لجنة خبراء الأمم المتحدة تحذَر من عواقب الاحترار ومن «فجوة في التّكيُّف»
تأثير التغير المناخي سيكون أشد وقعًا على العالم الطبيعي وأولئك الأكثر ضعفا من البشرية
الكربون إلى مناطق باعثة له، ويمكنها أن تسرَع من تغير المناخ. إذ تقول بارميسان: «لدينا مخاطر متزايدة من الآثار التي لا يمكننا عكسها فيما بعد».
والبشر ليسوا محصنين. فارتفاع الحرارة والرطوبة يزيد عدد الأيام التي يكون فيها العمل خارج المنزل مستحيلاً تقريباً، ويجعل نواتج الحمل أسوأ، كما يشير التقرير. والكائنات الحية الناقلة للمرض Disease vectors مثل البعوض استفادت من فصول حارة أطول، فتوسع مدى انتشارها. كما زادت الحرائق الأشد سوءأ من التعرض للدخان، وهيجت مشكلات أمراض الجهاز التنفسي. «الناس الآن يعانون ويموتون بسبب تغير المناخ»، كما تقول كريستي ايبي Kristie Ebi -مؤلفة مشاركة، وعالمة الوبائيات من جامعة واشنطن University of Washington في سياتل.
أبطأ الجفاف النمو العالمي في الإنتاجية الزراعية اللازمة لتغذية الأعداد المتزايدة من السكان. وأضر احترار المحيطات وارتفاع حمضيتها بمصايد الأسماك واستزراع ثمار البحر Shellfish. كما أن الأمواج العاصفة والفيضانات التي ازدادت سوءاً -بسبب ارتفاع سطح البحر- ستدمر المدن الساحلية. وعلى الرغم من أن تأثير المناخ في الهجرة والنزاعات بين البشر يشوبه الغموض، إلا أن الطقس المتطرف أدى إلى أزاحة السكان مسبقاً. «إنه بمثابة إنذار ينبّه لمخاطر المستقبل»، كما يقول بريان أونيل Brian O’Neill مدير معهد أبحاث التغير العالمي المشترك Global Change Research Institute، ومؤلف مشارك في التقرير.
عبر معظم القطاعات ستكون التأثيرات أشد سوءاً. وحتى لو أمكن المحافظة على الاحترار العالمي عند 2°س بحلول أواخر هذا القرن – والذي قد يكون ممكناً لو تقيَدت الدول بالانبعاثات التي تعهدت بها في اجتماع الأمم المتحدة حول المناخ في غلاسكو في المملكة المتحدة – فإن ثلاثة ملايين من البشر سيواجهون ندرة في المياه. وقد ينقص الماء المتدفق إلى العديد من أحواض الأنهار من ذوبان الثلوج بـ 20%، وقد تتسرب مياه المحيطات المالحة إلى المياه الجوفية العذبة في الجزر الصغيرة. وسيكون انعدام الأمن الغذائي أسوأ، مع تفاقم سوء التغذية السيئة في الجنوب من العالم. وسيتزايد التعرض لعدوى حمى الضنك Dengue fever.
مهما كان السيناريو، فسيتعرض بليون من البشر إلى فيضانات مزمنة بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر. لو وصل الاحترارا إلى 3°س أو أكثر؛ لكان بالإمكان أن يصبح التعرق غير كاف لحفظ جسم الانسان من الاحترار الزائد. وسيكون الخليج العربي أول منطقة تصل إلى هذا الحد. لكن ذلك «سيصبح مشكلة في كثير من بقاع العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية في النهاية»، كما يقول أوبنهايمر.
و كما يؤكد التقرير سيعتمد حجم التأثيرات بشدة على الظروف الاجتماعية القائمة كالفقر والصحة والحوكمة. على سبيل المثال، يشير أونيل إلى أن عدد الناس الذي سينزلقون إلى الفقر خلال فترة 15 سنة بسبب تغير المناخ يمكن أن يتراوح من 10 إلى 100 مليون بحسب مدى هشاشتهم Vulnerability هم وأراضيهم. ويستنتج التقرير أن التحضير لتغير المناخ ليس ببساطة مجرد مسألة بناء جدران ساحلية أو إنشاء أنظمة ري. «إذ إن تحسين ظروف المعيشة حول العالم هو بالأهمية نفسها»، كما يقول أونيل.
ووجد التقرير أيضا أن معظم مشروعات التكيف مع هذا المستقبل صغيرة، ومجزأة، وتركَز على الأخطار قصيرة المدى. ويقول أوبنهايمر: «هناك فجوة في التَّكيَّف. إذ تتعهد الحكومات قولاً بأكثر مما تفعل حقيقة». حتى الآن يتركز التكيف بمعظمه على الماء: ضرائب وأنظمة إنذار الفيضانات، وإعادة تأهيل الأراضي الرطبة الساحلية، والحفاظ على رطوبة التربة للزراعة، وتحصين الشواطئ.
غير أن تعزيز الوصول إلى الرعاية الصحية أو تأسيس خطط طوارئ لارتفاع درجات الحرارة سيجعل المجتمعات أكثر مرونة Resilient أيضاً. ويدعو التقرير إلى التكيف عن طريق الحفاظ العالم الطبيعي: كاستعادة تنوع الغابات، ودعم هجرة الأنواع، وحماية أراض ومسطحات مائية أكثر لتوفير مساحة للأنواع للتّكيّف.
ومع ذلك سيعاني العالم الطبيعي. ولكن بالنسبة إلى البشر، ترى الهيئة IPCC أن هناك بصيص أمل، متنبئة بأن ظروف المعيشة ستستمر بالتحسن تحت سيناريوهات متعددة – فقط ستكون أبطأ مما كانت عليه في الماضي. يقول أونيل: «نحاول ألّا نعرقل التقدم الذي حققناه. على الرغم من أنه قد يصعب عليك اعتقاد ذلك عندما تنظر إلى الخارج من النافذة».
بقلم: بول فوسين
ترجمة: د. سعد الدين خرفان
©2022, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved