أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
حياة

قد تحتوي أقدم الصخور على الأرض أشكال حياة غريبة وعتيقة

حيَّرت أحافير موجودة في صخور يبلغ عمرها نحو 3.8 بليون عام علماء البيولوجيا لأنّها لا تشبه الخلايا الحديثة على الإطلاق، لكن يبدو الآن أنها قد تكون طلائع حياة عتيقة لم تكن قادرة على التحكم في بنيتها

بقلم مايكل لو بيج 

تحتوي أقدم الصخور على الأرض على أحافير Fossil غامضة لخلايا لا يبدو أنها تشبه أي شيئٍ على قيد الحياة حاليًا؛ مما ترك علماء البيولوجيا في حيرة بشأن كيفية تطورها. والآن، أظهرت التجارب أن هذه الأحافير قد تكون لخلايا بدائية تفتقر إلى القدرة على التحكم الكامل في شكلها؛ مما يجعلها طليعة Precursor للخلايا الحديثة التي نراها حاليا.

يبدو أن الصخور الرسوبية Sedimentary rock التي تشكّلت قبل ما يصل إلى 3.8 بليون عام – بعد وقت قصير من تشكّل الأرض نفسها – تحتوي على خلايا متأحفرة Fossilised؛ قد تكون آثارًا لحياة مبكرة جدا. وعُثر على هذه الأحافير الميكروية Microfossil، التي اكتشفت عام 1987، في مواقع متعددة في أنحاء العالم، لكنّها لم تكن كما توقعها علماء البيولوجيا.

يفترض أن الخلايا الحية الأولى كانت أبسط من الخلايا البسيطة التي تعيش حاليا مثل البكتيريا

يفترض أن الخلايا الحية الأولى كانت أبسط من الخلايا البسيطة التي تعيش حاليا مثل البكتيريا. البكتيريا الحديثة صغيرة الحجم – لا يتجاوز عرضها 1 أو 2 ميكرومتر – وليست ذات بنى داخلية. أمّا الخلايا المتأحفرة الموجودة في الصخور العتيقة فهي، وفقا لديراج كانابارثي Dheeraj Kanaparthi من معهد ماكس بلانك للكيمياء البيولوجية Max Planck Institute of Biochemistry في ألمانيا، أكبر بكثير؛ إذ يتراوح قطرها بين 60 و 70 ميكرومترًا، ويبدو أنّها ذات بنى داخلية. ويقول: «تبدو هذه الأحافير شديدة التعقيد. وهي أيضا كبيرة جدًّا. وهو أمر دائما ما نراه محيرًا».

وبسبب ذلك، هناك جدل حاد حول سبب تكوّن هذه الأحافير، وما إذا كانت بالفعل بقايا خلايا حية. الآن، لقي كانابارثي إجابة محتملة أثناء دراسة البكتيريا التي تنمو حول ينابيع المياه العذبة في قاع البحر الميت شديد الملوحة. وكانت لبعض هذه البكتيريا أشكال غريبة، وأدرك في النهاية أنّها نوع من الخلايا ليس لها جدار خلوي Cell wall، سميت بأشكال L على اسم معهد ليستر Lister Institute في لندن؛ حيث اكتشفت في ثلاثينات القرن العشرين.

في الحالة الطبيعة، يحدد جدار البكتيريا الخلوي الصلب شكلها، مثل وضع بالون ماء في صندوق، لكن الظروف المجهدة يمكن أن تزيل هذا الجدار. في معظم الحالات تنتفخ هذه البكتيريا «العارية» Naked وتنفجر بسبب التناضح Osmosis؛ لأنها تمتص الكثير من الماء. لكن في الظروف المالحة، يمكن لأشكال L هذه البقاء على قيد الحياة، وفي بعض الأحيان تنمو وتتنسخ نفسها Replicate.

والآن، أظهر كانابارثي وزملاؤه أنّه حين توضع أشكال L في ملوحة عالية، مثل تلك التي ربما وجدت في المناطق الساحلية حيث تشكلت الأحافير العتيقة، فإنّها تكتسب بنى تشبه – إلى حدّ كبير – بعض الأحافير الميكروية الغامضة.

تنمو الخلايا – اعتمادا على نوع الأملاح الموجودة وتركيزها – نموا كبيرا جدا، وتتشكل الكثير من الخلايا الجديدة بداخلها، مما يخلق انطباعا بوجود البنى الداخلية، مثل تلك الموجودة في الخلايا المعقدة. تطلق الخلايا الجديدة حين تنفجر الخلية الأم. تشبه هذه الأشكال L شبها كبيرا الأحافير الميكروية الموجودة في الصخور التي يبلغ عمرها 3.4 بليون عام في تكوين سترالي بول Strelley Pool غرب أستراليا.

وفي ظروف أخرى، تنمو الأشكال L إلى خيوط طويلة تنقسم إلى خلايا منفصلة، ​​تشبه الأحافير الميكروية الموجودة في تكوين Formation كليفيرفيل Cleaverville البالغ عمره ثلاثة بلايين عام، وهو في أستراليا أيضا.

يقول كانابارثي: «اعتقدنا أن هذه الخلايا ستنمو إلى فقاعات كبيرة ثم تنقسم إلى 1,000 قطعة. لكن في الواقع، إنّها تتكاثر بطريقة محددة جدًّا».

ووجد الفريق أن شكل هذه البكتيريا، وكيفية تكاثرها في ظلّ غياب جدار الخلية يتحددان بالظروف التي تتعرض لها أشكال L لا بجيناتها. يقول كانابارثي: «إنها تحت رحمة البيئة».

كما أن تكاثرها غير فعال إلى حد ما، إذ إن الكثير من محتوى الخلية الأم يميل إلى التسرب أثناء العملية. لكن هذا التسرب وفقا لـكانابارثي يمكن أن يفسّر رواسب الكربون الغامضة الموجودة خارج بعض الأحافير الميكروية. ويقول: «لم نتمكن من إعادة إنتاج أشكال الخلايا فحسب، بل جميع بنى الكربون العضوية المرتبطة بها أيضا».

ودرس الفريق أيضا كيف حفظت أشكال L وتأحفرت. وأظهروا، على سبيل المثال، أن بقايا الأشكال L يمكن أن تولِّد بنى مجهرية تشبه تلك الموجودة في صخور باك ريف Buck Reef التي يعود تاريخها إلى 3.4 بليون عام في جنوب إفريقيا.

وبناء على هذه النتائج، أشار الفريق إلى أنّ الخلايا البدائية كانت أيضا بلا جدار خلوي، ولم تكن تتحكم تحكما كاملا في شكلها وتكاثرها. ربما لم تكتسب هذه القدرة إلّا حين تطورت الجدران الخلوية قبل نحو 2.5 بليون عام.

يقول جيفري إرينغتون Jeffery Errington من جامعة سيدني University of Sydney في أستراليا، وهو أول من أشار إلى أن أشكال L قد تعكس هيئة الخلايا البدائية وذلك عام 2013: «أجروا عملًا شاملًا جدًّا ووجدوا أمثلة على أشكال ذات تشابهات مذهلة مع مجموعة واسعة من الأحافير الميكروية المقترحة».

يقول إرينغتون: «سيتوخى معظم العلماء الحرص؛ فـ 3.5 بليون عام فترة طويلة جدا على أن تحفظ الحفرية طوالها. ومع ذلك، فإن النتائج تدعم بالتأكيد فكرة أن الخلايا البدائية الشبيهة بأشكال L سكنت الكوكب بعد وقت قصير من انخفاض درجة حرارة الأرض بدرجة كافية لدعم الكيمياء القائمة على الكربون».

يقول دينيس كلايسن Dennis Claessen من جامعة ليدن Leiden University في هولندا: «من الصعب تحديد ما إذا كانت الظروف المستخدمة تعكس فعلا ظروف الأرض المبكرة. ومع ذلك، فأنا أوافق على أن هذه الخلايا يمكن أن تمثل كيفية تكاثر أشكال الحياة المبكرة، وتفسر الأحافير الميكروية المبكرة المكتشفة».

© 2024, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى