ما مقدار التمرين الذي يحتاج إليه الأطفال حقًّا – وما نوعه؟
ترتبط اللياقة البدنية الأفضل للأطفال بصحة ووظائف معرفية أفضل في وقت لاحق من الحياة، لكن الغالبية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لا يحصلون على ما يكفي من اللياقة، إليك ما يمكن للوالدين فعله.
بقلم كاثرين دي لانج
لم أكن طفلة رياضية. لم يقم أيٌّ من والدَي بأي تمرين، وإن كانا يظنان أنني كنت أحافظ على لياقتي في المدرسة فقد كانا مخطئين. بالتفكير في الأمر، فإن هذا كان خطأً كبيرًا، حيث صار من الواضح بشكل متزايد – أن النشاط البدني مهم جدًّا لنمو الطفل المعرفي والجسدي؛ حيث إنه يضع الطفل على مسار أكثر صحة للسنوات المقبلة.
إذن، كيف يمكنني القيام بما هو أفضل لطفليّ؟ يبلغ طفلاي من العمر 5 و7 سنوات، وتنص إرشادات الصحة البدنية – في المملكة المتحدة – على أن أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و18 عامًا يجب أن يمارسوا 60 دقيقة من النشاط المعتدل إلى القوي في المعدل يوميًا، وهذا يشير إلى النشاطات التي تجعلهم يشعرون بالسخونة والتعرق قليلًا (مثل اللعب في ساحة اللعب أو المشي السريع). كما أن المبادئ التوجيهية للولايات المتحدة تنص على توصيات مشابهة.
قد يبدو أن التمرن لساعة في اليوم يبدو كثيرًا، ولكن تذكر أن الأطفال يميلون للتمرن بكثرة على شكل فترات نشاط وفترات راحة، وفقا لروس جاغو Russ Jago، من جامعة بريستول University of Bristol في المملكة المتحدة. أضف إلى ذلك اللحظات التي يقضونها في الركض حول الملعب، أو في النوادي الرياضية بعد المدرسة، عندها يصير تخيل ساعة من الرياضة اليومية أمرًا ممكنًا. من المفيد أن تشدد الإرشادات على متوسط 60 دقيقة يوميًا، قد تكون بعض الأيام أكثر نشاطًا، والبعض الآخر أقل نشاطًا، وهذا أمر لا بأس به.
ومع ذلك، لا أتمكن من إخبارك حقًا بما يفعله أطفالي في المدرسة، لذلك أنا لا أعرف ما إذا كانوا يستوفون الإرشادات. ولا يقتصر هذا الأمر عليَّ وحدي. يقول سيمون كوبر Simon Cooper، من جامعة نوتنغهام ترينت Nottingham Trent University في المملكة المتحدة: «إن قياس النشاط البدني أمر صعب بشكل عام، وربما يكون قياس النشاط البدني عند الأطفال أكثر صعوبة». تعتمد العديد من الدراسات على التقارير الذاتية، والتي لا يمكن الاعتماد عليها. وحتى عندما يستخدم الباحثون أجهزة مثل مقاييس التسارع، فإن هذه ليست الحل السحري، لأننا لا نعرف ما إذا كان الأطفال يرتدونها باستمرار.
نشاط غير كاف
يبدو أن هناك إجماعًا على أن معظم صغار السن لا يحصلون على ما يكفي من التمارين الرياضية
على الرغم من ذلك، يبدو أن هناك إجماعًا على أن معظم صغار السن لا يحصلون على ما يكفي من التمارين الرياضية. في الولايات المتحدة، يستوفي 21% ممن تتراوح أعمارهم بين 6 و 17 عامًا الإرشادات. وفي المملكة المتحدة، يستوفي الإرشادات نحو 60% من الأطفال في سن السادسة مدة ساعة في اليوم، لكن هذا ينخفض بشكل مطرد، بمعدل 2.5 دقيقة يوميًا مع تقدمهم في السن، بحسب ما يقول ياغو. بحلول الوقت الذي يذهب فيه الأطفال في المملكة المتحدة إلى المدرسة الثانوية، تنخفض مستويات النشاط انخفاضًا كبيرًا. وجد بحث ياغو أن نحو 40% فقط من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و11 عامًا يستوفون الإرشادات. ويقول: «من الملاحظ مدى انخفاض الفرص المتاحة عندما تنتقل إلى المدرسة الثانوية، إذا لم تكن في أحد فرق النخبة». وهذا الأمر واضح بشكل خاص عند الفتيات.
إضافة إلى مقدار الوقت المستغرَق في النشاط، يتجاهل العديد من الناس جزءًا آخر رئيسيًا من الإرشادات، كما يقول جاغو، ألا وهو أن الأطفال في المرحلة الدراسية يجب أن يقوموا بمجموعة متنوعة من الأنشطة التي تختلف في شدتها على مدار الأسبوع؛ لتطوير قوة العظام ومهارات الحركة واللياقة البدنية العضلية. يقول: «إنهم بحاجة إلى القيام ببعض الرمي، وبعض الإمساك، وبعض القفز، وبعض التخطي، وبعض التحرك لتطوير قوة العضلات والمهارات الحركية التي سيحتاجون إليها في المستقبل».
كل هذا مهم لأن التمرين له فوائد معروفة، وتزداد الفوائد التي نعرفها يومًا بعد يوم. تتعلق بعض المكاسب الصحية طويلة الأجل بعوامل الخطر لحالات مثل مرض السكري من النوع 2، وأمراض القلب والأوعية الدموية. يقول كوبر: «نحن نعلم أن عوامل الخطر هذه تعود إلى مرحلة البلوغ؛ لذلك إذا كان الشباب نشطين… فمن المرجَّح أن يصبحوا بالغين أصحاء».
صحة العظام هي مشكلة كبيرة أخرى، حيث يجب على الأطفال القيام بنشاط تحميل الوزن، على سبيل المثال القفز على الترامبولين أو استخدام إطار التسلق.
عندما يتعلق الأمر بالدماغ، حتى التمارين الرياضية القصيرة يمكن أن تحسن الأداء العقلي لدى صغار السن. وجد عدد من الدراسات أن جلسة واحدة من التمارين الرياضية تزيد من الوظيفة التنفيذية، والتفكير عالي المستوى الذي يعد مفتاحًا لصنع القرار المعقد، والذاكرة، والقدرة على التركيز على الأجزاء الرئيسية من المعلومات. يقول كوبر: «في الأطفال، هذا ما سيكون مهمًّا في المدرسة». هناك تأثيرات على المدى الطويل في وظائف الدماغ أيضًا، مع ارتباط اللياقة البدنية العامة بوظائف معرفية أفضل.
من المهم أيضًا إدراك أن الأطفال إذا شكلوا علاقة إيجابية مع التمرين، فمن المرجح أن يستمروا في ذلك مع تقدمهم في السن.
تمرين الأطفال الرُضَّع
لكن هذا النوع من التكييف لا يبدأ في سن المدرسة. حتى الأطفال الرضع لديهم إرشادات للنشاط البدني، حيث توصي المملكة المتحدة بأن يقوم الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 1 و4 سنوات بـ 180 دقيقة يوميًا. وهذا يشمل أشياء مثل المشي بخطوات صغيرة، وطرطشة الماء في البرك، ولعب الألعاب. بحلول الوقت الذي يبلغون فيه الثالثة من العمر، يجب أن يدمجوا 60 دقيقة من النشاط المعتدل أو القوي كجزء من ذلك الوقت النشط العام. قد يبدو هذا شاقًا، لكن كاثرين هيسكيث Kathryn Hesketh، من جامعة كامبريدج University of Cambridge، تقترح التفكير في الأمر من حيث توفير المزيد من الفرص للأطفال؛ لتسهيل تنقلهم ببساطة. أخرجهم من العربة واتركهم يسيرون إلى المنزل، على سبيل المثال، حتى لو كان ذلك يبدو بطيئًا بشكل لا يطاق. ابحث عن طرق للعب المزيد من الألعاب أيضًا. تقول هيسكيث إن هناك نقطة اتزان؛ حيث يتداخل فيها اللعب والنشاط. وتقول: «هذه النقطة الصغيرة في المنتصف تمثل اللعب النشط»، وهذا هو الجزء الذي ترى فيه الفوائد الصحية للتمرين، ولكن أيضًا فوائد الصحة العقلية الإضافية من اللعب.
إذا كنت، مثلي، قلقًا أن أطفالك لا يفعلون ما يكفي، فتذكر أنه لم يفت الأوان قطُّ للبدء في فعل المزيد، ولكن ابدأ بأشياء صغيرة، وابحث عن الأشياء التي يستمتعون بها حقًا. يقول كوبر: «أفضل نشاط بدني هو أي نشاط بدني سيقومون به بالفعل». الهدف هو أن يبدو النشاط شيئًا طبيعيًا وأن يكون عادة.
يمكن أن تساعد أيضًا التغييرات الصغيرة في الطريقة التي نتحدث بها مع أطفالنا. غالبًا ما نطلب إليهم التوقف عن الركض، والجلوس، بحسب ما تقول هيسكيث. وهذا يمكن أن يخنق ميلهم للنشاط. في الواقع، تظهر الأبحاث أن الأطفال ذوي السلوك الجيد يميلون إلى أن يكونوا أقل نشاطًا. هذا مهم بشكل خاص عندما نفكر في التوقعات المتأصلة للطريقة التي يتصرف بها الفتيات والفتيان.
تقول هيسكيث: «هناك تصور مفاده أنه يُسمح للأولاد بأن يكونوا أكثر نشاطًا من الفتيات. حتى من الفئة العمرية الأصغر، 3 أشهر فما فوق، تكون مقاييس النشاط البدني أعلى للأولاد. أعتقد أنه من المهم حقًا أن نسمح للجميع بأن يكونوا نشطين».
أما الأطفال الأصغر سنًا؛ فحاول تشجيع اللعب المحفوف بالمخاطر والمغامرة. تقول هيسكيث: «صار المجتمع أكثر كرهًا للمخاطر، وتظهر بعض الأبحاث التي نجريها أن السلامة تشكل حاجزًا كبيرًا أمام النشاط البدني. ومع ذلك، تظهر الأبحاث أن الأطفال الذين لديهم لعب أكثر مغامرة لديهم نتائج أفضل للصحة العقلية».
يقول جاغو: «إذا كنت أحد الوالدين، فإن الرسالة الرئيسية هي معرفة ما يعجبهم، وهو ما يعني – على الأرجح – تجربة أشياء متعددة. الرسالة الرئيسية الأخرى هي أن تفعل أكثر قليلًا مما تفعله الآن».
© 2024, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.