أنظمة ذكاء اصطناعي تهدف إلى العثور على تفشيات فيروس كورونا
الخبراء يحذرون من أن الإنذارات لن تكون بديلًا عن التحري الميداني
بقلم: أدريان تشو
ترجمة: د. عبد الرحمن سوالمة
لم يكن البشر أول من أطلق الإنذار العالمي حول جائحة كوفيد-19 ( COVID-19) وإنما كان حاسوبًا. HealthMap، هو موقع على الإنترنت يشغله مستشفى بوسطن للأطفال Boston Children’s Hospital، يستخدم الذكاء الاصطناعي (AI) لمسح وسائل التواصل الاجتماعي، والتقارير الإخبارية، وعمليات البحث على الإنترنت، وغيرها من البيانات، بحثًا عن علامات على فاشيات مرضية. وفي تاريخ 30 ديسمبر 2019 اكتشف الموقع تقريرًا إخباريًا لنوع جديد من التهابات الرئة Pnemonia في ووهان بالصين، وأرسل إبلاغًا في بريد إلكتروني من سطر واحد مفاده أن سبعة أشخاص كانوا في وضع حرج، مقيّمًا أنها حالة مُلحّة من الدرجة الثالثة، من أصل خمس درجات على مقياس إلحاح الحالات.
أما البشر؛ فلم يتأخروا كثيرًا؛ فهناك زملاء في تايوان كانوا قد نبهو مارجوري بولاك Markorie Pollack، الاختصاصية بالوبائيات الطبية في مدينة نيويورك، لوجود حوار في أحد برامج الدردشة بالصين، والذي ذكرها بفاشية 2003 للمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة Severe Acute Respiratory Syndrome (اختصارًا: المتلازمة SARS)، والتي انتشرت إلى عشرات الدول وتسببت في وفاة 774 شخصًا. وتقول بولاك: “شعرت وكأني أمر بالتجربة نفسها التي مررت بها وقت المتلازمة SARS”. وبعد أقل من ساعة من إنذار الموقع HealthMap، نُشرت ملاحظة أكثر تفصيلًا على الموقع ProMED، وهو خادم ذو قوائم بريدية List server به أكثر من 85 ألف مشترك، وبولاك هي نائبة محرر على هذا الخادم.
ولكن الإنذار المبكر من الموقع HealthMap أكد على الإمكانيات التي يوفرها الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence، أو تعلّم الآلة Machine Learning، في مراقبة العداوى. وباستمرار انتشار جائحة كوفيد-19، يتعاون باحثو الذكاء الاصطناعي مع شركات تكنولوجية لبناء أنظمة تتبع مؤتمتة تستطيع التنقيب Mine في وسائل التواصل الاجتماعي، والتقارير الإخبارية، وبيانات الصحة العامة بحثًا عن علامات على فاشيات جديدة. والذكاء الاصطناعي AI ليس بديلًا عن المراقبة التقليدية للصحة العامة، وذلك وفقا لتحذير ماثيو بيغرستاف Matthew Biggerstaff، اختصاصي الوبائيات من مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها Centers for Disease Control and Prevention (اختصارًا: المراكز CDC) في الولايات المتحدة. ويقول: “لا يجب أن نرى ذلك على أنه إحدى الأدوات”، لكن بإمكانه أن يلبي حاجتنا، كما يقول إيلاد يوم-توف Elad Yom-Tov، عالم حاسوب في مايكروسوفت Microsoft، وقد عمل مع موظفين حكوميين في قطاع الصحة العامة في المملكة المتحدة. ويقول أيضًا: “هناك وفرة كبيرة من البيانات، سنحتاج إلى أداة ما بالنسبة إلي، هذه الأداة هي تعلم الآلة”.
وقبل فترة من وقوع كوفيد-19، بدأت المراكز CDC بمنافسة سنوية على أفضل تنبؤ لشدة وانتشار الإنفلونزا عبر الولايات المتحدة. والمنافسة كانت تستقبل عشرات المدخلات كل سنة، ويقول بيغرستاف إن نحو نصفها تقريبًا يشتمل على خوارزميات تعلم الآلة، والتي تتعلم أن تحدد العلاقات؛ فهي ‘تُدَرِّبُ’ على مجموعات بيانات هائلة. روني روزنفيلد Roni Rosenfeld، وهو عالم حاسوب من جامعة كارنيغي ميلون Carnegie Mellon University، استطاع هو وزملاؤه الفوز بالمنافسة خمس مرات باستخدام خوارزميات تعمل على تنقيب البيانات من مثل عمليات بحث غوغل، ومنشورات تويتر Twitter، ومشاهدات صفحات ويكيبيديا Wikipedia، وزيارات موقع المراكز CDC.
وقد انتقلت الفرق المنخرطة في تحدي الإنفلونزا الآن إلى تطبيق ذلك على مرض كوفيد-19. وهم الآن يطبقون الذكاء الاصطناعيAI باستخدام طريقتين. الأولى، تهدف إلى تحديد موقع العلامات الأولى لمرض جديد أو فاشية جديدة، تمامًا كما فعل الموقع HealthMap. وهذا يتطلب إنشاء خوارزميات للنظر بحثًا عن “علامات سيئة التحديد” في بحر من الضوضاء، وهو تحدٍ لا يزال البشر المدربون جيدًا يتفوقون فيه على الذكاء الاصطناعي، كما تقول بولاك.
والطريقة الثانية، يمكن بها للذكاء الاصطناعي تقييم الحالة الحالية للوباء، وهو ما يعرف بالتنبؤ الآني Now-casting. ويهدف فريق كارنيغي ميلون إلى التنبؤ آنيًا بكوفيد-19 عبر الولايات المتحدة مستخدمًا بيانات جُمعت عن طريق مسوحات الأعراض الظاهرية باستخدام غوغل وفيس بوك Facebook، وبيانات بحث غوغل، ومصادر أخرى من أجل توقع الحاجة المحلية إلى أَسرّة العناية المركزة وأجهزة التنفس الاصطناعي مسبقًا لأربعة أسابيع تالية، كما يقول روزنفيلد. وهو يقول: “نحاول تطوير أداة لصناع السياسات ليتمكنوا من الضبط الدقيق لقيود التباعد الاجتماعي، لئلا تطغى الحالات على قدرات موارد المستشفيات”.
شرح الصورة:
627 إنذارًا لكل الأمراض، الموقع الحالي، في الأسبوع الماضي.
على الرغم من أن أنظمة الذكاء الاصطناعي مؤتمة، إلا أنها لا تزال تتطلب عملًا يدويًا كثيرًا، وذلك كما تشير روزيتا دارا Rozita Dara، عالمة حاسوب من جامعة غويلف University of Guelph والتي تتبعت إنفلونزا الطيور Avian influenza وتنتقل الآن لتتبع كوفيد-19. وتقول: “عندما تصل إلى مرحلة الذكاء الاصطناعي AI، تكون قد وصلت إلى المرحلة السهلة”. فعلى سبيل المثال، لتدريب برنامج على مسح تويتر، يجب على الباحثين أن يزودوه بأمثلة من التغريدات ذات الصلة، والتي تُختار يدويًا بعناية، كما تقول دارا. كما يمكن للذكاء الاصطناعي AI أن يعاني في حالة وجود جائحة سريعة التطور، حيث يمكن للعلاقات بين السلوك على الإنترنت وبين المرض نفسه أن تختلف.
وقد سبق أن أخفق الذكاء الاصطناعي من قبل. فبين عامي 2009 و2015 عملت غوغل على محاولة اسمها اتجاهات الانفلونزا على غوغل Google Flu Trends والتي كانت تنقب في بيانات البحث على الإنترنت لتتبع انتشار الإنفلونزا في الولايات المتحدة. وفي البداية، كان النظام يعمل جيدًا، ويتوقع بشكل صحيح الأعداد التي تسجلها المراكز CDC قبل أسبوعين تقريبًا من حدوثها. ولكن بين عامي 2011 و2013 بالغت الخوارزمية في توقع انتشار الإنفلونزا، وكان السبب يعزى بشكل كبير إلى أن الباحثين لم يعيدوا تدريب النظام مع تطور السلوك البحثي للأفراد، وذلك وفقا ليوم-توف. فقد كانت الخوارزمية تسيء فهم عمليات البحث عن التقارير الإخبارية حول الإنفلونزا على إنها علامات على العدوى.
ويضيف يوم-توف: “لا أظن أنها مشكلة متأصلة. إنما هو شيء تعلمنا منه”. وقد نشر يوم- توف مع زملاء له من جامعة يونيفرسيتي كوليدج لندن University College London مؤخرًا ورقة -على خادم النسخ الأولية آركايف arXiv-يبينون فيها الكيفية التي استطاعوا بها تصحيح هذا التحيز الناشيء من الاعتماد على وسائط الإعلام Media-related bias.
ولعل الشعوب التي تصارع لتوفير الفحص المناسب لفيروس كورونا المستجد قد تنجذب إلى فكرة استخدام الرصد المؤتمت بدلًا من ذلك. ويقول بيغرستاف إن ذلك سيكون خطأً. ويقول إنه بمجرد عودة الإنفلونزا بحلول الخريف، فسيكون الفحص وحده هو ما يستطيع التمييز بين فاشيات الإنفلونزا وفاشيات كوفيد-19. ولكن الذكاء الاصطناعي قد يساعد صناع السياسات على أن يوجهوا الفحص لتوفيره في المناطق التي تحتاج إليه أكثر. ويقول جون براونستين John Brownstein، اختصاصي الوبائيات من مستشفى بوسطن للأطفال، والذي شارك في تأسيس الموقع HealthMap في عام 2006: “نأمل بأن يعمل كلاهما معًا”.
وبعض الباحثين يشك في أن تكون أنظمة الذكاء الاصطناعي جاهزة في الوقت المناسب لتساعد على تقصي كوفيد-19. وتقول دارا: “لن يكون الذكاء الاصطناعي مفيدًا لكوفيد كما هو للجائحة التالية”. ومع ذلك، يبدو أن تطبيق تعلم الآلة في علم الوبائيات سيستمر لفترة طويلة. بولاك، والتي دقت جرس الإنذار حول كوفيد-19 بالطريقة التقليدية، تقول إنها أيضًا تعمل على برنامج ذكاء اصطناعي ليساعدها على مسح تويتر للتغريدات التي تذكر المرض.
© 2020, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved.