المموِّلون الأوروبيون يسعون إلى إنهاء عَهد المجلات ذات المحتوى المحميّ بالاشتراك المدفوع
الحركة تهدف إلى تعجيل التحول الكامل نحو إتاحة المحتوى للجميع
Martin Enserinkبقلم: مارتن إنسيرنك
ترجمة: مي منصور بورسلي
صورة: روبرت يان سميتس Robert-Jan Smits، المبعوث الخاص للمفوضية الأوروبية لشؤون حق الوصول الحر OA، هو “المُحفّز ” للخطة S
“مجتمعات الأبحاث لا ترغب في تحمل المماطلة بعد الآن.” رالف شيمر Ralf Schimmer، مكتبة ماكس بلانك الرقمية Max Planck Digital Library.
بعد إحباطها من التحول البطيء نحو حق الوصول المفتوح Open Access (اختصارًا: الحق OA) في النشر العلمي، قامت إحدى عشرة مؤسسة تمويل وطنية في أوروبا برفع الضغط هذا الأسبوع. إذ اعتبارًا من عام 2020، ستطلب المجموعة غير الرسمية التي تنفق بشكل مشترك نحو 7.6 بليون يورو على الأبحاث سنوياً، أن تكون كل الأوراق الناتجة من الأبحاث الممولة من أعضائها متاحة مجاناً منذ لحظة النشر. وفي بيان صادر في 4 سبتمبر، صرّحت بأنها لن تسمح بعد الآن بفترة الانتظار التي تفرضها العديد من المجلات القائمة على الاشتراكات والتي تمتد من ستة إلى اثني عشر شهرًا قبل أن تكون الورقة متاحة للجميع. كما سيحظر الائتلافُ النشرَ فيما يسمى المجلات الهجينة التي تفرض رسومًا على الاشتراكات، ولكن في الوقت ذاته تجعل الأوراق الفردية متاحة للعامة مقابل رسوم إضافية.
وتعني هذه الخطوة أن متلقي المِنح من هؤلاء الممولين، بما في ذلك وكالات التمويل الوطنية في المملكة المتحدة وهولندا وفرنسا وكذلك المعهد الوطني للفيزياء النووية National Institute for Nuclear Physics في إيطاليا، ستضطر إلى التخلي عن النشر في آلاف المجلات، بما في ذلك المجلات رفيعة المستوى مثل نيتشر Nature وساينس Science و سيل Cell و ذ لانسيت The Lancet، ما لم تغير تلك المجلات نموذج عملها. ويقول مارك شيلتز Marc Schiltz، رئيس رابطة Science Europe، وهي رابطة من المنظمات العلمية في بروكسل شاركت في تنسيق الخطة: “نعتقد أنّ هذا قد يكون نقطة تحول،” ويُضيف قائلا: “في الحقيقة كانت الفكرة هي القيام بخطوة حاسمة كبيرة، وليس إصدار بيان آخر أو تعبير عن نية.” (اسم الخطة، Plan S,، وهو عنوان اختير في مرحلة التحضير للعمل ولكنه قد عَلِق بها تماما”، كما يقول متحدث باسم رابطة Science Europe، وقد يُعبّر الحرف S عن “السرعة Speed” أو “إيقاف الدفع” Stop paywalls، كما يقولون.)
ويقول رالف شيمر Ralf Schimmer، رئيس قسم توفير المعلومات العلمية في مكتبة ماكس بلانك الرقمية Max Planck Digital Library بميونيخ في ألمانيا، إنّ الخطة قد تُسبب اضطرابات في صناعة النشر وتدفعها أبعد نحو توفير حق الوصول المفتوح OA. ويقول: “سيضع هذا ضغطًا متزايدًا على الناشرين وعلى إدراك الباحثين الأفراد بأن تغيير النظام الإيكولوجي ممكن.” ويقول بيتر سوبر Peter Suber، مدير مكتب مكتبة هارفارد للاتصال العلمي، إن الخطة: “قوية بشكل مثير للإعجاب.” ويدعم العديد من ممولي العلوم الآخرين حق الوصول المفتوح OA، لكن مؤسسة بيل وميليندا غيتس Bill & Melinda Gates Foundation وحدها التي تطبق متطلبات صارمة مماثلة لحق الوصول المفتوح OA، كما يقول سوبير.
وتدعم المفوضية الأوروبية European Commission والمجلس الأوروبي للأبحاث European Research Council الخطة، على الرغم من أنها لم تعتمد تطبيق اشتراطات مماثلة للأبحاث التي تمولها. وفي بيان صدر في 4 سبتمبر، اقترح مفوض الاتحاد الأوروبي للأبحاث والعلوم والابتكار كارلوس مويداس Carlos Moedas أن يقوموا بذلك في المستقبل؛ وحثّ البرلمان الأوروبي European Parliament والمجلس الأوروبي على تأييد هذا النهج.
والناشرون التقليديون ليسوا سعداء. وهذه الخطة “من المحتمل أن تقوض نظام نشر الأبحاث بأكمله،” كما كتب متحدث باسم Springer Nature، التي تنشر أكثر من ثلاثة آلاف دورية، في رسالة إلكترونية إلى Science. “إن تنفيذ مثل هذه الخطة، من وجهة نظرنا، من شأنه أن يُعطل الاتصالات العلمية، ويضر بالباحثين، ويؤثر في الحرية الأكاديمية،” كما يضيف متحدث باسم الجمعية الأمريكية لتقدم العلوم AAAS، ناشر مجلة Science. وتابع قائلا: “إن ذلك لن يوفر الدعم المادي اللازم لاستمرار الدوريات في عائلة Science.” وقد رفض أكبر الناشرين الأكاديميين في العالم، إلسيفير Elsevier، التعليق، مشيرًا بدلاً من ذلك إلى بيان الجمعية الدولية للناشرين العلميين والتقنيين والطبيين International Association of Scientific, Technical, and Medical Publishers الذي حث على “الحذر” وقال: “قبل كل شيء، من المهم أن يتمتع الباحثون بحرية النشر في منفذ النشر الذي يختارونه.”
وقد اتخذت أوروبا زمام المبادرة في الضغط من أجل حق الوصول المفتوح OA في السنوات الأخيرة. وفي اجتماع عقد في بروكسل في عام 2016، أعلن وزراء الاتحاد الأوروبي للأبحاث والابتكار والتجارة والصناعة هدفا لعام 2020 لجعل جميع الأوراق البحثية الجديدة متاحة مجانا. ولكن المبعوث الخاص للمفوضية، روبرت-جان سميتس Robert-Jan Smits، يقول إنّ الانتقال إلى “الآن” قد استغرق مدة طويلة جدا. وكان سميتس هو “المُحفّز” وراء الخطة الجديدة، كما يقول ستان غيلين Stan Gielen، رئيس المنظمة الهولندية للأبحاث العلمية Netherlands Organization for Scientific Research (اختصارا: المنظمة NWO) في لاهاي.
وبموجب الخطة S، يحتاج المؤلفون إلى الاحتفاظ بحقوق نشر أوراقهم ونشرها بموجب نظام ترخيص يسمح بإعادة الاستخدام المجاني. وسيحدد المموّلون مستوى الحد الأقصى للرسوم المدفوعة للنشر في المجلات ذات المحتوى المتاح لاحقا. وبعد فترة انتقالية، ستنتهي عملية النشر في المجلات الهجينة التي تُدير فيها Springer Nature أكثر من 1700 وإلسيفير Elsevier أكثر من 1850؛ لأنها لم تُثبت أنها النموذج الانتقالي الذي كان يأمل الكثيرون بتحقيقه، كما يقول شيلتز. وفي الواقع، كما يُضيف: “نحن ندفع أكثر الآن،” لأن رسوم نشر المؤلف تأتي مضافة على سعر الاشتراك. (يشير بيان Springer Nature إلى أنّ المجلات الهجينة “تدعم الانتقال نحو حرية الوصول الكامل”؛ وبموجب اتفاقيات خاصة، فإنها تسمح لسبعين في المئة من المؤلفين في أربع دول أوروبية بإتاحة أبحاثهم على الفور.)
وتتناقض الخطة حول “حق الوصول المفتوح الأخضر”، وعندما يقوم الباحثون أو المؤسسات بنشر نسخة مجانية من أوراقهم في مستودع مُؤسسي، بدلاً من النشر في دورية تُطبق حق الوصول المفتوح OA؛ ويُبين ذلك أنّ أهمية مثل هذه المستودعات يكمن فقط في أنها “معترف بها.” وهذا هو “خطأ أساسي”، كما يقول سوبير، لأن حق الوصول المفتوح الأخضر له مزايا خاصة به، وتُسمى أيضا الأرشفة الذاتية، وهي غير مُكلِفة وسهلة التدرج. ومن خلال السماح للباحثين بإتاحة أعمالهم بحرية أثناء النشر في مجلة “تقليدية، جليلة”، يساعد حق الوصول المفتوح الأخضر العلماء الشباب الذين يحتاجون إلى دمغة النشر في أهم المجلات، كما يقول سوبير.
إلا أن الممولين الذين يقفون وراء الخطة الجديدة يهدفون صراحة إلى تقليل إغراء المجلات الإعلانية. وفي تمهيد الخطة S، يتعهد الممولون بالمساعدة على “مراجعة نظام الحوافز والجوائز العلمية بشكل جوهري،” على سبيل المثال من خلال اتباع إعلان سان فرانسيسكو لعام 2013 حول تقييم الأبحاث، الذي يدعو إلى التخلي عن مقاييس بسيطة مثل عامل تأثير المجلة عند تقييم أداء العالِم.
ويقول الممولون إنهم سيراقبون ممارسات نشر الباحثين ويعاقبون من لم يمتثل لذلك. وعلى سبيل المثال، يقول غيلين إنّ المنظمة NWO ستتحقق من نسبة معينة من الأوراق التي تمولها ويمكنها معاقبة الباحثين الذين لم يتبعوا القواعد الجديدة عن طريق المطالبة باسترداد أموال المنح أو منعهم مؤقتًا من التقدم بطلبٍ للحصول على التمويل.
ويتوقع شيلتز أنّ العديد من الممولين الثمانية عشر الآخرين في رابطة Science Europe سينضمون إلى موجة المطالبة على الأرجح في الأسابيع والأشهر المقبلة. ويقول: “لقد شعرنا بأن الخطة قوية الآن بما فيه الكفاية لنعلن عنها،”، ويعود ذلك جزئياً إلى أنّ المشاركين الأحد عشر الحاليين يُمثلون معاً أكثر من نصف تيار التمويل الذي يسيطر عليه أعضاء رابطة Science Europe.
وتأتي الخطة S في وقت تشهد فيه المؤسسات الأكاديمية بالعديد من الدول الأوروبية، والتي تسعى إلى كتابة المزيد من الأبحاث ذات طابع حق الوصول المفتوح OA، مفاوضات صعبة مع الناشرين الأكاديميين. وقطعت إلسيفير Elsevier مؤخراً الدخول إلى مجلاتها في ألمانيا والسويد بعد رفض اتحادات المختبرات والجامعات في تلك الدول التراجع عن موقفها. ويقول شيمر إن الخطة S ستزيد من الضغط: “لقد كان هناك ما يكفي من الخطاب المهذب والانتظار اللائقين والأمل وقول من فضلك،” ويُضيف قائلا: “إن مجتمعات الأبحاث لا ترغب في تحمل التسويف بعد الآن.”