لماذا يمر الزمن سريعاً أو بطيئاً؟ كيف تشوه العواطف تصورنا الزمني
يسرع الزمن المحسوس ويتباطأ، اعتماداً على الظروف، لأن إدراكنا للمدة يرتبط ارتباطاً جوهرياً بالحالات الذهنية التي تسببها استجاباتنا الفسيولوجية للعالم
عندما نكون أطفالاً، تمثل الفترات الزمنية القصيرة جزءاً أكبر بكثير من حياتنا، مقارنةً بعندما نكون أكبر سناً. قد يقود هذا الطفل البالغ من العمر خمس سنوات إلى الشعور بأن العام هو زمن لا يطاق لانتظار عيد الميلاد، بينما بالنسبة إلى البالغين، فإن تلك الـ 365 يوماً تمر سريعاً.
ولكن هناك ما هو أكثر بكثير فيما يخص انقباضات الزمن هذه التي تثير حيرتنا. بعضها يحصل في الدماغ. ويقول أدريان بيجان Adrian Bejan، من جامعة ديوك Duke University في نورث كارولينا، إنّ سرعة معالجة الدماغ تتباطأ مع تقدمنا في العمر – بسبب التعقيد الأكبر لشبكاتنا العصبية مما يعني أن الإشارات تنتقل لمسافات أكبر. يلتقط دماغنا المتقدم في السن معلومات أقل في الثانية الواحدة، لذلك يحزم معلومات زمنية أقل في كتلة زمنية واحدة، أو «حدث» Episode (انظر: كيف نشعر بالزمن؟). هذا يمكن أن يوهمنا بأن الزمن قد مر سريعاً. عندما نكون أصغر سناً، قد تؤدي تجربة الأشياء لأول مرة إلى حزم معلومات زمنية أكثر في كل حدث. مثل كاميرا الحركة البطيئة Slow-motion camera التي تلتقط آلاف الصور في الثانية، فإنها تكدس صور أكثر في كل فترة زمنية، وتكون تجربتك الشخصية هي الشعور بمرور الزمن مروراً بطيئاً.
لحظة بلحظة، يمكن أن تؤثر حالتنا العاطفية في كيفية إدراكنا لمرور الزمن أيضاً. يبدو أن الزمن يمر سريعا عندما تكون مستمتعاً وبطيئاً عندما تشعر بالملل. قد يكون هذا متعلقاً بكيفية معالجة أجسامنا للزمن. وتقول نظرية «الإدراك المتجسد» Embodied cognition إن معالجة الأحاسيس الجسدية هي التي تصنع إدراكنا للعالم من حولنا، بما في ذلك إحساسنا بالزمن. فللجسم إيقاعات Rhythms عديدة، من دقات القلب إلى الجوع في معدتنا، والتي قد تمنح الدماغ إحساساً بالزمن الذي مر.
نحن نعلم أن الدماغ يدمج إشاراتنا الجسدية في منطقة تعرف بالفص الجزيري Insula، وتقع في أعماق الدماغ بين الفص الأمامي Frontal lobe والفص الصدغي Temporal lobe. هذا ضروري لإحساسنا بالذات وبناء التجربة الواعية، والتي يجب أن تتضمن بعض الإحساس بمرور الزمن.
في إحدى التجارب، طلب مارك ويتمان Marc Wittmann، من معهد المناطق الحدودية في علم النفس والصحة العقلية Institute for Frontier Areas in Psychology and Mental Health في فرايبورغ بألمانيا، من المشاركين في التجربة مُحاكاة طول النغمات عالية الشدة أثناء قياس نشاطهم العصبي بالرنين المغناطيسي الوظيفي fMRI. خلال هذه التجربة، أظهر المشاركون نشاطاً في الفص الجزيري أعلى مما كان لديهم أثناء قيامهم بمهام يضغطون فيها على زر فور
توقف النغمة. ويبدو أنهم كانوا يستخدمون إشارات أجسادهم لقياس مقدار الزمن الذي مر.
وفقاً لهذه الفكرة، فإن أي شيء يوجه مزيداً من الانتباه إلى أجسامنا يجب أن يجعل الزمن يبدو بطيئاً. قد يفسر هذا سبب مرور الزمن بطيئاً عندما نشعر بالجوع أو البرد. ويقول ويتمان: «إذا لم يكن لديك ما يُلهيك، فستبدأ بالانتباه إلى إشارات جسدك، مما يشعرك ببطء مرور الزمن». إذا ركزت انتباهك على شيء آخر، فلن تنتبه بشدة إلى تلك الإشارات الجسدية، وسيبدو لك أن الزمن يمر سريعاً.
بقلم دانييل كوسان
ترجمة مي منصور بورسلي
© 2022, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.