مؤسسة العلوم الوطنية: التخلص من التليسكوبات القديمة، ودخول أخرى جديدة
بقلم: دانيال كليري
مطلوب: منزل طيب لعشرة تليسكوبات مُستعملة. بصريّة، لاسلكيّة، شمسيّة. بالية جدا لكننا تهمنا. متبقّي الكثير من السنوات الجيّدة.
تسعى مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية) National Science Foundation اختصارا: المؤسسة) NSF لعرض غير مسبوق لبيع تليسكوبات قديمة في حراج، وذلك لتوفير 40 مليون دولار سنويا، وتشغيل جيل جديد من المراصد. وقد رتبت بالفعل لتفكيك خمسة تليسكوبات أو العثور على شركاء في تكاليفها، موفّرةً بذلك 12 مليون دولار سنويًّا. (أنظر الجدول أدناه). لكن لم يتقدّم ما يكفي من صائدي الصفقات بعد من أجل تأمين مستقبلٍ لاثنين من أكبر تليسكوباتهم وأكثرها أيقونية، وهما: أطباق الراديو العملاقة في أريسيبو Arecibo– بورتوريكو، وفي وغرين بانك Green Bank في فرجينيا الغربيّة. في 28 من أكتوبر، نشرت المؤسسة NSF مسودّة تقرير الأثر البيئي Environmental Impact Statement لأريسبو، وهي الخطوة الأولى في تقييم الآثار المترتّبة على تفكيك – أو حتى إغلاق – التليسكوب. يقول جيم أولفيستاد Jim Ulvestad، مدير قسم علم الفلك لدى المؤسسة NSF: “إنّنا نحبّ هذه التليسكوبات، لكننا ببساطة لا نمتلك الميزانية لتشغيلها جميعا، وللاستمرار في دفع الحدود متقدمين نحو الأمام.”
تضيف العناية بالزواحف وبنبات السرخس المهدد بالانقراض إلى تكلفة تفكيك تليسكوب أريسبو اللاسلكي.
وبالفعل فإن الوكالة لديها مشروع جديد كبير هي بحاجة لتوفير الدعم له، ألا وهو: مصفوفة مرصد أتاكما المليمتري/ تحت المليمتري الكبير Atacama Large Millimeter/submillimeter Array (اختصارا: المرصد ALMA)، وقد اكتمل تركيب 66 طبقا في تشيلي مؤخرا بالتعاون مع أوروبا واليابان. ستضطر الوكالة قريبا إلى تشغيل تليسكوب دانييل كي. إنويي الشمسي Daniel K. Inouye Solar Telescope (اختصارا التليسكوب LSST)، وتليسكوب المسح الاجمالي الكبير Large Synoptic Survey Telescope (اختصارا: = LSST) في تشيلي، والمقرر استكمالهما في عامي 2019 و2021 على التوالي. تنفق المؤسسة NSF حاليا 140 مليون دولار على عمليات التليسكوب، وذلك من أصل الميزانية السنوية لعلم الفلك والتي تبلغ 250 مليون دولار، مما لا يترك سوى أقل من نصف ميزانيتها لدعم علماء الفلك المستقلين والمشاريع المتوسطة والمعدّات.
إذا لم تتقلص ترسانة التليسكوبات، ولم يكن هناك تحسّن كبير في تمويل المؤسسة NSF، فإن التليسكوبان القادمان سيستهلكان الكثير من الموارد البحثية للقسم. “إنها مزيج من اجتماع القديم والجديد معا،” تقول جاكلين هيويت Jacqueline Hewitt، عالمة فلك بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا Massachusetts Institute of Technology في كامبريدج، التي ترأس فريق كتابة تقرير الأكاديميات الوطنية National Academies report لعام 2016 الذي ساعد على توضيح المشكلة. وتقول كذلك: “سيكون هناك فوضى عارمة.”
ويقول العلماء المعتمدون على التليسكوبات المُهدّدة أنهم منزعجون من احتمال الإغلاق. فيقول روبرت كير Robert Kerr الذي استقال من منصبه كمدير لأريسيبو في 2015 بسب إحباطه من قطع المؤسسة NSF للتمويل: “إن عدم رؤية المؤسسة NSF لأهمية هذه المُنشأة لهو أمرٌ محيرٌ جدا.” أما بالنسبة إلى مورا ماكولين، عالمة فلك بجامعة ويست فرجينيا West Virginia University في مورغانتون، وعضوة في تعاون مرصد نانو هرتز أمريكا الشمالية لموجات الجاذبية (اختصارا: المرصدNANOGrav)، وهو تعاون يتسخدم فترات المراقبة في مرصدي أريسبو وغرين بانك للبحث عن موجات الجاذبية Gravitational waves عبر رصد النجوم النابضة Pulsars – نجوم دوّارة تعمل كساعات كونية دقيقة – فإنها تقول: “بصراحة، أعتقد أن هذا ضرب من الجنون. إننا قريبون جدًّا من رصد موجات الجاذبية، كما أن إبقاء (التليسكوبات) عاملة سيكلّف فقط 10 ملايين دولار في العام، لكن المؤسسة NSF قد اتّخذت قرارها بالفعل.”
ومع ذلك، ذكرت تقارير نشرت في عام 2006 أن علماء الفلك الأمريكيين يتقبلون كون مستقبل المؤسسة NSF يكمن في مراصد مثل المرصد ALMAوالمرصد LSST. وأن التضحيات أمر لابد منه. ويعتقد البعض أن المؤسسة NSF كانت بطيئة التفاعل، لكن تقرير الأثر البيئي (EIS) قد قال كلمته. ولما كان تقرير الزثر البيئي مطلوبا لتغيير وضع المنشآت الممولة اتحاديا، فإن تقريرُ الأثر البيئي يُبيِّن أن المؤسسة NSF قد أخذت جميع الخيارات بعين الاعتبار، وتشاورت مع جميع الأطراف المَعْنِية. بالنسبة إلى أريسيبو الذي كان أكبر طبق تليسكوب لاسلكي في العالم حتى إنشاء التليسكوب الصيني الذي افتُتح هذا العام (Science، 30 September، p. 1488) فإن مسودة التقرير تنظر في ستة احتمالات مستقبلية: من عدم فعل شيء البتة إلى إزالة المنشأة إزالة تامة.
حتى الإغلاق سيأتي بتكاليف باهظة. يعشش الطبق في حفرة مقامة في وسط تضاريس استوائية يانعة، وإعادة تأهيل الجمال الطبيعي للموقع سيكون مُكلِفًا. وعلى الرغم من أنّ مسودة تقرير الأثر البيئي لا تقدم بيانا بالتكاليف، إلا إن أولفيستاد يقول إن تقديرات المؤسسة NSF لتكاليف تفكيك الطبق وتنظيف الموقع تبدأ بما يزيد على عشرة ملايين دولار، وقد تكون أكثر من ذلك. تعيش في المنطقة كائنات مثل نبات السرخس والزواحف المهدَّدَة بالانقراض، إضافة إلى أفعى بورتوريكو، وإذا وجدوا أنها تعيش تحت الطبق فإن تفكيكه مع حماية مسكنها الطبيعي ستكون عملية باهظة جدا.
ستبدأ المساومة الحقيقية نحو نهاية العام عندما تبدأ المؤسسة NSF استجلاب عروض الأسعار من أي شركاء على استعداد للمساعدة بدعم أريسيبو. تنفق الوكالة حاليا 8.2 مليون دولار سنويا على التلسكوب، مُقسّمَةً بين علم الفلك وبحوث الغلاف الجوي. (ناسا هي الممول الآخر لأريسيبو، مقدّمةً 3.7 مليون دولار لدعم عمله في تحديد الكويكبات القريبة من الأرض). يقول أولفيستاد إن المؤسسة NSF تودّ خفض مساهمتها بشكل كبير، كما يضيف أن العرض سيحتوي مزيدا من التفاصيل حول ماهية الأمور التى تكون المؤسسة NSF مستعدة لبيعها، وأن القرار النهائي حول أيٍّ من العروض المُقدّمة سيُتخذ في وقتٍ ما بعد يونيو المقبل.
وقد بدأت المؤسسة NSF تقييم الأثر البيئي لتليسكوب غرين بانك ؛ أكبر طبق راديو قابل للتوجيه في العالم. ولكن غرين بانك -من بعض الجوانب- يشير بالفعل إلى مستقبل بديل لأريسيبو وغيره من التليسكوبات المُهدَّدة. فهو يطوّر مجموعة كبيرة من مصادر التمويل المتنوعة التي قد تنمو في الوقت نفسه الذي يتضاءل فيه تمويل المؤسسة NSF. إضافة إلى 8.2 مليون دولار التي يتلقّاها تليسكوب غرين بانك من المؤسسة NSF، فإن مشروع اختراق السمع Breakthrough Listen project المموّل من القطاع الخاص، والذي يبحث عن كائنات ذكية خارج الأرض، يساهم بمبلغ مليوني دولار سنويا، كما يساهم مشروع NANOGrav وجامعة ويست فيرجينيا بمبالغ أقل. تقول كارين أونيل Karen O’Neil، مديرة تليسكوب غرين بانك: “إننا نحاول التنويع قدر الإمكان.”
وعلى الرغم من أن خطر إغلاق أريسيبو كان يلوح في أفقه لأكثر من عقد، إلا إنه هناك حتى الآن عدة عروض لإنقاذه. فقد قدّم مشروع اختراق السمع عرضا مماثلا لذلك الذي قدّمه لتليسكوب غرين بانك، إلّا أنه لم يُتوصَّل إلى أيّ اتفاق بعد. يقول أولفيستاد أنّ البِدْء بدراسة الأثر البيئي ورفع اشعار الإغلاق جعل أذهان الشركاء المحتملين أكثر تركيزا.
ويتابع قائلا: “لم يكن هناك دافع طالما اعتقد الناس أن المؤسسة NSF ستحلّ المشكلة،” ويضيف: “لا يُنفق الناس المال إلا إذا اضّطُّروا لذلك.”
The ©2016 American Association for the advancement of Sciences. All right reserved.