كيف يمكن للمواد التي تعيد الضوء إلى الوراء أن تختبر أكثر أفكار الفيزياء تطرفًا؟
أخيرا، تتيح لنا المواد الصلبة الغريبة التي تسمى المواد الفائقة الزمنية إمكانية تحري فكرة الاحتكاك المثيرة للجدل، ودفع النسبية الخاصة إلى حدودها القصوى
بقلم جاكلين كوان
في تجربة مصممة لعكس الزمن، كان الجهاز بسيطًا بصورة مدهشة: إذ لم يكن أكثر من مجرد خزان ماء. فبنفخة من الهواء لتعكير سطح الماء، أنشأ إيمانويل فورت Emmanuel Fort مجموعة من التموجات تتحرك للخارج في دوائر متحدة المركز Concentric circles. بعد ذلك، مع انتشار الموجات، سدَّد للخزان ضربة مدروسة، عند تلك النقطة بدأت الموجات فجأة بالحركة نحو الداخل، لتتركز من جديد في نقطة المنشأ.
في عام 2016، كان عمل فورت هذا الأول في سلسلة من التجارب التي يجري فيها التلاعب بالموجات والتحكم فيها وحتى عكسها بدقة غير مسبوقة. وقد مضت تلك الأيام، فلم نعد نلعب بالماء فقط. إذ اكتشف الباحثون كيفية إنشاء مجموعة من «المواد الفائقة الزمنية» Temporal metamaterials القادرة على التلاعب بالموجات الكهرومغناطيسية Electromagnetic waves وإعادتها إلى الوراء، بما في ذلك الضوء المرئي نفسه، بدقة أكبر من أي وقت مضى.
لا يكمن مفتاح هذه المواد الغريبة إلى نحو كبير في الهندسة الدقيقة لترتيب ذراتها المكاني، بل في كيفية عملها في البعد الرابع، الزمن. فمثل الضربات السريعة لخزان المياه، تستطيع المواد الفائقة الزمنية أن تغير خصائصها جذريا في طرفة عين، وهذا يخلق نوعًا من الحدود التي تعمل مثل المرآة في الزمن، وهو ما يطبق مثل هذه القوة «الدقيقة» كهذه على الموجات.
لا تعد هذه المواد اختراعا مذهلا فحسب، بل صارت أيضا ساحة لعب غنية بصورة غير متوقعة إذ يمكن للفيزيائيين اختبار مجموعة من الأفكار الأساسية عند حدودها القصوى. ماذا يحدث عندما ترسل جسيمات كمّيّة Quantum particles عبر شق في الزمن؟ هل يوجد الاحتكاك Friction حقًا في العالم الكمي؟ وهل يمكننا إجراء اختبار متطرف للنسبية الخاصة Special relativity؟ نحن على وشك معرفة ذلك.
على الرغم من أننا ربما لا نفكر في الأمر كثيرا، فإننا نعلم أن المواد قادرة على التلاعب بالموجات. فالمرايا تعكس موجات الضوء، في حين تستطيع العدسات تركيزها. فعلى سبيل المثال، تبدو القشة في كوب من الماء منحنية، لأن السائل يحرف الضوء، مشوها الصورة. وكل هذا مفهوم منذ القرن السابع عشر، بالاستخدام الشهير لإسحاق نيوتن Isaac Newton للموشور Prism لفصل ضوء الشمس إلى قوس قزح. ولكن قِلةً فكروا فيما يحدث عندما تُعدّل خصائص انحناء الضوء لمادة ما بمرور الزمن.
البداية مع المواد الفائقة
قصة تغيُّر ذلك بدأت بالمواد الفائقة Metamaterials – أي المواد المصممة لتمتلك خصائص لا توجد في الطبيعة. والمثال الأكثر شهرة هو «عباءة الإخفاء» Invisibility cloak التي طورها جون بيندري John Pendry في عام 2006 في جامعة إمبريال كوليدج لندن Imperial College London. وكانت النسخة الأصلية من العباءة تحرف موجات الميكروويف (الموجات الدقيقة) Microwaves حول جسم ما بحيث تتصرف مساراتها وكأن العباءة غير موجودة، وقد أدت هذه الفكرة إلى ظهور مجموعة من المواد الفائقة الأخرى، بما في ذلك العباءات الصوتية Acoustic cloaks المصنوعة من صفائح رقيقة جدا يمكنها كتم أقوى الانفجارات. والآن تُختبر هذه العباءات في المستشفيات بالمملكة المتحدة كستائر محمولة بين الأسرة.
تعتمد هذه الاختراعات على أنماط نانوية Nanoscale patterns محفورة على سطح المادة. ولكن المادة الفائقة الزمنية تعتمد، بدلا من ذلك، على أنماط في الزمن. وعلى وجه التحديد، يعني هذا تغيير خصائصها بسرعة كبيرة بحيث تبدو كأنها فورية، ما يخلق ما يطلق عليه العلماء حدودًا زمنية Temporal boundary.
خطرت هذه الفكرة لأول مرة لمهندسي الكهرباء الذين كانوا يدرسون الخصائص العامة للموجات في أعقاب الحرب العالمية الثانية، حيث صارت الموجات الراديوية Radio waves والرادارRadar محط اهتمام بحثي كبير. وفي عام 1948، افترض دينيس غابور Dennis Gabor أن الحدود الزمنية يمكن أن تعكس الموجات وتعيدها في اتجاه معاكس، ولم يذهب أبعد من ذلك آنذاك. ولكن بالمضي مباشرةً إلى عام 2016، كانت لدى فورت، الذي يعمل في معهد لانجيفين Langevin Institute في باريس، فكرة اختبار الفرضية باستخدام موجات الماء، والتي يمكن رؤيتها بالعين المجردة.
لقد وضع خزان مياه على منصة يمكن تحريكها بسرعة. يقول: «إنك تهز الحوض باستخدام هزاز، فقط أعطه دفعة ابتدائية». لبضعة ميلي ثانية، يختبر تسارع الماء تغيرًا، ما يخلق حدودًا زمنية. عندما تضرب الموجات تلك الحدود، فإنها تنقسم إلى قسمين: جزء ينتشر إلى الأمام، والآخر ينعكس إلى الخلف. تعمل الهزة فعليا على تجميد الموجة ثم إعادة إطلاقها. وإذا ما تخلخلت Loosed، فإنها تكون قد «نسيت» الاتجاه الذي كانت تسير وفقه، ومن ثم من المحتمل أن تسير في أي من الاتجاهين.
يبدو الأمر بغرابة تشغيل مقطع فيديو بشكل عكسي. وكان الأمر أكثر غرابة عندما أنشأ فورت صورًا معقدة في التموجات. فقد استخدم قوالب Moulds وطبعات استنسل Stencils لإنشاء تموجات على شكل وجه مبتسم وبرج إيفل Eiffel tower (كما في الصورة أعلاه). هذه أيضا تتبعثر ثم تتشكل من جديد، مثل الخدع سحرية.
منذ إثبات فورت لمبدئه باستخدام خزان المياه، أخذ الباحثون الفكرة وعملوا عليها، فصنعوا مواد فائقة زمنية هندسية يمكنها التلاعب بالموجات الصوتية والكهرومغناطيسية. ومثال عن هذه المواد قائم على أكسيد الإنديوم والقصدير Indium tin oxide، يمكنه أن يتحول على الفور تقريبا من كونه شفافًا إلى عاكس.
تقدم هذه المواد طرقاً جديدة ومتنوعة تماما للتحكم في الموجات، ومن الواضح أن الصناعة متحمسة بشأن ما قد يؤدي إليه هذا. ففي كل شيء من أفران الميكروويف إلى كابلات الاتصالات، قد تكون آفاق القدرة على التحكم في الموجات بشكل أكثر دقة مفيدة جدًا. وقد حصل اتحاد بحثي Research consortium يسمى الاتحاد Meta4D مؤخرا على ما يقرب من 8 ملايين جنيه إسترليني لتطوير مواد فائقة زمنية، وشركات مثل شركة الاتصالات العملاقة BT هي من الشركاء في هذا الاتحاد.
وبعيدا عن التطبيقات العملية، تفتح هذه المواد آفاقًا جديدة لاختبار أفكار في الفيزياء كانت بعيدة المنال في السابق. فعلى سبيل المثال، كان ريكاردو سابينزا Riccardo Sapienza في جامعة إمبريال كوليدج لندن مهتما بإضفاء لمسة جديدة على تجربة الشق المزدوج Double-slit experiment الشهيرة التي أجراها توماس يونغ Thomas Young لأول مرة في عام 1801. ففي التجربة الكلاسيكية، مُرِّر الضوء من خلال شقين ضيقيّن. مرت الموجات عبر كل فتحة وانتشرت في عملية تسمى الحيود Diffraction، قبل أن تتداخل مع بعضها بعضا وتولِّد نمطًا من الخطوط الفاتحة والداكنة على الشاشة، وقد اعتُبرت التجربة دليلا على أن الضوء يمكن أن يسلك سلوك الموجة.
إعادة إنتاج تجربة الشق المزدوج
أعاد سابينزا وفريقه إنشاء هذه التجربة باستخدام الشقوق في الزمن وليس المكان، فصنعوا مادة أكسيد الإنديوم والقصدير، والتي يمكن أن تتغير من كونها شفافة إلى عاكسة في جزء من المليون من البليون من الثانية عند اصطدام الليزر بها. في عام 2023، أطلق الباحثون نبضتين من الليزر على المادة، ما أدى إلى إنشاء نافذتين قصيرتين يمكن للضوء المرور من خلالهما. فقد شاهدوا نمط تداخل Interference pattern، ولكن بدلا من تغيير سطوع الضوء، غيرت هذه التجربة تردده أو لونه. وهذا ما لم يجريه أحد من قبل.
إن تغيير تردد الموجات أمر مهم جدًّا في جميع أنواع التكنولوجيا، ولكنه أمر صعب حقًا. فعلى سبيل المثال، تُرسَل إشارات الرادار بكفاءة أكبر عند ترددات أعلى، ولكن يجب تحويلها إلى ترددات أقل عند استقبالها بواسطة الهوائيات، ونستخدم حاليا العديد من التقنيات لهذا الغرض، لكن يمكن أن تقدم المواد الفائقة الزمنية بديلا أبسط لها. يقول سابينزا: «ما يثير حماسنا حقا هو أن لدينا طريقة لتغيير الطريقة التي نفكر بها في كيفية تفاعل الضوء مع المادة».
إضافة إلى إعادة إنتاج الضوء، يمكن للمواد الفائقة الزمنية أن تساعدنا على اختبار سلوكه عندما يُبطّأ إلى وتيرة منخفضة، ومن ثم إخضاع نظرية النسبية الخاصة Theory of relativity لألبرت آينشتاين Albert Einstein لأدق فحص يطبق عليها حتى الآن.
ربما سمعت أن سرعة الضوء ثابتة، وهذا صحيح، ولكن فقط في الفراغ. تعتمد سرعة الضوء على الوسط الذي ينتقل عبره، وتحديدا على مؤشر انكسار المادة Material’s refractive index، الذي يصف قدرتها على إبطاء (وثني) أشعة الضوء. فالضوء ينتقل بسرعة نحو 300,000 كم/ث في الفراغ Vacuum، ولكنها تكون نحو 225,000 كم/ث فقط في الماء. فقد سجل الباحثون أقل سرعة للضوء حين سلطوه ليسير عبر غاز شديد البرودة Ultracold gas في عام 1999، حيث تثاقل بسرعة 17 م/ث، وهي سرعة سيارة تسير على طريق سريع.
ولكن ماذا يحدث عندما يُصَوَّب الضوء عبر وسط متحرك؟ تعامل أوغستان جان فرينل Augustin Jean Fresnel مع هذا السؤال في عام 1818. وتوقع أنه إذا مرَّ الضوء عبر مادة تتحرك في اتجاه معاكس لحركته، سيتعرض للإعاقة ويتباطأ، يشبه الأمر طائرة تدفعها الرياح المعاكسة للخلف. وكان مُحقًّا. بعد ثلاثة عقود من الزمن، قسَّم الفيزيائي الفرنسي هيبوليت فيزو Hippolyte Fizeau أشعة الشمس إلى شعاعين أرسلهما عبر تيارات من الماء تتدفق في اتجاهين متعاكسين. بعد ذلك، أعاد دمج الشعاعين وكشف نمط التداخل الناتج من ذلك أن الضوء الذي سار ضد التيار قد تباطأت سرعته فعلا، وإن كان بمقدار ضئيل.
أثبت آينشتاين لاحقا أنه يمكنك تفسير «مقاومة فرينل» Fresnel drag هذه باستخدام إطار النسبية الخاصة. فعندما يتحرك الماء مع اتجاه الضوء، تضاف طاقة الضوء إلى حركة الماء، ما يجعل الضوء يبدو وكأنه يتحرك أسرع. وعلى العكس من ذلك، إذا تحرك الماء باتجاه معاكس لاتجاه حركة الضوء، فإنها تُطرح من حركة الضوء، ما يجعله يبدو أبطأ. لكن إليكم الأمر: لم نختبر هذا إلا عند سرعات تدفق بطيئة إلى حد ما، لكن ماذا لو كان الضوء يسير عبر وسط يتحرك هو نفسه بسرعة قريبة من سرعة الضوء؟
في عام 2019، أوضحت بالوما هويدوبرو Paloma Huidobro، التي كانت تعمل آنذاك مع بيندري في جامعة إمبريال كوليدج لندن، كيف يمكن للمواد الفائقة الزمنية أن تختبر هذا الأمر أخيرا. وللإحاطة بالأمر، تخيل سطح المادة الفائقة وكأنه حشد من الناس يقومون بحركة الموجة المكسيكية Mexican wave. فالأفراد يتحركون فقط إلى أعلى وإلى أسفل، ولكن العمل الجماعي المشترك ينتج شكل اجتياح الموجة من وهم الحركة الجانبية.
لا يمكن لأي شيء تقريبا أن يجاري شعاعًا ضوئيًّا، أسرع جسم في الفيزياء، ولكن هناك طرق للاقتراب من سرعته
اختبار النسبية الخاصة
في المادة الفائقة الزمنية، يكون للأشياء التي تتحرك إلى الأعلى والأسفل عند كل نقطة خصائص مثل السماحية الكهربائية Permittivity، والتي تحدد كيف تؤثر المادة في الحقول الكهربائية Electric fields، والنفاذية Permeability، أو كيف تؤثر المادة في المجالات المغناطيسية Magnetic fields. ومع تباين هذه الخصائص، فإنها تخلق أنماطا يمكن أن تنتشر عبر سطح المادة بسرعات قصوى. إذا سُلّط شعاع ضوء عبر المادة، فإن هذه التموجات تُدفع للخلف عند الاقتراب من سرعة الضوء. يوضح بيندري: «لا يمكن لأي شيء تقريبا أن يجاري شعاعا ضوئيا – أسرع جسم في الفيزياء – ولكن هناك طرق للاقتراب من سرعته». ويقول سابينزا إنه كان يعمل على جعل هذه «الحركة التخليقية» Synthetic motion تعمل عمليا في المختبر، وهو يستعد لنشر نتائجه.
تتجاوز تطبيقات المواد الفائقة الزمنية حدود المعقول. فمن بين أغرب التنبؤات التي توصلت إليها ميكانيكا الكم Quantum mechanics أن الفراغ، أو الفضاء الفارغ لا يكون خاليا تماما أبدا، بل يعج بـ«جسيمات افتراضية» Virtual particle تتسلل إلى الوجود وتختفي منه، وهذه الجسيمات قصيرة العمر إلى الحد الذي يجعل قياسها مستحيلا عموما، ولكنها تخلف تأثيرات.
في عام 1948، تصور الفيزيائي الهولندي هندريك كاسيمير Hendrik Casimir وضع سطحين مستويين قريبين من بعضهما البعض في الفراغ، واعتقد أن هاتين الصفيحتين يجب أن تنجذبا إلى بعضهما البعض انجذابًا طفيفاً جدا، حتى ولو لم تكونا مشحونتين كهربائيا. وذلك لأن الجسيمات الافتراضية مقيدة من الظهور والاختفاء بحرية بينهما بسبب المساحة المحدودة، ما يولِّد حالة يوجد فيها عدد أكبر من الجسيمات الافتراضية خارج الصفيحتين مقارنة بما بينهما، وينتج من هذا ضغط بينهما يُعرف بتأثير كاسيمير Casimir effect.
الاحتكاك الكمي
إن تأثير كاسيمير حقيقي. ولكن بيندري يذهب إلى أبعد من ذلك. فقبل سنوات، اقترح أن الضغط على الصفيحتين لابد وأن يخلق احتكاكا بينهما إذا تحركتا، حتى ولو لم تتلامسا، وهو ما يسمى الاحتكاك الكمي Quantum friction. ولكن الفكرة ظلت تثير جدلا عميقا لفترة طويلة.
ولكن هل الاحتكاك الكمي حقيقة أم خيال؟ يقول ماريو سيلفيرينا Mário Silveirinha من جامعة لشبونة University of Lisbon في البرتغال إن المواد الفائقة تقدم وسيلة لحسم هذا الجدل. فمن المفترض أن يؤدي الاحتكاك الكمي إلى انبعاث جسيمات الضوء، ولكن هذه الفوتونات لن تنتج بكميات يمكن اكتشافها إلا إذا «احتكّت» الصفائح بسرعات هائلة. لذا، فإن خطة سيلفيرينها هي، مرة أخرى، استخدام الحركة الاصطناعية. تخيل مادتين فائقتين بجوار بعضهما البعض في فراغ، مع تموجات تجري على طولهما بسرعة فائقة. سيكون الأمر كما لو كانت الصفائح تتحرك بالنسبة إلى بعضها بعضا. وإذا أُطلقت الفوتونات، فسيكون ذلك دليلا قويًّا لصالح فرضية بيندري.
يقول سيلفيرينا، الذي يعمل الآن مع زملائه من الفيزيائيين التجريبيين لتجربة ذلك: «هذه طريقة واعدة جدا لاختبار الاحتكاك الكمي»، ويشير إلى أن هذه التجربة ليست مجرد إرضاء لفضول أكاديمي. فإذا كان الاحتكاك الكمي موجودا، فستكون له تطبيقات قوية: فهو يتخيل ليزرا يعمل بالحركة الاصطناعية، إذ عادةً ما تُمتص الفوتونات المُنشئة بواسطة الاحتكاك الكمي مرة أخرى في الفراغ الذي أتت منه. ومع ذلك، إذا كانت السرعة النسبية بين سطحين من المادة الفائقة عالية بما يكفي، سنتمكن من إنتاج الكثير منها بحيث تندفع إلى الخارج. ويقول سيلفيرينا إن هذه الفوتونات سوف تنبعث بترددات في نطاق التيراهيرتز، والتي تقع في النقطة بين الأشعة تحت الحمراء Infrared radiation وموجات الميكروويف Microwaves، حاليا من الصعب جدا تصنيع الليزر بأشعة تقع في هذه المنطقة.
ولكن في الوقت الحالي، لا تزال العديد من الأفكار المتعلقة بالمواد الفائقة المتغيرة مع الزمن في مهدها. ففي حين طور علماء الفيزياء مجموعة من الأدوات التحليلية لمساعدتهم على فهم سلوك الموجات في تكوينات مكانية مختلفة، فإن الزمن يمثل تحديًا جديدًا. ويسرع الفيزيائيون النظريون لمواجهة هذا التحدي، ويكافحون للتغلب على الحواجز العقلية المتعلقة بحدود الزمن. يقول الفيزيائي النظري سيمون هورسلي Simon Horsley من جامعة إكستر University of Exeter في المملكة المتحدة، والذي يتعامل مع هذه القضايا: «الزمن بُعد مختلف تماما عن المكان بسبب السببية Causality. لا يمكن أن تكون لديك عمليات متجهةً إلى الوراء في الزمن، لذا يصعب فهم الكثير من التأثيرات في هذه المواد».
وحتى في تجربة «الشقوق في الزمن» التي أجراها سابينزا، هناك تساؤلات حول كيفية تفسير ما يجري. فقد كانت المادة التي استخدمها فريقه قادرة على تغيير خصائصها بسرعة أكبر بكثير من المتوقع، ولا يفهم الباحثون تماما السبب وراء ذلك. ويقول سابينزا: «أعتقد أن الأمر ليس بديهيا إلى هذا الحد. فإذا أخبرتك أن الضوء يتفاعل مع مادة في الفضاء (المكان)، فسوف ترى بعينيك أنه يسير في اتجاهات مختلفة. ولكن عندما أخبرك أن الضوء يتفاعل مع ومضة زمنية، فمن الصعب جدا أن يكون لديك حدس حيال ذلك».
مع وضع كل ذلك في الاعتبار، فإننا مقبلون على فترة مذهلة في عالم المواد الفائقة الزمنية. يقول فورت إن الاستجابة لتجربته التي أجراها عام 2016 مع خزان المياه كانت هائلة. وعلى الرغم من أن فكرة عكس الموجات كانت موجودة منذ عقود، فإن رؤية تموجات الماء تعود إلى الوراء كانت عميقة وجميلة، ويقول: «حتى الفيزيائيين النظريين يرون ذلك ويقولون: ”واو. هذا صحيح، كل هذا صحيح حقا“».
© 2024, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.