ستة منها على الأقل صغيرة وملفوفة بإحكام، مثل تلك التي تصورها كلاين، والجسيمات الأساسية Fundamental particles كالإلكترونات Electrons والكواركات Quarks وبوزونات هيغز Higgs bosons، هي عُقد Nodes من الوتر الذي يتقاطع مع الأبعاد التي نعرفها.
قد يبدو هذا صعب الفهم. ولكن الفيزيائيين يجدونه جذاباً لأن الرياضيات التي تستند إليها نظرية الأوتار أنيقة جداً. تقول عالمة الكون تيسا بيكر Tessa Baker من جامعة بورتسموث في المملكة المتحدة University of Portsmouth: «يمكننا بكل سهولة بسط نطاق رياضياتنا على أبعاد أعلى، والواقع أن بعض الرياضيات تعمل بصورة أفضل أو تقدم نوعاً من الإجابة الصحيحة في الأبعاد الإضافية». كما أطلقت نظرية الأوتار العنان لكل أنواع الأفكار في مجالات أخرى غير ذات صلة، وهو ما يمنحها بالنسبة إلى بعض الفيزيائيين النظريين طابع الحقيقة. والسبب الرئيسي وراء صعوبة اكتشاف الأبعاد الإضافية هو حجمها. يقول جوزيف كونلون Joseph Conlon من جامعة أكسفورد University of Oxford: «تخيل أنك تحاول حياكة شيء ما مرتدياً قفازات الملاكمة. لن تتمكن من الشعور به لأن قفازات الملاكمة كبيرة وغير مفصّلة مثل الأصابع، والخيوط دقيقة جداً وصغيرة فقط».
ولكن هناك حل بديل، إذ يعتقد الفيزيائيون أن الجسيمات الأساسية تُمنع عموماً من الحركة في أبعاد إضافية. ويقول كريس باردو Kris Pardo من جامعة جنوب كاليفورنيا University of Southern California: «لا توجد أجسامنا حقيقةً في هذا البعد الإضافي». ولكن قد تكون هناك استثناءات، فالأبعاد الإضافية هي خيوط رفيعة أساساً من الزمكان، وهو ما يعني ضمناً أنها تتمتع بحقل جاذبية. وعلى هذا، فإن الجسيمات الافتراضية التي يطلق عليها اسم الغرافيتونات Gravitons، والتي يُعتقد أنها تحمل قوة الجاذبية، لا بد وأن تكون قادرة على اجتياز هذه الأبعاد الإضافية. وهذا يرفع احتمال رصد بعد إضافي من خلال مراقبة الجاذبية، فقد نرصد هذه الأبعاد على هيئة الغرافيتونات تختفي في الفضاء.
الغرافيتونات المختفية
والآن لدينا الفرصة لفعل ذلك تماماً، وذلك بفضل موجات الجاذبية Gravitational waves، أو التموجات Ripples في الزمكان. وتنشأ هذه الموجات نتيجة للاصطدامات الملحمية بين الثقوب السوداء Black holes أو النجوم النيوترونية Neutron stars في أقاصي الكون. وإذا تمكنا من مشاهدة الموجات وهي تتضاءل قوتها مع اندفاعها نحونا، فإن هذا من شأنه أن يكون علامة على تسرب الجاذبية إلى بُعد إضافي.
في عام 2017، سنحت الفرصة لعلماء الفلك عندما رصدوا اندماجاً عنيفاً لنجمين نيوترونيين. وفي هذه الحالة النادرة، شاهدوا موجات الجاذبية التي انبعثت منه وانفجار الضوء المرئي، الذي يُسمى «كيلونوفا» Kilonova، الذي نتج منه. وسارع باردو وزملاؤه إلى العمل. يوضح باردو: «كنا نتطلع لمعرفة مدى بُعد الاندماج الذي أخبرنا به الضوء، مقارنة بالمسافة التي أفصحت عنها موجات الجاذبية». وإذا بدت موجات الجاذبية وكأنها تأتي من مسافة أكبر بكثير، فهذا سيكون علامة على تسرب قوة الجاذبية بعيداً.
غير أنهم لم يعثروا على دليل عن مثل هذا التأثير، على الرغم من أن باردو يقول إن هذا قد يعود إلى قيود التكنولوجيا التي نستخدمها. فحالياً، لا نستطيع أن نكتشف سوى ترددات منخفضة نسبيا من موجات الجاذبية. ومن المرجح أن تتأثر الترددات الأعلى بالأبعاد الأعلى المفترضة لأن أطوال موجاتها ستكون أقرب إلى قياس هذه الأبعاد، لكننا لن نراها حتى نمتلك كواشف Detectors أكثر تقدماً. ويقول باردو إن تجربة الجاذبية من التشابك الكمي للزمكان Gravity from the Quantum Entanglement of Space Time (اختصاراً: التجربة GQuEST) التي تُبنى حالياً في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا California Institute of Technolog قد تمنحنا الأمل.
كما يُتاح لصائدي الأبعاد الإضافية طرق أخرى للبحث، كالنظر إلى البنية الضخمة للكون Universe. تقول بيكر إن ترتيب المجراتGalaxies حساس بصورة خاصة لقوانين الجاذبية. وإذا عدلنا نماذجنا المقبولة لكيفية عمل الجاذبية – من خلال افتراض أنها تهرب إلى أبعاد أعلى على سبيل المثال – فإن الطريقة التي تتجمع بها المجرات سوف تتغير أيضاً. ولذلك تجري بيكر وآخرون محاكاة لكيفية تأثير الأبعاد الإضافية على هذا النموذج. ومن ثمَّ يمكنهم مقارنة نماذج المحاكاة التي أجروها بالمشاهدات، التي تصيرّ أكثر دقة وشمولاً دائماً. تضيف بيكر: «لقد وصلنا الآن إلى بلايين المجرات». وأي اختلافات، والتي ستكون طفيفة طبعاً، قد تكون دليلاً على وجود أبعاد أعلى.
ولعل أغرب ما تتضمنه الآثار الرصدية للأبعاد الإضافية هو ظهور جسيمات متشابهة Lookalike particles. فبعد إضافي هو في الأساس اتجاه إضافي يمكن للغرافيتون أن يسير وفقه، ويعتقد بعض علماء الفيزياء أن جسيمات أخرى تحمل القوة، مثل البوزونات W وZ، التي تحمل القوة النووية الضعيفة Weak nuclear force، يمكنها أيضاً أن تجتاز أبعاداً إضافية. ويترتب على ذلك أن هذه الجسيمات لابد وأن يكون لها زخم (كمية الحركة) Momentum في كل بعد إضافي، كما يقول عبيد. وفي فضائنا ثلاثي الأبعاد، سيظهر ذلك على هيئة كتلة إضافية. ومن الناحية العملية، نتوقع أن نرى بعض بصمات الغرافيتونات أو غيرها من الجسيمات الحاملة للقوة بالخصائص نفسها تماماً، باستثناء أن كتلتها ستكون ضعفي أو ثلاثة أضعاف كتلتها المعتادة، اعتماداً على عدد الأبعاد الإضافية الموجودة.
لا بد من القول إننا لم نرَ غرافيتوناً بعد، وإذا كان موجوداً فعلاً، فلابد أن يكون خفيفاً جداً أو حتى عديم الكتلة. ولكن من حيث المبدأ، يمكن إنتاج الغرافيتون من خلال تصادم الجسيمات في مصادم الهادرونات الكبير Large Hadron Collider بالقرب من جنيف، ثم يختفي بسرعة في أبعاد إضافية. أو قد نرصد جسيماً يشبه تماماً بوزون دبليو W boson ولكنه أثقل بعشر مرات. لقد بحث الفيزيائيون عن هذه العلامات وعادوا خالي الوفاض.
ستؤثر هذه الجسيمات المتشابهة أيضاً في خصائص الثقوب السوداء. فعندما تصطدم الثقوب السوداء ببعضها بعضاً أو بالنجوم النيوترونية، تصدر الطاقة في شكل موجات جاذبية، تماماً كما يحدث أثناء اندماج النجوم النيوترونية. ومع اقتراب انتهاء هذه العملية، يمر الثقب الأسود بمرحلة خاطفة تسمى الرنين المتخافت Ringdown حيث «ترن» الموجات لمدة جزء من الثانية كما يحدث عند نقر كأس بسكين.
خلال هذا الطنين Resonant الرنان القصير، تتناقص سعة Amplitude الموجات طبيعياً. ولكن إذا كانت الجسيمات المتشابهة موجودة فعلاً، فإنها ستحافظ على السعة أعلى لفترة أطول. وينقب الفيزيائيون حالياً في هذه البيانات بحثا عن هذه الأحداث على أمل سماع مثل هذه الإشارة. لن تُفاجأ عندما نخبرك أننا لم نصل إلى شي يستحق الاحتفال بعد، إذ لم يقل أحد إن العثور على بُعد خفي سيكون سهلاً.
ولكن هناك أمل جديد، على الأقل مع الابتكار الأخير لما يسمى البعد المعتم. ولن يكون اكتشاف هذا البعد سهلاً، ومع ذلك فإنه جذاب من جانبين. أولاً، قد يفسر طبيعة المادة المعتمة، وهي المادة التي نعرف أنها موجودة وتؤثر في شكل المجرات من خلال جاذبيتها، ولكننا فشلنا في تحديدها على الرغم من محاولات استمرت عقوداً من الزمن. ثانياً، يصر مؤيدوه على أن التجارب البسيطة قد تكشف قريباً عن وجود البعد المعتم، أو تستبعده.
في المستنقع
تكمن أصول هذه الفكرة في نظرية الأوتار. ومن بين الانتقادات الشديدة لهذه النظرية أنها تتنبأ بمجموعة هائلة من الأكوان المحتملة، المعروفة بــ«المشاهد (التضاريس) الطبيعية» Landscape وذلك اعتماداً على الكيفية التي تتجمع بها أبعادها الإضافية. ولمواجهة هذا بدأ وفا برنامجاً بحثياً قبل بضع سنوات لتحديد المناطق من المشاهد الطبيعية – بحثا عن أي نسخة من نسخ نظرية الأوتار ـ التي يمكن استبعادها لأنها لا تتوافق مع مشاهداتنا للكون. وأطلق وفا على هذه الأجزاء غير المقبولة من المشاهد الطبيعية اسم «المستنقع».
إذا كانت بعض المتغيرات في النظرية متطرفة، فلا بد أن يكون هناك وصف آخر يكون فيه الوصف الفيزيائي أبسط
أوصل برنامج أبحاث المستنقع المستمر وفا إلى عدة فرضيات رياضياتية، أحدها فرضية المسافة Distance conjecture. وتنص هذه الفرضية على أنه عندما تكون قيمة متغير فيزيائي Physical parameter متطرفة، فستكون هناك نتائج رياضياتية شاذة. يوضح وفا: «إذا كانت بعض المتغيرات في النظرية متطرفة، فلا بد أن يكون هناك وصف آخر يكون فيه الوصف الفيزيائي أبسط». ومن بين هذه المتغيرات قوة الطاقة المعتمة Dark energy، وهي القوة المجهولة التي تدفع أجزاء الكون بعيداً عن بعضها بعضاً. وعلى الرغم من العمل على مقاييس كونية Cosmic scales، فإن الطاقة المعتمة ضعيفة جداً. وبدءاً من عام 2022، طبق وفا فرضية المسافة على قوة الطاقة المعتمة ووجد أمراً مفاجئاً: فقد تنبأت بأن أحد أبعاد نظرية الأوتار سيكون أكبر بكثير من الأبعاد الأخرى وسيحتوي على مجموعة من الجسيمات.
وبعد الخوض في التفاصيل، وجد وفا أنه ووفقاً لهذا السيناريو فإن جسيمات غرافيتون متباينة الكتلة ستنتج بعد الانفجار الكبير (العظيم) Big bang بفترة وجيزة، وكان أغلبها سيتسرب إلى البعد المعتم، الذي يبلغ عرضه نحو ميكرومتر، أو ألف جزء من المليمتر، ما يجعله عملاقاً بين الأبعاد الأخرى. ولم يكن بوسعنا أن نكتشف هذه الجسيمات مباشرة، لكننا كنا لنشعر بتأثيرها. وكما كتب وفا في مراجعة Review نُشرت في 2024، فإن هذا البعد قد يفسر المادة المعتمة. ويقول: «يجمع هذا البعد الإضافي بين كل الخصائص التي نريد للمادة المعتمة أن تتمتع بها. ولا يتوجب علينا أن نفترض وجود جسيم جديد للمادة المعتمة، فالجاذبية نفسها هي هذا الجسيم».
فكرة وفا مبنية على فرضية غير مثبتة، لذا يمكن بسهولة أن تكون خاطئة. ولكنها تتمتع بميزة أن التحقق منها بدوره سهل نسبياً. ففي الزمكان الرباعي الأبعاد، تكون قوة الجاذبية بين كتلتين متناسبة عكسياً مع مربع المسافة بينهما، وهذا هو قانون التربيع العكسي Inverse square law لإسحاق نيوتن Isaac Newton. ولكن عندما يضاف بعد آخر، يجب أن تكون الجاذبية متناسبة مع مكعب المسافة بينهما. ولن يظهر هذا التأثير إلا على مقاييس مماثلة لعرض البعد المعتم. لذا، لاختباره سيحتاج الفيزيائيون إلى حمل كتلتين خفيفتين جداً تبعدان عن بعضهما البعض نحو ميكرومتر واحد والتحقق مما إذا كانت الجاذبية تمتثل لقانون التربيع العكسي أم لا.
لقد أظهرت التجارب التي أجراها فريق من الباحثين في جامعة واشنطن University of Washington أن قانون التربيع العكسي لا يزال ساري المفعول عند مسافات تبلغ 52 ميكرومتراً. ولكن التجارب المستمرة التي تجريها مجموعة في النمسا، والتي تضم أرمين شايغي Armin Shayeghi في الأكاديمية النمساوية للعلوم Austrian Academy of Science، تأمل في تقليص هذه المسافة. يتضمن عملهم جسيمات متأرجحة من بندول صغير يُوضع إلى جانب كتلة صغيرة أخرى. يمكن استنتاج التغيرات في قوة الجاذبية من تأرجح البندول. يقول شايغي: «إذا وجدت التجارب المستقبلية أن قانون التربيع العكسي يُنتهك عند مسافات صغيرة جداً، فسيكون لذلك آثار عميقة على فهمنا للكون». هذا، ويعتقد وفا أننا قد نحاول إجراء هذه التجارب على مقياس ميكرومتر واحد في غضون سنوات. ويستطرد: «لا يفصلنا عن ذلك الكثير».
سيكون عثور الفيزيائيين على أدلة دامغة على وجود هذا البعد المعتم كشفاً مذهلاً، أشبه بلقاء المربع في رواية الأرض المسطحة بالكرة. ولا شك في أن هذا أمر يصعب تصوره. ولكن من الناحية العلمية، كما تقول بيكر، «يمكن لتأكيد وجود أبعاد إضافية أن يحل الكثير من المشكلات».
© 2024, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.