أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
وباء الكورونا

الأطباء يتسابقون لفهم إحدى حالات الالتهاب لدى الأطفال

 انطلقت الدراسات بهدف تحديد الأطفال الأكثر تعرضًا لهذه الحالات

بقلم:      جينيفر كوزين-فرانكيل

ترجمة:   د. عبد الرحمن سوالمة

ثلاثة أطفال في أحد مستشفيات لندن في منتصف أبريل، تبعهم ثلاثة آخرون في مستشفى آخر، كانت هذه الحالات الأولى بمثابة إنذار لإليزابيث ويتاكر Elizabeth Whittaker، الاختصاصية بالأمراض المعدية في الأطفال من جامعة إمبيريال كوليدج لندن Imperial College London. وكان هؤلاء الصغار يعانون حمى، وطفحًا جلديًا، وآلامًا في البطن، مع وجود علامات في الدم تميز مرض كوفيد-19 ( COVID-19) لدى البالغين، ومن ضمنها علامة تدل على زيادة التخثر Clotting. ولكن في أغلب الأطفال لم تنجح المسوح الأنفية في الكشف عن أي فيروس.

وتتذكر ويتاكر ما فكرت فيه وقتها قائلة: “لا أفهم، يبدو أنهم مصابون بفيروس الكورونا”. وعلى الرغم من ذلك، فقد شك الأطباء في وجود ارتباط. وخلال أيامٍ كشف مسح عن وجود 19 حالة إضافية عبر إنجلترا، وكان هناك إنذار في 27 أبريل يطلب إلى الأطباء أن يبقوا متيقظين لمثل هذه الأعراض في الأطفال. وبعد ذلك بقليل ظهرت عشرات الحالات الإضافية في نيويورك، مع مجموعات أصغر في أماكن أخرى، وهو ما يدعم وجود صلة مع الجائحة. والتقارير حول الأطفال المعتمدين على أجهزة الإنعاش Life support وبعض الوفيات  أثارت قلق الآباء، وكان هذا أمرًا مثبطًا بشكل خاص بعد أن كانت العلامات الأولى تشير إلى أن كوفيد-19 لا يصيب الأطفال بمرض خطير.

وكانت هذه مفاجأة أخرى من فيروس قد قدّم الكثير من المفاجآت، والمشاريع البحثية حول العالم تستعد لدراسته. فالأطباء يبحثون في علامات في الدم، ويسلسلون جينومات المرضى والفيروس إذا كان بالإمكان عزله منهم، للبحث عن أدلة حول ما يجعل بعض الأطفال أكثر عرضة، ولفهم كيفية منع الأعراض الأسوأ. وهناك أمل بأن ما تعلمناه من المرضى الأصغر سنًا قد يساعد العديد من البالغين الذين يحفز فيهم كوفيد-19 استجابة الجهاز المناعي على تحفيز استجابة مفرطة وخطيرة.

ويمكن اعتبار هذا الأمر “غير صادم على الإطلاق”، كما تقول راي يونغ Rae Yeung، الاختصاصية بالأمراض الروماتويدية والمناعة من مستشفى الأطفال المرضى The Hospital for Sick Children في تورونتو، والذي عالج مركزه نحو 20 شخصًا يعانون أعراضًا مشابهة على مدى ثلاثة أسابيع. وهناك العديد من الكائنات الممرضة Pathogens التي أحيانًا ما تحفز استجابة مناعية مفرطة كهذه في الأطفال، والتي تعرف بداء كاواساكي Kawasaki Disease. وأعراض  هذا المرض تتباين من شخص إلى آخر، ولكنها تشتمل على الطفح الجلدي، والحمى، والالتهاب في الأوعية الدموية متوسطة الحجم. وقد يعاني الأطفال مضاعفات في القلب. وفي حالات نادرة يهبط ضغط الدم ويصاب الطفل بصدمة.

والأطباء يختلفون حول ما إذا كان الشكل المرضي المرتبط بكوفيد-19 هو داء كاواساكي أم هو شيء جديد، والذي يدعوه بعض الخبراء بالمتلازمة الالتهابية متعددة الأجهزة في الأطفال Multisystem Inflammatory Syndrome in Children. ولكن كما هي الحال في داء كاواساكي، يتشافى أغلب المرضى عند تقديم العلاج، والذي يتألف من الستيرويدات والغلوبولينات  المناعية Immunoglobulins، والتي تهدئ الجهاز المناعي.

ويقول جيسي بابنبيرغ Jessy Papenburg إنه لربط المتلازمة الالتهابية بكوفيد-19، “فإننا نتبع في ذلك أكثر من مجرد الحدس”. وبابنبيرغ هو اختصاصي طب الأمراض المعدية في الأطفال من مستشفى مونتريال للأطفال Montreal Children’s Hospital، في مدينة شهدت 25 طفلًا مصابًا بالمرض. وداء كاواساكي نادر الحدوث، ويصيب في العادة واحدًا إلى ثلاثة فقط من كل 10 آلاف طفل في دول الغرب، مع أنه أكثر شيوعًا في الأطفال المنحدرين من أصل آسيوي. والارتفاعات التي سجلت حتى الآن لكوفيد-19 في مناطق الاتنشار الكبير مثل شمال إيطاليا ومدينة نيويورك، تتتبع أصل انتشار فيروس كورونا حول العالم. وعلى الرغم من أن عدد الأطفال الذين كانت نتائج فحوصهم إيجابية للفيروس سارس-كوف-2 (SARS-Cov-2) هو عدد منخفض، إلا أن هناك دراسة نشرها فريق من برغامو  في دورية ذي لانسيت The Lancet،  بإيطاليا، والتي ذكرت أن هناك ثمانية من أصل عشرة أطفال مصابين بمرض مشابه لداء كاواساكي وقد كانت لديهم أجسام مضادة للفيروس، مما يشير إلى أنهم كانوا قد أصيبوا به. كما أبلغ عن فحوصات موجبة للأجسام المضادة في أطفال مرضى من أماكن أخرى.

“كان من الواضح أن هناك رابطًا”، هذا ما قاله لورينزو دي أنتيغا Lprenzo D’Antiga، الاختصاصي بطب الأطفال من مستشفى البابا جيوفاني الثالث والعشرون Papa Giovanni XXIII Hospital، والذي قاد الدراسة. ويمكن لفيروس كورونا المستجد أن يحفز استجابة مناعية قوية، والتي يظن أنها قد تفسر سبب أن الصدمة والاستجابة المناعية العارمة التي تعرف بعاصفة السايتوكاينات Cytokine Storm أكثر شيوعًا في الحالات التي ارتبطت بكوفيد-19 مقارنة بداء كاواساكي كما هو مذكور في كتب الطب. كما أن هناك فترة زمنية تفصل بين العدوى والمرض المشابه لكاواساكي، مما قد يساهم في تفسير عدم وجود أدلة على الإصابة بالفيروس في العديد من الأطفال المصابين. وقد تنتهي الاستجابة المفرطة للجهاز المناعي خلال أسابيع، مع أن الفيروس قد يختبئ أيضًا في مكان ما في الجسم.

“من الواضح أن هناك مكونًا جينيًا” يضع عددًا قليلًا من الأطفال في خطر، كما قال توم مانياتيس Tom Maniatis، المدير المؤسس لمبادرة الطب الدقيق التابعة لجامعة كولومبيا Columbia University’s Precision Medicine Initiative. وتتحرى ولاية نيويورك 157 حالة على الأقل، ومانياتس هو أيضًا المدير التنفيذي لمركز نيويورك للجينوم New York Genome Center، والذي يسعى إلى تحديد تسلسل الجينوم الكامل Whole-genome sequencing للأطفال المصابين وآبائهم، وكذلك لتحديد تسلسل جينوم الفيروس الموجود في الأطفال، بموافقة الأهل.  والعثور على الجينات التي تزيد خطر حدوث المرض أو خطر تطوير حالات شديدة يمكنه أن يوجهنا إلى علاجات أفضل أو أن يساعد على التعرف على الأطفال الذين قد تسوء حالتهم بشكل مفاجئ.

كما يمكن للجينات أن تساعد على حل اللغز: لماذا لم يُبلَّغ عن المرض في الدول الآسيوية، على الرغم من أن داء كاواساكي أكثر شيوعًا بكثير في الأطفال ذوي الأصول الآسيوية. فقد تكون جينات الفيروس نفسها مهمة؛ فقد أشار تحليل أجري في شهر  أبريل إلى أن الشكل الفيروسي الأكثر شيوعًا في نيويورك أتى من مسافرين من أوروبا. كما أنه من الممكن أن المرض الشبيه بكاواساكي هو مرض نادر جدًا، بحيث إنه لا يظهر إلا في أماكن تكاثر كوفيد-19. “فالمناطق التي أصيبت إصابة أقوى بفيروس كورونا هي المناطق التي تبلغ عن هذه المتلازمة الآن”، كما يقول ألان شرودر Alan Schroeder، طبيب الرعاية الحرجة في مستشفى لوسيل باكارد للأطفال Lucile Packard Children’s Hospital التابع لجامعة ستانفورد Stanford University، والذي عالج طفلًا -بعمر 6 أشهر- يحتمل أنه كان مصابًا بالمرض، وتعافى بسرعة.

كما أن يونغ تبحث عن طرق للتعرف على الأطفال المصابين بكوفيد-19 والذين لديهم خطر أعلى للإصابة بهذه المضاعفة المرضية. ويونغ تشارك في قيادة اتحاد عالمي يخزن الدم من الأطفال المصابين، قبل العلاج وبعده، ويفحص العديد من العلامات في الدم، ومن ضمنها جزيئات السايتوكاين  التي تشير إلى زيادة نشاط الجهاز المناعي. كما تبحث المجموعة عن تباينات جينية معروفة بأنها تتوقع نتائج أسوأ في داء كاواساكي. وتقول يونغ: ” وهناك أيضًا الأمور الأساسية المتعلقة بكوفيد والتي يجب قياسها“، مثل علامات  تحاليل الدم التي تدل على وظيفة القلب ومستويات المثنوي-دي D-dimer، وهو جزيء بروتيني في الدم يشير إلى قابلية الشخص لتكوين التخثرات والذي تزداد نسبته في المرضى البالغين.ومشروع دايموند DIAMOND ،أحد مشاريع هورايزون 2020 Horizon 2020 التابع للاتحاد الأوروبي، قد  صمم في الأصل  لتحسين تشخيص الكائنات الممرضة عند الأطفال المصابين بالحمى، وهو الآن يدرس حالات أطفال  أوروبيين  مصابين بالمضاعفة المرضية الشبيهة بكاواساكي، والأطفال المصابين بأعراض كوفيد-19 العادية. وسيدرس العلماء الدم بحثًا عن الكائنات الممرضة، وليس فقط الفيروس سارس-كوف-2، وكذلك سيدرسون سلوك الخلايا المناعية مثل الخلايا التائية T cells والخلايا البائيةcells  B.

“علينا أن نتعمق في جهاز المناعة لهؤلاء المرضى”، وفقا لإيلي حداد Ellie Haddad، الاختصاصي بطب مناعة الأطفال والعالم من  مركز المستشفى الجامعي سان جوستين Sainte-Justine University Hospital Center، الذي يشارك مع يونغ وسوزان بنسيلير Susanne Benseler من مستشفى ألبيرتا للأطفال Alberta Children’s Hospital في قيادة الجهود البحثية الكندية لدراسة المتلازمة الجديدة. وهذه التعمقات  توضح أيضًا العشوائية التي ظهرت في الجهاز المناعي عند العديد من المرضى البالغين. ويقول حداد إن الأطفال “أنقى” لتدني احتمال أن تكون لديهم مشكلات صحية أخرى كداء السكري أو ارتفاع ضغط الدم، والتي يمكنها أن تصعب مهمة تحديد أثر الفيروس في الجهاز المناعي.

وفي منتصف شهر مايو حدد الأطباء بالغين شباب بحالات مشابهة، ما يشير إلى أنه ربما لا يكون مقتصرًا على الأطفال. وهناك مسعى عالمي لدراسة كوفيد-19 في البالغين يضطلع به الاتحاد العالمي للعدوى التنفسية الشديدة الحادة والناشئة International Severe Acute Respiratory and Emerging Infection Consortium، وسيُنظر في البيانات الإكلينيكية للبالغين وعينات الدم، “للإجابة عن سؤال هل هذه مشكلة مقتصرة على الأطفال؟”، كما تقول ويتاكر.

وعلى الرغم من حرص الأطباء على فهم هذا الجانب الجديد من الجائحة، إلا أنهم يريدون تجنب المبالغة في وصف الأخطار. وتقول يونغ: “يجب أن نعرف مبكرًا وأن نتدخل مبكرًا” لمعالجة هؤلاء الأطفال. ولكنها أيضًا تحث على الهدوء؛ إذ تؤكد: “الأطفال الذين رأيناهم حتى الآن، يستجيبون للعلاجات التي نعطيها إليهم”.

© 2020, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى