كيف يمكن للخلايا المناعية المُعَدَلَة جينياً أن تتغلب على بعض أنواع السرطان
صار من الممكن في بعض الحالات هندسة الجهاز المناعي جينياً للتخلص من سرطاناتٍ مثل لوكيميا (ابيضاض الدم) بالخلايا التائية التي لم تكن تستجيب في السابق للعلاجات
من أكثر الأشياء المدهشة في الجهاز المناعي هي أن يعمل بلا كللٍ دون أن تُدْرِكَ ذلك. فهو لا يحارب البكتيريا Bacteria والفيروسات Virus كل يوم فحسب، بل يقتل أيضاً معظم السرطانات قبل أن تصير تهديداً بوقتٍ طويلٍ. ولكن، في بعض الأحيان، تنجح السرطانات في تفادي الجهاز المناعي – ويعتمد عددٌ من علاجات السرطان على استعادة فعاليتِه. أحد نجوم العلاج الصاعدة هو العلاج بالخلايا التائية ذات مُسْتَقْبِل المُسْتَضد الخيمري CAR T-cell therapy (اختصاراً: العلاج CAR T-cell therapy)، والذي أعطى نتائج مذهلةً في بعض أنواع السرطان حين فشلَتْ جميع العلاجات التقليدية.
تعتمد هذه التكنولوجيا المذهلة على الخلايا التائية T-cell، وهي الخلايا المناعية التي تُجْري دورياتٍ في أجسامنا، وتقتلُ الخلايا السرطانية أو المصابة بالعدوى. تكتشف الخلايا التائية أهدافها بمُسْتَقْبِلٍ يَبْرُزُ من سطحها (أي من سطح الخلايا التائية) ويرتبط ببروتين مُسْتَهْدَفٍ، أو جزءٍ معروضٍ من بروتينٍ، على السطح الخارجي للخلايا الأخرى. يعني هذا أنك إن أضفْتَ المُسْتَقْبِلَ المناسب إلى الخلايا التائية، فستتمكن من جعلها تستهدف أي شيءٍ تريده، بما في ذلك السرطان.
لتحقيق ذلك، تُسْتَخْرَجُ الخلايا التائيةُ من الشخص وتُعدّلُ جينياً لتعبّر عن «مُسْتَقْبِلِ مُسْتَضِدٍ خيمري» CAR. يتألف هذا المُسْتَقْبِلُ الاصطناعي من ثلاثة بروتينات، أحدها يتعرف إلى الخلية السرطانية المُسْتَهْدَفة ويُعَزِزُ الآخران نشاط الخلايا التائية. يضاعف الأطباءُ هذه الخلايا ويعيدونها إلى صاحبها، فتبحثُ عن الخلايا التي تحتوي على البروتين المُسْتَهْدَف وتدمرها. بما أن العدد القليل من الأشخاص الأوائل الذين عولجوا مازالوا في حالة تعافٍ من السرطان Cancer free بعد عقدٍ من الزمن، يمكن القول الآن إنّه في بعض الحالات، يمكن أن يشفي العلاج CAR T-cell therapy السرطاناتِ المتقدمةَ.
مع الأسف، هذا النهج ليس عصا سحريةً. بدايةً، قد يسبب الهجوم المناعي الذي يحرّضُه هذا العلاجُ تأثيراتٍ جانبيةً مميتةً. فإضافة إلى ذلك، لا تعمل الخلايا التائية ذات مُسْتَقْبِل المُسْتَضد الخيمري CAR T-cell إلّا ضد سرطانات الدم، لا الأورام الصلبة، ولا تنجح إلا في فئةٍ قليلةٍ من الأشخاص.
ولكنّ هناك أملاً. يجري تطوير هذه التقنية. وتتمثل إحدى المشكلات الكبيرة بأن الاضطرار إلى استخدام خلايا الشخص التائية لعلاجه أمرٌ مكلفٌ جداً، ولا يمكن دائماً استحصال عددٍ كافٍ من الخلايا التائية من الأشخاص المصابين بالمرض الشديد. وتعتبر الخلايا التائيةُ كلّ خلايا جسم المتلقي غريبةً فتبدأُ مهاجمتها.
لذلك، يُسْتَخْدَمُ التعديل الجيني الآن لإزالة الجينات المشاركةِ في تصنيف الخلايا على أنها غريبةٌ، إلى جانب إضافة المُسْتَقْبِلات. يمكن استخدام CAR T-cell الشاملة هذه لعلاج العديد من الأشخاص المختلفين المصابين بالسرطانات نفسها.
النجاح في علاج اللوكيميا (ابيضاض الدم)
هناك مشكلةٌ أخرى هي أن للخلايا التائية مفتاح إيقافٍ على سطحها يُسمى PD-1 للمساعدة على منعها من مهاجمة الخلايا السليمة. تحبط بعض أنواع السرطان هجمات الخلايا التائية باستغلال هذا المفتاح. ولكن إذا أُزيلَ هذا المفتاحُ بالتعديل الجيني، فلا يمكن تعطيل الخلايا التائية.
كل تعديلٍ يتطلب قطع الحمض النووي
باستخدام التحرير الجيني Gene Editign القياسي، هناك حدٌ لعدد التغييرات التي يمكن إجراؤها. وذلك لأن كل تعديلٍ يتطلب قطع الحمض النووي DNA، والذي يمكن أن يقتل الخلايا أو يُنْتِجَ طفراتٍ كبيرةٍ. ولكن أحدث أدوات كريسبر CRISPR لتعديل الجينات لا تقطع الحمض النووي ومن ثمّ تسمح بإجراء المزيد من التغييرات بأمانٍ.
استُخْدِمَ هذا النهج في العام الماضي لعلاج اللوكيميا (ابيضاض الدم) Leukaemia بالخلايا التائية لأول مرةٍ. كانتْ الطفلة البالغة من العمر 13 عاماً التي تلقتْ هذا العلاجَ مصابةً بلوكيميا عدوانيةٍ لم تستجب لأي علاجٍ آخر. بعد ثمانية وعشرين يوماً، كشفَتْ الاختباراتُ أنها كانت في حالة هدأة Remission.
تُدخِلُ فرقٌ أخرى تغييراتٍ أعلى طموحاً على الخلايا CAR T-Cell على أمل جعلها فعالةً ضد الأورام الصلبة أيضاً. كما يجري استقصاء إمكانية استخدام الخلايا CAR T-Cell لعلاج العدوى التي تسببها كائناتٌ ممرضةٌ Pathogens مثل فيروس نقص المناعة البشرية HIV والتهاب الكبد الوبائي سي Hepatitis C. إضافة إلى ذلك، تُسْتَخْدَم الخلايا CAR T-Cell لعلاج أمراض المناعة الذاتية Autoimmune disease، إذ تقْتُلُ الخلايا المناعية المتمردة المسؤولة. في العام الماضي، أفاد فريقٌ في ألمانيا أن خمسة أشخاص مصابين بالذئبة Lupus ظلوا في حالة تعافٍ من المرض منذ أن عولِجُوا بهذه الطريقة.
ستمثّلُ الخلايا المناعية المعدلة جينياً جزءاً كبيراً من مستقبلنا. وهو مستقبلٌ يبدو مشرقاً جداً بالتأكيد.
بقلم مايكل لا باج
© 2023, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC