هل ستعزز الغرساتُ التي تدمج العقولَ بالآلاتِ القدراتِ البشريةَ؟
إن الأجهزة التي تمكّن المصابين بالشلل من المشي والتحدث تتحسن بسرعة. يستشفّ البعض مستقبلًا نغير فيه الذكريات وننزّل المهارات، لكنه لا تزال هناك تحديات كبيرة
بقلم إنغليد ويكلغرين
لقد تفوق عليَّ سايبورغ Cyborg. عندما لعبت لعبة ويب غريد WebGrid على الإنترنت، باستخدام إصبعي على لوحة تتبع الحاسوب المحمول للنقر على مربعات تظهر بصورة غير متوقعة على شبكة، كانت سرعتي 42 مربعًا في الدقيقة. عندما لعبها نولاند أربو Noland Arbaugh، وهو شخص يعتبر نفسه سايبروغا، استخدم شريحة مدمجة في دماغه لإرسال إشارات تخاطرية إلى حاسوبه. سرعته؟ 49.
في عام 2016، أصيب أربو بالشلل من الرقبة إلى أسفل جسمه. في يناير، صار أول شخص تُزْرَعُ فيه شريحة جراحيا من صنع شركة نيورالينك Neuralink، وهي شركة أسسها إيلون ماسك Elon Musk. منذ ذلك الحين، صار أربو يشغّل هاتفه وجهاز حاسوبه بأفكاره، ويتصفح الويب ويلعب لعبة الحضارة Civilization والشطرنج.
لكن شركة نيورالينك ليست الشركة الوحيدة التي تدمج العقول البشرية مع الآلات باستخدام واجهات الدماغ والحاسوب Brain-computer interface (اختصارا: الواجهات BCIs)؛ فبفضل سلسلة من التجارب، يستعيد عدد متنام من الأشخاص المصابين بالشلل، بسبب إصابات الحبل الشوكي Spinal cord، أو السكتات الدماغية Stroke، أو الحالات المرضية الحركية قدراتهم المفقودة. يقول جراح الأعصاب جيمي هندرسون Jaimie Henderson، من جامعة ستانفورد Stanford University في كاليفورنيا، إن النجاحات فاجأت بعض الباحثين. «لقد كانت رحلة مدهشة».
سنكتشف في المستقبل إلى أين يقودنا هذا. تفكّر ماسك أخيرًا، في صنع زرعة إلكترونية ستمكننا من التنافس مع الذكاء الاصطناعي الفائق Artificial superintelligence. ويرتئي آخرون تأثيرات أعمق. يقول رافائيل يوستي Rafael Yuste، من جامعة كولومبيا Columbia University في نيويورك: «في المستقبل، سنتمكن من التأثير في الإدراك البشري والذكريات والسلوك والهوية».
لكن، ومع أنّ الواجهات BCI مثيرة للإعجاب بصورة لا يمكن إنكارها، وهو ما بيّنته نتيجة أداء أربو في لعبة ويب غريد، إلّا أنّ العلاقة بين نشاط الدماغ والأفكار والأفعال معقدة تعقيدا غير معقول. إن المستقبل الذي يمكن فيه زرع الذكريات وتنزيل المهارات مغر، لكن ستكون هناك تحديات لا تصدَّق يجب التغلب عليها.
أول خطوة في عمل الواجهة BCI هي كشف الإشارات الكهربائية من العصبونات (الخلايا العصبية) Neuron؛ باستخدام أقراص معدنية، أو أسلاك، أو أقطاب كهربائية تُولَج في الدماغ، أو تحت الجمجمة، أو توضع فوق فروة الرأس. تُرْسَلُ بعد ذلك هذه المعلومات إلى حاسوب حيث تُعالَج وتُتَرْجَمُ إلى أوامر تمكن الشخص من كتابة جملة، أو التحكم في جهاز روبوتي على سبيل المثال.
كُنَّا قادرين على سحب البيانات من الدماغ بهذه الطريقة لعقود من الزمن. في عام 1998، زرع الباحثون أول واجهة BCI غازية في دماغ عامل بناء يُدعى جوني راي Johnny Ray، أُصيب بالشلل التام تقريبا بعد إصابته بسكتة دماغية، وتكونت هذه الواجهة من قطبين كهربائيين. تعلّم راي ضبط الإشارات من زرعته لتهجئة الكلمات ببطء بتخيل تحريك يده لتحريك مؤشر فوق حروف موجودة على لوحة مفاتيح. ولكن أداء مثل هذه الواجهات BCI المبكرة الوظيفي وموثوقيتها كانا ضعيفيْن. عادة، يستغرق الأمر أسابيع أو أشهرا من التدريب على هذه الأجهزة قبل أن يتمكن الشخص من استخدامها. وحتى في ذلك الوقت، لم تُمَكّن الأشخاص إلا من اختيار عدد صغير من الأحرف في الدقيقة، وكانت عرضة للأخطاء.
كانت إحدى المشكلات هي أن الأجهزة المصنوعة من عدد قليل من الأقطاب الكهربائية لم تجمع ما يكفي من البيانات. فهناك بلايين العصبونات المترابطة ترابطًا معقدًا في الدماغ البشري، وقد بدأت الأبحاث تشير إلى أن أنماط النشاط في مجموعات العصبونات – لا الخلايا المفردة – هي التي تحدد أفكارنا، وأفعالنا، وتصوراتنا. لفك ترميز هذه الأنماط، أراد باحثو الواجهات BCI اختبار واستخدام تكنولوجيا يمكنها التقاط الإشارات الفردية للعديد من العصبونات في الوقت نفسه.
ولتحقيق ذلك، بدأوا العمل على تكييف تكنولوجيا، اخترعها في الأصل ريتشارد نورمان Richard Normann، من جامعة يوتا University of Utah لتحفيز القشرة البصرية Visual cortex في الدماغ لاستعادة البصر. كانت شريحة نورمان شريحة مربعة أبعادها 4 ملم، واسمها مصفوفة يوتا Utah array، مرصعة بنحو 100 قطب كهربائي دقيق يمكنها اختراق الطبقة الخارجية من الدماغ. أُعيد تصميم المصفوفة لتتبع نشاط العصبونات الفردية، ويمكن لكل مصفوفة أن تسجل نشاط نحو 100 منها في الوقت نفسه. يقول كارلوس فارغاس إيروين Carlos Vargas-Irwin، من جامعة براون Brown University في رود آيلاند Rhode Island، الذي بدأ العمل على مصفوفات يوتا حين كان طالبا جامعيا في عام 2000: «منحنا ذلك القدرة على دراسة تجمعات العصبونات، ورؤية إشارات غنية فعلا». مثّل الناتجُ الجمعي لغةَ الدماغ التي توجه وظائف مثل الوصول إلى الأشياء، والكتابة، والمشي، والتحدث، والابتسام، والتفكير، وكانت جاهزة لكي تُفَسَّر.
الإشارات الأكثر صلة بالأجهزة المخصصة للأشخاص المصابين بالشلل تكمن في القشرة الحركية Motor cortex، وهي شريط من الأنسجة يلتف مثل عصابة رأس عبر الجزء العلوي من الدماغ، ومهمتها هي تخطيط الحركات وتنفيذها. تنتظم إلى حدّ ما بحسب أجزاء الجسم؛ فعلى سبيل المثال، في منطقة الوجه، هناك عصبونات تتحكم في عضلات الوجه، وفي منطقة الساق، هناك عصبونات تتحكم في الساقين… وهكذا. غالبا ما يضع باحثو الواجهة BCI أقطابًا كهربائية في منطقة اليد؛ لأن الناس يميلون إلى أن يجدوا أنه من السهل تخيل تحريك أيديهم لفعل أشياء مفيدة، مثل: الكتابة، أو التعامل مع عصا تحكم، أو ذراع روبوتية.
في عام 2004، أفاد باحثون في اتحاد الواجهات BCI براين غايت BCI BrainGate عن زرع مصفوفات يوتا في أشخاص مصابين بالشلل. تطوع الناس واحدا تلو الآخر للخضوع لجراحة الدماغ؛ مما دفع المجال إلى الأمام. استخدم رجل مصاب بشلل علوي وسفلي في الجسم بسبب جرح سكين أفكارُه – لتوجيه مؤشر، وفتح رسائل بريد إلكتروني محاكى، وتشغيل تلفاز، إضافة إلى فتح وقبض يد بدلة تعويضية Prosthetic. تحكَّم شخصان يعانيان النوع نفسه من الشلل بسبب سكتات دماغية تحكما تخاطريا بذراع روبوتية للوصول إلى الأشياء والإمساك بها؛ وشرب أحدهما القهوة من زجاجة. استطاعت امرأة تعاني ضعْفًا في العضلات – بسبب التصلب الجانبي الضموري Amyotrophic lateral sclerosis، وهي حالة تنكس عصبي Neurodegenerative condition تؤدي إلى الشلل، توجيه مؤشر نحو ما وصل إلى ثمانية أهداف على شاشة.
يقول هندرسون، وهو جزء من براين غايت ومستشار أيضا لشركة نيورالينك، ولديه فيها أسهم: «في كل مرة نجري فيها أحد هذه الأنواع من العمليات الجراحية، ونعمل مع أحد المشاركين، نتعلم الكثير».
واجهات الدماغ والحاسوب
يقول يوستي إنّ قدرات الأجهزة التجريبية التي تترجم نشاط الدماغ إلى حركة، وحتى إلى كلام، قد «حلّقَتْ» في الأعوام القليلة الماضية. وباستخدام خوارزميات أقوى من أي وقت مضى، يستطيع الباحثون فك رموز أنماط النشاط المتزايدة التعقيد من مجموعات من العصبونات. يقول يوستي: «هناك بداية لوصول واسع النطاق إلى عمليات الدماغ».
في عام 2021، أُبْلغَ عن أن دينيس ديغراي Dennis DeGray، الذي انقطع حبله الشوكي بسبب سقوط وخيم قبل أكثر من عقد من الزمن، سجل رقما قياسيا جديدا في سرعة الكتابة الافتراضية المُمَكَنَة بمصفوفة يوتا؛ بكتابته 90 حرفا في الدقيقة. على عكس حالة راي وما تلاها من حالات أُناس بشرائح إلكترونية حركوا المؤشرات بالتفكير العام في تحريك يد، كان ديغراي «يكتب» بتصور نفسه وهو يكتب على مفكّرة مسَطَرَة، فأطلق دماغه إشارات للحركات الدقيقة ومتعددة المفاصل التي كانت مطلوبة لهذا. بعد ذلك، فكت أداة ذكاء اصطناعي AI رموز الإشارات العصبية للكتابة اليدوية المتخيلَة وربطتها بأحرف فردية.
وبالمثل، في دراسة غير منشورة، يقول فارغاس إيروين وزملاؤه إنهم توصلوا إلى «رموز» الدماغ لعشرات إيماءات اليد، إضافة إلى حركات الأصابع الفردية التي تشمل كلتا اليدين في الوقت نفسه. في بحث قدمه فارغاس إيروين في عام 2022، عزف رجل مشلول من الرقبة إلى الأسفل، ولديه مصفوفتا يوتا مزروعتان، على بيانو محاكى ذي 10 مفاتيح بتخيل تحريك أصابع محددة في أيٍّ من يديه. يقول فارغاس إيروين إنّ ذلك لا يمكنه من عزف شيء من مؤلفات تشايكوفسكي Tchaikovsky حتى الآن، بل سيعزف شيئا كأغنية الأطفال ماري كان لديها حَمَل صغير Mary Had a Little Lam. ويضيف: «لكن كان ذلك إثبات مفهوم أنهم يستطيعون التحكم في كل إصبع تحكما مستقلا».
وفي واحدة من أكثر التطورات إذهالا، ظهرت واجهات BCIs يمكنها إعادة تحريك الأطراف المشلولة. في العام الماضي، أفاد غريغوار كورتين Grégoire Courtine، من المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا Federal Institute of Technology في لوزان، وفريقه عن استخدام مصفوفة «تخطيط كهربيَّة قشر دماغ» Electrocorticography أقل غزوا؛ إذ توضع تحت الجمجمة، فوق مناطق الساق مباشرة في القشرة الحركية، دون اختراق أنسجة الدماغ، وإلى جانبها ذكاء اصطناعي AI يقرأ الإشارات في الدماغ وينقلها إلى محفز في الحبل الشوكي. وقد مكّن ذلك غرت يان أوسكام Gert-Jan Oskam، الذي أصيبت ساقاه بالشلل، من الوقوف والمشي – وحتى التحرك على السلالم والتضاريس غير المستوية. يقول كورتين: «[لقد بنينا] جسرا رقميا يحول الأفكار إلى أفعال».
إضافة إلى ذلك، فإن أنماط النشاط التي حددها الذكاء الاصطناعي AI تتحدى فهمنا للدماغ. على مستوى أكثر أساسية، كشف العمل على واجهات BCIs أن نطاقات اختصاص مجموعات خلايا القشرة الحركية تمتد إلى ما هو أبعد من أجزاء الجسم الفردية شاملة مفاصل متعددة، وأجزاء متعددة من الجسم. وقد وجد أن مصفوفة ديغراي يمكنها التقاط أنماط الحركات اللازمة لإنتاج الكلام، على الرغم من أنها في «منطقة اليد» في القشرة الحركية. يقول هندرسون: «طلبنا إليه أن يتحدث، ولدهشتنا الكبيرة، كانت هناك إشارات قوية جدا للكلمات والمقاطع في منطقة من الدماغ اعتقدنا أنها شديدة التخصص في وظائف اليد».
أدت هذه الاكتشافات وغيرها إلى فهم أدق لمنطقة الدماغ المسؤولة عن تنسيق الإجراءات. فبدلا من أن تكون مخصصة لجزء واحد من الجسم، كما قد يركز طبيب القلب على القلب، على سبيل المثال، تبدو العصبونات في القشرة الحركية أشبه بممارسين عامين (أطباء عامين) أجروا تخصصا فرعيا. يقول فارغاس إيروين: «حتى في رقعة واحدة من القشرة الحركية، يمكنك الحصول على بعض المعلومات حول ما يفعله الجسم كله، مثل الذراعين والساقين والوجه واللسان. هناك أصداء لكل هذه المعلومات». ويشير هذا إلى أن القشرة الحركية منظَمة وفقًا لمفاهيم معقدة، مثل الأفعال، لا أجزاء الجسم.
فكّ رموز الأفكار
ومع ذلك، فإن منطقة اليد هي المكان الخطأ لوضع الواجهة BCI إذا كان الهدف الأساسي هو إنتاج الكلام. في العام الماضي، أفيد أن امرأة اسمها آن جونسون Ann Johnson فقدت قدرتها على الكلام بعد إصابتها بسكتة دماغية، استُخدمت مصفوفة تخطيط كهربية قشر الدماغ لتشغيل صورة رمزية (أفاتار) على حاسوب بالقرب منها؛ تتحدث عنها بمعدل 78 كلمة في الدقيقة. دُربَ صوت الصورة الرمزية (الأفاتار Avatar) المُنْتَجة بالذكاء الاصطناعي AI على تسجيلات لصوت جونسون قبل السكتة الدماغية، وحركت الصورة فمها حركات تشبه الحركات الواقعية. وأمكنها أيضا إظهار تعبيرات الوجه، مثل: السعادة أو الحزن أو المفاجأة بناء على قراءات من المصفوفة حين تحاول جونسون تشكيل تعبيرات الوجه المتعلقة بهذه المشاعر. يقول جراح الأعصاب إدوارد تشانغ Edward Chang، من جامعة كاليفورنيا University of California، سان فرانسيسكو، الذي قاد الدراسة: «إننا ننظر إلى تجسيد آن بهذه الصورة الرقمية».
وبعد أن رأى تشانغ الصورة الرمزية (الأفاتار) لجونسون وهي تعمل، ذُهل بما فعله فريقه. اتصل بيوستي في منتصف الليل للحديث عن تبعات هذا. هل وسعت التكنولوجيا بصورة فعالة حدود أجسامنا وعقولنا؟ يقول: «إنها لا تحرك مؤشرا أو تلعب لعبة فيديو. هذا مستوى مختلف تنظر فيه إلى صورة متجسدة من نفسك».
وتحاول فرق منها فريق هندرسون توسيع هذا التواصل الأثيري ليشمل الكلام الداخلي، وسيلة لفهم كيف تتحول الأفكار إلى اتصالات. ويقول: «يمكن للمرء أن يبدأ في رؤية كيفية تمثيل المعلومات المفاهيمية في أنحاء الدماغ». في يوم من الأيام، قد يؤدي هذا الفهم إلى أجهزة يمكنها استعادة القدرة على الكلام لدى الأشخاص الذين لديهم فكرة يريدون التعبير عنها لكنهم لا يستطيعون صياغتها في الكلمات، كحال من يصاب بسكتة دماغية مثلا. كما أننا ندنو من قراءة عقل شخص ما فعلا. يقول يوستي، الذي لا يرى إلا القليل من محددات إمكانيات الواجهات BCIs في المستقبل القريب: «إن كانت بين يديك الوسائل اللازمة لرسم خريطة نشاط الدماغ ومعالجته، فبحكم التعريف، ستستطيع رسم خريطة للنشاط العقلي ومعالجته».
لا تزال التحديات الهندسية تتعب هذا المجال. تلتقط الأجهزة المدمجة في الدماغ، مثل مصفوفات يوتا ونيورالينك، نشاط الدماغ بدقة أكبر، لكنها قد تفقد جودة إشارتها بمرور الزمن. وفي الوقت نفسه، تتضمن بعض مجموعات الواجهات BCIs أسلاكا تخرج من منافذ، وتمثل خطرا مستمرا للإصابة بالعدوى، وتجب إزالة معظمها أو استبدالها في النهاية.
وبغض النظر عن هذه المشكلات، فإن دمج العقول البشرية مع الآلات، كما يتصور ماسك، سيتطلب بحسب ما قاله في برنامج اعرض وتكلم لنيورالينك Neuralink Show and Tell في عام 2022 تدفقا ثنائي الاتجاه من المعلومات التي تُقْرَأ وتُكْتَب «كل جانب من جوانب دماغك».
حُققَ تقدم تدريجي على تلك الجبهة؛ ففي عام 2021، أفادت دراسة عن رجل يعاني إصابة في الحبل الشوكي استخدم عقله لتوجيه روبوت لالتقاط أشياء ووضعها على منصة، في حين حفزت أقطاب كهربائية مناطق حسيّة Sensory region في دماغه. جعلته التغذية الراجعة Feedback يشعر كما لو كان يلمس الأشياء بكفه وأصابعه. ومكنته من إكمال كل دورة حركة أسرع بمرتين مما يستطيع فعله من دونها.
لكن خوان ألفارو غاليغو Juan Alvaro Gallego، من جامعة إمبريال كوليدج Imperial College في لندن، يقول إنّ هذا بعيد كل البعد عن الرؤى التي تُزْرَعُ فيها الذكريات، أو تُنَزَل مهارات مثل الكونغ فو على الفور. يضيف: «إن تذكر قوام الكعكة التي أكلتها على الإفطار حين كنت طفلا يختلف عن الشعور بأن شخصا ما يفرك إبهامك. نحن لا نعرف كيف نكتب الذكريات أو المعرفة في الدماغ».
إضافة إلى ذلك، لا تمكّن الواجهات BCIs التجريبية من التبديل السريع بين الأنشطة المتباينة التي تشغل أيام معظم الناس؛ ففي دقيقة يكتبون، ويدردشون مع صديق، ثم يذهبون إلى المطبخ لتناول وجبة خفيفة. يقول غاليغو: «لا يمكننا بناء نموذج يعمل على كل هذه الأشياء التي يمكننا فعلها في حياتنا اليومية».
غرسات جامِعة
وفي خطوة في هذا الاتجاه، وجد هو وزملاؤه طريقة لتسهيل برمجة المهمات الفردية. حاليا، تُخَصَّص الواجهات BCIs لكل مشارك، لكن فريق غاليغو أنشأ وحدة فك ترميز جامعة للأدمغة المختلفة، على الأقل في النسانيس Monkeys والفئران. حقق ذلك بتتبع الأنماط الناتجة عن مجموعات من العصبونات المشتركة بين الأنواع. ويقول: «يمكنك بناء نموذج في الحيوان رقم 1 للتنبؤ بكيفية تحريك الحيوان رقم 1 ليده مثلا، واستخدام هذا النموذج في الحيوان رقم 2». ويقول إنه إذا نجحت الخوارزمية في الأدمغة البشرية المختلفة أيضا، فقد تمهد الطريق لواجهات BCIs ذات جوانب أكثر تنوعا.
تواصل مثل هذه التطورات ردم الفجوة بين عوالمنا العقلية والنشاط العصبي الذي تنشأ منه هذه العوالم. ومع ذلك، يحلم العديد من خبراء الواجهات BCIs بتشكيل هذه الأجهزة؛ بوصفها علاجا قياسيا لمحددات الحركة والكلام، من دون أن يقفزوا إلى استنتاجات أو توقعات محددة. يقول هندرسون: «يمكننا أن نحصل على علاجات للناس في إطار زمني أسرع بكثير مما كنت أعتقده».
غالبا ما يُنظر إلى شركة نيورالينك، وإلى شركات مماثلة مثل سينكرون Synchron وبلاك روك نيروتيك Blackrock Neurotech (التي تنتج مصفوفة يوتا)، على أنهم شركاء في هذا الهدف – حتى لو لم يتمكن الباحثون بعد من تبيُّن مسار واضح، أو أساس منطقي، لهدف تلك الشركة المتمثل في إنشاء سايبورغ يمكنه مواكبة الذكاء الاصطناعي AI الفائق. ولم تستجب شركة نيورالينك لطلبات بالتعليق على ذلك. يقول فارغاس إيروين: «ما زلنا نلاقي مشقة في الوصول إلى وظيفة الأشخاص غير المعاقين. لم نصل بعد إلى النقطة التي يمكننا فيها التفكير في التحسين».
© 2024, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.