أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
العلوم الطبيعيةفيزياء نظرية

أبني آلة باستطاعتها تحطيم قواعد الواقع

طالما اعتقدنا أن العبث بقوانين الديناميكا الحرارية هو من شأن الحمقى فقط، لكنّ الحيل الكمية تُعيد كتابة "كتاب القواعد"، وفقاً للفيزيائي فلاتكو فيدرال.

تملكتني قبل بضعة أعوام فكرة قد تبدو مجنونة، فقد اعتقدت أنه قد يكون بمقدوري إيجاد طريقة لبناء محرك تتجاوز قدراته تلك التي تسمح بها قوانين الفيزياء. وستكون محقاً في اعتراضك على هذا الاقتراح، ففي نهاية المطاف تخضع فعالية المحركات لقوانين الديناميكا الحرارية thermodynamics التي تُشكل أكثر أعمدة الفيزياء صلابةً، وتحتوي على مجموعة من قوانين الطبيعة التي لا يُمكنك العبث بها.

ومع ذلك، وفي كل مرة أغادر فيها مكتبي في جامعة أكسفورد وأتجول في الممر يُمكنني أن أرى الآن محركاً لا يُعير اهتماماً لهذه القوانين. وطاقة وتعقيد هذا المحرك هائلان، وقد استُبدلت المكابس والوقود فيه بليزر أخضر وأيونات. ولا يزال الطريق طويلاً، غير أنني أظن أن أجهزة غريبة وهائلة التعقيد كهذه ستُشكل مستقبل التكنولوجيا.

ستُجسد الحواسيب الأفضل والأكثر فعالية نقطة البداية فقط، في حين يُمثل المحرك بشيرا بقدوم عصر جديد في العلم. ولبناء ذلك المحرك، كان علينا كشف النقاب عن مجال يُعرف بالديناميكا الحرارية الكمية اللازمة لضبط أفكارنا المتعلقة بالأسباب الكامنة وراء ما تظهر عليه الحياة، والكون، وفي الواقع، كل شيء.

الديناميكا الحرارية هي النظرية التي تصف التفاعل بين درجة الحرارة temperature، والحرارة heat، والطاقة energy، والشغل work. وبذلك تتصل هذه النظرية بكل شيء، انطلاقاً من أدمغتنا ووصولاً إلى عضلاتنا، ومحركات السيارات، وخلاّطات المطبخ، والنجوم، والكوازارات quasars، كما أنها تمنحنا أساساً لمعرفة الأمور الممكنة الحصول وتلك المستحيلة في الكون. فإذا أكلت سندويشة “برغر”، فإنك لا بدّ ستحرق سعرات حرارية -أو أنك ستصبح أكثر سمنة. وكما أن القهوة لا يُمكن أن تسخن من تلقاء نفسها إذا ما وُضعت فوق طاولة. ومع توسع الكون، فإن الكون يبرد متجهاً بذلك وبشكلٍ ثابت نحو موتٍ حراري في المستقبل البعيد. وتأتينا كل هذه الحقائق، التي لا يُمكن تجنبها، من الديناميكا الحرارية. وفي الواقع، فهي ناتجة من القانونين الأساسيين فيها، المسميين بطريقة لا إبداع فيها: القانونين الأول والثاني.

تاريخ هذه القوانين طويل جداً، وأحد فصوله المفضلة بالنسبة إلي هو ذلك الذي يتضمن الطبيب الألماني جوليوس فون ماير Julius von Mayer الذي كان مولعاً بالفيزياء. ففي أربعينات القرن التاسع عشر، حصل ماير على وظيفة كجراح سفينة على طريق رحلتها إلى جاكرتا. وقد لاحظ ماير أثناء تلك الرحلة شيئاً مثيراً للفضول، فقرب المناطق المدارية لم يعد الدم في عروق البحارة أزرق كما هي الحال في ألمانيا، وإنما أحمر غامق.

فقد خمّن ماير حينها بشكلٍ خاطئ كما تبين لاحقاً أن الدم الأكثر احمراراً هو نتيجة لاستخدام كمية أقل من الغذاء للحفاظ على الجسم دافئاً في المناخ الحار. لكن عند تفكيره في الأخذ والإعطاء بالنسبة إلى عملية الأيض (الاستقلاب) metabolism الحاصلة في الجسم والتي تتضمن درجة الحرارة وتوليد الحرارة داخل الجسم، وقع ماير مصادفة على جوهر القانون الأول في الديناميكا الحرارية: لا يُمكن خلق الطاقة، ولا تدميرها وإنما تتحول من شكلٍ إلى آخر.

أما نشأة ما يُعرف بالقانون الثاني في الديناميكا الحرارية، فقد سبقت صعود ماير فوق سفينته بعشرين عاماً. ففي تلك المرحلة كانت المحركات البخارية تُغيّر أوروبا، فأفرانها ومكابسها قادت المصانع والثورة الصناعية هناك. ولم يكن المهندس الفرنسي سادي كارنو Sadi Carnot راضياً حينها عن حقيقة غياب أحد قد فهم بشكلٍ عميق كيفية عمل تلك المحركات ولذلك عكف على إنجاز ذلك.

تمثّل جوهر فكرة كارنو في أنه إذا ما تركت تلك المحركات مع أجهزتها وحدها، فإن الأشياء الساخنة ستَنشر وبشكل دائم الحرارةَ نحو الوسط المحيط بها. على سبيل المثال، عندما يُسخن الماء داخل المحركات البخارية، فإن بعضاً من الحرارة يتسرب دوماً نحو الهواء الخارجي، ولذلك لن تكون تلك المحركات فعالة بشكلٍ مثالي. وفي عام 1824 نشر كارنو كتابه الوحيد الذي احتوى على تعميم للفكرة ليُثبت بذلك استحالة وجود محرك تتجاوز فعاليته ما يُعرف حالياً بمردود كارنو Carnot efficiency، وهذا المردود يعتمد بدوره على الفرق في درجات الحرارة بين المصدر الحراري لنقل النار، وبين المصرف الحراري لنقلالهواء الخارجي.

 إنتروبي لا مفر منه!

تُوفي كارنو بعد نشر كتابه ببضع سنوات، وظلّ ذلك الكتاب منسياً حتى مجيء عالم الفيزياء الألماني رودولف كلاوزيوس Rudolf Clausius. فقد تصور كارنو الحرارة على أنها عبارة عن مادة عديمة الوزن تُعرف بالكالوري caloric، لكن كلاوزيوس علم أنها في الواقع مرتبطة بسرعة حركة الذرات والجزيئات، وقد مكّنه ذلك من إعادة صياغة أفكار كارنو باستخدام تعبير جديد يقيس الفوضى في نظام ما، وأطلق عليه اسم الانتروبي entropy. تخيل أنه بحوزتك صندوق ساخن مكون من جسيمات سريعة الحركة، وآخر بارد من جسيمات بطيئة الحركة. وتُمثل هذه الحالة حالة عالية الترتيب، لأن الجسيمات المتشابهة من حيث مستوى الطاقة موجودة معا في الصندوق نفسه. ولكنّ الكون لا يُحب الحالات التي يكون الإنتروبي فيها منخفضاً وفقاً لكلاوزيوس. فإذا ما فتحت الصندوقين، فإن  الجسيمات ستختلط حينها ببعضها البعض، وقد قادته تلك الأفكار إلى صياغة القانون الثاني في الديناميكا الحرارية كما نعرفه اليوم: يتزايد الإنتروبي تلقائياً في أي نظام ما لم يُطبَّق قدر من الشغل لوقف ذلك.

اتبعْ منطق هذين القانونين، وسينتهي المطاف بك بالحصول على وصف قوي وثابت لما هو محتمل الحدوث في الكون. وقد علق عالم الفيزياء الفلكية آرثر إدنيغتون Arthur Eddington على ذلك بالقول: “إذا ما حصل وعارضت نظريتك القانون الثاني، فحينها لن يكون بوسعي أن أقدم أي أمل لك، وكل ما سينتظر هذه النظرية هو الانهيار بمذلة.”

حسناً، ماذا عن فكرتي المتعلقة بمحرك يلتف على تلك القوانين؟ يبدو ذلك -وإن وددنا حصوله- مستحيلاً. وفي الواقع لدينا اسم لذلك المحرك الذي يَنحى بالديناميكا الحرارية جانباً: المحرك دائم الحركة Perpetual motion machine، وهو المرادف للدجل العلمي. لكن الآلة الموجودة في الممر ليست من ذلك النوع، فهي تستغل ثغرة كامنة ولكنها شرعية بالكامل: الفيزياء الكمية.

الديناميكا الحرارية سابقة للنظرية الكمية وهي المسؤولة عن ولادتها. ففي عام 1900 كان عالم الفيزياء الألماني ماكس بلانك Max Planck عاكفاً على فهم خواص جسم افتراضي يُعرف بالجسم الأسود black body والذي يمتص كل الإشعاع الساقط فوقه، ومن ثمّ يُصدره مجدداً. واقترحت أفضل نظريات الفيزياء الموجودة في ذلك العصر وجود عدد لانهائي من الأطوال الموجية، ولذلك فإنّ الجسم الأسود سيصدر كمية لانهائية من الطاقة، وهذا الأمر لا معنى له تماماً. فقد حلّ بلانك هذه المسألة بافتراض أن الطاقة تأتي على شكل حزم متقطعة أطلق عليها اسم الكم quanta.

وساعدت تلك القفزة على حل الكثير من أسئلة الفيزياء. لكن عندما بدأنا بدراسة الأجسام التي تتصرف وفقاً لقواعد اللعبة الكمية، اكتشفنا أنها تقوم بأشياء خارقة. وأحد أفضل الأمثلة على ذلك هو ظاهرة التشابك الكمي entanglement، فعندما يتشابك جسيمان مع بعضهما البعض، فإن التأثير في أي منهما يؤدي وبشكلٍ لحظي إلى تغيير خواص الجسم الآخر. وكمثال آخر هنالك أيضاً ظاهرة التراكب superposition التي تسمح لجسيم ما بالوجود في حالتي طاقية مرتفعة ومنخفضة في الوقت نفسه.

تُحطم هذه السلوكيات كل قواعد الديناميكا، فهل هنالك أي سبب يدعونا إلى الاعتقاد أن الديناميكا الحرارية معفاة من ذلك؟ ولم تتوفر الأدوات اللازمة للإجابة عن هذا التساؤل إلا خلال السنوات الخمس الأخيرة. خذ على سبيل المثال عمل توبياس شاتزي Tobias Schaetz من معهد فرايبوغ للدراسات المتقدمة Freiburg Institute for Advanced Studies في ألمانيا. ففي عام 2016 وصف شاتزي تجربة تتعلق بمراقبة الأيونات داخل بلورة، إذ أعطى تلك الأيونات بعض الطاقة، وراقب كيف تبرد. وعلى النقيض من كوب القهوة، الذي يبرد بشكلٍ تدريجي، بدا أن الأيونات تفقد طاقتها على طول فترة من الزمن، ولكن الطاقة ترتد بشكلٍ مفاجئ بعد ذلك. وتمثل هذه التجربة برهانا لأحد شكوكنا: القواعد الكلاسيكية للديناميكا الحرارية لا تُطبق دائماً في العالم الكمّي.

ومع الأسف، من الصعب جداً معرفة القوانين التي تتحقق حينها، وذلك ناجم عن عدم وجود أي مكافئات كمية لمفاهيم الديناميكا الحرارية الكلاسيكية مثل الحرارة والإنتروبي، فهما المُخرج النهائي لحركات الكثير من الجسيمات، إذاً كيف يُمكنك البدء بالتفكير في شبيه كمي عندما تتعامل مع جسيم واحد أو اثنين؟

حسناً لا تكترث لذلك. فعلى كل حال فكرت في صناعة نسخة كمية من المحرك الحراري. وهو في الحقيقة مختلف عن أي شيء ألِفه كارنو، ولكنّ المبادئ هي نفسها. تكمن الفكرة في وضع زوج من الجزيئات العضوية Organic molecules ورفعها إلى مستوى طاقة مرتفع عبر تسليط الضوء عليها. وبعد تركها وحدها، ستعود الجزيئات ستعود بشكلٍ بطيء إلى مستوى طاقة أدنى لتُعيد إصدار ضوء بتردد مختلف.

“الديناميكا الحرارية الكمية قد تعني إمكانية سريان الزمن في اتجاهين”

إليك الجزء المهم. إذا ما أعددنا التجربة بشكلٍ صحيح، فإن الضوء الصادر لن يحمل أي معلومة تتعلق بالجزيء الذي صدر عنه. ووفقاً لميكانيكا الكم، فذلك يعني أن الجزيئات ستجبر على أن تصبح متشابكة، ولذلك عندما تهبط إحداها إلى مستوى طاقة أدنى، فإن الأخرى ستفعل ذلك بشكلٍ تلقائي وسيصدر الجزيئان الضوءَ بانسجام عبر عملية تُعرف بالإشعاع الفائق superradiance. أعتقد أن هذا المحرك الكمي سيبقى عرضة لرشح الطاقة كما وصفه كارنو قبل 200 عام. ولكن، وبفضل الإشعاع الفائق، ينقل هذا المحرك الطاقة بسرعة أكبر مما يجعله أكثر فعالية من المحرك غير الكمي.

وبالعمل جنباً إلى جنب مع زملائي التجريبيين تريستان فارو Tristan Farrow وروبرت تايلور Robert Taylor، فقد أنجزت العام الفائت تجربةَ تحكمٍ لم تكن الجزيئات متشابكة فيها، لكن آخرين سبقونا إلى النشر أثناء وضعنا للمسات الأخيرة على تلك النسخة المهمة. وفي شهر أكتوبر من عام 2017 وصف زميلي من جامعة أكسفورد إيان والمسلي Ian Walmsley وفريقه تجربة مشابهة لتلك التي تصورناها. وفي ذلك المحرك، لا توجد جزيئات عضوية تقوم بامتصاص وإصدار الضوء، وإنما ذرات محتجزة داخل فجوات خاصة موجودة في الألماس. فلم تكن الذرات متشابكة، وإنما في حالة تراكب بين مستويي طاقة منخفضة ومرتفعة. وبدقة كافية، فقد تمكن والمسلي وفريقه من معرفة أن زمن إصدار الضوء كان أسرع من ذلك الذي تتنبأ به القوانين الكلاسيكية للديناميكا الحرارية.

وليس من الواضح بشكلٍ كامل لماذا يحصل ذلك. ومن المعترف به أيضاً أن درجة الانتهاك صغيرة جدا ولن تكون مفيدة في الواقع العملي. ومع ذلك، فهي تُمثل أول إثبات على أن المحركات الكمية الحرارية يُمكنها ليُّ تلك القوانين الثابتة.

أتوقع أنه بالإمكان تطوير تلك الآلة، وأنا متحمس جداً بخصوص مستقبل المحركات الكمّية الحرارية. إنّ أول الأمور التي قادتني نحو هذه اللعبة هو عملي على الحواسيب الكمية. فهناك الكثير من الحديث عن هذه الآلات المستقبلية التي تعمل باستخدام البت الكمي quantum bit، أو “الكيوبت”، وسيكون بإمكان هذه الآلات التصدي لأعقد الحسابات، لكن وضع هذه  الآلات على خط العمل يتضمن عملية تبريد الأجزاء المادية من الجهاز إلى درجات حرارة منخفضة جداً، وهو أمر يتطلب كميات هائلة من الطاقة.

وقد يساعدنا أحفاد آلة والمسلي على الوصول إلى ذلك. ففي النهاي، يُحول المحركُ الحراري الحرارةَ إلى شغل مباشر عبر تحريك مكابس المحرك البخاري على سبيل المثال. وإذا ما عكست تلك العملية، فيُمكنك حينها استخدام الشغل المباشر لطرد الحرارة بعيد، وستكون النتيجة ثلاجة كمية quantum fridge. ويُجري غيلب ماسلينيكوف Gleb Maslennikov وزملاؤه من الجامعة الوطنية في سنغافوره National University of Singapore تجارب على الثلاجات الكمية، ويُقدم عملهم أدلةً واعدة على أنها قد تكون أكثر فعالية من أقرانها التقليدية.

ليست الحواسيب الكمية هي الشيء الوحيد الذي قد يكون مفيداً، فأحد الموانع الأساسية على طريق تصغير الدوائر الطبيعية يتمثل بالتسخين الزائد الذي ينتج من محاولتنا تقريب المكونات من بعضها أكثر لتصغير الدارة Circuits، ولذلك فإن التبريد الأفضل هو بالضبط ما نحن بحاجة إليه.

إذا ما اعتقدت أن الثلاجات الكمية قد تكون مفيدة، اسمح لي بتقديم البطارية الكمية quantum battery. وقد أثبت أحد طلابي السابقين فيلكس بيندر Felix Binder الذي يعمل الآن في جامعة نايانغ التقنية Nanyang Technological University في سنغافوره، أن البطاريات الكمّيّة تُشحن بشكلٍ أسرع من تلك التقليدية. فعوضاً عن الأيونات المتحركة كما هي الحال في البطاريات التقليدية، ستمتلك هذه البطاريات الكمية بتا إلكترونيا مشابه للبت الحاسوبي، وهذا البت الإلكتروني له حالتان: إما أن يكون مشحوناً، أو لا.

وفقاً للديناميكا الحرارية التقليدية، تزداد كمية الطاقة اللازمة لشحن البطارية بشكلٍ خطي مع عدد البتات، لكنّ بيندر أثبت أنه إذا كانت البتات متشابكة، فحينها تتناسب الطاقة اللازمة لملء البطارية بشكلٍ كامل مع الجذر التربيعي لعدد البتات. ويعني ذلك أن بطارية كمية بمليون بت ستُشحن بشكلٍ كامل في الوقت نفسه اللازم لشحن بطارية تقليدية بسعة 1000 بت. ويأمل فيتوريو بيليغريني Vittorio Pellegrini، وهو باحث في المعهد الإيطالي للتكنولوجيا Italian Institute of Technology في جنوا، ببناء مثل هذه البطارية الخارقة خلال بضعة أعوام.

الغرفة الأكثر الفوضوية The untidiest room

لكن لا يتعين علينا الاعتقاد أن الديناميكا الحرارية الكمية ترتبط بصناعة الأدوات فقط، فهي تلمس الفروق بين أكثر الأمور عمقاً: الحياة، والموت. تناضل الأشياء الحية على الدوام ضد القانون الثاني في الديناميكا الحرارية، فهي تمتص الطاقة للمحافظة على الترتيب داخل خلاياها، وتزويد كل هذه المكافئات للمحركات الحرارية بالطاقة يعتمد على الميتاكوندريا mitochondria. وبناء على ذلك يظهر إلى حيز العلن سؤال مثير: عند الأخذ بالحسبان أن الانتخاب الطبيعي Natural selection يميل إلى تعزيز الفعالية، هل طوَّرت البيولوجيا محركات حرارية كمية؟ هناك جدل ساخن حول ما إذا كانت هناك أي تأثيرات كمية مهمة في البيولوجيا، لكن برأي ليس من الجنوني الاعتقاد أن التطور سينتج أكثر المحركات فعالية.

حتى مضي الزمن يُمكن تعديله في الديناميكا الحرارية الكمية، إذ لا وجود لأي قانون يمنع العمليات الطبيعية من العودة بالزمن إلى الوراء -عدا القانون الثاني في الديناميكا الحرارية، فإصراره على ضرورة تزايد الإنتروبي يقود العديد من الفيزيائيين إلى الاعتقاد أن الزمن ينتج بطريقة ما من تغيرات الإنتروبي.

بتعابير كلاسيكية، يُعطينا الإنتروبي إدراكاً بديهياً. وعلى سبيل المثال، تنص الديناميكا الحرارية الكلاسيكية على وجوب كون درجة فوضوية الكون مساوية -على الأقل- لدرجة فوضوية أجزائه. ويُشابه ذلك القول إن الفوضى الإجمالية لمنزل ما، مقاسةً ربما بكمية الطاقة اللازمة لترتيب المنزل، لا يُمكن أن تكون أقل من فوضوية غرفة غير مرتبة داخله.

الصورة ستكون مختلفة جذرياً فيما لو كان الكون خاضعا لقوانين الديناميكا الحرارية الكمية. صحيحٌ أننا لا نعرف تلك القوانين على وجه الدقة، لكننا نعرف من خلال معادلات النظرية الكمية أن المقدار الإجمالي للفوضى في الكون يجب أن يبقى ثابتاً. وأكثر من ذلك، فإن مبدأ عدم اليقين الكمي quantum uncertainty يمنعنا من الحصول على معلومات كاملة حول حالات أجزاء الكون كلٍّ على حدة، مما يعني أن بعض الأجزاء ربما تكون أكثر فوضوية من غيرها.

ومن المحتمل أن يعني ذلك أنه إذا ما نظرت إلى الكون ككل، فإن الانتروبي لا يتغير ومن ثم لا يُوجد زمن. ولكن حالما تباشر النظر إلى الأجزاء الصغيرة التي يتغير الإنتروبي داخلها يبدأ الزمن بالجريان حينها. ولأنه ليس من الإلزامي أن تُضاف الأشياء إلى بعضها في كل مكان، فمن الوارد حينها أن أسهم الزمن تجري باتجاهات مختلفة في مناطقٍ مختلفة من الكون، وفقط عبر السبر الحذر للأسس الكمية للديناميكا الحرارية سنعرف فيما إذا كان أيٌ من تلك التصورات دقيقا، ولهذا السبب تُعتبر المحركات الحرارية الكمية مهمة جداً، وأنا متشوق لوضع محركي الكمي الحراري على طريقه.

فلاتكو فيدرال Vlatko Vedra   فيزيائي من جامعة أكسفورد في المملكة المتحدة والجامعة الوطنية في سنغافوره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى