ماذا تعني السلالات الجديدة من الفيروس التاجي بالنسبة إلى عودتنا إلى الحياة الطبيعية؟
بقلم: مايكل لو بيج
ترجمة: د. عبد الرحمن سوالمة
في نوفمبر 2020 عندما أُعلِن عن نتائج التجربة الأولى للقاحات كوفيد-19 (Covid-19) ، بدت نهاية جائحة الفيروس التاجي Coronavirus pandemic وكأنها كانت في مرمى البصر. ولكن ما لبثت أن توالت أخبار وجود سلالة فيروسية جديدة خطيرة، ثم تتالت الأخبار عن سلالات أخرى. إذًا، ماذا يعني ذلك؟ هل ستقوض السلالات الجديدة الجهود الساعية إلى عودة الحياة إلى طبيعتها؟
ومن المؤكد أنه لا يمكن لأحد التكهن بما سيحصل تاليًا على وجه اليقين. ولكن العديد من الباحثين متفائلون بأن الدول التي تحصل على كمية كافية من اللقاح، يمكن أن تعود الحياة فيها بنسبة كبيرة إلى الوضع الطبيعي خلال ما يقرب من سنة أو أقل. وعلى المدى الطويل، بدلًا من أن نستمر بمواجهة حرب لا تنتهي مع السلالات المتزايدة في الخطورة، فلا تزال التوقعات تذهب إلى أن كوفيد-19 سيتحول إلى مرض خفيف.
تقول جيني لافين Jennie Lavine، من جامعة إيموري Emory University في أطلنطا بجورجيا: “إذا تحوَّل هذا المرض إلى مرض متوطن وخفيف بالطريقة التي تتوقعها دراساتنا، فإنه في الواقع لن يكون أسوأ من الزكام. لا أقول إننا نعلم ما الذي سيحدث، ولكن حتى بالنظر إلى الحال الآن، فإن ذلك ليس توقعًا غير منطقي على المدى الطويل في المستقبل”.
أسئلة مهمة
ما سيحدث على مدى الأشهر القليلة القادمة، فإنه يعتمد على إجابتي سؤالين، كما يقول إيه. مارم كيلباتريك A. Marm Kilpatric، من جامعة كاليفورنيا University of California في سانتا كروز.
أولًا، حتى إذا كانت اللقاحات أو الإصابة السابقة بالفيروس لا تقي من العدوى بسلالة جديدة، فهل ستمنع حدوث المرض الشديد؟ وثانيًا، هل يمكن لدولة أن تلقح نسبة كبيرة كفاية من سكانها؟
يقول كيلباتريك: “إن كانت الإجابة عن كلا السؤالين هي نعم، فإنني أظن أن حياةً أقرب بكثير من الطبيعية هي أمر ممكن في نحو ستة أشهر”.
ويقول كيلباتريك أيضًا إن أغلب الدول لن تحصل على عدد كاف من اللقاحات في الوقت القريب، كما يقول: “أي أن الحياة ‘الطبيعية’ لن تكون ممكنة إلا بالعدوى، والذي سيكون أمرًا مريعًا بالنسبة إلى الكثير من الدول”.
وأما بالنسبة إلى الدول التي انطلق فيها التطعيم، فهناك أدلة مشجعة من المحتل الإسرائيلي، فبحلول بدايات فبراير كان %90 ممن أعمارهم فوق الستين قد تلقوا على الأقل جرعة واحدة من لقاح فايزر/بيونتيك Pfizer/BioNTech. وحتى قبل ذلك، في منتصف يناير، كان عدد الأشخاص المدخلين للمستشفيات المصابين بكوفيد-19 قد بدأ بالنزول، إضافة إلى حدوث انخفاض أكبر قبلها في الأشخاص الأكبر سنا، وهو ما يشير إلى أن ذلك هو من نتائج التطعيم.
للأسف ، حتى تطعيم أغلب السكان لن يضمن بالضرورة انتهاء الجائحة. ويقول مات كيلينغ Matt Keeling، من جامعة ووريك University of Warwick، المملكة المتحدة: “لا يزال حدوث فاشية كبيرة وعدد كبير من الإدخالات للمستشفيات أمرًا ممكنًا حتى بعد إكمال برنامج التطعيم، وذلك إذا أزيلت الضوابط بسرعة كبيرة”.
تكمن المشكلة في أن اللقاح لن يصل إلى الجميع، وحتى بالنسبة إلى الذين يصل إليهم، فإنه ربما لا يحميهم من المرض الشديد. وهذا يعني أن العديد قد يبقون معرضين للإصابة.
تصير المسألة بعدها متمثلة بمنع الفيروس من الوصول إلى هؤلاء الأشخاص المعرضين للإصابة. فإذا حصل عدد كاف من الناس على المناعة، فيما يعرف بعتبة مناعة القطيع (المجموعة) Herd immunity ، فإن الفيروس لن يتمكن من الانتشار.
“في الدول التي تستطيع الحصول على كمية كافية من اللقاح، يمكن للحياة أن تعود إلى مستويات طبيعية بنسبة كبيرة في غضون سنة أو أقل”.
ولكن صعوبة التحكم في الجائحة تزداد بسبب السلالات الجديدة. فعلى سبيل المثال، السلالة B.1.1.7 والتي اكتشفت في البداية في المملكة المتحدة هي أسرع في الانتقال بـ 50%، وهو ما قد يرفع عتبة مناعة القطيع من 67% من مجمل السكان إلى 80-90%.
تقول زوي هايد Zoë Hyde، من جامعة ويسترن أستراليا University of Western Australia: “إن نشوء سلالات أكثر قدرة على الانتقال يجعل الوصول إلى مناعة القطيع أمرًا بعيد الاحتمال جدًا باستخدام لقاح أسترازينيكا AstraZeneca، إلا أنه يجب أن يبقى ممكن الوصول باستخدام لقاحات عالية الفعالية مثل منتجات فايزر Pfizer، وموديرنا Moderna، ونوفافاكس Novavax”.
وعلى الرغم من أن لقاح أكسفورد/أسترازينيكا Oxford/AstraZeneca له فعالية أقل من اللقاحات الأخرى، إلا أنه سينقذ الحيوات، ومن ثم فإن الدول التي تصارع التفشيات Outbreaks المرضية يجب أن تنشر هذه اللقاحات بأسرع وقت ممكن، بحسب ما تقول هايد.
وبالنسبة إلى الدول التي قضت على الفيروس تقريبًا، مثل أستراليا ونيوزيلندا، فإن أحد الجوانب السلبية هي أن القليل من الناس لديهم مناعة طبيعية. وبالمقابل، فإن ما يقرب من ثلث سكان المملكة المتحدة ربما تعرضوا للعدوى، ومن ثم فإن الوصول إلى عتبة مناعة القطيع بالتلقيح سيكون أسهل.
وهناك أيضًا السلالة B.1.351 التي اكتشفت أولًا في جنوب إفريقيا، والسلالة P.1 التي اكتشفت أولًا في البرازيل، وكلاهما يمكنهما، إلى حد ما، تفادي الأجسام المضادة التي نتجت من الاستجابة للإصابات سابقة والتطعيم. وهذا يعني أن المصابين بهاتين السلالتين يكونون أكثر احتمالًا ﻷن ينقلوهما إلى الغير، ومرة أخرى تزداد صعوبة الوصول إلى عتبة مناعة القطيع.
فالتخوف الأكبر بالنسبة إلى السلالتين B.1.351 وP.1 هي أنهما قد تتفاديان الأجسام المضادة لدرجة تجعلهما قادرتين على التسبب بمرض كوفيد-19 شديد. وما زلنا لا نعلم مقدار شدة المرض الذي سيتعرض له الشخص إن أصيب مرة أخرى بإحدى هاتين السلالتين، بحسب ما تقول لافين. وكما تقول: ” ما زلت متفائلة، ولكنني أظن أن هذا سؤال مهم يجب الإجابة عنه”.
هناك سبب للتفاؤل؛ فتجارب اللقاح من جونسون آند جونسون Johnson & Johnson تظهر أنه، على الرغم من أن اللقاح أقل فعالية في الوقاية من المرض الخفيف والمتوسط في المصابين بالسلالة P.1 أو B.1.351 مقارنة بالسلالات السابقة، إلا أن فعاليته ضد المرض الشديد كانت مماثلة لفعاليته في السلالات السابقة، بحيث لم يبلغ عن حالات إدخال للمستشفى أو وفيات في أي شخص تلقى اللقاح.
وقد يكون سبب ذلك هو كيفية عمل المناعة في الجسم. فالأجسام المضادة مهمة جدًا للوقاية من العدوى في المقام الأول. وتعمل هذه الأجسام المضادة بارتباطها وحجبها لأجزاء من البروتين الشوكي للفيروس التاجي والذي يساعده على الدخول للخلايا. أما السلالتان B.1.351 وP.1 ففيهما عدة طفرات، إحداها تسمى الطفرة E484K، والتي تغير شكل هذا الجزء، مما يساعدها على تفادي هذه الأجسام المضادة، وقد يسبب مرضًا خفيفًا إلى متوسط الشدة.
ولكن، بمجرد إصابة الشخص، فإن الخلايا التائية T-Cells، والتي تشكل جزءًا من فرع آخر من فروع المناعة، تساعد على التخلص من الخلايا المصابة، مما يمنع تطور مرض شديد. ومن المهم جدًا أن خلايا T تبقى فعالة ما دامت قادرة على التعرف على أي جزء من البروتين الشوكي. وهذا يعني أن تطور الفيروس التاجي، بحيث يتفادى الخلايا T ، أمر أصعب بكثير.
كما ثبت أن لقاح فايزر/بيونتيك يُنْتِج استجابة قوية للخلايا T ضد السلالة B.1.351، مما يشير إلى أنه سيبقى فاعلًا في الوقاية من المرض الشديد حتى لو كان أقل فعالية في الوقاية من العداوى.
وهناك سبب آخر للتفاؤل، وهو أن هناك حدًا لمدى قدرة الفيروس على التطور والبقاء فعالًا، بحسب لافين. فعلى سبيل المثال، لن يكون الفيروس قادرًا على الدخول إلى الخلايا البشرية إذا تغير جزء البروتين الشوكي الذي يرتبط بالخلايا تغيرًا كبيرًا.
وهناك المزيد، فإن إحدى الدراسات التي تبحث عن أي الطفرات التي يمكنها مساعدة الفيروس على تفادي الأجسام المضادة، وقد وجدت أن الطفرة E484K كانت الطفرة التي تحدث أكبر فرق. ومن ثم ربما نكون قد شهدنا أسوأ الطفرات الممكنة لتونا.
إذا كان الأمر كذلك، فلت نحتاج إلى تعديل اللقاحات لأكثر من مرة أو مرتين، مع أننا بالطبع لا يمكن أن نكون واثقين من ذلك؛ فما زالت هناك فرصة أن يحدث شيء ما غير متوقع، كأن يتحد الفيروس، المعروف بسارس-كوف-2 (SARS-CoV-2)، بفيروس تاجي آخر لإنتاج سلالة أكثر خطورة.
“67% هي عتبة مناعة القطيع عند الحديث عن السلالات السابقة”
“80-90% هي عتبة مناعة القطيع المرجحة عند الحديث عن السلالة B.1.1.7، السلالة السائدة حاليًا في المملكة المتحدة”
تفاؤل حذر
ما نعلمه بالفعل هو أن هناك أربعة فيروسات تاجية سَرَتْ بين الناس لوقت طويل مسببة أمراضًا خفيفة فقط. وذلك بسبب أن الجميع تقريبًا تعرض لها في طفولته، وأنها لا تسبب مرضًا شديدًا في الأطفال.
وبما أنه من غير المحتمل أن يصيب سارس-كوف-2 كذلك يصيب الأطفال بمرض شديد، فإن أبحاث لافين تقترح إلى أنه سينتهي بها المطاف لتكون مثله.
وتقول لافين ربما يمر الفيروس الآن بفترة من التطور السريع بينما يتكيف مع المضيف الجديد الذي بدأ يصير منيعًا ضده، ولكن الأمور يجب أن تستقر على المدى الطويل. وتقول: “وجود السلالات الجديدة لا يغير من التنبؤ القائل إنه سيصير مرضًا خفيفًا على المدى الطويل، بل يطيل فقط الإطار الزمني لذلك”.
هناك آخرون أكثر حذرًا، إذ تقول إيما هودكروفت Emma Hodcroft، من جامعة بازل University of Basel في سويسرا: “هذا أكيد، أظن أن بإمكاننا أن نأمل بأن هذا ما ستؤول إليه الأمور. ولكن، حتى وإن تحول بالفعل إلى فيروس متوطن غير مؤذٍ نسبيًا، فكم من الوقت سيستغرق ذلك؟ أظن أن علينا التحضير لسيناريوهات متفائلة وأخرى أقل تفاؤلًا”.
© 2021, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.