أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تغذية

هل يمكن أن يكون موعد تناول الطعام بنفس أهمية ما تأكله؟

إن ارتفاع الشهية والتمثيل الغذائي، بسبب الساعات البيولوجية المُدْمَجة في أجسامنا، يعنيان أن تناول الطعام في الوقت الخطأ يمكن أن تكون له عواقب على صحتنا ومحيط خصرنا

بقلم غراهام لوتون

الآن تقترب الساعة من منتصف الليل، وأنا أستمتع بمشاهدة أحد البرامج على نتفلكس Netflix، وبقايا الطعام من الثلاجة. أعلم أنني سأندم على ذلك في الصباح، وربما لسنوات قادمة.

مع تناولي الطعام في وقت متأخر من الليل، فإنني أتحايل على نظام تطور للحفاظ على تزامن Syncing جسدي مع الدورة الطبيعية التي تتكون من 24 ساعة من الليل والنهار. وتشمل آثار مثل هذا النظام تحديد أوقات مثالية لتناول الطعام، وهناك أدلة ناشئة على أن تجاوز هذا الجدول يمكن أن تكون له عواقب وخيمة على الصحة.

يبدأ التزامن في مجموعة صغيرة من الخلايا العصبية في الدماغ تسمى النواة فوق التصالب البصري Suprachiasmatic nucleus (اختصارًا: النواة SCN)، وهي حارس الوقت المركزي للجسم. وظيفتها هي التأكد من حدوث العمليات البيولوجية، مثل: النوم في الوقت الأمثل. يُعاد ضبط النواة SCN يوميًّا بالضوء والظلام؛ مما يخلق دورة مدتها 24 ساعة تقريبًا، تسمى الإيقاع اليومي. كما أنها تنسق الشهية لضمان حصولنا على إمدادات كافية من الطاقة في أثناء النهار، ويمكننا قضاء ليلة نوم من دون أن نستيقظ بسبب عسر الهضم، أو الجوع.

ويترجم هذا إلى ذروة طبيعية للشهية في الصباح وأوائل المساء. وبالمثل، تُنسَّق العمليات التي تشارك في هضم Digestion، وامتصاص Absorption، واستقلاب Metabolism الطعام بواسطة النواة SCN؛ لتكون جاهزة للعمل في الأوقات المناسبة.

ولكن النواة SCN لا تتخذ القرارات وحدها؛ فالجسم لديه أيضًا العديد من الساعات الثانوية في الأنسجة والأعضاء الطرفية التي تتلقى أوامرها – إلى حد كبير – من الساعة المركزية، ولكنها تستجيب أيضًا لإشارات خارجية تسمى الموقِّتات Zeitgebers (بالألمانية «مانحة الوقت»). وأهم هذه الإشارات هي التغذية، والتي تسبب إطلاق الهرمونات Hormones المشارِكة في عملية التمثيل الغذائي والشبع. كما تعمل الموقِّتات Zeitgebers على إعادة ضبط الساعات الطرفية في الأمعاء والكبد والبنكرياس والقلب والأنسجة الدهنية.

ساعات الجسم غير المتزامنة

من الناحية المثالية، تكون الساعات المركزية والمحيطية متزامنة. ولكن تناول الطعام في الوقت الخطأ يمكن أن يخلق عدم تطابق، وهذا يعني مشكلات لمحيط الخصر والصحة العامة. وقد ارتبط تناول الطعام – عندما تريد النواة SCN منا الصيام – بالسمنة، ومرض السكري من النوع 2، وارتفاع ضغط الدم، وارتفاع نسبة الكوليسترول، وأمراض القلب والأوعية الدموية. قد يكون جزء من المشكلة – ببساطة – تناول الطعام في ساعات غير مناسبة؛ ما يعني أننا نستهلك كثيرًا من السعرات الحرارية، وفقًا لأولغا بيفوفاروفا راميش Olga Pivovarova-Ramich، من المعهد الألماني للتغذية البشرية بوتسدام – ريهبروك German Institute of Human Nutrition Potsdam-Rehbrücke.

ولكن يبدو أن التوقيت أيضًا عاملٌ حاسم؛ فقد وجد تحليل أُجري، في العام 2017، على العاملين في نوبات الليل Night-shift workers أنهم أكثر عرضة من العاملين في نوبات النهار لزيادة الوزن أو السمنة، حتى عند استهلاك العدد نفسه من السعرات الحرارية.

وعلى الرغم من هذا الارتباط الواضح بين توقيت الوجبات والصحة، فإن «الآليات الأساسية تظل غير معروفة، إلى حد كبير»، ووفقًا لبيفوفاروفا – راميش. ونحن نعلم أن توليد الحرارة في الجسم، من خلال التمثيل الغذائي، يخضع لسيطرة الساعة البيولوجية، ويكون أعلى في الصباح. وينطبق هذا أيضًا على معدل الأيض في أثناء الراحة، وهو مقدار الطاقة التي تستخدمها أجسامنا في وضعية الراحة وعدم ممارسة أي تمارين رياضية. وقد يكون السبب في ذلك هو أن السعرات الحرارية المستهلَكَة في «الليل البيولوجي» تُحول نحو مسار تخزين الدهون بدلًا من حرقها؛ بسبب هذه العوامل.

في عالم اليوم، هناك فرص لا حصر لها لتناول وجبة «مُؤقِّتة» لذيذة في الوقت الخطأ. يعيش العديد منا في مجتمعات تعمل على مدار الساعة؛ حيث يتوافر الطعام على نطاق واسع في معظم الأوقات. وقد يؤدي الضوء الاصطناعي، مثل الضوء المنبعث من شاشات التلفزيون، دورًا أيضًا؛ فقد يتسبب في اختلال توازن النواة SCN؛ مما يضيف مصدرًا آخر للارتباك بين الساعات المركزية Central والطرفية Peripheral. كما يمكن للضوء الاصطناعي أن يطيل الجزء النشط من اليوم، ويقلص الليل البيولوجي، وهو ما تشير الدراسات التي أجريت على الفئران إلى أنه قد يؤدي إلى زيادة تناول الطعام بشكل عام، وزيادة الوزن.

إذن، متى يكون الوقت مناسبًا لتناول الطعام، ومتى يكون الوقت غير مناسب؟ يعتمد الأمر – إلى حد ما – على البيولوجيا الفردية؛ فكل شخص لديه «نمط زمني» Chronotype، وهو تفضيله الفطري Innate preference، إلى حد كبير، وقت بدء ساعات الاستيقاظ وانتهائها. ونحو 20% منا هم من نمط «البومة» Owls، الذين يستيقظون متأخرين بشكل طبيعي، ويذهبون إلى الفراش متأخرين، ويعملون بشكل أفضل في فترة ما بعد الظهر. ونحو 20% آخرين هم من نمط «القُبَّرة» Larks، الذين يستيقظون مبكرًا، وينامون مبكرًا. والبقية تقع في مكان ما بين الاثنين. هذه الأنماط الزمنية المختلفة هي – في الغالب – نتيجة للاختلافات الجينية التي تؤثر في الإيقاعات اليومية. ولكن كقاعدة عامة، من الحكمة الحصول على معظم السعرات الحرارية في وقت مبكر من اليوم، وتَجنُّب تناول الطعام تمامًا خلال الليل البيولوجي الذي يبدأ بالنسبة إلى من هم من غير نمط «البومة» نحو الساعة 8 مساءً. وقد أظهرت الدراسات أن الآكلين في الليل الذين يستهلكون غالبية السعرات الحرارية، بعد هذا الوقت، يميلون إلى أن يكون لديهم مؤشر كتلة الجسم Body mass index أعلى.

تناول الطعام المُقَيَّد بالوقت

تتمثل إحدى الطرق لتجنُّب تناول الطعام في وقت متأخر جدًّا، في تناول الطعام المُقَيَّد بالوقت Time-restricted eating (اختصارًا: الطريقة TRE)، وهو شكل شائع من أشكال الصيام؛ حيث يتم استهلاك جميع السعرات الحرارية اليومية في غضون نافذة محدودة ومتسقة، عادةً من 8 إلى 10 ساعات. في الممارسة العملية، يعني هذا إما الصيام طوال الصباح، وإما التوقف عن تناول الطعام في الساعات الأخيرة من بعد الظهر، وتعرف بنمط الأكل المُقَيَّد بالوقت Time-restricted eating (اختصارا: النمط TRE) المتأخر والمبكر على التوالي. تظهر العديد من الدراسات أن كلتا الطريقتين لها فوائد أيضية تتراوح بين التحكم بشكل أفضل في نسبة السكر في الدم، ومستويات الكوليسترول الصحية.

السبب الدقيق غير واضح. تقول كورتني بيترسون Courtney Peterson، من جامعة ألاباما University of Alabama في برمنغهام: «للأسف، لم يكن هناك كثير من الدراسات العلمية على تناول الطعام المُقَيَّد بالوقت لدى البشر»، لكن يبدو أن الإيقاعات اليومية Circadian rhythms تؤدي دورًا في ذلك. لقد ثبت أن النمط TRE يطيل عمر الحيوانات، على الرغم من أن بعض الأبحاث ألقت بظلال من الشك على الممارسة، مع وجود روابط بزيادة خطر الوفاة بسبب أمراض القلب. وإضافة إلى ذلك، لم نتابع الأشخاص الذين يتبعون هذه الأنظمة الغذائية لفترة كافية؛ لمعرفة ما إذا كان النظام الغذائي المُقَيَّد بالوقت له تأثيرات على طول العمر لدى البشر، لكن الأشخاص الذين يمارسونه باستمرار يفقدون بعض الوزن، كما تقول بيترسون. كما أن هناك تأثيرات إيجابية على التحكم في نسبة السكر في الدم وضغط الدم، كما تقول. ومع ذلك، من المثير للاهتمام أن هذه التأثيرات لا تتضح إلا مع النظام الغذائي المُقَيَّد بالوقت في وقت مبكر، ربما لأنه يتماشى بشكل أفضل مع الإيقاعات اليومية.سبب وجيه آخر للتخلص من وليمة منتصف الليل.

© 2024, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Back to top button