أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فيزياء

كيف يمكن لجسيمٍ شبحٍ منسيٍّ أن يكون مُنقِذا للفيزياء

لقد افتُرِض وجوده نظريا لعدة عقود مضتْ إلا أنه لم يرصد بتاتا. ولكنه يبدو الآن أنه من المحتمل أن يُقوِّم النيوترينو العقيم عيوبًا في الفيزياء الأساس – فقط إذا استطعنا العثور عليه.

بقلم: أبيجيل بيل Abigail Beall
ترجمة: أ.د. محمد قيصرون ميرزا

صورة: قد يساعد خط أشعة النيوترينو بمختبر فيرميلاب في عملية الصيد.

هذه قصة جسيم يرفض أن يموت. فقد طاردته فيزياء الجسيمات لمدة خمسين سنة منذ ظهور إشارات على وجوده بطرق غامضة بشكل جنوني. ويعتقد البعض أنهم قد رأوه، بينما يظن آخرون أنه ليس إلا وهمًّا من نسجِ خيالنا. غير أنه وفي كل مرة نكون على يقين من أنه غير موجود، تهب رياح جديدة تقلب الأمور كلّها رأسا على عقب، ويعود هناك مجال للشك مرة أخرى.

وعلى الرغم من أنه بعيد المنال، إلا أن النيوترينو العقيم Sterile neutrino سيكون نعمة حقيقية. لأنه قد يفسر النتائج الشاذة المرصودة تجريبيا لعقود طويلة، ويعطينا أول لمحة مؤكدة لما بعد الفيزياء التي نعرفها. كما يحتمل أن يفسر سبب كون كتل النيوترينوات العادية صغيرة بشكل غريب، كما يزودنا بمرشح مقْنع للمادة المعتمة.

غير أن الأخبار السيئة هي أن نتائج آخر جولة من التجارب المصممة للبحث عنه تدّعي أنه لا يمكن أن يكون موجودا. ويعتقد بعض الفيزيائيين أن هذه هي نهاية القصة. بينما لا يزال آخرون مقتنعين بوجود جسيم غامض، إلا أنهم يستنتجون أنه لا يشبه ما تخيلناه بتاتا. وعلى الرغم من ذلك، فبالنسبة إلى البعض، فإن تضافر الشكّ التجريبي مع عيوب تحليل النتائج يعني أنه بعد كلّ هذا يحتمل – مجرد احتمال – أن يكون النيوترينو العقيم في آخر المطاف حيًّا بالتأكيد. وتبدأ المعضلة بحبة النيوترينو نفسه. فمن الصعوبة بمكان رؤية النيوترينوات، إذ ليست لها شحنة وكتلها معدومة تقريبا كما تستطيع الملايين منها اختراق المادة من دون أن تترك لها أثرا.

فقد جاءنا أول إشعار بأنها موجودة عام 1930 عندما كان الفيزيائي ولفجانغ باوليWolfgang Pauli  يعاني الأَمرّين لتفسير تحلل بعض الذرات المشعة. إذ تتألف الذرات من نواة تحوي بروتونات ونيوترونات وتدور حولها إلكترونات أخف بكثير من البروتونات والنيوترونات. فعندما تقوم النواة بتحلل بيتا beta decay فإنها تتحول إلى نواةٍ ابنة مُصدَّرة إلكترونا أثناء ذلك. وكانت المعضلة التي حيّرتْ باولي هي أنه كان هناك ناتجان اثنان لهذا التحلل يتحركان في اتجاهين بدا كأنهما يخالفان مبدأ حفظ العزم (الزخم) Conservation of momentum الذي لا يشق له غبار في الفيزياء – مما يوحي بأنه يجب أن يكون هناك جسيم ثالث لتفسير هذه النتائج.

وقد أطلق على الجسيم الصغير عديم الشحنة الذي اخترعه باولي اسم النيوترينو وتمّ تحريه لأول مرة في الطبيعة عام 1956. وقد توصل الفيزيائيون التجريبيون في العقود التي تلتْ ذلك إلى أن النيوترينوات تأتي في أنواع أو نكهات Flavours متعددة. إذ كانت هناك النيوترينوات التي تنبأ بها باولي بارتباطها الوثيق بالإلكترونات، لكن هناك أيضا نيوترينوات أخرى كانت موجودة وترتبط بعلاقات مماثلة بأبناء عمومة الإلكترونات الأثقل وهي: الميونmuon  والتاو tau. وقد جاءت هذه النيوترينوات الثلاث في الموقع المناسب تماما ضمن النموذج القياسي Standard model، الذي هو برنامج العمل الرئيس لفيزياء الجسيمات، وبدا أن ذلك كان نهاية المطاف.

غير أن النيوترينوات كانت على وشك البداية، إذ تبين أن لدينا مصدرا هائلا لها في الجوار القريب، وفق المصطلحات الكونية. فالشمس هي مفاعل اندماج نووي مدفوع بتحللات بيتا التي تضخ بلايين النيوترينوات الإلكترونية – التي يأتي بعضها إلينا مخترقا الأرض في طريقه إلى الكون الأرحب. فقد وجد الفيزيائيون منذ وقت طويل – الستينات من القرن الماضي- أثناء قياسهم كمية النيوترينوات الإلكترونية الواصلة إلى الأرض نقصا كبيرا في أعدادها، ولم تستطع إحدى التجارب تحري أكثر من 25% من العدد المتوقع.

وتطلّب حلّ هذا اللغز الاعتراف بأن النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات، والذي قاد هذا المجال لعقود، لم يكن كاملا. فبدلا من أن يكون النيوترينو عديم الكتلة كانت له في الواقع كتلة ضئيلة لا تتجاوز واحدا من المليون من كتلة الإلكترون. وتعطي هذه الكتلة النيوترينوات قدرة مدهشة للتبديل بين النكهات، منتقلة من واحد إلى آخر خلال حركتها السريعة، في تحوّل يدعى اهتزاز النيوترينو Neutrino oscillation. وكانت نتيجة هذا أنه يمكن للنيوترينوات الإلكترونية التي تصدر من لبّ الشمس أن تتحول إما إلى نيوترينو تاو أو نيوترينو ميون متهربة من عملياتنا للبحث عنها على الأرض. وتقول جانيت كونراد Janet Conrad الفيزيائية التجريبية من معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا: “لو لم ننتبه لأن هذا قد يحدث؛ لما كان بإمكاننا أن نعرف ماذا الذي كان يجري على الإطلاق.”

لقد أدى إعطاء النيوترينوات المقدرة على التحول من واحد إلى آخر إلى حلّ مسألة النيوترينوات الشمسية، لكن هناك بقيت ألغاز أخرى يعود أكثرها إثارة للقلق إلى التسعينات من القرن الماضي عندما توصلت تجربة أطلق عليها اسم كاشف سائل الومضات للنيوترينوات Liquid Scintillator Neutrino Detector (اختصارا: التجربة LSND) في لوس ألاموس بولاية نيو مكسيكو، أنّ نسخة ضديد المادة لنيوترينوات الميون كانت تهتز إلى ضديدات نيوترينوية إلكترونية أسرع مما كان متوقعا. وقد تأكدت هذه النتيجة من تجربة ثانية تدعى ميني بون MiniBooNE، بمختبر فيرميلاب في باتافيا بولاية إلينوي، خلال الفترة ما بين 2002 إلى 2017.

فإما أن كلتا التجربتين كانتا تعاني القصور نفسه في التصميم، أو أن هناك شيئا أكثر جوهرية كان يحدث. ويقول ريموند فولكاس Raymond Volkas، من جامعة ملبورن: “إن الشذوذ في تجربتي LSND/MiniBooNE هو لغز حقيقي.”

وتأتي مجموعة أخرى من النتائج المثيرة للتساؤل من تحللات إشعاعية داخل المفاعلات النووية. فهي، مثلما يحصل في الشمس تماما، مصدر قوي للنيوترينوات. إلا أنه يبدو، ولسبب غير مفهوم، أن المفاعلات النووية على الأرض تنتج عددا أقل من النيوترينوات الإلكترونية بنحو 6 % مما يتنبأ به النموذج القياسي.

من ثم: فمن جهة أولى تنتج الكثير من النيوترينوات الإلكترونية بينما، من جهة أخرى، لاينتج إلا القليل. فما الذي يجري حقا؟

وهنا تتدخل النيوترينوات العقيمة. لأن الفكرة هي أنه بدلا من الثلاثية الأنيقة للنيوترينوات، اخترعت نكهة “عقيمة” رابعة للنيوترينو قادرة على تبديل شكلها إلى أيّ من الثلاثة الآخرين. قد يبدو هذا ذا أهمية كبيرة علما بأن فكرة “الأجيال” الثلاثة مبنية في صلب النموذج القياسي (انظر: الرسم التوضيحي). غير أنه مع بقاء هذا العدد السحري لغزا، فإن اختراع جيل جديد كليا من الجسيمات، أو حتى افتراض أن النيوترينو العقيم هو عنصر منشق وحيد، ربما لا يكون أكثر غموضا.

لعبة الأجيال The generation game

سيتأثر النيوترينو العقيم بشدّ الجاذبية فقط، بخلاف أشقائه التي تتفاعل من خلال القوة النووية الضعيفة. وقد طرحت هذه الفكرة لأول مرة عام 1958 من قبل الفيزيائي الإيطالي برونو بونتيكورفو Bruno Pontecorvo، كوسيلة للسماح للنيوترينوات للتحول إلى ضديدات النيوترينو. لكن عقم الجسيم الذي اقترحه كان يعني أنه سيكون من المستحيل تقريبا أن نرصده. وقد تضاءل الاهتمام بسرعة إلى أن أعادت الشواذُّ الحياةَ له.

والتعليل المنطقي لذلك يقول إن كلتا التجربتين MiniBooNE وLSND وجدت عددا أكبر من النيوترينوات مما كان متوقعا بسبب تحلل كل النيوترينوات العقيمة الإضافية إلى هذا النوع. وسبب اختفاء كل هذه النيوترينوات الإلكترونية في تجارب المفاعل لأنها تحللتْ إلى قريناتها العقيمة. يا لها من عبقرية!

قد يؤدي استحضار النيوترينوات العقيمة إلى الوجود إلى التخلص من عدد من المشكلات الأخرى أيضا. فكتلة النيوترينو ضئيلة جدا، فهي أصغر بأكثر من مليون مرة من كتلة الجسيم الخفيف الذي يلي النيوترينو وهو الإلكترون. وسبب هذه الفجوة غير معروف، إلا أن نيوترينوا رابعا أثقل قد يعطي حلاًّ لذلك. فقد تدفع كتلته الزائدة الكتل الأخرى إلى الانخفاض بواسطة عملية تسمى آلية التأرجح Seesaw mechanism، مثلما يرتفع ويهبط الطفل على الأرجوحة.

وقد اقتُرحتْ الجسيماتُ نفسَها كمرشّح محتمل للمادة المعتمة، تلك المادة الغامضة التي يعرّف أنها تشكل نحو 27 % من الكون. ويقول آخرون إنه يمكن للنيوترينوات العقيمة أن تجد إجابة للسؤال عن سبب اختفاء ضديد المادة كلها تقريبا الآن مع أنها نتجتْ بكميات مساوية للمادة عند بداية الكون. فإذا كان الأمر كذلك فإن أوليغ روشايسكي Oleg Ruchayskiy من جامعة كوبنهاغن University of Copenhagen في الدنمارك يقول: “ستجد ثلاثة ألغاز في الفيزياء الحديثة حلا لها في نظرية واحدة.”

للأسف لا شيء يرتبط بالنيوترينو هو سهل أبدا.

فلكل تجربة تقترح إشارات لوجود النيوترينو العقيم هناك تجربة أخرى تعطي برهانا بأنه غير موجود. وأكثرهذه الإشارات تأكيدا هو الكون نفسه – والترتيب الحالي للنجوم والمجرات وأصداء الانفجار الكبير Big Bang الخافتة التي لا تزال على قيد الحياة. ويقول فولكاس لو أن النيوترينوات العقيمة كانت موجودة على مدى تاريخ الكون لأدى ذلك إلى أن يبدو الكون مختلفا عما هو عليه حاليا.

وأكثر من ذلك فقد عاد مؤخرا التشكيك في شذوذ المفاعل. وقد أدت عدة تجارب أجريت مؤخرا إلى وضع كواشف النيوترينو أقرب إلى المفاعلات النووية منذ أي وقت مضى، مما يسمح لقياسات أكثر دقة لاختفاء ضديد نيوترينو الإلكترون. وعلى الرغم من أن التحليل الإحصائي للبيانات غير متطور بشكل كاف حتى الآن لقول أيّ شيء على وجه اليقين، إلا أن النتائج الأولية توحي أنّ الشذوذ ربما اختفى.

لقد عكّرت أحدثُ نتائج التجربة MiniBooNe، التي صدرت في وقت سابق من هذا العام، الماءَ أكثر. إذ كشفت عن شذوذ أكبر مما سبق. وقد هلل البعض بأن هذا دليل قوي على وجود هذا الجسيم الافتراضي. بينما لو كان النيوترينو العقيم موجودا، فلا يمكن لنيوترينوات الميون أن تتحول هكذا إلى نيوترينوات إلكترونية في طريقها إلى كاشف ما – يجب أن يختفي بعضها أيضا.

لكن لم يُرصد اختفاء نيوترينوات الميون على الإطلاق. ويقول فولكاس: “في الواقع فإن التأكيد القوي لشذوذ التجربة MiniBooNE مؤخرا يجعل الحالة أسوأ لأن إشارة ظهور قوي يعني إشارة إلى اختفاء أقوى أيضا.”

خلال عمل التجربةMiniBooNE  لمدة 15 عاما صمم الفيزيائيون عدة تجارب أصغر لسبر أغوار هذا الاختفاء بشكل صريح. ومن أكبرها تجربة تسمى MINOS+ أُجريت في مختبر فيرميلاب. وخلال إجراء هذه التجربة وسابقاتها رفضت نيوترينوات فيرمي بكل إصرار أن تختفي. وهذا يضع قيودا صارمة على ما يمكن أن يبدو عليه النيوترينو العقيم، إنْ وجد بالأساس.

وعلى الرغم من كل الطعنات التي تعرض لها قلب النيوترينو العقيم؛ إلا أنه لا يزال ينبض. وتقول كونراد إن التجارب التي تؤكد توقعاتنا، مثل التجربة MINOS+، تاريخيا تتعرض لتمحيص أقل من تلك التي تعطي إشارات لم نكن نتوقعها مثل كلتا التجربتين LSND و MiniBooNE. وتتابع قائلة: “إن القيود تلقى تدقيقا أقل بكثير من الشذوذ.”

طاردو الأشباح

وفي هذه المرة هناك من جابه هذا التدقيق. فقد بحث بيل لويس Bill Louis من مختبر فيرميلاب، في نتائج التجربة MINOS+ وكيف قام الفريق بتحليلها.

ويقول لويس مشددا على نوعية التجربة وتعقيد الرياضيات المعنية: “لقد عمل فريق التجربة MINOS+ بجد على تحليل البيانات.” وعلى الرغم من ذلك فإنه يعتقد أنه من المحتمل أنه كان هناك عدم انتباه لبعض الأخطاء في البيانات، مما دفع الفريق لاستبعاد حالات الاختفاء بيقين أكبر مما يجب.

لا يزال آخر بحث علمي من التجربة MINOS+ بانتظار النشر منذ شهر أكتوبر 2017، بسبب مواضيع تشمل تلك التي أثارها لويس، وتقول كونراد: “إن بيل لا يتطرق إلا إلى نحو نصف المشكلات الواضحة.”

وتقول كارول لانغ Karol Lang المتحدثة باسم مجموعة التجربتين MINOS/MINOS+ إن الفريق كان على اتصال بلويس وغيره أثناء مراجعة وتمحيص النتائج للوصول إلى تفسير أفضل للاتجاهات التي تقف خلفها، والقيود الناتجة منها على النيوترينوات العقيمة.

ومن ثم، فما هو الموقف الآن؟ إذا نجتْ نتائج كلتا التجربتين MiniBooNE وMINOS+ من تدقيق أكثر فلن ينفد النيوترينو العقيم بجلده. إننا بحاجة إلى شئ آخر يساعد على تفسير كيف يدفع الجسيم نفسه كلا من الميون ونيوترينوات الإلكترونات إلى الظهور، لكن الأخيرة هي التي تتلاشى فقط. وتخترع بعض النماذج قوة جديدة يمكن أن تحل هذا الاختلاف. أو يحتمل أننا لسنا بحاجة إلى اختراع أي شيء يتجاوز النموذج القياسي، كما تقول كونراد. وتتابع قائلة: “قد تكون فيزياء نووية – إننا بالحقيقة لا نفهم التأثيرات النووية بشكل كاف.”

عندما تسعى تجارب مثل التجربة MINIBooNE إلى البحث عن اهتزازات النيوترينو فإن طبيعة الاهتزاز تعتمد على طاقة النيوترينوات المشاهَدة في الكاشف. بينما يمكن للنيوترينوات أن تتفاعل مع جسيمات أخرى وهي في طريقها مما يغير طاقتها. نحن نفترض أن معظم النيوترينوات تتفاعل مع نيوترونات حرة في النواة، لكن بعضا منها قد يصطدم بدلا من ذلك بزوج نيوترون – بروتون وهذا يغير كمية الطاقة التي يمتلكها هذا الثنائي. وتقول كونراد إننا لا نفهم هذا التأثير حتى الآن، ولذا يمكن أن يؤدي تحليلنا إلى إعطاء الانطباع بأن هناك اهتزازات عندما لا يكون الأمر كذلك. وفي هذه الحالة فقد لا نحتاج إلى نيوترينو عقيم على الإطلاق وإنما مجرد حسابات أكثر دقة.

إلا أن كونراد تقول إنه من المحتمل أن تتجه هذه التأثيرات في الاتجاه المعاكس لتخفي إشارة النيوترينو العقيم التي يمكن أن تكون أقوى بكثير، وهذا كاف لإنقاذه من فراش الموت.

وفيما يطور الفيزيائيون النظريون أفكارا أخرى جديدة حول ما يحتمل أن يكون هناك، فإن الفيزيائيين التجريبيين سيثابرون في بحثهم. فهم ويأملون باستخدام كواشف منتشرة حول العالم، من روسيا إلى المملكة المتحدة وحتى تحت جليد القطب الجنوبي، أن يضعوا قيودا أشدّ صرامة على اختفاء نيوترينوات الميون والإلكترون، إضافة إلى المعدّل الذي يتحول فيه أحدها إلى الآخر.

وفيما إذا أدتْ هذه التجارب إلى دحض نتائج سابقة أو تأكيدها، فإن هذا لا يزال في عالم المجهول. ويعتقد فولكاس أنه يمكن للتجارب الحالية إعطاء الإجابة الأكيدة لهذه الأسئلة خلال السنوات القليلة القادمة. وإذا كان حدس لويس في محله، فإن هذا الجسيم الزومبي قد ينهض من القبر مرة أخرى.

الحياة السرية للميون The secret lifr of muons

كانت النيوترينوات على الدوام العناصر المنبوذة في عائلة الجسيمات. وتأتي في ثلاث “نكهات” ترتبط كل منها بابناء عم أثقل منها تسمى الإلكترون والميون والتاو. وكان يعتقد لوقت طويل أن هذه الجسيمات الأثقل حسنةُ السلوك إلا أنه يبدو الآن أنّ للميون سرا وضيعا.

فقد قاست تجربة جرتْ في بروكهيفن ناشيونال لاب Brookhaven National Lab في نيويورك إحدى الخواص الكمية له يطلق عليها اسم العزم المغناطيسي Magnetic momentum ووجد أنها تجاوزت التنبؤات النظرية. tمن المحتمل أن هذا كان خطأ إحصائيا، إلا أننا سنحصل على فكرة أوضح عندما تبدأ التجارب الأكثر حساسية بجمع البيانات في شهر فبراير2019.

وفي الوقت نفسه، فقد تحرّتْ تجارب أُجريت في مصادم الهادرون الكبير Large Hadron Collider قرب جنيف أيضا ميونات تتصرف بطريقة غريبة. إذ يجب أن يؤدي تحلل جسيمات تسمى ميزونات B B-mesons إلى إنتاج ميونات بالكمية نفسها تقريبا كالإلكترونات. لكن الكواشف تحصي عددا أقل بكثير مما هو متوقع.

وهذا يثير أوجه شبه مثيرة للاهتمام مع حقيقة أن نيوترينوات الميون لا تختفي بالمعدل نفسه مثل نيوترينوات الإلكترونات (انظر: المقالة الرئيسية)، وهذه معضلة رئيسة في فيزياء النيوترينو. ويمكن ربط حالتي الشذوذ هاتين حسبما تقول سابين هوسينفيلدر Sabine Hossenfelder الفيزيائية النظرية في معهد فرانكفورت للدراسات العليا Frankfurt Institute for Advanced Studies في ألمانيا. وتتابع قائلة: “إنك تصل إلى انطباع بأن هناك شيئا ضائعا هنا، إلا أنه لايوجد عند أحد أي فكرة واضحة عمّا هو هذا الشيء بالتحديد. فهذا محبط كما هو مثير.”

© Copyright New Scientist Ltd.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى