أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
وباء الكورونا

الهرمونات الجنسية  تفسر سبب إصابة الرجال أكثر بالفيروس

 دور الأندروجينات يُلمِّح إلى علاجات محتملة لتثبيط العدوى

بقلم:       ميريديث وادمان

ترجمة:   د. عبد الرحمن سوالمة

في يناير ذكرت إحدى أولى النشرات العلمية عن المصابين بفيروس كورونا المستجد  Novel coronavirus في ووهان بالصين، أن ثلاثة من كل أربعة أدخلوا المستشفى كانوا ذكورًا. ومنذ ذلك الوقت أكدت بيانات من مختلف أنحاء العالم أن الرجال يواجهون خطرًا أكبر للإصابة بمرض شديد أو الوفاة، وأن الأطفال مستَثْنَوْن بشكل كبير. مؤخرًا، توصل العلماء الذين يبحثون في الكيفية التي يؤدي  الفيروس بها إلى الوفاة إلى سبب محتمل: ألا وهو الأندروجينات Androgens؛ أي هرمونات الذكورة مثل التيستوستيرون Testosterone، إذ يبدو أنها تعزز قدرة الفيروس على الدخول إلى الخلايا.

وهناك مجموعة ضخمة من البيانات التي تقدم دعمًا لهذه الفكرة، بما في ذلك نتائج كوفيد-19 (COVID-19) من الرجال المصابين بسرطان البروستاتا وكذلك الدراسات المختبرية حول الكيفية التي ينظم بها الأندروجين بعض الجينات الأساسية. كما أن هناك مشاهدات رصدية أولية من إسبانيا، والتي تشير إلى أن نسبة غير متكافئة من الرجال المصابين بالصلع ذكوري النمط Male pattern baldness (والمرتبط بأحد هرمونات الأندروجين القوية) ينتهي بهم المطاف  بالدخول إلى المستشفى نتيجة للإصابة  بكوفيد-19. وهناك باحثون يسارعون إلى فحص الأدوية المعتمدة والتي تحصر Block تأثير الأندروجينات، والتي يستخدمونها في مرحلة مبكرة من العدوى على أمل إبطاء الفيروس لكسب الوقت ولتمكين الجهاز المناعي من التغلب على الفيروس.

ويقول هاوارد سول Howard Soule، نائب المدير التنفيذي في مؤسسة سرطان البروستاتا Prostate Cancer Foundation: ” الجميع يبحث عن رابط بين الأندروجينات … والنتائج النهائية لكوفيد-19″. وقد عقد سول اجتماعًا عبر برنامج زوم Zoom بتاريخ  13 من مايو استقطب 600 عالم وطبيب، واستعرض فيها أحدث الأبحاث. ومن المخطط  أن يعقد اجتماعًا آخر بتاريخ 3 يونيو لمناقشة التجارب الإكلينيكية (السريرية) الأولية.

هذا، وقد أكدت بيانات علم الوبائيات حول العالم التقارير المبكرة سرعة تأثر الرجال. فعلى سبيل المثال، في لومباردي  بإيطاليا، شكل الرجال 82% من المرضى البالغ عددهم 1591 والذين أدخلوا إلى وحدات العناية المركزة Intensive Care Units (اختصارًا: الوحدات ICU) منذ 20 فبراير وحتى 18 مارس، وذلك بحسب ورقة نشرت في الدورية JAMA. وقد تخطت نسبة الوفيات من الذكور النساءَ في كل شرائح الفئات العمرية للبالغين في دراسة أخرى نشرت أيضا في الدورية JAMA والتي أجريت على 5,700 مريض في مدينة نيويورك ممن أدخلوا المستشفى بعد الإصابة بكوفيد-19.

علاج وقائي؟

في دراسة إيطالية كان الرجال المصابون بسرطان البروستاتا من الذين تناولوا أدوية حصر الأندروجينات أقل عرضة للإصابة بفيروس سارس-كوف-2.

الرجال الذين يتلقون علاج الحرمان من الأندروجين (العلاج ADT)

الرجال الذين لا يتلقون العلاج ADT

مجموع الرجال المصابين بسرطان البروستاتا

5273

37,161

عدد المصابين بسارس-كوف-2

4

114

العدد المتوقع للحالات لكل 10,000

8

31

والآن، يتتبع الباحثون إحدى الميكانيكيات التي تفسر هذا الانحياز الذكوري، وهو سعي يقوده الباحثون في مجال سرطان البروستاتا، ممن لديهم معرفة عميقة في دور الأندروجينات. وكريستينا جيميسون Christina Jamieson، من جامعة كاليفورنيا University of California في سان دييغو، والتي طورت عضيات صناعية Organoids  لدراسة سرطان البروستات، تتذكر أنها شاركت في اجتماع عبر برنامج زوم بهدف صقل أفكار حول كيفية ربط أبحاثها بكوفيد-19 عندما أرسلت إليها أختها، وهي أيضًا عالمة من الجامعة نفسها، نصًا من كلمة واحدة: “TMPRSS2”.

وكان ذلك بتاريخ 16 أبريل، وخلال دقائق، وجدت جيميسون الورقة البحثية المنشورة التي كانت الدافع وراء الرسالة النصية؛ كانت ورقة بحثية نشرها ماركوس هوفمان Markus Hoffmann، من معهد ليبنتز لأبحاث الرئيسيات Leibniz Institute for Primate Research مع زملائه في الدورية Cell. وكانت الورقة البحثية بمثابة الصاعقة التي سرت في مجتمع أبحاث سرطان البروستاتا؛ ﻷنها أظهرت أن العدوى بالفيروس سارس-كوف-2 (SARS-CoV-2)، الفيروس المسبب لمرض كوفيد-19، تعتمد جزئيًا على TMPRSS2، وهو إنزيم مرتبط بالغشاء الخلوي. وهذا الإنزيم يعمل على شطر Cleave البروتين “الشوكي” Spike protein على سطح فيروس كورونا، متيحًا للفيروس الاندماج  في غشاء الخلية المضيفة والدخول إليها.

كانت جيميسون وغيرها من الباحثين في سرطان البروستاتا على معرفة بالإنزيم؛ وذلك لأن طفرة معينة في الإنزيم TMPRSS2 تظهر في نحو نصف حالات سرطان البروستاتا، والتي تعمل على تحفيز جين سرطاني (ورمي) Oncogene، يتسبب بدوره في تسارع نمو الخلية تسارعًا مفرطًا. وفي البروستاتا  يُنتَج الإنزيم TMPRSS2 عندما ترتبط الهرمونات الذكورية بمستقبل الأندروجين. وتقول جيميسون: ” إن إجراء الأبحاث يشبه محاولة رميك لمرساة في محيط الاحتمالات الواسع”. وفي اكتشاف أن إنزيم TMPRSS2 يساعد الفيروس على الدخول إلى الخلايا “بدا وكأن المرساة أصابت الأرض”.

ولم يثبت الباحثون بعد أن الأندروجينات تتحكم في الإنزيم TMPRSS2 بالرئة (وهي المرتع الأول للعدوى بالفيروس سارس-كوف-2) كما يحصل في البروستاتا؛ فالدراسات التي أجريت في مزارع الأنسجة وعلى خلايا الرئة من الفئران والبشر وصلت إلى نتائج  متضاربة. ولكن بعد نشر الورقة البحثية في الدورية  Cell، عزّز أندريا أليمونتي Andrea Alimonti – رئيس قسم علم الأورام الجزيئي من جامعة سويسرا الإيطالية Università della Svizzera italiana- فكرةَ الرابط الأندروجيني بالنظر في بيانات أكثر من 42 ألف رجل مصاب بسرطان البروستاتا في فينيتو بإيطاليا. وقد وجد هو وزملاؤه أن المرضى الذين يخضعون للعلاج بالحرمان من الأندروجين Androgen-Deprivation Therapy (اختصارًا: العلاج ADT)؛ الذي يخفض مستوى التيستوستيرون تخفيضًا كبيرًا، كان احتمال إصابتهم بالعدوى يساوي الربع فقط مقارنة بالرجال المصابين بسرطان البروستاتا الذين لا يتلقون العلاج ADT، وذلك وفقًا لاستنتاجهم في الورقة البحثية المنشورة بالدورية Annals of Oncology (انظر: الجدول). كما كان الرجال الذين يتلقون العلاج ADT أقل احتمالًا لأن يدخلوا المستشفى ويتوفوا، إلا أن أرقام العينة كانت صغيرة.

وهناك مُراجَعَةٌ اِسْتِعَادِيَّة أخرى Retrospective  -لم تنشر بعد، مُتحّكم فيها لضبط عوامل العمر والأمراض الطبية الأخرى- حصلت على النتائج نفسها؛ من 58 مريضًا من المصابين بسرطان البروستاتا، والذين أصيبوا بعدوى فيروس كورونا، ويتلقى 22 منهم بالفعل العلاج ADT. فقد كانت حاجتهم إلى دخول المستشفى والخضوع للتنفس الصناعي أقل بشكل ملحوظ، وذلك وفقا لويليام أوه William Oh، الطبيب والعالِم المختص بسرطان البروستاتا من كلية طب إيكان Icahn School of Medicine في ماونت سيناي. كما يقول أوه: “يدعم استنتاجنا الفرضياتِ القائلة إن إشارات الأندروجين قد تزيد خطر أن تكون عواقب الإصابة بكوفيد-19 وخيمة، وأن الحرمان من الأندروجين قد يحد من هذه العواقب الوخيمة”.

كما أن هناك دراستين محدودتين أخريين أشارتا إلى أن نسبة الرجال الصلعان ذوي الصلع ذكوري النمط أكبر ضمن المصابين بكوفيد-19 في المستشفيات. وهذا النوع من الصلع يرتبط بمستويات عالية من ثنائي هيدروتيستوستيرون Dihydrotestosterone (اختصارًا: الجزيء  DHT)، وهو أحد نواتج استقلاب التيستوستيرون المهمة في فروة الرأس. وفي أبريل نشرت دراسة أجريت على 41 رجلًا إسبانيًا أدخلوا المستشفى لإصابتهم بكوفيد-19، وقد جدت الدراسة أن 71% منهم كانوا من ذوي الصلع ذكوري النمط، علمًا بأن المعدل الطبيعي بين الرجال البيض يقدر بنحو 31% إلى 53%. وهناك دراسة أخرى نشرت في مايو وجدت أن 79% من أصل 122 شخصًا من ثلاثة مستشفيات في مدريد مصابا  بكوفيد-19 كانوا من ذوي الصلع الذكوري النمط.

وهناك أدلة غير مباشرة قدمتها فَرانَك فتاحي Faranak Fattahi، اختصاصية بيولوجيا الخلايا الجذعية من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو. فقد جد فريقها رابطًا قويًا بين أحد مقاييس الأندروجينات الفعالة في الدم وبين شدة مرض كوفيد-19 في بيانات من عدة مئات من المرضى الذكور والمسجَّلة في البنك البيولوجي (الحيوي) Biobank بالمملكة المتحدة، ولم يجدوا مثل هذا الأثر في النساء.

ودليل من هذا النوع قد ألهم بالفعل عددا من العلاجات المحتملة. مثلا ماثيو ريتيغ Matthew Retting، اختصاصي بعلم الأورام و يقود أبحاث سرطان البروستات من جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس، يجري تجربة ثنائية التعمية Double-Blinded، عشوائية التصميم Randomized، مضبوطة بعلاج غفل (وهمي) Placebo-Controlled على العقار ديغاريليكس Degarelix، وهو دواء مثبط للأندروجين، وبمشاركة 200 جندي سابق أدخلوا المستشفى لإصابتهم بكوفيد-19 في لوس أنجلوس، وسياتل، ومدينة نيويورك. وسيتلقى المرضى الموجودون في الذراع الفاعلة من الدراسة حقنة واحدة ستخفض مستويات التستوستيرون إلى الصفر خلال ثلاثة أيام. وسيقلل ذلك من التعبير عن الجين TMPRSS2، على الأقل في البروستاتا، ليصل إلى صفر تقريبًا. وتتمثل الأعراض الجانبية بهبات ساخنة ونمو في الثدي، وهي “مكافئة للإخصاء الجراحي”، بحسب ما يقول ريتيغ.

ولكن بينما تعطى الحقنات شهريًا باستمرار في حالة سرطان البروستاتا، “فإن هذه الدراسة تشتمل على جرعة مرة واحدة، ومؤقتة”، وذلك كما يقول ريتيغ. ويأمل بأن يعلم في غضون 4 إلى 5 أشهر ما إذا كان هذا العلاج يساعد على تجنيب المرضى الحاجةَ إلى التنفس الصناعي، وأن يقلل معدل الوفيات.

هناك عدة تجارب أخرى حول العلاج باستخدام مضاد الأندروجين على وشك أن تبدأ في الولايات المتحدة وأوروبا. وكاثرين مارشال Catherine Marshall، الباحثة في سرطان البروستاتا من جامعة جونز هوبكنز Johns Hopkins University، تحضرلتجربة باستخدام العقار بيكالوتاميد Bicalutamide، وهو دواء أقدم وأرخص يعمل على حصر مُستقبِل الأندروجين، في 20 مريضًا أدخلوا المستشفى خلال ثلاثة أيام بعد أن جاءت نتائج فحوصهم إيجابية للإصابة بكوفيد-19. وسيقارن فريقها  نتائجَ المرض بمرضى لا يتلقون الدواء. وتقول مارشال: ” نظن أنه إن نجح ذلك، فإنه سينجح عن طريق تقليل مستويات الفيروس في المرضى. ولذلك سنجريها في مرحلة مبكرة من المرض”.

وستشمل التجربة النساء أيضًا، كما تضيف مارشال؛ لأن لديهن أندروجينات أيضًا، ولكن بمستويات أقل من الرجال، وكذلك لأن الإستروجينات أثبتت أنها تساعد على الشفاء من الإصابة الرئوية الحادة. ويزيد بيكالوتاميد من مستويات الإستروجين ويخفض من نشاط الأندروجين في الوقت نفسه. وتقول مارشال بخصوص موجة التجارب القادمة: ” تمثل جميع أفكار التجارب هذه العلم في أفضل صوره، وعلى الأرجح أنها تمثله في أسرع صوره أيضًا “.

والأدلة المبنية على دراسات فتاحي المختبرية والتي تدعم هذا الوعد بالعلاج باستخدام مضاد الأندروجين. فقد بحث فريقها الأدوية التي اعتمدتها إدارة الدواء والغذاء Food and Drug Administration (اختصارًا: الإدارة FDA) في خلايا القلب بالمختبر ليروا أي الأدوية قلل مستويات المستقبل الأساسي لفيروس سارس-كوف-2  ، الإنزيم المحول للأنجيوتنسين 2 (Angiotensin Converting Enzyme 2 (اختصارًا:الإنزيم ACE2). ومن الأدوية التي حققت الدرجة المطلوبة من الخفض كان فيناستيرايد Finasteride ودوتاستيرايد Dutasteride، وهما دواءان يحصران عملية تحويل التيستوستيرون إلى الجزيء DHT، وذلك بحسب مسودة أولية نشرت في 15 مايو. أما فيناستيرايد؛ فهو مصادق عليه من الإدارة FDA لعلاج الصلع ذكوري النمط، في حين أن دوتاستيرايد علاج مصادق عليه لتضخم البروستاتا. كما يقلل دوتاستيرايد مستويات الإنزيم ACE2 في الخلايا السليمة  بالحويصلات الهوائية الرئوية البشرية.

مع أن الباحثين الساعين في مجال ارتباط الأندروجينات يحذرون من أن فرضيتهم تبقى مجرد فرضية حتى تدعمها نتائج الأبحاث المختبرية والدراسات الإكلينيكية، إلا أنهم متفائلون. وتقول فتاحي: “عندما تشير كل الأدلة إلى الأمر ذاته، فذلك أمر يبعث على الرضا “.

© 2020, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى