أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
أخبار العلومجائزة نوبل

تكريم الثلاثي الذي أثبت ميكانيكا الكم هو أمر غريب ومفيد حقًا

ساعد الفائزون على تأسيس مجال كامل لعلوم المعلومات الكمية

في إشادة توقعها العديد من الفيزيائيين لعقود من الزمن، كرمت جائزة نوبل في الفيزياء لهذا العام ثلاثة باحثين حققوا في ظاهرة غريبة في ميكانيكا الكم تسمى التشابك Entanglement، مما يمهد الطريق لمجالات الاتصالات الكمية والحوسبة الكمية المزدهرة الآن.
أثبت اثنان منهم، جون كلوزر John Clauser من JF Clauser & Associates وآلان أسبكت Alain Aspect من جامعة باريس ساكلاي Paris Saclay ومعهد البوليتكنيك في باريس Polytechnic Institute of Paris، التشابك الكمي – الذي سخر منه آلبرت آينشتاين Albert Einstein باعتباره “عملًا مخيفًا عن بعد” Spoky action at a distance- لا يمكن تفسيره بالفيزياء الكلاسيكية البديهية. أما الثالث، أنطون زيلينجر Anton Zeilinger من جامعة فيينا University of Vienna، فقد أظهر كيف يمكن استخدام التشابك مثلا في “النقل الآني” Teleport للمعلومات من جسيم تحت ذري Subatomic particle إلى آخر. وقد تقاسم الثلاثة في جائزة 10 ملايين كرونة سويدية (915 ألف دولار) بالتساوي.
يقول أدريان كينت Adrian Kent، عالم فيزياء الكم من جامعة كيمبريدج University of Cambridge : “أنا سعيد جداً…لقد تأخر تكريم هؤلاء الشركاء العمالقة في هذا المجال. ويقول رونالد هانسون Ronald Hanson، عالم فيزياء الكم من جامعة دلفت للتكنولوجيا Delft University of Technology : “إنها جائزة جميلة، فعمل الفائزين شرع هذا المجال بأكمله من علوم وتقنيات المعلومات الكمية”.
تعود قصة التشابك إلى عام 1935 واستياء آينشتاين من الطبيعة العرضية لميكانيكا الكم. تنص نظرية الكم على أن خصائص جسم مثل الإلكترون تعتمد على كيفية قياس الشيء. عند قياس موضع Position الإلكترون بدقة يصبح زخمه Momentum غير مؤكد ولا يمكن التنبؤ به، والعكس صحيح. لذلك يمكن أن يكون للجسيم موقع أو زخم محدد، ولكن ليس كلاهما. أصر آينشتاين على أن موضع الجسيم وزخمه يجب أن يكونا “عناصر من الواقع” ومستقلين عن القياس. واقترح أنع فيما وراء حجاب عدم اليقين الكمي Quantum uncertainty أن “المتغيرات الخفية Hidden variables ” تحدد هذه القيم مسبقًا.
في عام 1964، اقترح الباحث النظري البريطاني جون بيل John Bell اختبارًا لهذه الفكرة. لاحظ بيل أن جسيمين كميين يمكن أن يكونا متشابكين، بحيث إنه على الرغم من أن حالة كل جسيم فردي غير مؤكدة، فإن حالتيهما مترابطتان تمامًا. على سبيل المثال، يمكن استقطاب Polarization الفوتون أفقيًا أو رأسيًا أو – وفقًا لميكانيكا الكم – في كلا الاتجاهين في وقت واحد، مما يترك استقطابه غير مؤكد. ومع ذلك، يمكن أن يتشابك فوتونان بحيث إنه على الرغم من أن استقطاب كل منهما غير مؤكد، إلا أنه يضمن استقطابهما بالطريقة نفسها.
تقريبياً، تخيل بيل راصدين، أليس وبوب، يتشاركان أزواج متشابكة من الفوتونات ويقارنان قياساتهما ببعضها. يمتلك كل من الراصدين محلل استقطاب Polarization analyzer يمكن توجيهه عشوائيًا، وعندما لا يكون جهازي التحليل على المحاذاة نفسها، تنخفض الارتباطات بين قياسات أليس وبوب إلى أقل من 100%. ومع ذلك، أظهر بيل أنه إذا كانت المتغيرات المخفية تحدد نتيجة قياساتها، فإن الارتباطات المتبقية يمكن أن تكون قوية جدًا. لكن ميكانيكا الكم تتوقع أنها ستكون أقوى. إذا استطاع المجربون ملاحظة هذه الارتباطات، فمن المدهش أن يدحضوا وجود متغيرات خفية.
في عام 1969، قاد كلوزر، الذي كان يعمل وقتها في جامعة كولومبيا Columbia University، فريقًا صقل فكرة بيل العامة بحيث يمكن تطبيقها على تجربة فعلية باستخدام ذرات الكالسيوم. في عام 1972، أجرى هو وزميل آخر التجربة، ولاحظوا الارتباطات القوية جداً التي تنبأت بها نظرية الكم، وقدموا الاختبار الأول لنظرية بيل.
ومع ذلك، فإن مثل هذه التجارب صعبة، لأنها تتطلب استبعاد جميع التأثيرات التي يمكن أن تسمح للنتائج المستقاة من أحد أجهزة التحليل بالتأثير في الآخر وإنتاج ارتباطات زائفة. في ثمانينات من القرن العشرين، أجرى أسبكت وفريقه نسخًا دقيقة جداً من التجارب، بما في ذلك التعديلات مثل: الاختيار الفعال لاتجاهات جهازي التحليل في غضون النانوثانية بعد انبعاث الفوتونات. ومع ذلك، لم يتأكد الأمر إلا في عام 2015 عندما أجرى هانسون وفريقه ما يسمى بتجربة خالية من الثغرات Loophole free experiment.
وإذا كان كلوزر وأسبكت هما من استخدم التشابك لإثبات أن ميكانيكا الكم غريبة تمامًا كما هو معلن عنها، فإن زيلينجر كان رائدًا في استخدامه كأداة. على سبيل المثال، في عام 1998، أظهر فريقه كيف يمكن أخذ زوجين من الفوتونات المتشابكة وتبديل التشابك بحيث ينتهي الأمر بفوتون من الزوج الأول بالتشابك مع فوتون من الثاني – وهي تقنية يمكن أن تكون ضرورية للربط بين العقد Nodes البعيدة. في شبكة الإنترنت الكمي غير القابلة للاختراق، أظهرت مجموعة زيلينجر أيضًا أنه يمكن استخدام زوج متشابك إضافي من الفوتونات لنقل -أو النقل الآني-“ للحالة الكمية الدقيقة لفوتون إلى آخر على الفور.
كان هذا العمل هو بذرة نمو علم المعلومات الكمية Quantum information science والحوسبة الكمية Quantum computing، وهي الحقول المزدهرة التي تسعى إلى استخدام التشابك والتأثيرات الأخرى لتحقيق إنجازات تكنولوجية لا يمكن تحقيقها باستخدام الإلكترونيات الكلاسيكية. لم تكن هذه الإمكانات واضحة منذ عقود، كما يشير جيان وي بان Jian-Wei Pan، عالم فيزياء الكم من جامعة العلوم والتكنولوجيا في الصين University of Science and Technology of China، والذي كان طالب دراسات عليا تحت إشراف زيلينجر في تسعينات القرن العشرين. إذ يقول: “قبل عدة سنوات، لم يعتقد الناس أن المعلومات الكمية كانت علمًا حقيقيًا… ولم يعجب علماء المعلومات بذلك، كما لم يعجب به الباحثون المشتغلون بالعلوم الأساسيون أيضًا”. الآن، ربما تكون المجال الأحدث في الفيزياء.
وبقدر ما تحتفل جائزة هذا العام بإمكانيات علم المعلومات الكمية Quantum information science، فإنها تُشير أيضًا إلى جائزة لم تُمنح قطّ. و يقول بان: “كان ينبغي تكريم جون بيل بحصوله على جائزة نوبل. مع الأسف، لم يكن علم المعلومات الكمية قد ظهر بعد عندما وافته المنية”، إذ توفي بيل عام 1990عن عمر ناهز 62 عامًا.

بقلم أدريان تشو

© 2022, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى