أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
العلوم البيئية

المتاجر الخالية من التغليف قد تساهم في حل مشكلة البلاستيك، لكنها قد تزيد مشكلة هدر الطعام

تهدف المحال التجارية التي تسمح لك بجلب أوعيتك الخاصة لوضع منتجات الطعام فيها إلى حلِّ المشكلات التي يولدها التغليف البلاستيكي، لكن ذلك ربَّما لا يكون الحل الأمثل

بقلم: ليا كرين Leah Crane

ترجمة: د. عبدالرحمن سوالمه

تمتلئ المتاجر الكبرى بالأطعمة، ولكن عددًا كبيرًا منها مغلف؛ فالبقوليات موضوعة في أكياس مصفوفة بصندوق كرتوني، والخيار ملفوف بإحكام وعناية، وفي الوقت الراهن تتزايد أعداد المتاجر الخالية من التغليف، التي تعتبر مظهراً عصريّاً، في أوروبا وأمريكا الشمالية، حيث تجلب أوعيتك الخاصة وتشتري الكمية التي تريدها من المنتجات بالضبط.

صحيح أن هذا التوجه بدأ في المتاجر المحلية والصغيرة، غير أن عددًا من كبار البائعين بالتجزئة بدؤوا ينخرطون في ذلك. حتى إن ويتروز Waitrose، أحد أكبر سلاسل محال البقالة في المملكة المتحدة بدأ يجرب القسم الخالي من التغليف في أحد محاله بأوكسفورد.

وأحد أهم الأسباب في إجراء هذا التغيير هو الرغبة في جعل التسوق صديقًا للبيئة بشكل أكبر. يقول أحد المتحدثين باسم ويتروز: «أحرزنا تقدمًا جيدًا في تقليل استخدامنا للبلاستيك غير الضروري والتغليف غير الضروري، فقد أجرينا هذا الاختبار خصيصًا من أجل مساعدتنا على التعرف على طرق من أجل تطوير هذه الفكرة».

ويتزايد وعي الزبائن بالآثار البيئية التي الناجمة عن التغليف، وخصوصًا النفايات البلاستيكية التي قد ينتهي بها المطاف في المحيطات، وتُلحق الأذى بالحياة البرية، كما أنها قد تمر في السلسلة الغذائية حتى تصل إلى طبق طعامك.

بحسب بيانات من وكالة حماية البيئة الأمريكية US Environmental Protection Agency (اختصارًا: الوكالة EPA)، فإن نحو 30 مليون طن من الأوعية والتغليفات أرسلت إلى مكبات النفايات في الولايات المتحدة عام 2015، وكان أكثر من عشرة ملايين طن منها عبارة عن بلاستيك قد يحتاج إلى مئات السنين ليتحلل.

30 مليونَ

طنٍ من التغليفات أرسلت إلى مكبات النفايات في الولايات المتحدة عام 2015

تقول راشيل شتراوس Rachelle Strauss، مؤسِّسَة الشركة المختصة باستشارات تقليل النفايات Zero Waste Week في المملكة المتحدة: «يريد الناس أن يعرفوا ما يمكنهم عمله». وتقول إن المتاجر الخالية من التغليف تساعدنا على أن نشعر بأن لدينا القدرة على إحداث تغيير صغير على الأقل.

لكن من غير الواضح ما إذا كان لهذه المتاجر أثر بيئي إيجابي فعلي بشكل عام، أو أنها مجرد تسويق طموح. تقول سوزان سيلكي Susan Selke، مديرة كلية التغليف في جامعة ولاية ميشيغان Michigan State University’s School of Packaging : «إذا كنا نستطيع التخلي عن التغليف، لما كان هناك سبب لوجوده  في الأصل». وتقول إن الشركات ستتخلص من تكاليف التغليف بكل سرور إذا كان ذلك ممكنا.

ربما كان أوضح سبب لاستخدام التغليف هو للدعاية وتوفير المعلومات حول المنتج، ولكن يمكنك فعل ذلك باستخدام تغليف أقل من المستخدم الآن. وهناك سبب أكثر أهمية للتغليف وهو الحفاظ على الطعام من التلوث، وإطالة مدة صلاحيته على الرفوف؛ فالخيار المغلف بإحكام سيتجعد وينكمش إذا ترك لعدة أيام. وتبين بيانات الوكالة EPA أن أكثر من 30 مليون طن من نفايات الطعام أرسلت إلى مكبات النفايات في الولايات المتحدة عام 2015.

وتقول نينا غودريتش Nina Goodrich، مديرة اتحاد التغليف المستدام Sustainable Packaging Coalition : «البصمة الكربونية التي يخلفها الطعام أكبر بكثير من البصمة الكربونية التي يتركها المغلف». وهذا يعني أن أي زيادة في مخلفات الطعام ستبخس أي فائدة نحصل عليها من تقليل التغليف، وتكمل: «ربما لا يكون المستهلك مدركًا لذلك؛ لأن مخلفات المغلفات أوضح للعيان».

وينطبق ذلك على كل من الأطعمة على رفوف المتاجر الكبرى وفي البيوت. وتقول آن جونسون Anne Johnson من شركة أنظمة إعادة تدوير المصادر Resource Recycling Systems، وهي شركة استشارية في آن آربر بميشيغان: «يجب على المستهلك أن يشتري الكمية المناسبة فقط، وأن يتأكد أن التخزين عنده مناسب». وتضيف إن شراء كمية كبيرة جدّاً ثم رميها هو أسوأ ما قد يحدث.

ومن المهم تذكر أن التغليف الذي تراه ليس القصة الكاملة. تقول سيلكي: «يميل الأفراد إلى أن يفكروا في التغليف على أنه الشيء الذي يأخذون به الطعام إلى البيوت، ولكنه أكثر من ذلك. وإذا كان هناك متجر أطعمة خال من التغليف فعليّاً، فإنك لن تكون قادرًا على إيصال المنتجات إليه، ولن يستطيع المستهلك أن يأخذ المنتجات إلى المنزل».

ولهذا، فإن الانتباه لسلسلة التزويد بالبضائع أمر مهم؛ فحتى المتاجر المسماة الخالية من التغليف تحصل على بضائعها ضمن أحد أنواع التغليفات، والتخلص من هذه النقطة يعتبر مستحيلًا على الأرجح. ومع ذلك، فقد يساعد البيع بالجملة على التخفيف من هذه النفايات؛ فإفراغ كيس كبير جدّاً من الفاصولياء في صندوق فولاذي يعتبر مصدر نفايات أقل من الكثير من الأكياس الصغيرة التي تؤخذ إلى المنازل مع كل مستهلك.

تقول بريين ميلر Brianne Miller، مؤسِّسَة متجر نادا Nada الخالي من التغليف في فانكوفر بكندا: «تختلف سلسلة التزويد لبضائعنا عن تلك الخاصة بمحال البقالة التقليدية». وتضيف إن محال البقالة التقليدية عندما تحاول الانتقال إلى السلع الخالية من التغليف، فإنها ستعاني؛ لأن معظم نماذج العمل لديها ليست مخصصة لهذا النوع من السلع.

وإحدى مشكلات سلسلة التزويد بالبضاعة هي الطلب البسيط. تقول شتراوس: «جزء كبير من الأسباب التي أوصلتنا إلى هذا الحال هو الحاجة إلى الراحة والرفاهية التي نطلبها بأن نحصل على الفراولة طوال العام. صرنا معتادين على كل هذه الراحة، وهذا يلقي بضرره الآن على البيئة».

تقول ميلر إن المتاجر التي تريد تقليل الآثار البيئية ستحتاج إلى زبائن يسرّها أن تشتري المنتجات الفصلية في فصلها. كما عليهم أن يبقوا على كمية مخزون أقل من أجل تخفيف مخلفات الطعام، ومن ثم يجب على المستهلكين الاعتيادُ على أن يكون المتجر أحيانًا خاليًا من أي من المنتجات التي يطلبونها.

وتكلفة تغيير كبير كهذا في سلسة التزويد بالبضائع قد تكون عالية، خصوصًا عندما يأخذ المتجر بالحسبان عوامل عدة غير الأثر البيئي، مثل ممارسات العمل التي يتبعها منتجو الطعام. وتقول ميلر: «سيكون الرز ذا البصمة الكربونية القليلة الذي ينتج من مصدره بشكل مسؤول من الناحية الاجتماعية والبيئية غالي الثمن جدّاً». وهذا يعني أن المتاجر الخالية من التغليف ستكون في العادة غالية جدّاً بالنسبة إلى بعض الأشخاص.

قد تكون هناك أيضًا مشكلات أخرى تتعلق بالشريحة التي تصل إليها المنتجات، وذلك بحسب سوزان بيري Susan Berry، المديرة التنفيذية للشركة الاستشارية Disability Smart Solutions؛ فالأشخاص منقوصو المناعة والأشخاص المصابون بحساسيات شديدة للطعام يواجهون مشكلات في عالم يخلو من التغليف؛ لأن سلامة الطعام تصير أصعب بكثير. كما أن الخدمة الذاتية تشكل تحديًا للذين يعانون محدوديةً في الحركة، أو في مهارة استخدام اليدين، أو في قوة الجزء الأعلى في الجسم. وتقول بيري: «أظن أنها مشكلة كبيرة تتمثل في أنها تمنع الأشخاص المصابين بإعاقات من الوصول إلى الصندوق ليحصلوا على طعامهم الخاص. هناك نسبة كبيرة من السكان سيشكل ذلك صعوبة لهم».

تقول بيري إن الحل هو على الأرجح بتوظيف عدد أكبر من الموظفين، بحيث يكون هناك شخص ما متاح دائما ليوفر المساعدة. وبحسب ميلر؛ فإن متجر نادا، على الرغم من كونه أصغر من معظم المتاجر الكبرى الموجودة ضمن سلاسل التوريد، يوظف نحو العدد نفسه من الموظفين. وهذا يشتمل على الموظفين الذين يتعاملون مع التوصيلات اليومية المتعددة من منتجي الطعام المحليين، مرورًا بالتأكد من أن الزبائن يحصلون على المساعدة التي يحتاجون إليها وأنهم يستخدمون أوعية نظيفة، ووصولًا إلى الشيف الذي يحول الطعام الذي كان سيرمى في النفايات إلى وجبات جاهزة ومحسنات طعام.

يبدو أن متجر نادا يمثل قصة نجاح، كما أنه يعطي خصومات للزبائن ذوي الدخل المحدود، ويغسل ويعيد استخدام الأوعية المتبرع بها من مشاريع العمل المجاورة، وبحسب ميلر فإن معدل نفايات الطعام لديه أقل من 1%، لكن هذا النوع من التغيير يحتاج إلى الكثير من التفكير والعمل، كما أن زيادة انتشاره ستحتاج إلى سلاسل كبيرة وعدد كبير من الزبائن من أجل وضع الجهد المطلوب.

وبالنسبة إلى العديد من المتاجر الخالية من التغليف، ليس من الواضح ما إذا تم التفكير في هذه العوامل، والبيانات من تجربة ويتروز على سبيل المثال ستكون مبنية على آراء الزبائن، وليس من الأثر في البيئة. تقول شتراوس: «لكننا إذا حصلنا على النتيجة المرجوة، التي هي بيئة أكثر صحية ونسبة أقل من البلاستيك الذي يستخدم لمرة واحدة، فإن الدافع الكامن وراء ذلك لا يعود ذا أهمية».

إذا أخذنا في الاعتبار مشكلات المتاجر الخالية من التغليف واستطلعناها، فإن هذه المحال الواعية بالبيئة قد تساعدنا على جعل حياتنا أكثر نظافة.

ليسقط البلاستيك

لن تختار كل المتاجر أن تكون خالية من التغليف، لكن حتى عندما تكون أكياس الشراء والصناديق ضرورية، فإن أثرها البيئي يمكن تقليله.

تقول سيلكي: «أحد الأشياء التي يمكن لشخص عادي أن يعملها بسهولة -غير أنه في العادة لا يعملها- هو أن يعيد تدوير التغليفات التي استخدمها بشكل جيد». إذا كان لا بد من وجود تغليف؛ فحاول جاهدًا أن يكون مصنوعًا من مواد قابلة لإعادة التدوير، وأن تصنفها وتعيد تدويرها بشكل سليم حالما تنتهي منها.

ومع وجود الكثير من التركيز الشعبي على النفايات البلاستيكية، فإن بعض المتاجر، مثل متجر بقالة الإيكوبلازا Ekoplaza في أمستردام، خصص مساحة للسلع الخالية من البلاستيك، التي يكون فيها كل شيء مغلفًا بالكرتون، والزجاج، والألمنيوم، والبوليمرات البيولوجية ذائعة الصيت، والتي تصنع من مواد طبيعة من مثل الورق والطحالب ونشا الذرة.

لا تزال هذه المواد المتطورة بحاجة إلى أن يُتَخَلَّص منها بشكل سليم. وتقول شتراوس: «البلاستيك القابل لأن يتحول إلى سماد يعتبر فكرة عظيمة، ولكن فقط إذا انتهى به المطاف إلى أن يكون سماداً في المكان المناسب. إذا وضعناه في مكبات النفايات؛ فلن يكون قادرا على التحلل».

التغليفات التي يعاد تدويرها بشكل جيد ليست بالضرورة مشكلة، وكذلك الحال بالنسبة إلى التغليف القابل للتحول إلى سماد، ولكن إذا انتهى بها المطاف في مكبات النفايات، فإن هذه ستكون مصدر المشكلات.

NewScientist

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى