أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
غير مصنف

قد تساعدنا رؤى جديدة بشأن كيفية نومنا على معالجة مشكلات النوم

قد يجلب بحث جديد بشأن اللحظات القليلة بين اليقظة والنوم الأمل لمن يعانون الأرق، بل قد يجعلنا أكثر إبداعًا في حل المشكلات بقلم غراهام لوتون

بقلم غراهام لوتون  

كان المخترع توماس إديسون Thomas Edison، عندما يحتاج إلى الإلهام، يأخذ قيلولة على كرسي وهو يحمل كرة معدنية في كل يد، وفي اللحظة التي ينام فيها، تسقط الكرتان وتصطدمان بالأرض؛ فيستيقظ فجأة، وقد زعم إديسون أن هذا يسمح له بالتقاط الأفكار الإبداعية التي كانت تتدفق – بشكل عابر – في «لاوعيه»، في أثناء نومه.

الحالة التي كان إديسون يطاردها تُعرف باسم فترة «بداية النوم» Sleep-onset period (اختصارًا: الفترة SOP)، وهي مرحلة من دورة النوم واليقظة، لم تُدرَس دراسة معمَّقة بعد. كانت تعتبر – ذات يوم – مجرد فترة فاصلة قصيرة بين اليقظة والنوم، والآن يُعترف بها كونها مرحلة مميزة ومهمة في حد ذاتها؛ فهي لا تشارك فقط في تنظيم إخماد الوعي Shutdown of consciousness، بل قد تؤدي – أيضًا – دورًا حيويًّا في العديد من وظائف النوم؛ بما في ذلك معالجة معلومات الذاكرة Memory-processing ، وبالطبع الإبداع Creativity.

ومع ذلك، يمكن أن يكون البعض يعاني اضطرابًا ما، وقد يكون الأرق Insomnia والنوم القهري Narcolepsy نتيجةَ خطأٍ في هذه المرحلة. إن الفهم الأفضل للمرحلة SOP قد يؤدي إلى علاجات جديدة لهذه الحالات المتعلقة بالنوم، كما يساعد – أيضًا – أيَّ شخص يريد أن يكون أكثر يقظة أو إبداعًا، أي يساعد «الجميع تقريبًا»، كما تقول دلفين أوديت Delphine Oudiette، عالمة الأعصاب الإدراكية في جامعة السوربون Sorbonne University في باريس – فرنسا.

إننا جميعًا نمر بمرحلة انتقالية من اليقظة إلى النوم، وأحيانًا يكون ذلك عدة مرات في اليوم. ويعلم كثيرون منا أن هذه المرحلة قد تكون رحلة من عالم آخر. وهذا ما ألهم أوديت الاهتمام بها. تقول: «أرى دائمًا أشياء عندما أغفو؛ وجوهًا، وجوهًا مخيفة!».

عندما تخصصت أوديت في أبحاث النوم، بدأت – أولًا – العمل على دور مرحلة حركة العين السريعة Rapid eye movement (اختصارًا: الفترة REM) في الإبداع، لكنها وجدت هي وزملاؤها أن المراحل الأولى من النوم، قبل حركة العين السريعة REM، تبدو مهمة أيضًا للإبداع. تقول: «لذا غيَّرنا المسار تمامًا، إلى بداية النوم»، وهي الآن تقود «كريدوز» Creadoze، وهو مشروع بحثي مدته خمس سنوات مع المعهد الوطني الفرنسي للصحة والأبحاث الطبية French National Institute of Health and Medical Research، يحاول فهم هذه المرحلة السريعة، ومعرفة كيفية التلاعب بها.

في أبحاث النوم، كانت المرحلة SOP، دائمًا، منطقة غامضة بعض الشيء، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى المنهج القياسيStandard methodology المُستخدَم في مختبرات النوم. يتتبع تخطيط النوم Polysomnography نشاط دماغ الأشخاص، وحركات العين، وتوتر العضلات، وأحيانًا إشارات بيولوجية أخرى في أثناء تقدمهم في مراحل النوم المتتالية. يُقسِّم الباحثون الناتج، وهو تخطيط النوم Polysomnograph، إلى «عصور» Epochs مدة كل منها 30 ثانية، ويصنفون كل عصر على أنه واحد من خمس حالات: حالة اليقظة Wakefulness؛ والمراحل الثلاث للنوم غير المرتبط بحركات العين السريعة، N1 وN2 وN3 (وتؤدي كل مرحلة منها إلى نوم أعمق تدريجيًّا)؛ ثم المرحلة الأخيرة، وهي نوم حركة العين السريعة؛ أي المرحلة REM. يعامل هذا النظام الموحد المرحلة SOP باعتبارها بداية العصر الأول الذي يصنفه المُسجِّل Scorer على أنه نوم. تقول ميلاني شتراوس Mélanie Strauss، وهي طبيبة أعصاب في مستشفى جامعة بروكسل Brussels University Hospital – بلجيكا: «لا توجد فترة «بداية النوم» في دليل تسجيل درجات النوم Sleep score scoring manual».

قد تثير حافة النوم أفكارًا. صورة: Prostock-studio/ Shutterstock

بين مراحل النوم

إن تقسيم النوم إلى أجزاء، كلٍّ منها 30 ثانية، أمر جيد لتحليل ليلة كاملة من النوم، لكن هذا التقسيم لا يستطيع التقاط الأحداث، أو التحولات الأقصر بين المراحل؛ مثلا، سيتم تسجيل عصر يقظة، وعصر N1، على أنه عصر، أو آخر، اعتمادًا على أيهما يسود، ولكن بالنسبة إلى الباحثين، في بداية النوم، فإن هذا غير مرضٍ على الإطلاق؛ لأن الحالة الانتقالية Transitional state بين اليقظة والنوم – كما اكتشفوا – هي حيث يحدث الفعل.

تقول أوديت إن الباحثين – ومعظم الأشخاص – يدركون، منذ فترة طويلة، أن الانتقال إلى النوم لا يقتصر على مجرد مفتاح تشغيل وإيقاف Off switch On بسيط، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى حالة غريبة شبه صافية في بداية النوم تسمى عتبة الوعي، أو الـ«هيبناغوجيا» (الهلوسة التنويمية) Hypnagogia، وتتميز هذه الحالة بـ«هلوسات» أو «رؤى» تشبه الأحلام.

درس العلماء عتبة الوعي، أو الهيبناغوجيا، منذ ستينات القرن العشرين، وكانت هذه الدراسة تعتمد على إيقاظ الأشخاص بعد وقت قصير من نومهم، وسؤالهم: عمَ كان يدور في أذهانهم. وقد كشفت هذه الدراسة عن أن الهيبناغوجيا شائعة جدًّا، ومتنوعة جدًّا، وتتراوح بين تجارب حسية عابرة Sensory experiences (صور وأصوات ولمسات ومذاقات وشعور بالسقوط)، وأحلام تفصيلية تشبه أحلام المرحلة REM تقريبًا. غالبًا ما يتضمن هذا المحتوى مقتطفات من أحداث اليوم السابق، ويمكن أن يتأثر بمدخلات خارجية External inputs مثل الأصوات. غالبًا ما تكون تصورات الزمن والمكان مشوهة، ويبلغُ العديد من الأشخاص أن تجاربهم الهيبناغوجية مخيفة. وتشير التجارب إلى أن نحو 95% من الناس يمرون بمرحلة الهيبناغوجيا، ولكن النصف منهم فقط هم الذين يتذكرونها عند الاستيقاظ، بعد نوم ليلة كاملة، كما تقول أوديت.

ليس حركة العين فقط غير سريعة

ولكن الهيبناغوجيا هي مجرد جزء واحد من المرحلة SOP. في العام 1994، وفي محاولة لفهم هذه الظاهرة، درس تاداو هوري Tadao Hori، وزملاؤه في جامعة هيروشيما Hiroshima University – اليابان، تخطيطات الدماغ الكهربائية Electroencephalograms (اختصارًا: التخطيط EEG) لمجموعة من الأفراد في أثناء نومهم، ثم قطَّعوا التسجيلات إلى أجزاء، مدة كل منها 5 ثوانٍ، وبعد تحليلها بصريًّا، ومقارنتها بأقوال المشاركين في التجربة، اقترحوا أن الهيبناغوجيا هي جزء من مرحلة نوم أطول بكثير تستمر نحو 10 دقائق؛ كما حددوا تسع حالات دماغية مميزة للمرحلة SOP، بدءًا من اليقظة الهادئة Quiet wakefulness التي أطلقوا عليها مرحلة «هوري 1» Hori stage 1، وهي تمتد إلى بداية المرحلة الأولى من N2 (مرحلة هوري 9) Hori stage 9. وكتبوا: «المرحلة SOP هي فترة فريدة لا يمكن تصنيفها بدقة على أنها يقظة أو نوم».

ولكن للأسف، تبيَّن أن تطبيق نظام هوري صعب. تقول أوديت: «إنه يستغرق وقتًا طويلًا، ويكتنفه بعض الغموض، وقد يكون هناك اختلاف كبير بين المُسجِّلين. إنها طريقة مزعجة». ولم يذهب البحث إلى أبعد من ذلك.

ولكن في السنوات القليلة الماضية، طوَّر الباحثون طرقًا جديدة وآلية لتحليل التخطيط EEG، وقد استخدم البعض منهم خوارزميات الذكاء الاصطناعي Artificial intelligence algorithms للتعرف على الأنماط الدقيقة التي تحدث على مقاييس زمنية ومكانية قصيرة جدًّا، كما استخدموا تقنيات تصوير أخرى، لاسيما التصوير بالرنين المغناطيسي (اختصارًا: التصوير (MRI؛ لاستكشاف تفاصيل أدق عن المرحلة SOP من أي وقت مضى. تقول شتراوس: «لدينا الآن الأدوات اللازمة للتعمق حقًّا في تحليل هذه الفترة».

تكشف هذه التقنيات الجديدة عن أن المرحلة SOP معقدة ومضطربة. يبدو أن بعض مناطق الدماغ تكون مستيقظة، في حين تكون هناك مناطق أخرى في مراحل مختلفة من النوم، ويمكن أن تتأرجح من منطقة إلى أخرى في لمح البصر؛ لعدة دقائق. لا يكون الدماغ مستيقظًا تمامًا، ولا نائمًا تمامًا، بل فسيفساء نابضة من الاثنين. تقول شتراوس: «إنها سلسلة من حالات الدماغ المختلفة Brain states التي تختلف عن اليقظة، وتختلف عن النوم. إنها ديناميكية حقًّا».

تدريجيًا، تتلاشى التقلبات، وتستقر جميع مناطق الدماغ في النمط النموذجي للموجات الدماغية في الحقبة N2. يبدأ هذا في المهاد Thalamus، وهو نوع من محطة النقل العصبية Neural relay station التي تمرر المعلومات بين أنظمة الدماغ المختلفة، وتنتشر إلى القشرة الجبهية Frontal cortex.

تقول أوديت إن التقلبات في جميع أنحاء الدماغ قد تُفسِّر التجارب الإدراكية Perceptual experiences الغريبة للهيبناغوجيا، مع تفاعل الحالات الشبيهة بالأحلام المولَّدة داخليًّا مع المحفزات External stimuli. وقد تفسر – أيضًا – التباين الهائل بين تجارب المرحلة SOP للأفراد؛ فبعض الناس يتأخرون عدة دقائق للذهاب في النوم، في حين يغط آخرون – مباشرة – في نوم عميق، وقد يختلف هذا الأمر من ليلة إلى أخرى.

حاضنة للإبداع

قد تكون للمرحلة SOP أيضًا أدوار مهمة. الغرض من النوم بشكل عام غير واضح، على الرغم من أن كثيرًا من الأدلة تشير إلى أنه يؤدي دورًا في معالجة معلومات الذاكرة وتوليد الإبداع. وهناك تلميحات إلى أن المرحلة SOP تُشارك في كليهما.

إن توطيد الذاكرة Memory consolidation (معالجة الذكريات المشفرة Encoded memories حديثًا في صيغ طويلة المدى Longer-term formats) هو وظيفة مُؤكَّدة من وظائف النوم، ومع ذلك لم يكن هناك كثير من الأبحاث عن دور المراحل المبكرة من النوم في هذه العملية، كما تقول أوديت. وعلى الرغم من أن القليل الموجود يشير إلى أن المرحلة SOP قد تكون مهمة، وجدت بعض الأبحاث الأولى – في هذا المجال – أن الأشخاص الذين يشاركون في مهمة جسدية أو عقلية جديدة، في أثناء النهار، غالبًا ما يعانون نوعا من إعادة تمثيل الهلوسة لتلك المهام في أثناء نومهم، وهي الظاهرة المعروفة شعبيًّا باسم «تأثير تتريس» Tetris effect، بعد أن وجد الأشخاص الذين مارسوا اللعبة أنهم لا يستطيعون التوقف عن رؤية الطوب المتساقط وهم يدخلون شيئًا فشيئًا في مرحلة الإغفاء.

في العام 2000، استخدم روبرت ستيكغولد Robert Stickgold، وهو طبيب نفسي يدرس النوم والإدراك في كلية الطب بجامعة هارفارد Harvard Medical School، تأثير تتريس للتحقيق في دور الهيبناغوجيا في الذاكرة، ووجد أنه حتى الأشخاص الذين لم يتمكنوا من تكوين ذكريات جديدة مازالوا يبلغون عن رؤية كتل تشبه «تتريس» في أثناء غفواتهم. تشير النتائج إلى أنه في بداية النوم، يتذكر الناس أحداث اليوم، ويستخلصون ما هو ذو معنى «من الممكن أن تكون هذه هي المرحلة التي تسبق عملية تعزيز الذاكرة التي ستحدث لاحقًا»، كما تقول أوديت.

إن حقيقة أن الهيبناغوجيا تعيد – في بعض الأحيان – تمثيل تجارب اليوم هي أمر مثير للاهتمام، كما أن تجربة حديثة أجرتها مجموعة أوديت وجدت أن الأشخاص الذين استيقظوا من المرحلة الأولى كانوا أسوأ في تذكر مواقع 48 جسمًا على شبكة حفظوها قبل النوم، مقارنة بمن دخلوا المرحلة الثانية من النوم. وهو الأمر الذي لا يمكن تفسيره، على وجه التحديد؛ لكن أوديت تقول إن هذا يشير – بقوة – إلى أن مرحلة النوم العميق قد تكون جزءًا مهمًّا من معالجة معلومات الذاكرة؛ إما من خلال تقليم Pruning المعلومات غير ذات الصلة، وإفساح المجال في الشبكة المتشبكية Synaptic network لتوطيد الذاكرة، وإما من خلال وسم Tagging الذكريات من خلال إعادة التنشيط Reactivation، والتي سيتم تعزيزها في مراحل النوم اللاحقة. وبمنع النائمين من الدخول في المرحلة N2، ربما أجهض الباحثون عملية الوسم؛ مما أدى إلى فقدان تلك الذكريات بدلًا من تعزيزها. تقول شتراوس التي لم تشارك في هذا البحث: «أعتقد أننا مازلنا في حاجة إلى مزيد من الأدلة، ولكن دراستها مثيرة للاهتمام جدًّا».

قد تؤدي إعادة تشغيل الذاكرة الهيبناغوجية – أيضًا – دورًا في الإبداع. في أوائل عشرينات القرن العشرين، كانت أوديت تبحث في تأثير النوم REM في هذه الظاهرة المراوغة، وتم تكليف المتطوعين بمهمة تتطلب منهم محاولة حفظ موضع الأشياء، وقيل لهم إن هناك قاعدة مخفية تسمح لهم بحلها على الفور. حاوَلوا حل المسألة، وناموا بعدها، ثم حاوَلوا مرة أخرى. تقول أوديت: «للأسف، فشلت هذه التجربة فشلًا ذريعًا؛ كانت القاعدة صعبة جدًّا، ولم يجد أي مشارك حلًّا لها تقريبًا»؛ لكن أحد المشاركين الذي اكتشف الحل قال إنه اكتشف القاعدة في أثناء نومه. يشير هذا، كما تقول أوديت، إلى أن الجزء المبكر من النوم يؤدي دورًا في حل المشكلات الإبداعية.

في العام 2018، أظهر فريق بقيادة مايكل كريغ Michael Craig، من جامعة هيروت وات Heriot-Watt University في إدنبره بالمملكة المتحدة، أن فترة 10 دقائق من الراحة الهادئة في غرفة ذات إضاءة خافتة، مع الحد الأدنى من التحفيز، عززت – بشكل كبير – قدرة الناس على اكتشاف قاعدة مخفية في مسألة مختلفة. ولكن الباحثين لم يبحثوا ما إذا كان المشاركون قد ناموا أم لا؛ الأمر الذي ترك الباب مفتوحًا أمام السؤال حول ما إذا كانت هذه الحالة قد أدّت دورًا في نجاحها؛ لذا تخلت مجموعة أوديت عن البحث المتعلق بالنوم REM، وأعادت تنفيذ تجربة كريغ، مع إضافة خطوة الراحة الهادئة، والنوم المحتمَل.

لقد طلبوا إلى مجموعة من 103 متطوعين حل المسألة نفسها التي تناولها كريغ في بحثه، والتي تسمى «مهمة تقليل الأرقام» Number reduction task. طُلِب من المشاركين تحويل سلسلة معينة من ثمانية أرقام، في هذه الحالة سلسلة من الأرقام 1 و4 و9، إلى «سلسلة حل» Solution string جديدة من سبعة أرقام – باستخدام قاعدتين بسيطتين – يتم تطبيقها رقمًا تلو الآخر، وهما قاعدتان يطبقهما القارئ على التجربة. وعلى الرغم من أن الأمر لا يستغرق سوى ثوانٍ لحل اللغز بالطريقة التقليدية، فإن هناك طريقة أسرع لحل اللغز: هي أن الرقم الأخير من سلسلة الحل يكون دائمًا هو الرقم الثاني من سلسلة الحل. يمكن للأشخاص الذين يدركون هذه الأمور إنهاء المهمة على الفور تقريبًا.

هل هناك علاج للأرق؟

أكمل المتطوعون 60 سلسلة، ثم بعد استبعاد 16 شخصًا اكتشفوا القاعدة المخفية؛ أعطاهم الباحثون راحة لمدة 20 دقيقة على طريقة إديسون؛ حيث استلقوا على كراسي، وأعينهم مغلقة، وفي أياديهم زجاجات. ظل نحو نصفهم مستيقظين تمامًا، وانجرف ربعهم – لفترة وجيزة – إلى المرحلة N1 (المرحلة الأولى من النوم غير السريع)، قبل أن يوقظهم سقوط الزجاجات، وغفا الباقون في المرحلة N2.

عندما عادوا إلى المهمة، اكتشف 83% من أولئك الذين دخلوا في المرحلة N1 القاعدة المخفية، مقارنة بـ 31% من الأشخاص الذين ظلوا مستيقظين، و14% فقط من الأشخاص الذين ناموا نومًا أعمق. تشير النتيجة إلى أن الغفوة القصيرة إلى N1 يمكن أن تلهم وميضًا من الإبداع. تقول أوديت: «هذا يتناسب مع تعريف الإبداع، وهو إنتاج شيء أصلي يتكيف مع السياق؛ إنه أصلي لأننا لم نخبرهم بوجود قاعدة، وهو متكيف لأنهم يصبحون أكثر قدرة على الوصول إلى الحل والعثور عليه».

ومنذ ذلك الحين توصل باحثون آخرون إلى نتائج مماثلة؛ باستخدام مهام مختلفة؛ ففي العام الماضي، وجد مختبر ستيكغولد أن الأشخاص الذين ناموا فترة قصيرة (N1) كانوا أكثر نجاحًا من غير النائمين، وذلك من خلال خوض ثلاث مهام إبداعية كلاسيكية؛ ففي حين كانوا ينامون (أو لا ينامون)، طُلب منهم شفهيًّا التفكير في شجرة، ثم بعد إيقاظهم، طُلب منهم كتابة قصة إبداعية عن شجرة، والتفكير في استخدامات بديلة للشجرة، والرد على الأسماء بأول فعل يخطر على بالهم. وكان أداء النائمين أفضل في المهام الثلاث. يقول ستيكغولد: «من الواضح أن هناك شكلًا من أشكال الإبداع يتعزز بشكل كبير في اللحظات القليلة الأولى من النوم».

وهذا منطقي: يعتمد الإبداع على التفاعل بين اثنتين من شبكات الدماغ الأكثر نشاطًا في أثناء النوم، هما: شبكة الوضع الافتراضي Default mode network التي تولِّد أفكارًا عفوية، وشبكة التحكم المعرفي Cognitive control network للوظائف العليا، مثل: الانتباه والتخطيط، وفقًا لأوديت، وعلى هذين النوعين من التفكير الناتج عن هاتين الشبكتين، حيث تولد الأولى أفكارًا عشوائية، وتقيمها الثانية تقييمًا نقديًّا.

تحدث نقطة الإبداع المثالية عندما تبدأ في فقدان السيطرة على أفكارك

تقول أوديت: «أعتقد أنه مكان مثالي عندما تبدأ في فقدان السيطرة على أفكارك، فيمكنك التخلي عنها، وإجراء مزيد من الاستكشاف العفوي للأفكار، ولكن في الوقت نفسه لايزال في إمكانك أن تكون واعيًا بعض الشيء وتقيّمها».

حتى لو تفتق البحث عن مكان مثالي للإبداع في الفترة SOP كحلم نصف مسترجع، فمن المرجح أن تكون هناك تطبيقات عملية. تقول شتراوس إن نحو خُمس الأشخاص يعانون حالات مثل الخدار Narcolepsy أو الأرق؛ حيث تحدث المرحلة SOP بسرعة كبيرة، أو تستغرق وقتًا طويلًا.

يمكن لتحليل تفصيلي لنشاط الدماغ الفردي أن يحدد أين تسوء الأمور. قد يكون من الممكن استخدام التغذية الراجعة العصبية Neurofeedback – باستخدام التخطيط EEG، للسماح للناس بمراقبة موجات أدمغتهم في الوقت الحقيقي، وتعلُّم كيفية التحكم فيها – لإصلاح المشكلة. تقول أوديت: «يمكنني أن أحاول تعليمك كيفية تعديل نشاط دماغك؛ إما لتسريع النوم، وإما لمقاومته، وفق احتياجاتك». وتضيف: «يمكن استخدام تقنيات مماثلة لتدريب الناس على أخذ قيلولة لاستعادة النشاط أو تعزيز الإبداع، والتوصل إلى ذلك في نهاية مشروعي هو حلمي».

© 2024, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Back to top button