ربما يكون الكاري قد حلّ في جنوب شرق آسيا منذ ألفي عام
عُثر على بقايا توابل على الأدوات الحجرية الضوء مما قد يلقي الضوء على شبكة التجارة العالمية القديمة
بقلم فاي جاكوبس
يشير إلى أن الزوار من الهند وإندونيسيا ربما أدخلوا تقاليدهم في الطهي إلى المنطقة منذ آلاف السنين
حتى بعد 2,000 عام، لا تزال رائحة جوزة الطيب تفوح من اللوح الحجري. إذ اكتُشفت أواني طهي في قرية قديمة في جنوب فيتنام – بحجم وشكل السندان تقريباً – استخدمت لطحن التوابل، جنباً إلى جنب مع المكونات الأخرى المألوفة في أطباق الكاري حالياً. يُعد هذا الاكتشاف، المنشور في 21 يوليو 2023 في دورية ساينس أدفانسس Science Advances، أول مثال معروف لمعالجة التوابل في البر الرئيسي لجنوب شرق آسيا. كما يشير إلى أن الزوار من الهند وإندونيسيا ربما أدخلوا تقاليدهم في الطهي إلى المنطقة منذ آلاف السنين.
يقول تشارلز هيغام Charles Higham، الآركيولوجي بجامعة أوتاغو University of Otago الذي لم يشارك في العمل: «على مدى عقود، عرفنا التأثير الهندي القوي في مجتمعات جنوب شرق آسيا». وأشار إلى أن المنطقتين تشتركان في العديد من أوجه التشابه المعمارية واللغوية والدينية خلال هذه الفترة الزمنية. والدراسة الجديدة، كما يقول هيغام، تقدم «أدلة صلبة» على أن هذا التأثير امتد أيضاً إلى مجال الطهي.
تم اكتشاف حجر الطحن في موقع يعرف أوسي إيو Óc Eo، يقع وسط سلسلة من القنوات القديمة على الجانب الجنوبي الغربي من دلتا نهر ميكونغ. فقد كان هذا الموقع ذات يوم ميناء رئيسياً لمملكة فونان، التي امتدت حقبتها من القرن الأول إلى القرن السابع الميلادي.
منذ بدء التنقيب لأول مرة في آوسي إيو في الأربعينات من القرن الواحد والعشرين، أسفرت الحفريات عن عدد كبير من القطع الأثرية التي تشير إلى أن المدينة كانت ذات يوم تقع على مفترق طرق لشبكة تجارية واسعة تمتد حتى البحر الأبيض المتوسط. وخانه ترونغ كين نغوين Khanh Trung Kien Nguyen، الآركيولوجي من المعهد الجنوبي للعلوم الاجتماعية Southern Institute of Social Sciences في مدينة هو تشي مينه في فيتنام، مهتمٌ بشكل خاص بمجموعة من الأدوات الحجرية التي اشتبه في استخدامها لإعداد التوابل. الأول، لوح طحن بطول 75 سم مصنوع من الحجر الرملي، يشبه الأدوات التي لا تزال تستخدم حتى اليوم لإعداد معجون التوابل. وقد اكتشفت الحفريات عن أشياء مماثلة من المواقع القديمة في الهند.
وجد فريق نغوين أن الآثار المجهرية للمواد النباتية لا تزال عالقة بالأدوات، بما في ذلك عدد كبير من الحبيبات النشوية، وبعد فحص الحبيبات عن كثب تحت المجهر ومقارنتها بعينات من أكثر من 200 نوع، حدد هو وزملاؤه بشكل قطعي ثمانية توابل مختلفة. بما في ذلك الكركم والزنجبيل والقرنفل والقرفة وجوزة الطيب. حتى بعد 2,000 عام، لا تزال هناك كتلة من هذه الحبيبات تضوع منها رائحة جوزة الطيب المميزة.
وتقول هسياو تشون هونغ Hsiao-chun Hung، الآركيولوجي من الجامعة الوطنية الأسترالية Australian National University (اختصاراً: الجامعة ANU) التي تعاونت مع نغوين في المشروع: «إن الحفاظ على بقايا النباتات في آوسي إيو أمر استثنائي. وربما ساعد المناخ الرطب في جنوب فيتنام على حماية البقايا من التدهور. فعندما نكتشف الحبيبات في التربة الموحلة للمرة الأولى، فإنها تبدو طازجة بشكل ملحوظ، لدرجة يصعب معها الاعتقاد أنها عمرها 2,000 عام تقريباً».
لا تزال مجموعة المقادير الموجودة في آوسي إيو تستخدم حتى اليوم في الكاري في معظم أنحاء جنوب شرق آسيا. ولكن كلمة «كاري» قد تفشل في تصوير التنوع في مطبخ المنطقة. نشأت الكلمة مع المستعمرين الأوروبيين، الذين استخدموها كمصطلح شامل للأطباق المتبلة من جنوب آسيا. يمكن أن يتخذ «كاري» العديد من الأشكال المختلفة، إلا أن فهم الفروق الدقيقة في المأكولات الإقليمية المختلفة هو أمر محوريٌ في تحليل نغوين وهونغ.
العديد من التوابل الموجودة في آوسي إيو، مثل القرنفل وجوزة الطيب، موطنها جنوب آسيا وشرق إندونيسيا. ويشير وجودها في مدينة فيتنامية قديمة إلى أن المسافرين من هذه المناطق قدّموا وصفاتهم التقليدية إلى أراضي جنوب شرق آسيا خلال القرون الأولى بعد الميلاد.
يقول بيتر بيلوود Peter Bellwood، الآركيولوجي في الجامعة ANU الذي لم يشارك في الدراسة: «هذا البحث هو الأول من نوعه». ويوضح أن المؤرخين «يشتبهون منذ فترة طويلة» في وجود اتصال تجاري مبكر بين جنوب آسيا وفونان، والاكتشاف في آوسي إيو «يوفر مستوى جديداً من المصادقة على النظرية».
الوصفات التي أدخلها التجار إلى فيتنام تم تعديلها من قبل السكان المحليين، الذين أكملوها بمقادير مألوفة لتطوير تقليد فريد في الطهي. فعلى الرغم من أنه من المحتمل أن العديد من التوابل الموجودة في آوسي إيو مستوردة، إلا أن البعض الآخر منها مستوطن في جنوب شرق آسيا. ولا يزال البعض، بما في ذلك أصناف الزنجبيل، شائعة الاستخدام في المطبخ التايلاندي ومأكولات جنوب شرق آسيا الأخرى ولكن نادراً ما يتم العثور عليها في أطباق مماثلة من الهند، كما استخلص نغوين وهونغ أيضاً آثار لجوز الهند من الأدوات، مما يشير إلى أن التوابل المستخدمة في آوسي إيو كانت تُطهى في خليط من حليب جوز الهند، إحدى سمات الكاري الحديثة في جنوب شرق آسيا.
يقول نغوين، الذي يشير إلى أن استخدام الكركم والقرنفل والقرفة ظل ثابتاً على مر القرون: «وصفة الكاري المستخدمة حالياً لم تتغير بشكل كبير عن المستخدمة في حقبة آوسي إيو القديمة… تسلط هذه الاستمرارية الضوء على الوجود الدائم لنكهات الكاري في المطبخ الفيتنامي». وبعد ما يقرب من 2,000 عام من بدء التبادل الثقافي بين جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا، كما يقول، لا يزال بإمكاننا تذوق – وشم – إرثه.
© 2023, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved