أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تغذية

أيهما أفضل نظامٌ غذائي مناسب للشخص نفسه أم نظامٌ واحد يناسب الجميع؟

إن استجابة عملية التمثيل الغذائي لدينا للطعام هي استجابة فردية جدًّا، وهناك إشارات إلى أن تصميم نظامنا الغذائي - وفقًا لهذه الاختلافات الشخصية - يمكن أن يحقق فوائد صحية

بقلم غراهام لوتون

فكر في شريحتين من الخبز: واحدة من خبز العجين المُخمَّر المصنوع يدويًّا Artisanal sourdough boule، والأخرى من خبز أبيض رخيص يُنتَج بكميات كبيرة، أيهما تعتقد أنها أكثر صحة؟

الإجابة الصحيحة هي أنك لا تعرف حتى تجرب. قد يعاني بعض الأشخاص ردَ فعلٍ غير صحي من المنتجات الرخيصة، مع ارتفاع مستويات السكر في الدم، لكن البعض الآخر لن يعاني، وبدلًا من ذلك سيرتفع مستوى السكر في الدم – بشكل حاد – بعد الخبز المخمر. سيرتفع مستوى السكر في الدم لدى البعض الآخر عند تناول أي منهما، في حين يرتفع – بالكاد – لدى البعض الآخر.

وينطبق الشيء نفسه على الأطعمة الأخرى، والمغذيات الأخرى، خاصة الدهون التي قد ترتفع بشكل خطير في مجرى الدم بعد تناول الطعام. والواقع أن كيفية استجابة عملية التمثيل الغذائي لدينا للطعام تتسم بدرجة عالية من الخصوصية، وهو اكتشاف صادم يقلب عقودًا من التقاليد الغذائية، ويبشر بالإجابة – أخيرًا – عن ذلك السؤال المدهش التعقيد: ماذا ينبغي لنا أن نأكل لنظل أصحاء؟

إن ارتفاع نسبة الغلوكوز والدهون في الدم أمر طبيعي تمامًا بعد تناول الطعام، ولكن إذا ارتفعت بسرعة كبيرة جدًّا – وهو ما يسمى بالارتفاع المفاجئ – فقد تتسبب في حدوث مشكلات. ترتبط الارتفاعات المتكررة في الغلوكوز، ونوع من الدهون يسمى الدهون الثلاثية، بخطر الإصابة بمرض السكري والسمنة وأمراض القلب. لعقود من الزمن، افترض باحثو التغذية أن جميع البشر يستجيبون لطعام معين بالطريقة نفسها تقريبًا، مع زيادات متساوية في نسبة السكر في الدم والدهون.

المؤشر الغلايسيمي

وفقًا لهذا الافتراض، كانت النصيحة الغذائية بسيطة وتناسب الجميع: قلِّلْ من استهلاك الأطعمة التي تسبب ارتفاع السكر في الدم. ومن غير المستغرب أن تكون هذه الأطعمة – في الغالب – غنية بالسكر والدهون. كما دعم هذا التفكير تطوير المؤشر الغلايسيمي Glycaemic index (اختصارًا: المؤشر GI)، وهو مقياس مؤثر لمدى سرعة تحويل الجسم مادةً غذائية إلى غلوكوز، والذي يدخل بعد ذلك إلى مجرى الدم. تشمل الأطعمة ذات المؤشر الغلايسيمي المرتفع الخبز الفرنسي، والفواكه السكرية. بالنسبة إلى الأطعمة ذات المؤشر الغلايسيمي المنخفض، فكرْ في الحبوب الكاملة والخضراوات الورقية. كلما ارتفع المؤشر الغلايسيمي، كان الطعام غير صحي. أو هكذا كانت القصة.

على مدى السنوات القليلة الماضية، دحض الباحثون – في مجال التغذية – هذا الافتراض تمامًا. إن الاختلافات في الجينات Genetics، والإيقاعات اليومية Circadian rhythms، وتكوين ميكروبيوم الأمعاء Gut microbiomes لدينا تُتَرجَم إلى استجابات شخصية جدًّا للطعام. ونتيجة لهذا، نعلم الآن أنه لا يوجد شيء اسمه نظام غذائي صحي يناسب الجميع.

ولكن هذا لا يعني أنه لا يوجد نظام غذائي صحي على الإطلاق، بل يجب أن يكون هذا النظام فرديًّا. وهذا هو هدف التغذية الدقيقة، والمعروفة أيضًا بالتغذية الشخصية Personalised nutrition.

لقد استمر البحث حول كيفية القيام بذلك لبعض الوقت؛ في العام 2018، أطلق فريق بقيادة تيم سبيكتور Tim Spector، في كينغز كوليدج لندن King’s College London، تجربة الاستجابات الشخصية لتكوين النظام الغذائي Personalised Responses to Dietary Composition Trial (اختصارًا: النظام PREDICT)؛ لقياس الاستجابات الأيضية للأشخاص للطعام، بهدف تصميم أنظمة غذائية صحية فردية.

في المرحلة الأولى، استقطب الباحثون أكثر من ألف شخص، وأخذوا قياسات حيوية مختلفة، بما في ذلك الجينومات والميكروبات، وأطعموهم وجبات متطابقة؛ ثم قاسوا استجاباتهم للغلوكوز والدهون، والتي ظهر أنها متباينة جدًّا. ومن هذا، كان من الممكن التنبؤ – تقريبًا – باستجابات الأفراد الآخرين للطعام، بناءً على قياساتهم الحيوية وحدها؛ مما يشير إلى أنه يمكن تخصيص الأنظمة الغذائية دون الحاجة إلى قياس نسبة الغلوكوز والدهون في الدم فعليًّا.

لايزال النظام PREDICT مستمرًا؛ حيث يشارك نحو 25 ألف مشترك في تطبيق Zoe للتغذية الآن، في أحدث إصدار، ومع ذلك فإن النتائج الواردة من تجربة أصغر – ذات صلة – تعطي فكرة عما قد نتوقعه. بناءً على استجاباتهم للطعام، تلقى 177 مشاركًا نصائح غذائية مُخصَّصة لمدة 18 أسبوعًا، عبر تطبيق Zoe، وتمت متابعتهم لمعرفة أي آثار صحية. تلقى العدد نفسه – تقريبًا – نصائح غذائية عامة. كان لدى المشاركين الذين حصلوا على نصائح شخصية مستويات أقل من الدهون الثلاثية في الدم في نهاية البرنامج، كما فقدوا الوزن، وتناقَصَ محيط خصرهم، على الرغم من عدم وجود اختلافات مع المؤشرات الأخرى، بما في ذلك مستويات الأنسولين والغلوكوز والكوليسترول.

«والأمر المهم أننا أظهرنا أيضًا أن أولئك الذين كانوا أكثر التزامًا ببرنامج التغذية الشخصية شهدوا أكبر قدر من التحسن»، كما يقول سبيكتور، وهو أحد مؤسسي Zoe.

الاكتشاف المذهل هو أن استجابة أجسامنا للطعام هي استجابة فردية جدًّا

سيأتي دليل من تجارب أكبر مثل التجربة PREDICT، كما أن المعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة US National Institutes of Health لديها جهد بحثي كبير في مجال التغذية الدقيقة Precision nutrition؛ بهدف «تحويل علم التغذية تحويلًا جذريًّا». في العام الماضي، بدأ البحث باستقطاب 10 آلاف شخص للمشاركة في تجربة حول الاستجابات الفردية للطعام، ولم تُنْشَر أي نتائج بعد.

ومع ذلك، حتى لو جاءت النتائج إيجابية، فإن تحويل هذا البحث إلى نصائح غذائية واسعة النطاق سيكون مهمة شاقة. تقول ريجان بيلي Regan Bailey، من جامعة تكساس إيه آند إم Texas A&M University: «إن تكاليف ترجمة هذه البيانات لتحسين الصحة العامة باهظة وغير عملية في هذا الوقت». وبالمثل، خلص تقرير صدر في العام 2023، من وكالة معايير الغذاء في المملكة المتحدة UK’s Food Standards Agency، إلى أن فوائد التغذية الشخصية «تبدو هامشية – إلى حد ما – عند مقارنتها بما هو مفهوم بالفعل عن النظام الغذائي الصحي».

© 2025, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Back to top button