أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تكنولوجيا

قوة الذكاء الاصطناعي في رعاية البيئة وتحسين الصناعة

خلف الكواليس، يُحدث الذكاء الاصطناعي تحولًا في كفاءة وأداء الشركات. ولكن الصورة الأكبر هي النتائج المترتبة على الاستدامة العالمية

بقلم نيو ساينتست

يقول جيمس كول James Cole، كبير مسؤولي الابتكار في معهد كيمبريدج لقيادة الاستدامة Cambridge Institute for Sustainability Leadership (اختصارا: المعهد CISL)، في المملكة المتحدة: «لم نمتلك قط مثل هذه الأدوات القوية للتغلب على التحديات التي نواجهها في مجال الاستدامة Sustainability. لأنظمة الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence (اختصارا: الذكاء الاصطناعي AI) القدرة على مساعدتنا على فهم العالم بكل تعقيداته؛ لتحسين العمليات الصناعية لتحقيق نتائج شمولية في الأعمال والنواحي الاجتماعية والبيئية».

بُشِّرَ بوصول الذكاء الاصطناعي AI عبر القطاع الصناعي، باعتباره الثورة الصناعية العظيمة المقبلة. لكن على عكس الثورات السابقة التي كانت تؤدي عادة إلى تسريع استهلاك الموارد، فإن الذكاء الاصطناعي AI يوفر الفرصة لخفض الهدر مع تعزيز الكفاءة إلى مستويات لم نحلم بها من قبل. وفي هذا السياق، تعمل شركة التكنولوجيا العالمية سيمنز Siemens على تعزيز العلاقة الناشئة بين الصناعة المعزَزة بالذكاء الاصطناعي AI، والرعاية البيئية في الوقت الذي يسعى فيه المجتمع نحو تحقيق صافي انبعاثات كربونية صفري Net-zero carbon emission.

الذكاء الاصطناعي AI، في جوهره، برنامجٌ يؤدي المهمات التي تتطلب بصورة تقليدية ذكاء بشريا، مثل فهم نص، وتحديد أنماط معقدة، وعمليات نمذجة، وإجراء تنبؤات. لكن في السياق الصناعي، تجب هندسة أنظمة الذكاء الاصطناعي AI لتحقيق الموثوقية والأمن. ويتيح ذلك دمجها في الركيزة الصناعية للاقتصادات، وتحسين العمليات في كل شيء بدءا من الرعاية الصحية والتنقل، وصولا إلى توليد الطاقة والبنية التحتية.

لنأخذ، على سبيل المثال، إدارة المياه. إحدى طرق تحسين استدامة المياه هي تقليل الكمية التي نخسرها بالتسريبات. ومع ذلك، فإن تقادم الأنابيب والحركات الأرضية تجعل التسريب أمرا لا مفر منه. يقول آدم كارترايت Adam Cartwright، مدير استراتيجية الصناعة لبرامج المياه ومياه الصرف الصحي في شركة سيمنز: «نحو 30% من مياه الشرب التي ينتجها العالم تُهْدَر – وهو رقمٌ مرتفعٌ ارتفاعا صادما. في كل مرة تتجنب فيها الهدر، فإنك لا توفر المال فحسب، بل تدير موارد المياه الثمينة إدارة أفضل أيضا».

شركة VA SYD هي إحدى أكبر شركات المياه في السويد، وتوفر مياه الشرب لأكثر من نصف مليون زبون. في السابق، كانت تخسر 10% من مياهها، لكن لم تكن لديها وسيلةٌ لكشف التسريبات الصغيرة.

ذكاءٌ مائي
بتدريب نموذج ذكاء اصطناعي AI على البيانات التاريخية من شبكة المياه التابعة لشركة VA SYD، تعلم تطبيق سيمينز ليك فايندر Siemens Leak Finder (كاشف أماكن التسريب لسيمنز) كشف التسريبات وتحديد موقعها، حتى الصغيرة منها التي لا تخسر أكثر من 0.25 لتر في الثانية. وقد أتاح ذلك لشركة VA SYD تخفيض التسريبات إلى مستوى عالمي رائد يقلّ عن 8%.

وفي الوقت نفسه، تعمل شركة سيمنز مع شركة يوركشاير ووتر Yorkshire Water وجامعة شيفيلد University of Sheffield، باستخدام الذكاء الاصطناعي AI لحماية البيئة في الطرف الآخر من دورة المياه. في أنظمة الصرف الصحي المشتركة، تتدفق مياه الأمطار ومياه الصرف الصحي المنزلية بعضها مع بعض إلى محطات معالجة المياه. صُمِّمت منافذ الصرف الصحي المشتركة لتصريف المياه الزائدة ومياه الصرف الصحي إلى الأنهار في حالة هطول الأمطار الغزيرة، للحيلولة دون وقوع فيضانات في المناطق العامة. أحد التحديات هو أن الانسدادات في الأنابيب يمكن أن تؤدي إلى تصريف لا داعي له، لكن من الصعب اكتشاف هذه الانسدادات (انظر الرسم البياني).

ولمعالجة هذه المشكلة، طوّرَت شركة سيمنز نظام ذكاء اصطناعي AI متنبئ بالانسداد دُرِّبَ على بيانات من آلاف أجهزة الاستشعار الموجودة في منافذ الصرف الصحي التابعة لشركة يوركشاير ووتر، إضافة إلى بيانات هطول الأمطار. تعلّم هذا الذكاء الهيئة التي ستبدو عليها شبكة الصرف الصحي التي تعمل بصورة صحيحة في ظروف جوية مختلفة. عندما يكتشف نظام المراقبة في الذكاء الاصطناعي AI تدفقات في الشبكة تتصرف تصرفا غير متوقع، فإنه يحاكي الانسدادات المحتملة في مواقع مختلفة؛ ليستنتج المكان الذي قد يتطور فيه انسدادٌ فعلي.

اكتشف نظام التنبؤ 90% من المشكلات المحتملة؛ أي أكثر فعالية بثلاث مرات من الأساليب الإحصائية التقليدية. وأعطى تحذيرا قبل الانسدادات الوشيكة بمدة وصلت إلى أسبوعين، وخفّض المعدل السابق للإنذارات الكاذبة إلى النصف.

مستقبلا، يتفكّر كارترايت بإمكانية الذكاء الاصطناعي AI والتكنولوجيا الرقمية في تخفيض الكربون والأثر البيئي؛ بإدارة استخدام المياه والطاقة بعناية أكبر. يقول: «إن ضخ المياه يمثل 2-3 % من استخدام الطاقة في البلاد». وبضمان أن تُضَخَ حين تكون الطاقة في أرخص حالاتها وأكثرها خضرة (صداقة للبيئة)، يمكن للذكاء الاصطناعي AI أن يخفّض تكاليف المياه ويزيد مرونة كلا القطاعين.

يساعد الذكاء الاصطناعي AI بالفعل على معالجة التأثير البيئي لجزء رئيسي آخر في البنية التحتية للمجتمع الحديث: مراكز البيانات. استهلاكها للطاقة كبيرٌ، وتُسْتَهْلَك معظم هذه الطاقة لإبقاء آلاف الخوادم Server باردة.

لكن خذ بالاعتبار منشأة مراكز بيانات غرين إنيرجي Greenergy Data Centers في إستونيا. تستخدم الشركة حصرا الطاقة المتجددة، وقد خفضت بصمتها البيئية Environmental footprint، وتكاليف الطاقة باستخدام الذكاء الاصطناعي AI.

تنتج الخوادم الحرارة بحسب كمية عملها، لكن هذه الكمية قد تتغير بسرعة أكبر مما يمكن أن تتفاعل معه أنظمة التبريد التقليدية. ولمواجهة ذلك، طورت شركة سيمنز برنامجا مدعوما بالذكاء الاصطناعي AI يستخدم بيانات درجة الحرارة وتدفق الهواء اللحظية التي تجمعها أجهزة الاستشعار في جميع أنحاء مركز البيانات، إضافة إلى معلومات حول كمية عمل الخوادم. يستطيع النظام – بعد ذلك – توقع احتياجات التبريد للحفاظ على درجات الحرارة المثالية في جميع أنحاء المنشأة.

يقول كيرت إيفرت Kert Evert، مدير التطوير في مراكز بيانات غرين إنيرجي: «عندما شغلنا النظام أول مرة، رفع كفاءتنا بنسبة %30 تقريبا بضغطة زر».

إنه مثالٌ على كون الذكاء الاصطناعي AI جزءا من الحل لأحد التحديات المرتبطة به، وذلك نظرا للمخاوف بشأن كمية الطاقة التي يتطلبها الذكاء الاصطناعي AI. هنا تشير بينا شلومبس Pina Schlombs، رئيسة قسم الاستدامة في شركة سيمنز لبرمجيات الصناعات الرقمية Siemens Digital Industries Software، إلى أن توقعات كفاءة حوسبة الذكاء الاصطناعي AI المستقبلية تتحسن تحسنا هائلا.

وتقول: تفكّر أيضا في نموذج ذكاء اصطناعي AI في مجال صناعي يعمل على تسريع تصميم المنتج لتحقيق التأثير البيئي الأمثل على مدى الحياة، أو زيادة كفاءة الموارد والطاقة. تضيف: «بمنظور شمولي، يمكننا قياس ما إذا كانت فوائد الذكاء الاصطناعي AI في مجال الاستدامة تفوق الموارد اللازمة لتدريبه وتشغيله».

ويستطرد كارترايت قائلا إننا للوصول إلى فوائد الذكاء الاصطناعي AI في أي صناعة، فإن الخطوة الأولى هي الاستفادة الكاملة من البنية التحتية الحالية، وشبكات البيانات، وأجهزة الاستشعار. إذا كانت هناك حاجةٌ إلى أجهزة إضافية، فيجب أن يكون ربطها سهلا بالأجهزة الحالية وبرامج إدارة الأصول ببروتوكولات قياسية آمنة. يقول كارترايت: «إن هذا التوافق التشغيلي Interoperability هو المفتاح لدعم الاحتياجات المتنوعة والمتطورة للتطبيقات الصناعية». ويمكن للمؤسسات بعد ذلك الاستفادة من تقارب الذكاء الاصطناعي AI مع التقنيات الأخرى؛ إذ باستطاعة هذا التقارب المساعدة على التغلب على المشكلات المعقدة بسرعة وعلى نطاق واسع.

وتعكس برامج التسريع التابعة للمعهد CISL هذه الإمكانية، إذ دعمت أكثر من 350 شركة ناشئة في الأعوام الثلاثة الماضية، بما في ذلك تلك التي أظهرت قوة الذكاء الاصطناعي في حل التحديات المعقدة. تُحدث شركة مونومو Monumo، على سبيل المثال، ثورة في تصميم المحركات الكهربائية؛ إذ تمكّن من إجراء عمليات محاكاة تصميم أكثر من الطرق التقليدية، ومن ثمّ تتوصل بصورة أسرع إلى حلول فيما يتعلق بتصاميم المركبات المُوفرة للطاقة.

يجعل كل هذا الذكاء الاصطناعي AI حليفا في جهود البشرية لبناء مستقبل أكثر ذكاء وصداقة للبيئة. يوافق كول ويقول: «يتمتع الذكاء الاصطناعي AI بالقدرة على مساعدتنا على اتخاذ قرارات أفضل بفهم أعمق. يسهل هذا التعاون بصورة أفضل بين الصناعات، لتعزيز التوافق حول كيفية الوصول إلى غد مستدام».

© 2024, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى