قلَّل من الأطعمة الدهنية. لا، قلَّل من السكر. حاول اتباع حمية البحر الأبيض المتوسط. ولا تنسَ أكل المزيد من النباتات …
وصل التنوع في نصائح الأكل الصحي إلى حد أنها صارت عبارة تردد دون تفكير، وعلى الرغم من كل التناقضات، فهناك شيء واحد يتفق عليه الجميع، ألا وهو أن علينا تجنب الأطعمة غير المفيدةJunk food. ومع ذلك، فإن أحدًا لم يكن بإمكانه أن يعطيك سببًا مقنعًا لذلك. وإذا وضعنا التخيّر في المأكل على جنب، فليس لدى العلم تعريف متفق عليه لما هي الأطعمة غير المفيدة، وهذا ما يزيد من صعوبة معرفة إن كان يتعين علينا أن نتجنبها، ولماذا يجب علينا ذلك.
لقد كان الافتراض السائد أن الأطعمة غير المفيدة المُعالجة Processed سيئة لأنها تميل إلى أن تحتوي على الكثير من الدهون والأملاح والسكر. ولكن الدراسات الحديثة تشير إلى أن هناك آليات أخرى قد تكون السبب في جعل هذه الأطعمة مضرة بالصحة. وفهم هذه الآليات قد يساعدنا على جعل اختياراتنا أكثر صحية، كما أنه قد ينجح في إقناع الصناعات الغذائية في استخدام طرق أكثر صحية لإعطائنا طعامًا نحب أكله.
وهناك حقيقة واحدة: أننا نحبه فعلًا. تشكل الأطعمة المصنعة في المصانع ما بين 50 إلى 60%من متوسط السعرات الحرارية التي يحصل عليها الفرد في المملكة المتحدة، ونحو 60%في الولايات المتحدة. ومع أن الأطعمة غير المفيدة لها سمعة سيئة عند العديد من محبي الطعام، إلا أن أبحاث الصحة الغذائية وكذلك النصائح الصحية العامة المتولدة من هذه الأبحاث كانت تركز حتى الآن على أحد أمرين، إما على مجموعات غذائية مفردة، كاللحوم ومنتجات الألبان، أو على الكميات النسبية للمغذيات الكبروية Macronutrients التي نستهلكها، وهي البروتينات، والدهون، والكربوهيدرات.
في أغلب الدول، تنصح الأدلة الإرشادية الغذائية الأفراد أن يبنوا نظامهم الغذائي على الكربوهيدرات النشوية كالخبز والباستا، مع تناول الكثير من الفواكه والخضراوات، وتقليص كمية اللحوم ومنتجات الألبان لتجنب النسبة العالية من الدهون، وتجنب السكر والملح متى أمكن.
ومع أن الأطعمة المصنعة تميل إلى أن تحتوي على نسبة عالية من المكونات غير المحبّذة من مثل الدهون والملح والسكر، إلا أن القليل جدا من الإرشادات الوطنية تنصح صراحةً بتجنب الأطعمة المصنعة وطهي الوجبات وبدلاً من ذلك من المكونات الأساسية.
وهذا هو الخطأ الذي وقع فيه مجالُ التغذية، وفقا لتيم سبيكتور Tim Spector، الاختصاصي بعلم الأوبئة في كينغز كوليج لندن King’s College London، والذي يدرس تأثير الطعام في الصحة. ويقول، إن واضعي السياسات يجب أن ينصب تركيزهم على “إقناع الناس بالتحول إلى أكل طعام حقيقي”.
الخطوة الأولى في هذا السبيل هي تطوير طريقة جديدة لتصنيف الأطعمة بحسب نسبة المعالجة التي تعرضت لها. وهذا بالذات ما يعنى به النظام نوفا Nova الذي صممه كارلوس مونتيرو Carlos Monteiro، الباحث في مجال التغذية من جامعة ساو باولو Sāo Paulo في البرازيل مع زملائه. والنسخة الأخيرة منه تُعرِّف أربع مجموعات، تتراوح ما بين الأطعمة الكاملة Wholefood إلى الأطعمة فائقة المعالجة (انظر: إعادة معالجة الأطعمة غير المفيدة).
تشتمل الأطعمة فائقة المعالجة على أشياء نعتبرها في العادة أطعمة غير مفيدة، كالبطاطا المقلية أو البيتزا المجمدة، بل إنها تشتمل أيضًا على بعض حبوب الإفطار، والشوربات، والوجبات الجاهزة ذات الدهون والملح المنخفضَيْن ظاهريًا، بل حتى أغلب أنواع الخبز التي تصنع بكميات ضخمة. فالمحددات التي يبنى عليها هذا التصنيف هي أن تكون الأطعمة مصنعة عبرعمليات لا تستخدم في العادة في المنازل، كالهدرجة عالية الضغط، وتصنيع البروتينات النباتية بالتميؤ (اليحلمهة/التحليل المائي) Hydrolysation باستخدام حمض الهيدروكلوريك. كما أنها تشتمل على مواد مضافة اصطناعية، كالملونات، والمُحلِّيات، ومحسنات الطعم، والتي صنعت لتجعل الطعام أكثر استساغة.
كان نظام تصنيف NOVA مهمًا ؛ لأنه أعطى الباحثين اللغة المشتركة التي يحتاجون إليها لدراسة الروابط بين الصحة المعتلة والأطعمة المصنعة في مصانع، وفقا لماريون نستل Marion Nestle، من جامعة نيويورك New York University المستشارة السابقة لحكومة الولايات المتحدة، ولها كتابات حول صناعة الأطعمة. وتقول إن مفهوم المعالجة الفائقة Ultra-processing مفهوم قوي، “لأنه يجعلنا نتجاوز مرحلة الحديث عن المغذيات المفردة ويجعلنا نتحدث عن الطعام ككل”.
بدأت أولى الدراسات الكبيرة الباحثة عن روابط بين استهلاك الأطعمة فائقة المعالجة والصحة في الظهور في العقدين الماضيين. وبدأت تظهر معها علاقة واضحة بين هذه الأطعمة واعتلال الصحة، إذ كانت نسبة اختطار السمنة والأمراض مثل أمراض القلب وداء السكري أكبر فيمن يتناولون كمية أكبر منها.
بل إن إحدى الدراسات وجدت أن زيادة الأطعمة فائقة المعالجة في النظام الغذائي للشخص ترتبط بزيادة احتمال الموت المبكر. فأكثر من أربع حصص غذائية من الأطعمة فائقة المعالجة في اليوم تزيد اختطار الوفاة خلال السنوات الخمس عشرة التي جرت فيها الدراسة بنسبة 62%، إذ كانت كل حصة غذائية مضافة تزيد الاختطار بنسبة 18%. وهناك تحليل لـ23 دراسة أجريت حتى الآن حول العلاقة بين الأطعمة فائقة المعالجة والصحة، نشرت في عام 2020، يستنتج أيضًا أن هناك روابط بين تناول الأطعمة السريعة ومعدلات أسوأ من ضغط الدم المرتفع ومستويات الكوليسترول غير الصحية.
التركيز على الأطعمة غير المفيدة
صحيح أن أبحاث التغذية مشهورة بنتائجها المتناقضة (إذ قد تجد دراسة أن الكثير من الدهون هي المشكلة الرئيسية في نظامنا الغذائي، وتجد أخرى أن الكربوهيدرات هي السبب)، إلا أن هذا التناقض لا ينطبق على الأطعمة فائقة المعالجة، بحسب مونتيرو. ويقول: “بالنسبة إلى الحوم الحمراء، يقول البعض ‘نعم، هناك علاقة مع الصحة المعتلة’، والبعض يقول ‘لا’. أما في حالة الأطعمة فائقة المعالجة؛ فإن جميع الدراسات تظهر هذه العلاقة بالصحة المعتلة”.
حتى الآن، يبدو أن الأمور سيئة. ولكن، هذه الأنواع من الدراسات يمكنها فقط أن تجد العلاقات بين تناول الأطعمة غير المفيدة والصحة السيئة. ولا يمكنها إثبات أن أحدها يسبب الآخر. نعلم أن تناولنا المزيد من هذه الأطعمة يرتبط أيضًا بذوي الدخل المنخفض، والذي يستحضر بدوره العديد من العوائق الصحية. والطريقة الوحيدة لتمييز السبب والنتيجة ستكون بإجراء تجربة عشوائية Randomised trial يكون فيها الفرق الوحيد بين المشاركين في التجربة هو النظام الغذائي.
ولفترة طويلة لم تُجرَ مثل هذه التجرية. ولكن، في عام 2019 سجّل كيفن هال Kevin Hall، الاختصاصي بالفيزيولوجيا من معاهد الصحة الوطنية National Institutes of Health في الولايات المتحدة، هو وزملاؤه 20 مشاركًا في دراسة كهذه. وطلب إلى المتطوعين أن يبقوا في موقع الدراسة لفترة أربعة أسابيع خلال استمرار التجربة؛ وذلك حتى يتمكن من تحليل كل لقمة تدخل إلى أفواههم. ولفترة أسبوعين، تناول المشاركون وجبات خفيفة ووجبات تتكون من أطعمة فائقة المعالجة، ومجموعة منتقاة بعناية من قطع الدجاج (الناغتس)، ووجبات الرافيولي الجاهزة، وبسكويت الكوكيز، وحبوب الإفطار، وما شابه. وعلى مدار الأسبوعين الآخرين، لم يأكلوا سوى أطعمة الكاملة (غير معالجة) Wholefoods، من ضمنها الفواكه، والخضراوات، واللحوم، واللبن.
وكان الباحثون يقدمون للمشاركين ضعف ما يتوقع أن يحتاجوا إليه، ويمكنهم أن يأكلوا بقدر ما يشاءون. ومن المهم ذكره، أن كلا النظامين الغذائيين كانا يضبطان، بحيث إن الوجبات الخفيفة والوجبات المقدمة تحتوي على الكمية نفسها تقريبًا من الدهون، والبروتينات، ومجمل الكربوهيدرات والسكر والملح والألياف.
كان الأثر كبيرًا في المتطوعين؛ فعندما تطبيق النظام الغذائي فائق المعالجة، ازداد وزن المتطوعين، بما متوسطه 0.9 كيلوغرام. أما في النظام الغذائي الخاص بالأطعمة غير المعالجة؛ فقد خسر الأشخاص مقدار المتوسط نفسه، أي أقل من كيلوغرام بقليل. وكما اتضح بعدها، عندما أطلق للناس العنان في تناول الكمية المرغوب فيها من الأطعمة المعالجة، فإنهم تناولوا نحو 500 سعرة حرارية في اليوم أكثر مما كانوا يتناولونه عندما كانوا يختارون من بين الأطعمة الكاملة. ويقول هال: “هذا فرق كبير. لا شك في أن هناك علاقة سببية”.
أحد التفسيرات المحتملة هي أن الأشخاص تناولوا من الأطعمة المعالجة كمية أكبر لأنهم وجدوا طعمها أفضل. وعلى الاستبانات قيَّم المتطوعون الأطعمة المعالجة على أنها أفضل قليلًا فقط من الأطعمة الكاملة، وهو فرق صغير جدًا لدرجة أنه قد يكون نتج بالصدفة. ولكن كمية ما نأكله من أي طعام لا تعتمد فقط على رأينا الواعي حول مذاقه.
تأتي الأطعمة فائقة المعالجة عامة محملة بكمية مضبوطة من الدهون والملح والسكر، بحيث يصعب علينا مقاومتها. تقول ناتالي، فكر في كم هو شائع أن تأكل أكثر مما كنت تنوي أكله من علبة بسكويت أو الشيبس، “لا يمكنك أن تكتفي بواحدة فقط”.
كما أن الأطعمة فائقة المعالجة أدت إلى زيادة الأكل بطريقة أخرى، وذلك عن طريق تشجيع الأفراد على الأكل أسرع. فأغلب هذه الأطعمة تسحب منها المياه خلال مرحلة التصنيع. فكر في الشيبس مقارنة بالبطاطس المطبوخة. ويقول هال: إنّك “تحصل في النهاية على طعام أكثر تركيزًا، ومع كل قضمة، تأكل كمية أكبر من السعرات الحرارية”.
ولاستيضاح المسألة أكثر، يخطط هال وزملاؤه تجربة أخرى، وهذه المرة بوجود مجموعة ثالثة يحصل فيها المتطوعون على وجبات فائقة المعالجة مضافا معها الكثير من الخضراوات، والتي ستعطي كمية قليلة من السعرات الحرارية، ولكنها ستجعل الوجبات أبطأ في التناول. وهذا سيظهر إن كانت سرعة تناول الطعام مهمة فعلًا لمقدار استهلاك السعرات الحرارية.
وهناك تفسير آخر، والذي يعرف بنظرية تأثير البروتين Protein leverage hypothesis، والتي تقول إن أحد المُنظِّمات الأساسية في شهيتنا هي حاجتنا البيولوجيا لتناول كمية معينة من البروتينات كل يوم. ولما كان اللحم – الذي يعتبر مصدرًا مهمًا للبروتين – أغلى من غيره من مكونات الطعام، فإن الأطعمة المعالجة تميل إلى أن تكون قليلة البروتين وكثيرة الدهون والكربوهيدرات. وينتهي المطاف بالأشخاص الذين يتكون نظامهم الغذائي من الأطعمة المعالجة بأن يكونوا أكثر جوعا لأنهم لا يحصلون على حاجاتهم من البروتين، ومن ثم يأكلون المزيد لإشباع جوعهم، والذي هو عبارة عن المزيد من الطعام قليل البروتينات الذي اعتادوا أكله.
“عند اتباع النظام الغذائي المعالج، أكل الأشخاص 500 سعرة حرارية أكثر في اليوم”
يبدو أن نتائج دراسة هال تدعم هذه النظرية لأن الأشخاص عندما تناولوا الأغذية فائقة المعالجة، أتت السعرات الـ500 الإضافية التي حصلوا عليها يوميًا من الدهون والكربوهيدرات، وكان ما تناولوه من البروتين أقل قليلًا مما تناولوه عندما قدمت لهم الأطعمة الكاملة.
يعتقد دافيد راوبينهايمر David Raubenheimer، من جامعة سيدني University of Syndey وهو أحد واضعي نظرية تأثير البروتين، أن نقص البروتين والألياف في الأطعمة المعالجة هما السبب في شعور الناس بالجوع. ويقول: “الألياف والبروتينات هما المكونان الغذائيان اللذان يشعران بالشبع بالنسبة الأكبر”.
أطعم الكائنات الدقيقة
من المؤكد أيضًا أن الألياف كانت مختلفة النسبة بين النظامين الغذائيين في دراسة هال. ومع أن كليهما كان فيه العدد الكلي نفسه من الألياف، إلا أن النظام الغذائي المتألف من الأطعمة الكاملة كان يتكون أساسيا من ألياف غير قابلة للذوبان من الفواكه والخضراوات والحبوب الكاملة. أما في النظام الغذائي فائق المعالجة؛ فقد كانت الألياف القابلة للذوبان توضع في مشروبات المشاركين لأن تلك كانت الطريقة الأسهل والأكثر استساغة لإضافة الألياف. ويعتقد أن كلًا من الألياف القابلة للذوبان وتلك غير القابلة للذوبان مفيد للصحة، ولكن لهما آثارًا مختلفة جدا على الجهاز الهضمي وبالكتيريا في أمعائنا.
يحتاج الناس إلى كلا النوعين من الألياف لدعم ميكروبيوم أمعاء Gut microbiome صحي، وذلك وفقا لروبرت لوستيغ Robert Lustig، طبيب مختص بالسمنة وباحث من جامعة كاليفورنيا University of California في سان فرانسيسكو. وفي كتابه الجديد، استقلابي: الخداع والكذب فيما يتعلق بالأطعمة المعالجة، والتغذية، والطب الحديث Metabolical: The lure and the lies of processed food, nutrition, and modern medicine ، يجادل لوستيغ في أن نقص الألياف يحرم نوعًا معينًا من بكتيريا الأمعاء من فرصتها لاستقلاب الألياف وتحويلها إلى أحماض أمينية قصيرة السلسلة Short-chain fatty acid، وهو أمر له منافع تتعلق بمضادات الالتهاب في الجسم.
كما يعتقد سبيكتور أن أحد أكبر المخاطر المتعلقة بالأطعمة فائقة المعالجة هو أنها تشوش بكتيريا أمعائنا. ولكن، بحسب رأيه، فإن السبب هو الإضافات الاصطناعية التي تحتويها، كالمُحلِّيات والمستحلَبات التي تساعد المواد الذائبة في الدهون على الاختلاط اختلاطاً متساوياً مع الماء. وتشير الدراسات المجراة على القوارض أن كلا هاتين المادتين الكيميائيتين تغيران النظام الإيكولوجي للميكروبيوم، وأن المستحلبات تتيح للبكتيريا مهاجمة جدار الأمعاء، مسببة الالتهاب. ويقول سبيكتور: “كلما زادت الأطعمة المُعالجة التي تتناولها، صار أصعب على ميكروبات أمعائك أن هضم هذه الأطعمة”.
يمكن لأي من هذه العوامل، أو كلها مجتمعة، أن يفسر نتائج هال، كما قد يكون هناك بالفعل أمر آخر يفسرها. ويشير هال نفسه إلى أن هناك حاجة إلى المزيد من لأبحاث ولدراسات أكبر، للتمييز بين الآليات المحتملة. ويقول: “لم يتوصل العلم بعد إلى فهم كامل لهذا اللغز”.
وعلى الرغم من ذلك، فإن نتائج هال حفزت لتوها بعض التحركات. فبعد دراسة هال بقليل، نشرت منظمة الأغذية والزراعة Food and Agriculture Organisation التابعة للأمم المتحدة، تقريرًا يدعو التجربة بأنها “رابط قوي” بين الأطعمة فائقة المعالجة واعتلال الصحة، ودعت إلى عدد كبير من الإجراءات لتقليل استهلاكها، ومن ضمنها الملصقات التعريفية على الأطعمة، ومنع الدعاية لها، وفرض ضرائب على الوجبات غير المفيدة مثل هذا النوع عند بيعها.
وحتى الآن، فإن البرازيل وكندا هما الوحيدتان اللتان اتبعتا النصائح بخصوص اجتناب الأطعمة فائقة المعالجة في إرشاداتهما الوطنية. ولكن العديد من الدول الأخرى، ومن ضمنها المملكة المتحدة، تخطط حملات لفرض إجراءات تنظيمية على بيع وتسويق الأطعمة ذات الدهون أو السكر أو الملح العالي، والذي يشتمل على العديد من الخيارات من الأطعمة المعالجة.
التعطش للتغيير
يجادل بعض المدافعين في أن الحكومات يجب أن تزيد من جهودها أكثر وتفرض ضرائب أعلى على مثل هذه الأطعمة. ومع ذلك، فإن هذا أمر خلافي؛ ﻷن الأطعمة المعالجة تشكل نسبة كبيرة من النظام الغذائي لأغلب الناس في الدول عالية الدخل. والأطعمة المعالجة غالبًا ما تكون أرخص من الوجبات المطبوخة في المنزل؛ بسبب وفورات الحجم Economies of scale وسرعة تحضيرها، وهي أمور مهمة إن كنت تعمل لساعات طويلة لتوفر القوت لعائلة ذات دخل منخفض. ويقول هال: “آخر ما تود فعله هو أن تزيد من صعوبة إطعام الناس لعائلاتهم”.
ويقول آخرون إنه ببساطة من غير المنطقي الآن أن نطلب إلى الناس أن يزيلوا الأطعمة المعالجة من أنظمتهم الغذائية. “لا يمكنك ببساطة أن تطلب إلى الناس أن يتجنبوا 60% من مدخولهم من السعرات الحرارية في يوم وليلة، ما لم توفر لهم حلًا حقيقيًا”، كما يقول كيران فورد Ciaran Forde، من وكالة العلوم والتكنولوجيا والأبحاث Agency for Science, Technology and Research، والذي عمل مع هال في تجربته عام 2019.
كما يمكن لشن حرب شاملة على المأكولات السريعة أن يشتت الناس عن نصائح تغذوية أهم، مثل التقليل من الدهون أو السكر. كما يمكنها أن تثني الناس عن الحصول على خيارات معالجة محتملة أكثر صحية، مثل الوجبات الجاهزة قليلة السعرات الحرارية، كما يجادل فورد.
معالجة الأطعمة قد تكون بحد ذاتها جزءًا من الإجابة. ويقول فورد: “ربما كانت عناصر محددة من البيئة التغذوية الحديثة هي ما أوحى بنا إلى ما نحن فيه من سهولة الاستهلاك المفرط. ولكن إعادة صياغة الأطعمة بحيث تبطئ من معدل الاستهلاك ربما يكون جزءًا من الحل”.
وهناك منتجات غذائية تطور الآن لمعالجة مسألة انخفاض الألياف في الأنظمة الغذائية الحديثة، وستصنف هذه المنتجات بلا شك على أنها فائقة المعالجة. فعلى سبيل المثال، هناك شركات تطور أنواعًا من الشوربة واللبن والخبز فيها كمية إضافية من الألياف، أو الأحماض الدهنية قصيرة السلاسل التي تنتج من هضم بكتيريا الأمعاء للألياف، وهي أحماض دهنية مفيدة. فهناك شركة في الولايات المتحدة تسمى بيو لومين BioLumen تطور مسحوق ألياف يمكن للناس إضافته إلى الطعام، وصمم ليسمح لمزيد من المواد المغذية بأن تصل إلى الجزء السفلي من الأمعاء ويوفر الغذاء لبكتيريا الأمعاء.
ولكن، يرجح أن مثل هذه الأطعمة الجديدة ستكون أغلى، ومن ثم هي أبعد عن متناول العائلات الأفقر والتي تعتمد على المنتجات فائقة المعالجة. وبما أن الكثير من النظام الغذائي الحديث يأتي من الأطعمة المصنعة في مصانع، يصير من الصعب تخيُّر بديل كامل باستخدام الخيارات التي تعتمد على هندسة الطعام.
وهناك أمر آخر، وهو أنه لا أحد حتى الآن يمكنه أن يتفق على السبب الدقيق لجعل الأطعمة المعالجة غير صحية، ومن ثم لا نعلم أي مكونات الأطعمة المعالجة يجب الحد منها وأي من الأطعمة الكاملة يجب أن نزيد منها. ويقول سبيكتور: “عندنا 26 ألف مادة كيميائية في طعامنا. ولا نعرف أيها موجود بالفعل في الطعام الحقيقي، ما زلنا نبحث في حقيقة هذا الأمر”.
وبعد كل ذلك، على الرغم من أننا ربما لا نفهم الآليات فهمًا كاملًا، إلا أن الأدلة تتراكم مخبرة إيانا بأننا يفضل أن نتجنب النسب الكبيرة من الأطعمة فائقة المعالجة. وبينما ننتظر العلم حتى يتوصل إلى حل، فإن الرسالة التي يجب إيصالها بسيطة: كل من الأطعمة الكاملة بقدر ما تسمح لك ميزانيتك وظروفك. وقد يشكرك جسمك على ذلك.
إعادة معالجة الأطعمة غير المفيدة
يصنف النظام NOVA كل مادة غذائية ويضعها في واحدة من أربع مجموعات بحسب مقدار المعالجة الاصطناعية التي خضعت لها.
المجموعة1: الأطعمة غير المعالَجة وقليلة المعالجة
الأجزاء القابلة للأكل من النباتات، أو الحيوانات، أو الفطريات، كاللحم، أو الفواكه، أو المشروم.
المجموعة 2: مكونات الطبخ المعالجة
مواد تشتمل على الزيوت والزبدة والسكر والملح، والتي تشتق من أطعمة المجموعة 1 باستخدام طرق مثل التكرير أو الطحن أو التجفيف. ولا تستهلك في العادة بحد ذاتها، بل تستخدم جنبًا إلى جنب مع أطعمة المجموعة 1.
المجموعة 3: الأطعمة المعالجة
أطعمة تصنع بإضافة مكونات من المجموعة 2 إلى عناصر من المجموعة 1. وتشتمل على الجبن، والسمك المعلب، والخضراوات المعلبة، والخبز الطازج.
المجموعة 4: الأطعمة فائقة المعالجة
أطعمة تصنع من مكونات أساسية، كاللاكتوز والزيت ومصل اللبن والغلوتين، التي قد تكون استخرجت من الأطعمة ولكنها في العادة تتعرض لمعالجة حديثة لصنع أشياء مثل الزيوت المهدرجة، والبروتينات بالتميؤ (اليحلمهة/التحليل المائي) Hydrolysed، وشراب الذرة عالي الفركتوز. وكذلك الأطعمة المشتملة على إضافات غذائية مثل المستحلبات والأصباغ ومحسنات الطعم. فالناتج النهائي لها يشتمل على العديد من الوجبات الجاهزة والحبوب والخبز المصنع بكميات ضخمة، والمقالي.
بقلم: كلير ويلسون
ترجمة: د. عبد الرحمن سوالمة
© 2021, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.