لقاحات جديدة مقاومة للشيخوخة تَعد بالوقاية من أمراض مثل ألزهايمر
قد يكون من الممكن قريبا تلقيح أنفسنا ضد أمراض الشيخوخة، فنحافظ بذلك على صحة أجسامنا وأدمغتنا لفترة أطول
بقلم غرايام لاوتون
في غضون ما يزيد قليلا على خمسة أعوام، سأبلغ الستين من العمر، وهو أمر مرعب. فأنا أعاني بالفعل مرضاً من الأمراض المرتبطة بالعمر – ارتفاع ضغط الدم Hypertension – وسوف أكون محظوظا، في ضوء الاحتمالات، إنْ لم أشخّص بمرض آخر على الأقل بحلول ذلك الوقت. وبعد ذلك، من المرجح أن تتراكم الحالات الصحية المرتبطة بالعمر حتى النهاية الحتمية. وستكون القصة مماثلة بلا شك للكثيرين منكم. صرنا نعيش حياة أطول من ذي قبل، لكن تلك الأعوام الإضافية ليست بالضرورة أعواماً صحيّةً.
ومع ذلك، إذا كانت التطورات الأخيرة تشير إلى أيّ شيء، فقد يكون أبنائي أكثر حظا. فبدلا من مواجهة قائمة طويلة من الأمراض الشائعة في السبعينات والثمانينات من عمرهم، قد يكونون قادرين على تحصين أنفسهم ضدها. ويمكنهم الاحتفال بمنتصف العمر بلقاح Vaccine يجعلهم مُحصَّنين ضد داء ألزهايمر (تنطق آلزايمر) Alzheimer’s أو السرطان Cancer أو ارتفاع ضغط الدم. وقد يحصلون أيضا على ترياق شاف شامل (باناسيا) Panacea مقاوم للشيخوخة Anti-ageing سيلقّحهم ضدّ كل ما سبق وأكثر، مما سيساعدهم على مواجهة أعوامهم الأخيرة في حالة أصحّ مما يمكن أن يأمله معظمنا الآن.
في المعركة ضد أمراض التقدّم في السنّ، تبرز تكنولوجيا طبية قديمة فجأة يبدو أنها ستشكل نقطة تحول
في المعركة ضد أمراض التقدّم في السنّ، تبرز تكنولوجيا طبية قديمة فجأة يبدو أنها ستشكل نقطة تحول. إن اللقاحات، وهي الحقن التي نربطها في أغلب الأحيان بالأمراض المعدية مثل كوفيد-19 (Covid-19) والحصبة Measles، تُظهِر الآن نتائج واعدة في علاج الأمراض غير المعدية – بصورة خاصة تلك المرتبطة بالتقدم في السنّ. ويتقدم هذا المجال بسرعة كبيرة لدرجة أنّه إن توفرت الظروف المواتية فإن هناك إشارات إلى أنني – وآخرين في عمري – قد نستفيد من بعض هذه اللقاحات. ربما يبدو الأمر جيدا جدا لدرجة يتعذر تصديقها، لكن التلقيح ضد أسوأ جوانب الشيخوخة ليس سؤالا حول ما إذا كان مثل هذا التلقيح ممكنا، بل متى سيتوفر.
أول لقاح ناجح كان ضد الجدري Smallpox، اخترعه إدوارد جينر Edward Jenner عام 1796. فهناك الآن لقاحات مثل هذه لمعظم الأمراض المعدية، ويمكن القول إنّها واحدة من التدخلات الطبية الأكثر فعالية حتى الآن. وقد وجد تحليل حديث أنّه منذ عام 1974، نجحت اللقاحات في درء 154 مليون حالة وفاة في معظم أنحاء العالم، بما في ذلك 146 مليون حالة وفاة بين الأطفال دون عمر الخامسة.
الأساس المنطقي للتلقيح هو تزويد الجهاز المناعي بقطع صغيرة – تسمى مُسْتَضدَّات Antigens – من كائن مُعدٍ لإثارة الاستجابة المناعية وإنشاء ذاكرة مناعية، وبذلك سيكون التعامل مع مواجهة لاحقة مع المُمْرِض Pathogen الواقعي سريعا.
من السهل إلى حد ما تحفيز استجابة مفيدة من الجهاز المناعي في ردة فعل تجاه عامل مُعْدٍ لأن الجسم يتعرّف إليه على أنّه «مُغاير للذات» Non-self. من الناحية الأخرى، تنشأ الأمراض غير المُعْدِية Non-infectious diseases من خلايا الشخص نفسه، مما يجعل إثارة مثل هذه الاستجابة أصعب – لكنها ليست بالمستحيلة.
لقاح للسرطان
كان أول مرض غير مُعْدٍ استهدفه التلقيح هو السرطان. في أوائل ثمانينات القرن العشرين، حقن فريق من جامعة جونز هوبكنز Johns Hopkins University – في ميريلاند – 20 شخصا مصابا بسرطان القولون والمستقيم Colorectal cancer بخلايا هؤلاء المصابين السرطانية ممزوجة بلقاح BCG، وهو لقاح طوّر في الأصل ضد السلّ Tuberculosis لكنّه معروف أيضا بأنه منشط عام لجهاز المناعة. وكانت الفكرة هي إثارة استجابة مناعية ضد الأورام في المشاركين في التجربة.
وبعد ما يزيد قليلا على عامين، كان جميع الأشخاص الـ 20 لا يزالون على قيد الحياة في حين توفي 4 من الأشخاص الـ 20 في مجموعة التحكم (الضابطة/المقارنة) Control group، وهو فرق ذو دلالة إحصائية Statistically significant. وجدت تجارب أخرى استخدمت التقنية نفسها نتائج إيجابية مماثلة.
تختلف لقاحات السرطان عن اللقاحات التقليدية: فهي علاجية وليست وقائية. لكنها مع ذلك تعتبر لقاحات. يقول هوارد وينر Howard Weiner من كلية الطب بجامعة هارفارد Harvard Medical School، وهو يعمل على استخدامها علاجات، بما في ذلك لداء ألزهايمر: «اللقاح هو أي شيء يحفّز جهاز المناعة بطريقة تفيد المُضيف Host».
لكنّ التقدم في لقاحات السرطان كان بطيئا. تتميز الخلايا السرطانية بقدرة استثنائية على التخفي عن الجهاز المناعي، لأسباب ليس أقلها أنّها خلايا تنشأ من جسم الشخص نفسه. حتى الآن، أجريت أكثر من 600 تجربة إكلينيكيّة للقاحات السرطان. ومع ذلك، لم يصل حتى الآن سوى واحد منها إلى المستوى المطلوب وكان تأثيره معتدلا. وقد جرت الموافقة على بروفينج Provenge لعلاج سرطان البروستات Prostate cancer في الولايات المتحدة في عام 2010، لكنّه لم يحقق وفقا لسمير ميتراغوتري Samir Mitragotri من جامعة هارفارد Harvard University إنجازا مُبهرا. إنّه غالٍ نسبيا، وذو فائدة متواضعة، ولا يعتبر مجدياً اقتصاديّاً.
لكن لا يأس مع الحياة. إذ تبيّن أن العديد من الخلايا السرطانية ممتلئة بمستضدات غير موجودة عادة في جسم الإنسان. غالبا ما تنشأ هذه «المُسْتَضَدَّات المُسْتَحْدثة» Neoantigen بطفرات Mutation جينية داخل الخلية السرطانية ويمكن أن تمثّل هدفا مثيرا لجهاز المناعة. تقول نينا بهاردواج Nina Bhardwaj من كلية إيكان للطب في ماونت سيناي Icahn School of Medicine at Mount Sinai في نيويورك إنّ اكتشاف المُسْتَضَدَّات المُسْتَحْدثة ساعد على إنعاش هذا المجال. فعلى سبيل المثال، أظهرت تجربة بشرية حديثة باستخدام جزيء يسمى الحمض النووي المرسال mRNA لتحفيز إنتاج المستضدات المستحدثة نتائج واعدة في وضع علامات على خلايا سرطان الجلد الميلانومي Melanoma skin cancer لإرشاد الجهاز المناعي.
إن التقدم المتذبذب في هذا النهج في علاج السرطان لم يضعف الاعتقاد بأن الأمراض غير المعدية يمكن استهدافها بالتلقيح. تتميز العديد من الحالات المرتبطة بالعمر، بصورة خاصة، بتراكم مفرط لبروتينات معينة يمكن استغلالها لصنع لقاحات موجَّهة لها لإثارة استجابة مناعية.
على سبيل المثال، ربط داء ألزهايمر منذ فترة طويلة بتراكم أشكال معينة من بروتينين هما بيتا أميلويد Beta-amyloid وتاو Tau داخل خلايا الدماغ وحولها. إنّ الدور الدقيق الذي يؤديانه في المرض محطّ خلاف، لكنهما يظلان من أقوى المرشحين ليكونا عوامل مُسبِّبة.
ويجري تطوير لقاحات ضدّ كليهما، وهناك حاجة ماسة إليهما. هذه الحالة المنهكة والمميتة في نهاية المطاف هي شكل الخرف الأكثر شيوعا. في عام 2023، كان هناك نحو 6.7 مليون شخص في الولايات المتحدة تبلغ أعمارهم 65 عاما فما فوق يعيشون مصابين بداء ألزهايمر، ويمكن أن يرتفع هذا العدد إلى 13.8 مليون بحلول عام 2060 إن لم يحقق تقدم طبي سريع. والعلاجات الحالية محدودة جدا.
لقاحات لداء ألزهايمر
بحسب لغوانغوي ليو Guanghui Liu من الأكاديمية الصينية للعلوم Academy of Sciences في بكين، هناك ست تجارب إكلينيكيّة جارية على لقاحات ضد بيتا أميلويد أو تاو. الفكرة وراءها جلية إلى حد ما: يحتوي اللقاح على عنصر نشط مصمم لتحفيز جهاز المناعة لإنتاج أجسام مضادة ضد البروتينات. تعبر الأجسام المضادة الحاجز الدموي الدماغي Blood-brain barrier، وترتبط بالبروتينات وتحفّز خلايا الدم البيضاء لإزالة هذه البروتينات على أمل بأن يؤدي ذلك إلى إبطاء تطوّر المرض.
لكن كان هناك تحد: فبيتا أميلويد وتاو بروتينان طبيعيان يعبر عنهما في الدماغ، ومن ثمّ يتحملها الجهاز المناعي. ومع ذلك، تكون هذه البروتينات في صورتها المَرَضِيَّة معيبة التطوي. يقول ليو إن هذا الاختلاف يمثّل هدفا جديدا. وتتمثل الحيلة في تحفيز الاستجابة المناعية الطبيعية ضد هذه النسخ معيبة التطوي من البروتينات تحفيزا مُكثَّفا، باستخدام مواد مضافة إلى القاح تسمى المواد المساعدة Adjuvant، تنبّه الجهاز المناعي إلى الخطر.
لدى شركة الصناعات الدوائية البيولوجية السويسرية إيه سي إيميون AC Immune لقاحان لداء ألزهايمر يفعلان ذلك، وهما في مرحلة مبكرة من التجارب البشرية، لقاح ضدّ كلّ بروتين. فالهدف النهائي بحسب قول المتحدث باسم الشركة غاري واندرس Gary Waanders هو تلقيح الأشخاص في أولى مراحل داء ألزهايمر لإبطاء أو وقف تطور المرض. قد يشمل هذا الأشخاص الذين لمّا تظهر عليهم بعد أي أعراض على الإطلاق. يمكن لاختبار دم طُوِّر مؤخرا اكتشاف التغيّرات التي تحدثها الأمراض المرتبطة ببروتين تاو قبل ظهور أي تدهور Cognitive decline. يقول وينر: «لن تعطى اللقاحات في نهاية المطاف لعلاج داء ألزهايمر فحسب، بل للمساعدة على الوقاية منه كذلك».
كان أملي أثناء البحث من أجل هذا المقال هو أن تتاح الفرصة لأبنائي لتجربة مثل هذه اللقاحات، لكن واندرس لمّح إلى أنه قد تكون لدي أنا أيضا فرصة لتلقيها. ويقول إنّ لقاح بيتا أميلويد الذي تنتجه شركة إيه سي إيميون قد يطرح في الأسواق بحلول عام 2029 إذا سارت الأمور بسلاسة.
وفي الوقت نفسه، منحت إدارة الغذاء والدواء Food and Drug Administration الأمريكية مؤخرا لقاحا آخر مكسّرا للأميلويد – هو لقاح UB-311 من شركة التكنولوجيا البيولوجية فاكسينيتي Vaxxinity في كيب كانافيرال Cape Canaveral في ولاية فلوريدا – تصنيفاً سريع المسار Fast-track designation، لتسريع إجراءات عملية المراجعة. وأظهر الدواء نتائج واعدة في التجارب البشرية بحسب قول الرئيسة التنفيذية لشركة فاكسينيتي ماي ماي هو Mei Mei Hu، إذ استجاب 98% من الأشخاص للقاح. «طوروا أجساماً مضادة. عبرت هذه الأجسام المضادة الحاجز الدموي الدماغي Blood-brain barrier. واشتبكت مع الهدف. نجحنا في إبطاء التدهور المعرفي بنحو 50%». من المخطط اختبار العقار UB-311 في تجربة أكبر ستشمل نحو 3,000 شخص.
هناك طرق أخرى للاستفادة من الجهاز المناعي لإزالة بيتا أميلويد. إذ يختبر العلماء في مركز آن رومني للأمراض العصبية Ann Romney Center for Neurologic Diseases في بوسطن بولاية ماساتشوستس، بقيادة وينر، لقاحا يعطى عن طريق الأنف لتفعيل جهاز المناعة في العقد اللمفاوية Lymph nodes في الرقبة ومن هناك يرسل خلايا مناعية تسمى الوحيدات (مونوسايت) Monocyte إلى الدماغ. يقول وينر: «تذهب الوحيدات وتزيل الأميلويد». وتبيّن أن اللقاح يزيل بيتا أميلويد في نماذج الفئران Mouse models المصابة بداء ألزهايمر، وهو في طريقه الآن نحو التجارب البشرية المبكرة.
أيّ طرق مقاومة الشيخوخة تعمل بالفعل؟
ومن الواضح أنه ليس هناك ما يضمن أن أياً من لقاحات داء ألزهايمر هذه سوف تستخدم. إذ تبيّن فشل العديد من اللقاحات التجريبية بالفعل، إما بسبب نقص الفعالية أو ردود الفعل الضارة.
وبغضّ النظر عن ذلك، تظل الآمال في التغلب على هذه العقبات كبيرة. يقول وينر: «في يوم من الأيام، سنتمكن من علاج داء ألزهايمر والوقاية منه باللقاحات. لن يحدث هذا بين عشية وضحاها بالطبع. لكننا نعمل على تحقيق ذلك».
هناك شيء آخر قد يهتمّ أبنائي بمتابعته وهو التقدم المحرز في اللقاحات الموجّهة لأمراض الأوعية الدموية. مثل مئات الملايين من الأشخاص الآخرين في أنحاء العالم، أعاني ارتفاع ضغط الدم، وبما أنّه يميل إلى الانتشار في العائلات، فإنهما أكثر عرضة للإصابة به أيضاً.
علاجات الخيار الأول الحالية – الأدوية المعروفة بحاصرات قنوات الكالسيوم Calcium-channel blocker ومثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين ACE inhibitor التي تمنع تضيق الأوعية الدموية – فعالة، لكنها لا تعالج السبب الجذري وفقا ليوهوا لياو Yuhua Liao من جامعة هواتشونغ للعلوم والتكنولوجيا Huazhong University of Science and Technology في ووهان، الصين.
المنظّم الرئيسي لضغط الدم هو مُسْتَقْبِل في الشرايين. وعند تنشيطه يتسبب في انقباض الأوعية الدموية وارتفاع ضغط الدم. يمكن تعطيل المستقبل باستخدام أدوية تسمى حاصرات ألفا-1 Alpha-1 blocker، لكنّها تفتقر إلى النوعية وذات عمر قصير في الدم، لذلك لا توصف بمثابة أدوية خطّ أول. ولحلّ هذه المشكلة، اختبر لياو وزملاؤه في عام 2019 لقاحاً يثير أجساماً مضادة تحصر المستقبل الشرياني لدى الفئران، وكانت النتائج واعدة.
والحصيلة هي أن هناك تقدماً يعوّل عليه في اللقاحات أحادية الهدف من هذا النوع، وتطول قائمة الحالات المحتملة لأمراض الشيخوخة التي يمكن علاجها بهذه الطريقة. فهناك أشكال تخضع للاختبار تحاول مكافحة التهاب المفاصل العظمي Osteoarthritis وداء باركنسون Parkinson’s disease وحتى ارتفاع الكوليسترول. لكن في حين أن اللقاحات المخصصة للحالات المرضية الفردية تشكّل بالفعل إضافة مرحباً بها إلى ترسانتنا، إلّا أنّ هناك لقاحاً آخر مُرشَّحاً كنت أتابعه عن كثب بصورة خاصة.
شيخوخة الخلايا
إنّه لقاح مقاوم للشيخوخة Anti-ageing vaccine يخدم أغراضاً عامة، وهدفه هو الخلايا الهَرِمَة Senescent cells. عانت هذه الخلايا نوعا من الضرر الذي لا يمكن إصلاحه فتوقفت عن الانقسام، لكنها لا تموت. فعادة ما يتخلص منها الجهاز المناعي، لكن هذه العملية تتباطأ مع التقدم في السن فتتراكم الخلايا الهرمة في الأنسجة، وتفرز مزيجاً قويّاً من الجزيئات الالتهابية في محاولة يائسة لاستدعاء من يعدمها. إذا تركت هذه الإفرازات دون رادع، فإنها تصير شديدة السمية، مما يؤدي إلى إتلاف الأنسجة المحيطة بها وتسرّبها إلى مجرى الدم. تشير الأبحاث الحديثة إلى أنّ تراكم الخلايا الهرمة هو سبب مساهم في العديد من أمراض الشيخوخة.
اختبرت العديد من الأدوية التي تبدو قادرة على تدمير الخلايا الهرمة، وأظهرت نتائج واعدة مبكرة في أكثر من 40 مرضاً مختلفاً مرتبطاً بالعمر وفقا لجيمس كيركلاند James Kirkland من مايو كلينك Mayo Clinic في روتشستر Rochester، مينيسوتا. فهناك تجارب إكلينيكية (سريرية) متعددة جارية، لكن لم تصل حتى الآن سوى اثنتين إلى المرحلة التي يعطى فيها عدد كبير من الأشخاص الدواء الفعلي أو الدواء الوهمي (الغفل) Placebo لاختبار الفعالية، ووفقا لبنجامين لو كالفيه Benjamin Le Calvé من شركة ستارك إيج للعلاجات StarkAge Therapeutics في ليل بفرنسا، فإن فوائدها التي أثبتت حتى الآن محدودة. ويقول إن النهج الكلاسيكي لتطوير دواء: «ربما يكون قد وصل إلى حدوده من ناحية التطور الإكلينيكي».
والمشكلة الكبيرة هي أن معظم هذه «المركبات الحالّة (المُدمِّرة) للشيخوخة» Senolytic compounds تعمل من خلال عكس رفض الخلايا الهرمة الصارم لتفعيل آلية تدمير ذاتي – تسمى الموت الخلوي (الاستماتة) Apoptosis. ولكن هذه الأدوية قد تدفع الخلايا السليمة إلى المسار نفسه، مما يزيد من احتمال إتلاف الأنسجة غير المستهدفة.
وهنا يأتي دور اللقاحات. عادة ما تعبّر الخلايا الهرمة عن مستويات عالية جدا من مستضدات تكون غائبة أو شحيحة في الخلايا غير الهرمة. «مستضدات الشيخوخة» Seno-antigen هذه هي صرخة تطلقها الخلايا لطلب مساعدة جهاز المناعة، الذي بدوره يحشد قواته للتخلّص منها. ويعتقد الباحثون أنّ اللقاحات التي تستهدف مستضدات الشيخوخة يمكن أن تساعد على تعزيز استجابة الجهاز المناعي، فتدمّر الخلايا الهرمة وتترك الخلايا السليمة وشأنها.
نهاية الشيخوخة
في عام 2020، ابتكر فريق بقيادة هيرونوري ناكاغامي Hironori Nakagami في جامعة أوساكا للدراسات العليا في الطب Osaka University Graduate School of Medicine في اليابان لقاحاً ضد مستضد شيخوخة يسمى CD153، وهو موجود في الخلايا الهرمة التي تتراكم في الدهون الحشوية Visceral fatالموجودة في الأعضاء وحولها. فقد كان لدى الفئران التي لقّحت ثم وضعت على نظام غذائي مسبب للبدانة Obesity-inducing diet مستويات خلايا هَرِمة أخفض بكثير من مقارنة بالفئران البدينة العادية، كما كانت عملية استقلاب الغلوكوز Glucose metabolism لديها أفضل ومقاومة الإنسولين Insulin resistance أخفض. يقول ليو إنّ هذه الدراسة المهمة لا تظهر أنّ التلقيح يمكنه أن يقضي على الخلايا الهرمة فحسب، بل أنّه يحسّن وظائف فسيولوجية مهمة أيضاً.
وبعد مرور عام، أجرى فريق بقيادة تورو مينامينو Tohru Minamino في جامعة جونتندو للدراسات العليا في الطبّ Juntendo University Graduate School of Medicine في طوكيو باليابان دراسة مماثلة. هذه المرة، شمل العمل فئراناً هَرِمة وخلايا هرمة أيضاً في بطانة أوعيتها الدموية، وهذا عامل خطر معروف لتصلّب الشرايين Atherosclerosis، وهي العملية التي تتضيّق فيها الشرايين وتتصلب. فقد تمتعت الفئران الملقحة بفترة صحة Lifespan أطول – وهو مقياس للمدة التي ظلّت فيها بصحة جيدة – وعمر أطول من تلك التي تلقّت علاجا وهميا.
وهذا كلّه مشجع. يقول تورين فينكل Toren Finkel من جامعة بيتسبيرغ University of Pittsburgh في بنسلفانيا: «الأمر الواضح هو أن تسخير الجهاز المناعي يمثل استراتيجية جديدة، وربما قوية، لإزالة الخلايا الهرمة».
وعلى الرغم من التقدم الذي أحرز على جبهات مختلفة في مكافحة الخلايا الهرمة، فإن المجال الأول الذي قد يكون فيه لمثل هذه اللقاحات تأثير فعلي هو السرطان، وهو ما يعيد الوعد بلقاحات مضادة للشيخوخة إلى المكان الذي بدأ منه. وتكون الخلايا الهرمة أوضح لجهاز المناعة من الخلايا السرطانية. اجمع بين الاثنين، وستحصل على شيء رائع. في بعض الأحيان تهرم الخلايا السرطانية بصورة طبيعية. ويمكن إحداث ذلك بصورة اصطناعية باستخراجها وتعريضها للاشعاع. وأظهرت التجارب التي أجريت على الفئران أن حقن مثل هذه الخلايا مرة أخرى في الحيوانات – أو فعل الشيء نفسه مع الخلايا المناعية التي تعرضت لخلايا هرمة – يمكن أن يثير استجابة مناعية قوية مضادة للورم.
على سبيل المثال، في تجربة حديثة في جامعة سيول الوطنية Seoul National University في كوريا الجنوبية، أخذ فريق خلايا من ورم في الفئران، وحفّزوها لتصير خلايا هرمة، ثم أعادوا إدخالها خلال غشاء صغير يشبه المصفاة كي ينشئوا جسيمات صغيرة. وأدى حقن الجسيمات في المكان الذي أخذت منه إلى إحداث ردّة فعل مناعية قوية وثبّط نمو وانتشار الورم. قال الباحثون إنّ العملية بسيطة ويمكن تطويرها لصنع لقاحات سرطان شخصية.
لا توجد لآن تجارب إكلينيكية للقاحات خلايا هرمة، لكن كما يقول ليو هناك مساع لاختبارها على البشر، وإمكاناتها واضحة. يقول: «هناك حاجة إلى المزيد من التطوير، لكن اللقاح الحالّ للشيخوخة يقدّم استراتيجية واعدة لتخفيف نسبة المَرضية Morbidity، مُحسناً في نهاية المطاف صحة ورفاه الأفراد الإجماليين في أعوامهم الأخيرة». هذه أخبار جيدة لأبنائي – وربما أعيش أنا طويلا بما يكفي لأستفيد منها، وستساعدني في سنواتي المقبلة لقاحات أخرى مضادة للشيخوخة.
© 2024, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.