أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
وباء الكورونا

في الوقت الذي تفتح فيه المختبرات أبوابها من جديد، تزداد مخاوف السلامة

تشتمل التحديات على إعادة تنظيم مساحات العمل وحماية الأشخاص المشاركين في الأبحاث

 تغطية مجلة ساينس Science لكوفيد-19 بدعم من مركز بوليتزر Pulitzer Center

بقلم:  دافيد غريم

ترجمة:   د. عبد الرحمن سوالمة

قضى راسيل هوبكروفت Russel Hopcroft كثيرًا من الوقت في أبريل جالسًا في المنزل في فيربانكس بألاسكا، مخططًا للكيفية التي سيعود بها إلى الأبحاث بمجرد أن تُنهي الدولة حالة الحظر. وفي 23 أبريل تلقى المكالمة أخيرًا، أو بكلمات أخرى، تلقى الاتصال عبر تطبيق زووم Zoom؛ من خلال رابط فيديو، ليخبره أحد مسؤولي مؤسسة العلوم الوطنية National Science Foundation أنه سيمنح هوبكروفت، الاختصاصي  بعلم بيولوجيا المحيطات من جامعة ألاسكا University of Alaska في فيربانكس، الإذن ليبحر في رحلته الاستكشافية الإيكولوجية لجمع بيانات حول مناطق صيد السمك غير المستقرة في خليج ألاسكا.

ستكون رحلة مختلفة عن غيرها. فعندما أبحرت السفينة في بداية شهر مايو كان على متنها ثلاثة باحثين فقط، بدلًا من 24 كما هو معتاد. وكانت مدتها محدودة بأسبوع في البحر، وليس أسبوعين، مما يعني أنهم لم يتمكنوا من إجراء مسوحاتهم الاعتيادية للطيور والثدييات البحرية. وكان الجميع على متن السفينة يرتدون أقنعة الوجه ويطبقون إجراء التباعد الجسدي، وهي مهمة غير بسيطة لأفراد طاقم اعتادوا على العمل بشكل مباشر في أماكن مغلقة. “لن يكون الأمر سهلًا”، كما قال هوبكروفت قبل أن يصعد إلى السفينة. ولكنه أضاف قائلًا: “ومع ذلك، نعتبر محظوظين جدًا”.

والعلماء حول العالم يواجهون صعوبات مماثلة في إعادة بدء أبحاثهم. فجائحة كورونا قد تسببت في اضطراب العلم، وإغلاق  المختبرات، وإيقاف المشاريع الميدانية، فقد كلفت الباحثين شهورًا -إن لم تكن سنوات- من العمل. وحاليًا في الوقت الذي تخفف فيه العديد من الحكومات المحلية والعالمية قيود الحظر، بدأ بعض العمل المختبري والميداني بالعودة. ولكن أغلب المختبرات سيتحتم عليها أن تعمل بعدد أقل من الأفراد في الوقت الواحد، بحيث يعملون في مناوبات. وعلى الأرجح أن تُمنع التجمعات الكبيرة، ومن ضمنها اجتماعات المختبرات والمحاضرات. وكذلك، فإن العديد من المؤسسات لا تزال تحاول معرفة الكيفية التي ستفحص بها الموظفين لمعرفة ما إذا كانوا مصابين بفيروس سارس-كوف-2 (SARS-CoV-2)، الفيروس المسبب للجائحة الحالية، وما إذا كان يتعين عليها ذلك أو لا، وكذلك ما يجب عليها فعله إذا عاد الوباء للظهور مجددا.

والمنظمات التي تمثل الجامعات تخطط لتزويد المؤسسات الأعضاء فيها بالارشادات حول الكيفية التي تعيد بها فتح الحرم الجامعي. ويقول توبين سمث Tobin Smith، نائب الرئيس للسياسات في رابطة الجامعات الأمريكية Association of American Universities: “من المتفق عليه بشكل عام أن البحث سيكون أول شيء يعود. وسيكون بمثابة البداية لجلب الطلبة وإعادة بدء برامج أخرى”. كما ستحصل المؤسسات على معلومات تقنية مدخلة الشهر القادم من جاسون Jason، وهي مجموعة من العلماء الأكاديميين الذين ينصحون في العادة حكومة الولايات المتحدة بأمور تتعلق بالأمن القومي.

ومع ذلك، “لن يكون بمقدورنا ببساطة أن نضيء النور في المختبر وندخل عبر الباب ونعود إلى العمل”، كما  إدوارد هاورت Edward Hawrot، العميد المشارك من جامعة براون Brown University في بروفيدانس برود آيلاند، والذي يساعد على  إرشاد جهود إعادة فتح مؤسسته.

وأحد التحديات الكبيرة التي تواجه المختبرات هي إبقاء العاملين بعيدين بعدًا كافيًا لتقليل احتمال نشر الفيروس سارس-كوف-2. وكارولين كوين Carolyn Coyne، الاختصاصية بالميكروبيولوجيا، تديرمختبرًا من عشرة أشخاص في جامعة بيتسبرغ Pittsburg University، حيث تدرس الكيفية التي تصيب بها الفيروسات الأمعاء والمشيمة. وعندما يفتح مختبرها، ربما الأسبوع القادم، سيسمح لنصف الأعضاء فقط بأن يعملوا معًا في الوقت نفسه. وهي تجهز تقويمًا بالأسماء، وطاولات المختبرات، والمكاتب، ومساحات العمل المعقمة المعلمة بألوان مختلفة. وتقول: “ستقتصر المناوبات على أربع ساعات”، وسيرتدي الجميع الأقنعة.

وهناك تعقيد إضافي، وهو أن مختبر كوين يمتد إلى مختبرات أخرى كجزء مما يعرف نظام “المختبر المفتوح”Open lab . وتقول: “ليس علينا فحسب أن نهتم بالتباعد الجسدي في مختبرنا، بل في المختبرات المحيطة بمختبرنا أيضًا”.

أما كريستيان هاس Christian Haass، الاختصاصي بالعلوم العصبية، فقد استطاع في نهاية أبريل إعادة فتح مختبره الذي يبحث في الأمراض التنكسية العصبية في جامعة لودفيغ ماكسميليان بميونخ Ludwig Maximilian University of Munich. وهاس يشرف على نحو 120 شخصًا، ولكنَّ ربع الأشخاص فقط يسمح لهم بالعمل في وقت واحد. ويقول إن باحثيه استطاعوا أن ينهوا تجاربهم عن طريق “العمل في نهايات الأسبوع وفي وقت متأخر من الليل”. ومما يصعب الأمور أن الحكومة الألمانية تمتلك نحو نصف المبنى، بينما تمتلك الجامعة النصف الآخر، مما يعني وجود قواعد سلامة مختلفة يتعين اتباعها لكل مبنى. ويقول: “المثال الأكثر تطرفًا هو عندما يتعين علينا ارتداء أقنعة وجه بينما لا يتعين  ذلك على الآخرين، مع أننا نستخدم الكثير من المرافق نفسها مع بعضنا”.

و تقليل مستويات الطاقم العامل قد يعقد الإجراءات اليومية بالنسبة إلى بعض الباحثين. وكانت أينارا سيستياغا Ainara Sistiaga توشك أن تنهي عملها في أبحاث ما بعد الدكتوراه، وهي تدرس عينات البراز الأحفوري في جامعة كوبنهاغن University of Copenhagen في الدنمارك عندما اشتدت الجائحة. وبعد بضعة أسابيع في المنزل، أعطاها العميد الإذن لاستكمال عملها. ولكن بسبب القيود الشديدة التي فرضتها الجامعة على عدد الموظفين – وفي بعض الحالات سمح لعدد يصل إلى شخص واحد فقط في كل مبنى، بحسب كلام ساستياغا- فإنها لن تحصل على الإشراف اللازم لفحص عيناتها الهشة، والتي يتخطى عمر بعضها 50 ألف سنة. وتأمل بأن تعلن قواعد جديدة قريبًا لتسمح لعدد أكبر من الأشخاص بأن يدخلوا المباني؛ وتقول: “حتى ذلك الحين، أنا مقيدة بعض الشيء”.

ويرى بعض العلماء أن إقناع المشاركين في الدراسة ليأتوا إلى حرم الجامعة يفرض بعض التعقيدات. والباحثون في مختبر الاختصاصية بعلوم الأعصاب أودري دوارتي Audrey Duarte، من معهد جورجيا التقني Georgia institute of Technology في أتلانتا، يجرون مسوحات دماغية على بالغين كبار في السن – وهم المجموعة السكانية المعرضة بشكل خاص للإصابة بكوفيد-19. وتقول دوارتي إنها لا تزال تنتظر التعليمات من جامعتها حول وقت وكيفية استكمال هذه الدراسات. وتقول: “عندما يصير بمقدورنا ذلك، سيكون هناك سؤال مهم لنجيب عنه، وهو ‘أيجب علينا ذلك؟’ وهل سيكون بإمكاننا الطلب إلى المتطوعين الحضور إلى الفحص؟ لن أكون قادرة أبدًا على قول شيء من مثل ‘يمكنني أن أؤكد لك أنه لا خطر عليك إن أتيت'”.

كذلك، فإن جينيفير بلاكفورد، الاختصاصية بعلم النفس النمائي Developmental Psychologist من جامعة فاندربيلت Vanderbilt University في ناشفيل بولاية تينيسي، قد أعربت عن مخاوف مشابهة حول المشاركين في دراسة تتعلق بقلق الأطفال. وتقول: “نواجه الأطفال وجهًا لوجه، واضعين الإلكترودات على أجسامهم”. وقد وضع المركز الطبي الذي يقع فيه مختبر بلاكفورد ماسحات للحرارة على كل مدخل. وتقول، مع ذلك “فإننا قد نجد أنفسنا في وضع لا تريد العائلات المشاركة بالبحث معه المجيء إلى المختبر”.

واستكمال العديد من الدراسات سيكون بطيئا؛ ﻷن الباحثين قد منعوا من الحصول على حيواناتهم المختبرية. فوانغ مينيان Wang Minyan، الاختصاصية بالعلوم العصبية من جامعة شيان جياوتونغ-ليفربول Xi’an Jiaotong-Liverpool University في سوتشو بالصين، تستخدم النسيج الدماغي للفأر لدراسة بيولوجيا صداع الشقيقة. وهي تعمل بالتعاون مع جامعة سوجو Soochow University، حيث توجد القوارض. وقد أعيد فتح مختبر وانغ، ولكن بسبب القيود على الوصول إلى حرم سوجو، لا يستطيع فريقها الحصول على الفئران أو جمع العينات للتحليل. وتقول إن هذا يؤثر بشكل خاص في طالبي دكتوراه يحتاجان إلى النسيج الفأري لإبقاء أبحاثهما على المسار الصحيح.

ومن أجل تفادي حيود الباحثين الذين هم في بدايات مهنتهم عن مساراتهم المهنية نتيجة للجائحة، تمدد العديد من المؤسسات فترة شغل الوظيفة ، وتوفر تمويلًا إضافيًا لطلبة الدراسات العليا، وتستحدث مناصب جديدة تسمح لباحثي ما بعد الدكتوراه الاستمرار لوقت أطول. ولكن بعضًا من هؤلاء العلماء سيظل مترددًا، أو غير قادر على العودة.

وأليكس كولودكن Alex Kolodkin، الاختصاصي بعلوم الأعصاب من جامعة جونز هوبكنز Johns Hopkins University في بالتيمور، يقول إن واحدًا من طلبته كان يعاني التهابَ مفاصل روماتويدي معقد، مما يجعله من الفئة المعرضة بشدة لخطر مضاعفات الإصابة بالفيروس. وهناك باحثون شباب آخرون  قد يحتاجون إلى أن يبقوا في المنزل لرعاية الأطفال أو أفراد العائلة المرضى. مثلا، أولريكي ديبولد Ulrike Diebold، وهي فيزيائية في معهد فيينا للتكنولوجيا Vienna Institute of Technology، تقول إن أحد طلبتها طالب صربي يوشك أن يستكمل أطروحته، وإلا أنه بسبب إجراء منع السفر نتيجة للجائحة لا يستطيع العودة إلى النمسا. وهناك طالب آخر، من إيران،  كان يفترض أن يبدأ في شهر أبريل . “محتجز هناك الآن أيضًا، مَن يدري من الوقت سيبقى”.

والعودة إلى العمل صعبةٌ بشكل خاص في أماكن مثل ووهان في الصين، والتي هي مركز الفاشية الأصلية. ومع أن العداوى الجديدة الآن نادرة، والمصانع، والمحال التجاربة، والمطاعم تفتح أبوابها، إلا أن الشخص يحتاج إلى تصريح خاص للدخول إلى جامعة ووهان، والدخول إلى مباني الحرم الجامعي يحتاج إلى مسح صحي إضافي، بحسب ما يقول ستيفن ماك كلور Stephen McClure، اختصاصي الكتابة العلمية في الجامعة. ومن ثم، لا يزال الموظفون يعملون عن بعد، كما يقول أيضًا. “الجامعات في هذه المنطقة ستكون تقريبًا آخر الأماكن التي تفتح”.

وسيتعين على بعض المختبرات أن تتكيف أقل من غيرها. والباحثون من مختبر جوهانز كراوس Johannes Krause، اختصاصي علم الوراثة الأثري من معهد ماكس بلانك لعلوم تاريخ البشر في ينا بألمانيا، محميون جيدًا من الفيروس. إذ يعمل الباحثون على استخراج الحمض النووي  DNA من رفات بشرية قديمة في غرفة ضخمة نظيفة، ويتعين على العلماء ارتداء الأقنعة وبدلات جسد كاملة لتجنب تلويث عيناتهم. ويقول كراوس مازحًا: “أختي معلمة في مدرسة، وتظن أن ارتداء القناع أسوأ أمر على الإطلاق. هذا ما أفعله منذ سبع سنوات”.

وكان لبعض المختبرات الأخرى ممارسات مختلفة. ويقول جون أوميارا John O’Meara، رئيس العلماء في مرصد دبليو. إم. كيك  W. M. Keck Observatory في هاواي، إن هناك فريقًا صغيرًا سيشغل التلسكوبين على قمة البركان الخامد على الجزيرة، وذلك في ظل تخفيف القيود في الدولة. سيكون العمل على تطوير وصيانة معدات التلسكوبات محدودًا، بل إن أحد الباحثين المشاركين على البر الرئيسي اضطر إلى فحص المعدات الجديدة في مرآبه الخاص. ولكن أوميرا يقول إن فريقه اعتادوا على الاضطرابات. ففي السنة الماضية أغلق المحتجون المرصد لمدة أسابيع، وذلك احتجاجًا على تلسكوب الثلاثين مترًا، والذي كان سيبنى في مكان قريب. ويقول: “أجرينا تجربة غير مخطط لها للوضع الحالي”.

والمختبرات  المعاد فتحها ستحتاج إلى أن تستعد للاضطرابات في العمل إذا عاد الفيروس للظهور. وتقول جانيت هيرنغ Janet Hering، مديرة المعهد السويسري الفدرالي للعلوم المائية والتكنولوجيا Swiss Federal Institute of Aquatic Science and Technology في ديوبيندورف، إن طاقمها المكون من نحو 500 شخص بدأ العودة بشكل تدريجي إلى العمل منذ بداية شهر مايو. والأمر الوحيد الذي يجب اتباعه: “لا تبدأ مشاريع جديدة، ولا تبدأ مشاريع لا يمكن إيقافها بعد ذلك بسرعة”.

وهيرنغ تأمل بأن الإغلاق سيحفز الباحثين ليعيدوا التفكير في العودة إلى العمل كالمعتاد. وتقول: “آمل فعلًا بأن تجربة [الجائحة] ستحفز التفكير مليًا في بعض عاداتنا القديمة، ومن ضمنها السفر بشكل مفرط، خصوصًا لحضور المؤتمرات”. كما أن بعض التغييرات الأخرى قد تستمر. والعديد من الباحثين يقولون إن إدخال برنامج Zoom إلى عالمهم زاد من الحضور في كل شيء بدءًا من اجتماعات المختبرات إلى مناقشات الرسائل، وهو ما أدى إلى مستويات غير مسبوقة من التعاون. ويقول كراوس: “عندما كنا في المبنى، كان يحضر فقط 30 إلى 40 شخصًا اجتماع مختبرنا الأسبوعي. والآن، صار لدينا ضعف ذلك العدد، إضافة إلى أن جميع قادة المجموعات موجودون”. ويقول إن الجائحة “ستغير الطريقة التي ننظم بها يومنا، وحتى الكيفية التي نتواصل بها”.

و تأمل سيستياغا بألا يتوقف القادة من الباحثين والعلماء عن التفكير في المستقبل بمجرد ركود الجائحة. وتقول: “خوفي الوحيد ليس على المدى القصير، ولكن على المدى  الطويل وكيف سينجح جيلي في هذا العالم الجديد”.

© 2020, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى