أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فضاء

هل أصبحنا على وشك مشاهدة النجوم الأولى في الكون؟

غيَّر الجيل الأول من النجوم مسار التاريخ الكوني. والآن، بفضل تلسكوب جيمس ويب الفضائي، لدينا فرصة حقيقية لرصدها.

بقلم ستيوارت كلارك

كما هي الحال مع نقاط التحول الكونية جميعها، تصعب معرفة تاريخ ولادة النجوم الأولى. فعندما ظهرت إلى الوجود بعد الانفجار الكبير (العظيم) Big Bang بما يتراوح بين 200 و400 مليون سنة، تسببت الطاقة المتدفقة منها في تمزيق ذرات الغاز التي كانت تعمل على تبريد الكون، وإعادة تسخينها في عملية تسمى إعادة التأين Re-ionisation. ثم، وبعد احتراق هذه الذرات وانتهائها (موتها أو فقدانها لهويتها)، خلّفت مزيجًا من العناصر الكيميائية التي أعدّت الكون لتوليد المجرات Galaxies والكواكب Planets، وفي نهاية المطاف الحياة نفسها.

ولا عجب في رغبة علماء الفلك في إلقاء نظرة على هذا الجيل النجمي الأول؛ فالنجوم مذهلة منذ بداياتها؛ فقد كانت ضخمة وساطعة جدًّا، ويُعتقد أن كتلتها كانت تصل إلى 300 ضعف كتلة شمسنا، وحرارتها أعلى منها بعشر مرات. لكن رصدها قد يخبرنا أيضًا بالكثير عن المرحلة المبكرة الغامضة من الكون، ولا سيما كيف أصبح مملوءًا بالثقوب السوداء فائقة الكتلة Supermassive Black Holes خلال ما يبدو زمنًا قصيرًا بشكل لا يُصدَّق.

والآن، قد نكون على وشك الاقتراب. ففي وقت سابق من هذا العام، أفاد علماء الفلك بأن تلسكوب جيمس ويب الفضائي James Webb Space Telescope (اختصارًا: التلسكوب JWST)، من خلال تركيز قدرته الرصدية المتفوقة على الأطراف الخارجية لمجرة بعيدة جدًّا، ربما رصد فعلًا أدلة على وجود النجوم الأولى. تقول هانا أوبلر Hannah Übler، من جامعة كامبريدج University of Cambridge: «إن عمليات الرصد التي يمكننا إجراؤها الآن تدفع معرفتنا إلى الأمام حقًا». قد يتضح أن هذه الإشارة كانت إنذارًا كاذبًا. ولكن الأمر المثير للحماسة الآن هو أن آخرين صاروا يهتمون بإشارات مختلفة للضوء المبكر للكون. بل إن هناك بعض الاقتراحات بأن النجوم الأولى قد تكون مختبئة على مسافة أقرب منا مما كنا نعتقده ممكنًا سابقًا.

ولفهم جاذبية النجوم الأولى، وكيف يمكننا التعرف إليها، من المفيد أن نعرف أن النجوم عمومًا ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالتركيب الكيميائي للكون. فقد نتج عن الانفجار الكبير وحده اثنان من أخف العناصر، هما: الهيدروجين Hydrogen والهيليوم Helium (إضافة إلى شذرات من الليثيوم Lithium والبيريليوم Beryllium). أما العناصر الأثقل، مثل: الأكسجين الذي نتنفّسه، والحديد الذي نستخرجه من المناجم، والفضة التي نفوز بها كجوائز، فقد تشكلت في قلب النجوم؛ إذ أدى الاندماج النووي Nuclear Fusion إلى لصق الجسيمات تحت (دون) الذرية Subatomic Particles معًا لتكوين ذرات أكبر. ومع موت النجوم وانفجارها، انتشرت هذه العناصر عبر الكون، لتتحد مكونةً نجومًا جديدة، أنتجت عناصر أثقل فأثقل. والحقيقة أن ما يقولونه صحيح: فنحن مؤلَّفون من غبار النجوم.

النجوم البدائية
يقسم علماء الفلك النجوم التي اكتشفناها حتى الآن، إلى نوعين: نجوم الجمهرة الأولى Population I، مثل شمسنا، وهي الأحدث وتحتوي على أعلى نسبة من العناصر الثقيلة. ونجوم الجمهرة الثانية Population II، أقدم وتحتوي على نسبة أقل من العناصر الثقيلة. ولكن من المنطقي أن يكون هناك نوع ثالث: النجوم الأقدم جدًّا، والتي تتكون حصريًا من الهيدروجين والهيليوم. هذه هي نجوم الجمهرة الثالثة Population III.

في وقتنا الراهن، إذا نما نجم ما لتكون كتلته أكبر من 100 كتلة شمسية مثلًا، فإنه سينتج قدرًا كبيرًا من الطاقة الداخلية فينزعُ الضغطُ الناتج طبقاتِه الخارجية ويُطلقها في الفضاء (يقشرها عنه). وهذا يضع حَدًّا أعلى للكتلة التي يمكن أن يصل إليها نجم حديث. لكن الأمر ليس كذلك مع نجوم الجمهرة الثالثة. فافتقارها إلى عناصر أثقل يعني أن الضغط الخارجي ليس قويًا. يقول سيمون غلوفر Simon Glover، من جامعة هايدلبرغ University of Heidelberg في ألمانيا: «إذا تشكل نجم فائق الكتلة من الجمهرة الثالثة، فإنه سيظل كذلك». وبناءً على هذه الافتراضات، لطالما اعتقد علماء الفيزياء الفلكية أن أغلبية النجوم الأولى لا بد أنها كانت عملاقة غالبًا، وعادة ما تكون أثقل بمئات المرات من شمسنا.

إن الافتقار إلى العناصر الثقيلة يعني أيضًا أن النجوم الأولى كان لا بد من أن تصبح أكثر كثافة وسخونة لتوليد الطاقة اللازمة للبقاء مستقرة، من خلال منع الانهيار. وكلما كان النجم أكثر سخونة وأكبر حجمًا، كان عمره أقصر. لذلك يعتقد علماء الفلك أن النجوم الأولى عاشت حياةً سريعة وماتت فتية، ومن المحتمل أن عمرها لم يتجاوز الخمسة ملايين عام. وإذا كان هذا صحيحًا، فيجب أن تكون النجوم الأولى كلها قد ماتت منذ فترة طويلة. لكن في علم الفلك يعادل النظر إلى الأجسام البعيدة جدًّا النظر إلى الوراء في الزمن، نظرًا للزمن الذي يستغرقه ضوؤها للوصول إلينا؛ لذا، على الرغم من أن رؤية واحد من النجوم الأولى أمر صعب جدًّا، لكنه ليس مستحيلًا.

أحد الأسباب التي تجعل العلماء حريصين على رؤية النجوم الأولى يتعلق بلغز الثقوب السوداء فائقة الكتلةSupermassive black holes ، التي تتراوح كتلتها بين مليون وبلايين مرة من كتلة الشمس. ونعلم أن أحد هذه الوحوش يقع في مركز كل مجرة ​​تقريبًا. فكيف تصل إلى هناك؟ حسنًا، عندما انفجرت النجوم الأولى وماتت، لا بد من أنها نشرت طبقاتها الخارجية في الفضاء، مع انهيار الكتلة المتبقية إلى ثقوب سوداء، كل منها يزن ما بين 10 و 100 كتلة شمسية. وعلى الأرجح أن هذه الثقوب السوداء الوليدة اصطدمت بعضها ببعض بمرور الوقت، وتغذت على النجوم المارة وسحب الغاز Gas Clouds، لتنمو تدريجيًا إلى الثقوب السوداء فائقة الكتلة التي نراها حاليًا.

ولكن هناك مشكلة. فكلما ازداد توغُلنا في تاريخ الكون، ذُهلنا أكثر لرؤية مجرات مكتملة التكوين تقريبًا، وثقوب سوداء فائقة الكتلة، والتي لا ينبغي لها أن توجد؛ لأنها لم تحظَ بالزمن الكافي لتتشكل. يقول غلوفر: «إنه واحد من الألغاز الكبرى في الوقت الحالي: كيف يمكن أن تتشكل ثقوب سوداء فائقة الكتلة في وقت مبكر جدًّا من عمر الكون؟».

أصول الثقب الأسود
يعتقد غلوفر أن هذا قد يخبرنا بشيء جديد وغير عادي عن النجوم الأولى، وهو ليس الوحيد في ذلك؛ فقد نظر عدد من الفرق مرة أخرى في نماذجهم الحاسوبية الخاصة بهم، وكانت هناك مفاجأة في انتظارهم: من المحتمل أنه مع رفع عملية إعادة التأين لدرجة حرارة الغاز في الكون، انهارت هذه السحب الأكثر سخونة لتشكل نجومًا منفردة ذات كتل عالية جدًّا. وبدلًا من مئات الكتل الشمسية، نحن نتحدث عن بضع عشرات الآلاف من الكتل الشمسية. يوضح غلوفر: «قد يمنحك هذا سبيلًا لإنشاء بعض الثقوب السوداء الفائقة الكتلة الأولى»؛ وذلك لأنها ستجمع الكثير من الكتلة التي ستنهار مباشرة إلى ثقب أسود بعد فترة وجيزة قضتها في كونها نجمًا فائق السطوع Hyperluminous. ولكن لإثبات هذه الفكرة، نحتاج إلى العثور على النجوم ومعرفة ماهيتها حقًا.

مبدئيًا، هناك طريقة للقيام بذلك. وهي تستخدم تقنية تسمى التحليل الطيفي Spectroscopy، والتي تعني قياس كثافة مجموعة من أطوال الموجات الضوئية Wavelengths. وبما أن العناصر المختلفة تمتص أطوالًا موجية محددة؛ لذا فإن التحليل الطيفي يعطينا قراءة تشبه بصمةً للنجم، ليبين العناصر التي يحتوي عليها النجم بالضبط والكمية الموجودة منها. ومنذ خمسينات القرن العشرين، كان العلماء يجرون مسوحات طيفية للسماء، بحثًا عن نجوم تحتوي على كميات ضئيلة من العناصر الثقيلة؛ فقد عثروا بالتأكيد على بعض النجوم القديمة جدًّا، لكن لم يتأهل أي منها ليكون عضوًا حقيقيًا في الجمهرة الثالثة.

من المؤسف أنه، حتى تلسكوب جيمس ويب الفضائي، الذي صُمِّم خصيصًا للنظر إلى أبعد مدى ممكن في أقاصي الكون، لا يستطيع رؤية نجوم الجمهرة الثالثة مباشرة. ولكن الخبر السار هو أنه قد يكون قادرًا على رصدها من خلال تأثيراتها.

كانت الإشعاعات الشديدة التي انبعثت من هذه النجوم قادرة على إضاءة السحب الغازية المحيطة بها، ونزع الإلكترونات من ذرات الهيليوم الموجودة هناك، ما أدى إلى تكوين أيونات الهيليوم 2 Helium II ions. ثم عادت بعض هذه الإلكترونات لتتحد مع ذراتها الأصلية، مخلِّفةً وهجًا. وبما أن السحب الغازية المتوهجة ضخمة مقارنة بالنجوم، فيجب أن تكون رؤيتها أسهل بكثير، وهذه هي السحب التي تعتقد أوبلر وزملاؤها أنهم اكتشفوها.

وبالعمل مع روبرتو مايولينو Roberto Maiolino من جامعة كامبريدج وآخرين، استخدمت أوبلر أداة مطياف الأشعة القريبة من تحت الحمراء Near-Infrared Spectrograph instrument الموجودة على تلسكوب جيمس ويب لدراسة مجرة ​​بعيدة أُعلن اكتشافها أولًا عام 2016. آنذاك، كانت هذه المجرة واسمها GN-z11، أقدم مجرة ​​شوهدت على الإطلاق، إذ يبلغ عمرها 13.4 بليون عام. وهذا يجعلها مرشحة رئيسية لوجود نجوم من الجمهرة الثالثة في هالتها Halo، وهي الأطراف الخارجية للمجرة؛ حيث يتجمع الغاز الابتدائي.

وعندما حصل الباحثون على البيانات الخاصة بالمجرة GN-z11، وجدوا بعض الأدلة الأولية على وجود الهيليوم 2 قريبًا من المجرة؛ بما يكفي ليكون موجودًا في هالتها. وقد تقدموا بطلب للحصول على مزيد من الوقت لاستخدام تلسكوب جيمس ويب وحصلوا عليه، ما مكنهم من إلقاء نظرة أكثر دقة على محيط المجرة GN-z11. وكشفت نتائجهم، التي نُشرت هذا العام، عن مؤشرات أكثر انتشارًا على وجود الهيليوم 2. فهل وجدوا الدليل القاطع على وجود نجوم الجمهرة الثالثة؟

ربما. ولكن مجرد إمكانية أن تصدر عن نجم من الجمهرة الثالثة هذه الإشارة لا تعني أن هذا هو ما نراه (أي نجم من الجمهرة الثالثة)؛ فقد تكون هناك تفسيرات أخرى. يقول غلوفر: «هناك مجرة ​​قريبة نسبيًا، وهي I Zwicky-18، تحتوي على الكثير من الهيليوم شديد التأين، لكننا لا نعتقد أن مصدره نجوم من الجمهرة الثالثة». بدلًا من ذلك، يُعتقد أن الإشعاع المؤيَّن الموجود هناك هو نتيجة لسحب نجم نيوتروني Neutron Star شديد الكثافة، أو ثقب أسود لغاز من نجم. بعبارة أخرى، فإن التأكد من أن الغاز المتوهج ناتج عن نجم من الجمهرة الثالثة متوقف على استبعاد التفسيرات الأخرى.

يدرك مايولينو هذا جيدًا. ويقول: «لهذا السبب ما زلنا نقول إن هذه النتيجة أولية». وفي محاولة لتحديد مصدر الإشعاع المؤيَّن بشكل قاطع، مُنح هو وزملاؤه 40 ساعة أخرى من الوقت المطلوب في تلسكوب جيمس ويب لقضائها فقط على هذا المصدر. وقد حُدّد موعد عمليات الرصد في مايو 2025، وهي مصممة لالتقاط حتى أضعف آثار العناصر الثقيلة. وإذا رأوا هذه الآثار، فهذا سيشير إلى أن المسؤول ليس نجمًا من الجمهرة الثالثة. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فقد يكون دليلًا قاطعًا. ويستطرد مايولينو: «نحن ندفع تلسكوب ويب إلى أقصى حد».

أحداث الاضطرابات المدِّية
ولكن طريقة أوبلر ومايولينو ليست الطريقة الوحيدة المتاحة لنا. فقد اقترحت رودراني كار تشودري Rudrani Kar Chowdhury، من جامعة هونغ كونغ وزملاؤها أخيرا أنه يمكننا البحث عن الانفجارات Flares شديدة السطوع التي تنبعث من نجوم الجمهرة الثالثة أثناء تمزيق الثقوب السوداء لها، وهي العملية المعروفة باسم حدث الاضطراب المدّي Tidal Disruption Event (اختصارًا: الحدث TDE). وتقول تشودري: «يكتشف تلسكوب جيمس ويب ثقوبًا سوداء فائقة الكتلة [في أقاصي الكون] ومجرات ضخمة أيضًا. وهذا جعلنا نفكر في نجم [من الجمهرة الثالثة] أسرته ثقوب سوداء فائقة الكتلة».

عندما يمزق ثقب أسود نجمًا، فإنه يطلق كتلة أكبر مما يستطيع الثقب الأسود ابتلاعه بسهولة. وهذا يؤدي إلى خلق بيئة مضطربة جدًّا، فيها يسخُن غاز النجم ويتوهج. وعندما يحدث هذا لنجم من الجمهرة الأولى أو الثانية، يتفاعل الإشعاع مع العناصر الأثقل مثيرًا رياحًا نجميةStellar Wind تعمل على تبريد الغاز المتبقي، ما يسمح له بالاستقرار في الثقب الأسود. ولكن من الناحية النظرية، فإن عدم وجود عناصر أثقل في نجوم الجمهرة الثالثة من المفترض أن يمنع تدفقات التبريد هذه، ومن ثم يبقى الغاز ساخنًا وساطعًا لفترة أطول.

إذا تمكنا من اكتشاف بعض منحنيات الضوء لمثل هذا النوع من أحداث الاضطرابات المدية النجمية الضخمة، حينها يمكننا استخلاص خصائص نجوم الجمهرة الثالثة

وهذا يعني أن سطوع أحداث الاضطرابات المدية ومدة توهجها، المعروف بمنحنى الضوء Light Curve الخاص به، يمكن ربطه بالكتلة والكثافة ومحتوى العناصر الثقيلة للنجم الممزّق. وتوضح تشودري: «لذا، إذا تمكنا من اكتشاف بعض منحنيات الضوء لمثل هذا النوع من أحداث الاضطرابات المدية النجمية الضخمة، حينها يمكننا استخلاص خصائص نجوم الجمهرة الثالثة».

لن يكون رصد هذه الأحداث سهلًا. فعلى الرغم من أنها تقع ضمن حدود كشف تلسكوب جيمس ويب، وتلسكوب نانسي غريس رومان الفضائي Nancy Grace Roman space telescope القادم والتابع لوكالة ناسا، فإن الفريق يحسب أن مثل هذه الأحداث نادرة ولا يمكن التنبؤ بها أساسًا، وهذا من شأنه أن يمنح تلسكوب رومان الأفضلية؛ لأنه مصمَّم لمسح مساحة أكبر من السماء. تقول جانيت تشانغ Janet Chang، زميلة تشودري، والتي تعمل أيضًا في جامعة هونغ كونغ: «مقارنة بتلسكوب جيمس ويب، فإن رومان يغطي مساحة أكبر بنحو مئة مرة من السماء، وهذا يعطيه فرصة أكبر للاكتشافات».

ولكنَّ هناك منعطفا أخيرا في هذه القصة. فبينما يواصل أغلب علماء الفلك التركيز على الكون البعيد جدًّا في بحثهم عن نجوم الجمهرة الثالثة، بدأ آخرون الشك في وجود بعض الناجين من تلك الحقبة الابتدائية في فنائنا الكوني الخلفي.

كانت النماذج الأولى لنجوم الجمهرة الثالثة الأولية، والتي بدأت عملية إعادة التأيُّن وإعادة تسخين الغازات في الكون، تشير إلى أن وزن النجوم جميعهًا قد يصل إلى مئات الكتل الشمسية. لكن التقدم في قوة الحوسبة الذي شهده العقد الماضي سمح لعلماء الفلك بإجراء عمليات محاكاة أكثر تعقيدًا. تُظهر عمليات المحاكاة هذه أن النماذج الأولى ربما أهملت تأثيرات الدوران على سحابة الغاز المنهارة التي أصبحت النجم، خاصة عندما يتعلق الأمر بسحب الغاز الأبرد قليلًا.

عندما تنهار سحابة غازية باردة نسبيًا، فإنها تتسطح بشكل طبيعي إلى قرص – تخيل عجينة البيتزا الدوارة. وهذا يعني أن الكتلة الأولية للسحابة لا تنتهي كلها في النجم المركزي. بل إنها بدلًا من ذلك تنتشر إلى القرص المحيط؛ إذ تتفتت إلى نجوم أصغر من الجمهرة الثالثة. يقول غلوفر: «لم نعد نعتقد أنك تشكِّل نجمًا واحدًا فائق الكتلة. بل من المحتمل أن تحصل – في الواقع – على نطاق واسع من الكتل النجمية تهيمن عليها النجوم فائقة الكتلة».

قد يكون بعض هذه النجوم صغيرًا جدًّا، بحجم نصف كتلة شمسنا مثلًا. وكما نعلم مسبقًا، فإن كتلة النجم تتناسب عكسيًا Inversely مع عمره، لذا سنتوقع أن تقتصد هذه الأجرام السماوية الهزيلة، بإمداداتها من الوقود النووي Nuclear Fuel لعشرات البلايين أو حتى تريليونات السنين. يقول رالف كليسن Ralf Klessen، من جامعة هايدلبرغ: «لو أُنتجت نجوم الجمهرة الثالثة بكتل أقل من 0.8 أو 0.7 كتلة شمسية، فإن هذه النجوم تعيش لفترة أطول من عمر الكون؛ لذا فإن كل نجم من هذه النجوم يجب أن يبقى موجودًا».

هناك حتى سبب للاعتقاد بأن بعض هذه النجوم قد تكون مختبئة على مقربة منا. ففي عام 2018، رأينا أقدم النجوم المُكتَشفة حتى الآن من خلال مسوحات السماء الطيفية. يُدعى هذا النجم SMSS J1605-1443، ويحتوي على جزء من المليون فقط من الحديد الموجود في الشمس، ويقع في هالة درب التبانة Milky Way. لا يمكن أن يكون هذا نجمًا من الجمهرة الثالثة، ومن المرجح أن يكون سلفًا مباشرًا، لأنه مازال يحتوي على بعض الحديد، والغريب أنه يحتوي على كمية كبيرة نسبيًا من الكربون. لا نفهم تمامًا التركيب غير المعتاد لهذا النجم. لكنه علامة على أن النجوم القديمة جدًّا قد لا تبدو تمامًا كما نتوقعها، ويمكن العثور عليها بالقرب منا.

إضافة إلى ذلك، كشفت دراسة حديثة لتصنيف من النجوم التي جمعتها بعثة غايا Gaia التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية European Space Agency عن 200 ألف نجم في مجرة ​​درب التبانة تبدو كأنها تفتقر بشدة إلى العناصر الثقيلة. وهذا يمنحنا عددًا هائلًا من الأهداف. وبطريقة أو بأخرى، لا يسعك إلا أن تتساءل عما إذا كنا سنتمكن من رؤية أول أضواء الكون الأولى، في وقت أقرب كثيرًا مما تصوره أي شخص من قبل.

© 2024, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى