أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تغذية

هل تساعد بعض الأطعمة على محاربة الالتهاب وعلى العيش فترةً أطول؟

أظهرت الأبحاث الحديثة أن الأنظمة الغذائية المضادة للالتهابات ليست مجرد صرعة كما قد تبدو، بل إن لديها بالفعل القدرةَ على تقليل خطر الإصابة بالنوبات القلبية وبعض أنواع السرطان

بقلم مايكل مارشال  

إن الالتهاب المزمن Chronic inflammation هو إحدى آفات الحياة في العالم الحديث. وترتبط هذه الاستجابة غير المفيدة من قِبل الجهاز المناعي Immune system في الجسم بالشيخوخة المُسرَّعة Accelerated ageing، وحالات مثل السكتة الدماغية Stroke، وأمراض القلب Heart disease.

ماذا لو تمكَّنا من تخفيفه بتناول بعض الأطعمة، مثل: السبانخ والجوز والسلمون؟ هذا هو الوعد الذي تقدمه الأنظمة الغذائية المضادة للالتهابات، والتي غالبًا ما تروِّج لها وسائل الإعلام وصناعة التغذية Nutrition industry بعبارات غامضة. وقد يدفع هذا العلماءَ إلى التعجب؛ لكن الأبحاث الحديثة تكشف عن أن هذا النهج ليس مجرد صرعة، كما يبدو، وترسم التجارب العلمية صورة دقيقة للروابط بين الطعام والالتهاب، وصحتنا على المدى الطويل.

يشكل الالتهاب جزءًا أساسيًّا من استجابتنا Response للإصابة بالمرض، ولكن عندما يستمر الجسم في اللجوء إلى الالتهاب، حتى عندما لا تكون هناك صدمة، فإن هذا يؤدي إلى التهاب مزمن، والسبب الدقيق لحدوث هذا غير واضح، لكن العوامل الوراثية، والبيئة، ونمط الحياة تؤدي دورًا، ويمكن اكتشافه عن طريق قياس بعض العلامات الكيميائية في الدم، وقد ارتبط بشكل متزايد بتدهور الصحة العامة.

يقول جون ماذرز John Mathers، من جامعة نيوكاسل Newcastle University في المملكة المتحدة: «الالتهاب المزمن هو المحرك للعديد من الأمراض الشائعة، بما في ذلك أمراض القلب، والأوعية الدموية، والسرطان، والتهاب المفاصل، والخرف». كما أنه رُبِطَ أيضًا ببعض حالات الصحة العقلية Mental health conditions.

ولكن ما مدى التأثير الذي قد يخلفه نظامنا الغذائي في هذه العملية المعقدة؟ لمعرفة ذلك يتعين علينا – أولًا – أن نحدد بالضبط ما النظام الغذائي المضاد للالتهابات. يقول ماذرز: «هذه منطقة مُتنازَع عليها؛ فهناك عدة أنظمة متنافِسة لتحديد الأنظمة الغذائية المُؤيِّدة للالتهابات والمضادة لها».

النظام الغذائي المتوسطي

أحد أكثر المقاييس استخدامًا هو مؤشر الالتهاب الغذائيDietary Inflammatory Index (اختصارًا: المؤشر DII)، الذي تم وصفه – لأول مرة – في العام 2009. يُصنِّف هذا المؤشر الأطعمةَ، أو العناصر الغذائية الموجودة فيها، مثل: الكربوهيدرات والدهون المشبعة، وفقًا لميلها إلى زيادة أو تقليل تلك العلامات الكيميائية في الدم. وبصورة عامة، تظهر الأطعمة المضادة للالتهابات – بشكل كبير – في النظام الغذائي المتوسطي (الفاكهة الطازجة، وزيت الزيتون، والخضراوات الورقية الخضراء، والمكسرات، والأسماك الزيتية)، في حين أن الكربوهيدرات البسيطة، والأطعمة المقلية، واللحوم الحمراء، واللحوم المصنعة، ومنتجات الألبان عالية الدهون هي عوامل مسببة للالتهابات.

يتبع كثيرون منا الآن نظامًا غذائيًّا يسبب الالتهاب؛ على سبيل المثال: وجدت دراسة نُشرت في سبتمبر، على أكثر من 34,500 بالغ، في الولايات المتحدة، أن 57% منهم – بشكل عام – يتبعون أنظمة غذائية مسببة للالتهابات. ومن المثير للقلق أن هذا الرقم كان أعلى بالنسبة إلى السود والرجال والشباب والأشخاص ذوي التعليم والدخل المنخفض؛ ما دفع مؤلفي الدراسة إلى استنتاج أن «التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية في الصحة قد تفسَّر جزئيًّا بالإمكانات الالتهابية للنظام الغذائي».

ولكن كيف تتم هذه العملية في الجسم؟ هنا، أصبحت الصورة أكثر وضوحًا على مدى العقد الماضي. نحن نعلم الآن أن اللاعب الرئيسي هو الميكروبات في أمعائنا، والتي يمكن أن تكسر مكونات الطعام لإنتاج مركبات تعمل على تحفيز الالتهاب أو تخفيفه؛ على سبيل المثال: تغذي الألياف النباتية بعض الميكروبات في الأمعاء الغليظة؛ مما يمكنها من إنتاج الأحماض الدهنية قصيرة السلسلة، و«التي لها تأثيرات مضادة للالتهابات»، كما تقول بترا لويس Petra Louis من جامعة أبردين University of Aberdeen في المملكة المتحدة: «النظام الغذائي الفقير بالألياف سيكون أكثر ملاءمة للالتهابات».

أثبت عدد من التجارب الإكلينيكية (السريرية)، بشكل مقنع، أن الأنظمة الغذائية المضادة للالتهابات (أفضلها دراسة على الإطلاق هي النظام الغذائي المتوسطي) يمكن أن تقلل من علامات الالتهاب في الدم، ومع ذلك فإن التحدي الأكبر هو معرفة الفرق الذي يحدثه هذا في صحتنا على المدى الطويل.

تأثير النظام الغذائي المضاد للالتهابات

أفضل صورة لدينا عن هذا الأمر هي من مراجعتين واسعتي النطاق، من العام 2021، تركزان على دراسات الأنظمة الغذائية التي اعتمدت على المؤشر DII، متجاهلتين الإصدارات الأخرى المزعومة المضادة للالتهابات؛ وجدت إحداهما أدلة «مقنعة» Convincing على أن الأنظمة الغذائية منخفضة المؤشر DII تقلل من فرصة الإصابة بنوبة قلبية، مع وجود أدلة «موحية جدًّا» Highly suggestive على أن الأنظمة الغذائية منخفضة المؤشر DII تُقلِّل من خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان؛ خاصة سرطان القولون والمستقيم، والوفيات لأي سبب خلال فترة الدراسة.

ومع ذلك، بالنسبة إلى معظم النتائج الصحية، والتي تتراوح بين سرطان الثدي والاكتئاب، كان هناك قليل من الأدلة، أو لا يوجد دليل على الفوائد.

وجدت المراجعة الثانية «يقينًا معتدلًا» Moderate certainty للأنظمة الغذائية منخفضة المؤشر DII، والتي تقلل من أمراض القلب، والأوعية الدموية، وسرطان القولون، والمستقيم، والوفيات لأي سبب.

وهناك طريقة أخرى للتحقيق في التأثيرات الصحية للأنظمة الغذائية المضادة للالتهابات، وهي التفكير في تأثيرات الأطعمة التي ينبغي ألا تكون ضمنها. وتشير الأدلة المتزايدة، مثلا، إلى أن النظام الغذائي الغني بالسكريات والأحماض الدهنية يرتبط بارتفاع خطر الإصابة بمرض ألزهايمر (تُنطق آلزايمر) Alzheimer’s. ولكن على الرغم من أن الالتهاب يشكل عامل خطر لهذه الحالة، فإنه يشكل واحدًا من عوامل خطر أخرى عديدة، بما في ذلك مرض السكري من النوع الثاني. ونتيجة لهذا، فإن الأنظمة الغذائية التي يبدو أنها توفر الحماية هي تلك التي تم الاعتراف بها بالفعل على أنها صحية على نطاق واسع؛ فهي منخفضة في الأطعمة المُعالجة، والدهون المشبعة، والملح، والسكريات.

يقول جيم مان Jim Mann، من جامعة أوتاغو في دنيدن Otago University in Dunedin بنيوزيلندا: «إذا تحدثنا عن نظام غذائي مضاد للالتهابات، فإننا نتحدث في الواقع عن نمط غذائي صحي بشكل عام». ويقول إن الأطعمة المدرجة عادة في الأنظمة الغذائية المضادة للالتهابات سوف يوصي بها «أي اختصاصي تغذية ثقة».

© 2024, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Back to top button