أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فضاء

عصر استكشاف الكويكبات الذهبي هل سيكشف عن أصول الحياة؟

ما الذي اكتشفته بعثة أوزيريس-ركس التابعة لناسا والمرسَلة لجلب عينة من بينو؟ يقول قائد البعثة دانتي لوريتا إن الكويكب يمكن أن يحمل أدلة حول كيفية بدء الحياة

بقلم جوشوا هوغيغو

صباح يوم 24 سبتمبر 2023، استيقظ دانتي لوريتا Dante Lauretta مبكراً، وكان نبضه يتسارع. فلمدة 20 عاماً، كان يعمل على بعثة فضائية تابعة لوكالة ناسا تهدف إلى التقاط عينة من كويكب وإعادتها إلى الأرض. والآن، حان وقت هبوط كبسولة العينة. وإذا حدث خطأ ما، فقد ينتهي الأمر بها بتحطمها إلى أشلاء تتناثر مسطحة – وغير مفيد للعلم – مثل فطيرة.

لحسن الحظ، كان الهبوط ناجحاً. ومنذ ذلك اليوم، كان الباحثون بقيادة لوريتا، عالِم الكواكب من جامعة أريزونا University of Arizona، منشغلين بدراسة المواد المتفتتة ذات اللون الأسود الفاحم التي جُلبت من الكويكب بينو Bennu. تعد بعثتهم، التي تسمى أوزايرس-ركس OSIRIS-REx، واحدة من عدة جهود مماثلة يمكن القول إنها تُضاف إلى ما يمثل عصراً ذهبياً لعلم الكويكبات Asteroid Science. لدينا الآن ما لا يقل عن ثلاث عينات أصلية جُلبت من الكويكبات، وهناك خطط مثيرة تجري على قدم وساق لزيارة كويكبات أخرى (انظر: لقاءات مع الكويكبات).

كتب لوريتا كتاباً عن بعثة أوزيريس-ركس بعنوان «صائد الكويكب» The Asteroid Hunter. وهنا يخبر مجلة نيو ساينتست عن سبب أهمية عينات الكويكبات، وما اكتشفه فريقه حتى الآن، وفرضيته المذهلة التي تقول إن بينو قد يكون جزءاً من عالم محيطي مفقود، عالمٌ ربما تمتّع بظروف مائية دافئة يُحتمل أنها جعلته حاضنة للَبِنات الحياة.

جوشوا هوغيغو: لقد شاهدتَ من طائرة هليكوبتر هبوط عينات أوزيريس-ركس. كم كانت الأجواء متوترة؟
دانتي لوريتا: استيقظت في الساعة الواحدة والنصف من صباح ذلك اليوم لأنه كان لدينا بعض الأعمال الروتينية التي يتعين علينا القيام بها على المركبة الفضائية. فقد ارتديت خاتماً يقيس معدل ضربات القلب وأتذكر أنها كانت 120 نبضة في الدقيقة تقريباً! وقد كانت هذه محصلة 20 عاماً من مسيرتي المهنية، وكلها تتوقف على سلاسة سير كل شيء في ذلك اليوم.

لاحقاً، كنت في طائرة هليكوبتر، منتظراً هبوط الكبسولة. وصارت الكبسولة منخفضة جداً وكان يجب فتح مظلة السحب، لكن أحدا لم يُعطِ أمر فتح المظلة بعد. فقد كنت في حالة فوضى عاطفية، معتقداً أن تلك بوادر كارثة وشيكة. ولكن ضابط القوات الجوية الذي كنت معه أعطى تعليمات فتح المظلة الرئيسية، وقبل أن أدرك ما حدث، حطّت الكبسولة على الأرض بأمان. تبدد كل هذا التوتر، وزالت سنوات وسنوات من القلق والخوف والجهد، ومن أن تلقي بكل ما لديك في البعثة، كل ذلك تبددت وانفجرت في البكاء. فقد كان ذلك مبعث راحة، راحة هائلة.

مقارنة بالكواكب والأقمار، قد تبدو الكويكبات مغبرة ومملة. فلمَ هناك الكثير من الاهتمام بها؟
تحمل الكويكبات ثروة هائلة من المعلومات، لأنها أقدم الصخور في المجموعة الشمسية Solar System حرفياً. وهي تمثل المادة الصلبة الأولى على الإطلاق التي نشأت منها جميع الكواكب الجميلة. لهذا نجدها في غاية الروعة. إنها الأشياء التي نمت معاً لتشكل الكواكب، والمتبقية منها يمكن القول إنهم الهائمون الناجون من فوضى المجموعة الشمسية المبكرة.

لدينا بضع بعثات لالتقاط عينات من كويكبات وإعادتها. فما موقع أوزيريس-ركس من القصة؟
حسناً، إلى حد كبير هي أكبر عينة من المواد الكويكبية التي تُعاد إلى الأرض على الإطلاق. لدينا ما يزيد على 120 غراماً، أي أكثر من ضعف ما أملنا به. لذلك هذا مهم جداً بالنسبة إلينا.

بدأت هذه القصة منذ عقدين من الزمن عندما كنا نحن المشتغلين في هذا المجال ندفع نحو إعداد بعثة لجلب عينة من كويكب غني بالكربون والعودة بها إلى الأرض، حتى نتمكن من استكشاف القضايا المتعلقة بأصل الحياة Origin-of-Life. لقد عرضنا الفكرة على وكالة ناسا NASA ووكالة الفضاء الأوروبية European Space Agency (اختصاراً: الوكالة إيساESA ) ووكالة استكشاف الفضاء اليابانية Japan Aerospace Exploration Agency (اختصاراً: الوكالة جاكسا JAXA). وفي النهاية، موّلت كل من وكالة ناسا وجاكسا بعض البعثات، فكان ذلك نصراً مضاعفاً. وصارت المهمتان اليابانيتان هما هايابوسا Hayabusa [التي زارت كويكباً يُدعى إيتوكاوا Itokawa] وهايابوسا 2 [التي أخذت عينات من الكويكب ريوغو Ryugu]، وصرنا فريقين متقاربين جداً.

كمجتمع، نحن سعداء لأننا حصلنا على هذه الفرص الثلاث. فعلى الرغم من تشابه العينات لكنها متمايزة. لذلك هناك أشياء مثيرة للاهتمام يمكن تعلمها من ذلك. لماذا يختلف ريوغو عن بينو؟ هل ينحدارن من عائلة الكويكبات نفسها؟ احتمال أن يكون الأمر كذلك احتمال كبير، وأنا نأخذ عينات من مناطق مختلفة من عالم أكبر بكثير.

في كتابك تصف بينو بأنه «أخطر صخرة في مجموعتنا الشمسية». لماذا؟
نصنف الكويكبات الخطرة بناءً على احتمال الاصطدام، واحتمال اصطدام بينو بالأرض هي الأكبر من بين جميع الأجرام المعروفة. تبلغ الاحتمالات 0.05%، وصحيح أنها نسبة منخفضة جداً لحدوث مثل هذه الأشياء، ولكنها ليست صفراً. يبلغ قطره 500 مترٍ، لذلك لن يكون حدثاً من المستوى المسبب للانقراض Extinction Level Event؛ بل سيكون كارثة إقليمية. ومع ذلك، سيكون أمراً جللاً.

ما الذي يعنيه احتمال الـ %0.05 حقاً؟
نحن نعرف مدار بينو جيداً ويمكننا تتبعه حتى عام 2135. وسنكون على ما يرام حتى ذلك الحين على الأقل. لكن عند تلك النقطة، سيكون موقع بينو بين الأرض والقمر. وهنا يظهر بعض عدم اليقين بسبب الاختلافات الصغيرة في توقيت ومكان هذا اللقاء مع الأرض. فقد حاولنا نمذجة ما سيحدث لبينو إذا وضعناه في العديد من الأماكن المختلفة عند تلك النقطة، ويشير هذا الاحتمال إلى فرص اصطدامه بالأرض بعد ذلك.

أتمنى أن أعيش حتى عام 2135، فآنذاك ستتجدد طفرة الاهتمام ببينو.

ما الذي علمتك إياه المواد التي جُلبت من بينو حتى الآن؟
عندما تنظر إلى المادة، يبدو معظمها داكناً كالفحم، ولكن هناك أيضاً بعض المواد البراقة حقاً، وهي الشيء الأكثر إثارة الذي حصلنا عليه بالنسبة لي. دعني أحاول الشرح.

أول ما قمنا به التحليل باستخدام تقنية تسمى حيود الأشعة السينية X-ray diffraction، وهي تعطيك قمماً على رسم بياني تتوافق مع فلز معروف. وتتكون عينة بينو في الغالب من طين يحمل الماء، وتحديداً فلزات تسمى السربنتين Serpentines. يوجد النوع نفسه من الصخور على الأرض، ويتشكل عندما تصطدم صخور الوشاح Mantle Rock بمياه المحيط. ثم وجدنا أيضاً أن لدينا فلز الفوسفات الغني بالمغنيسيوم، وهو ما يشكل تلك الأجزاء البراقة التي ذكرتها. هذا نادر جداً وهو أيضاً نوع غريب من الفوسفات لم أره من قبل، وهو شديد الندرة في الأنظمة الجيولوجية.

هل يمكن أن تخبرني المزيد عن سبب أهمية الأشياء البراقة؟
من ناحية ما يتعلق بمادة الفوسفات فهو أنها تبدو غريبة جداً، إذ تبدو كجلد رقيق يبدو وكأنه رُسِّب على المادة. وهذا حيرني حقاً، لذا وجهت نداءً إلى المجتمع وسألته: «هل رأى أحد هذا في البيئات الجيولوجية؟» سمعت من مجموعة أنها اكتشفت جزيئات فوسفات الصوديوم في أعمدة الماء المتدفقة من إنسيلادوس Enceladus (وهو من أقمار زحل) أثناء بعثة كاسيني Cassini mission.

ومن ثم، وبتجميع كل ما سبق، سنتوصل إلى أن عينات بينو هي عينات سربنتين رطبة وغنية بالمواد العضوية من المجموعة الشمسية المبكرة. وتتشكل معادن السربنتين على الأرض، على الأقل، عندما تُدفع صخور الوشاح إلى الأعلى في قاع البحر وتتفاعل مع الماء تفاعلاً يطلق الحرارة، وقد تحدث عملية مماثلة على الكويكب الأصلي لبينو. لذا، فمن الواضح أن لدينا مجموعة من الصخور التي كانت تتفاعل مع سائل مكربن. وتلك نتيجة مهمة في رأىي.

أود القول إن فرضيتي، التي كما تعلم ستكون فرضية مهمة إن تمكنت من إثباتها، تقول إن عينات بينو هي صخور من عالم محيطات قديم. وكان هناك فوسفات مخصَّبة Phosphate Enrichment في السائل، وفي المحصلة، تبخير وترسيب مادة الفوسفات تلك.

الفوسفات هي لبنة أساسية في البيولوجيا، أليس كذلك؟
هذا صحيح، تؤلف الفسفوليبيدات (الدهون الفوسفاتية) Phospholipids جدران خلايانا، كما أن الأدينوزين ثلاثي الفوسفات Adenosine Triphosphate هو جزيء الطاقة الأساسي لجميع أشكال الحياة على الأرض. تشكل جزيئات الفوسفات أيضاً العمود الفقري للحمض النووي الريبوزي (DNA) والحمض النووي الريبي (RNA)، ومن ثم فهي ضرورية جداً لمادتنا الوراثية.

هل وجدت أي شيء آخر مثير للاهتمام؟
يمكننا أيضاً رؤية تلك الأشياء التي أسميها الكريات النانوية Nano-globules في كل مكان. وهي كرات ذات جدران من الكربون والنتروجين، فارغةٌ أحياناً وتحتوي أحياناً أخرى على أطوارPhases أخرى من فلز أو صخور بداخلها، وهي موجودة بكثرة، ونراها في بكثرة في هذه المواد. فهذه الكريات مثيرة من منظور أصل الحياة، ويمكن أن تكون كخلية أولية Protocell.

يُفترض أنك لا تقترح أنها حية، ولكن برأيك ما أهمية هذه الكريات النانوية؟
بدأنا في كشف ذلك. أعتقد أنها تشبه كرات مصنوعة من مواد خافضة للتوتر السطحي Surfactants تسمى المذيلات (جسيم شحمي) Micelles، لذا يُحتمل أنها كانت معلقة في سائل سابقاً. إنها كقطرات الزيت المعلقة في الماء، وأيامها الأولى وأصل الحياة هو مجال كبير للبحث في هذه العينات. فلعلها تفصح لنا عن أمر مهم، على الأقل عن التقسيم Compartmentalisation. إذا تمكنت من فصل الأنظمة الكيميائية عن بعضها في حجيرات، فستكون تلك الخطوة الأولى نحو الخلية، وربما بدأ التمثيل الغذائي Metabolism من هنا.

يحلم بعض الناس بإرسال بعثة إلى قاع المحيط على إنسيلادوس. ولكن يبدو أنك تقول إن هذا النوع من العينات أصبح في أيدينا فعلاً.
هذه فرضيتي التي لم أثبت صحتها بعد. وأنا أحب فكرة الذهاب إلى محيط إنسيلادوس أو يوروباEuropa (أحد أقمار كوكب المشتري). وأعتقد أنه ينبغي القيام بذلك، فسوف تتعلم الكثير. لكنني أعتقد على أقل تقدير، أن لدينا عينة غير حيوية Abiotic من نظام قلوي حراري مائي Alkaline hydrothermal system قديم، ما يعني أنه يمكننا استكشاف الفرضية القائلة إن التطور الجزيئي العضوي المهم ربما حدث في تلك البيئات على الأرض المبكرة.

النقطة المهمة هي أنه عندما ننظر إلى المواقع التي نعتقد أنه من الممكن أن تكون الحياة قد نشأت فيها على الأرض المبكرة، مثل الفوهات الحرارية المائية Hydrothermal Vents في منطقة حيود منتصف المحيط Mid-ocean Ridge كالمدخنات البيضاء White smokers مثلاً، ألن تجد الكائيات الحية في كل ركن منها؟ فهناك الديدان والسرطانات والقواقع البحرية. لذلك لا يمكنك معرفة أي الجزيئات هي اللبنات الأساسية للحياة وأيها صنّعتها الكائنات الحية. أما مع عينات بينو، فليس لدينا هذه المشكلة.

ماذا عن الأحماض الأمينية Amino Acids، اللبنات الأساسية للبروتينات، هل وجدتم أياً منها؟
هذا مثير للاهتمام. لقد وجدنا بعضاً منها وكانت النتائج رائعة، لكنها قيد المراجعة للنشر، لذا سأتركك في حالة تشويق في الوقت الحالي.

لم تنته بعثة أوزيريس-ركس بالكامل بعد، أليس كذلك؟ أخبرني عن الخطوة التالية للمركبة الفضائية.
قبل بضع سنوات، قدِم إليَّ أحد مصممي البعثة وقال: يمكنني أن أوصلك إلى أبوفيس Apophis، وهو كويكب مشهور في مجتمعنا. فعادةً، عندما تتحدث عن بعثة طويلة، ما يمكن للمركبة الفضائية أن تفعله حينها هو التحليق (المرور بالأجسام) فقط. لكنه قال، أستطيع أن أوصلك إلى مدار حول أبوفيس. كنت مذهولاً ومتحمساً جداً. وستصل المركبة في عام 2029 وتلتقي بهذا الكويكب. إنه كويكب من النوع S (الصخري – Stony)، وهو النوع الثاني الأكثر شيوعاً، وسنكون قادرين على إجراء دراسة مقارنة رائعة بين بينو وأبوفيس باستخدام الحمولة نفسها من الأدوات تماماً.

لقاءات مع الكويكبات
ملخص لبعثاتنا لدراسة الكويكبات، في الماضي والحاضر والمستقبل.
هايابوسا (HAYABUSA)
جاكسا JAXA
أُطلقت عام 2003
هي أولى المحاولات للذهاب إلى كويكب والعودة إلى الأرض لاحقا. نجحت المهمة في إحضار أقل من ملليغرام من المواد من الكويكب إيتوكاوا Itokawa في عام 2010.

هايابوسا 2 (Hayabusa 2)
جاكسا
أُطلقت عام 2014
عادت في عام 2020 مع 5.4 غرام من المواد من ريوغو. 

أوزيريس-ركس OSIRIS-REx
ناسا
أُطلقت عام 2016
عادت في سبتمبر 2023 وبحوزتها نحو 120 غراماً من المواد من الكويكب بينو.

سايكي PSYCHE
أُطلقت عام 2023
في طريقها نحو سايكي Psyche الذي يُعتقد أنه كويكب معدني. ومن المفترض أن تصله في عام 2029، لكنها لن تعود بالعينات إلى الأرض.

بعثة استكشاف أقمار المريخ MARTIAN MOONS EXPLORATION (اختصاراً MMX)
جاكسا
الموعد المقرر للإطلاق 2026
ستسافر MMX إلى قمري الكوكب الأحمر، فوبوس Phobos وديموس Deimos، وتجمع عينة من القمر الأول لتعود إلى الأرض.

مستكشف إم بي آر MBR EXPLORER
وكالة الإمارات للفضاء UNITED ARAB EMIRATES SPACE AGENCY
من المقرر إطلاقها عام 2028
تخطط هذه البعثة التي هي قيد التطوير حالياً لزيارة سبعة كويكبات في الحزام الواقع بين المريخ والمشتري، إضافة إلى إنزال مركبة هبوط على جوستيتيا Justitia، وهو كويكب قطرة 50 كيلومتراً يقع في حزام الكويكبات.

© 2024, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى