هل تشعر بفتور الهمة في حياتك؟ إليك كيفية العثور على هدفك مرة أخرى
إن كنت تشعر بأن حياتك بلا هدف وبلا سعادة، قد تكون في مرحلة فتور، وذلك بحسب ما يقول عالم النفس كوري كيز - الذي يكشف كيف تختلف حياتك عن الاكتئاب وما يمكنك القيام به لتزدهر بدلاً من ذلك
بقلم غريس وايد
مثل العديد من الناس، تأثرت صحتي العقلية بشكل كبير خلال جائحة كوفيد-19. شعرت بالوحدة والضياع، غير متأكدة من اتجاه حياتي. صارت المهام العادية مثل ترتيب سريري مرهقة، ولم أكن مهتمة بالأنشطة التي جلبت لي الفرح ذات مرة. لم أكن حزينة، لكنني لم أكن سعيدة أيضاً. كنت فقط… موجودة.
في الواقع، ربما كنت فاترة الهمة Languishing، كما يقول كوري كيز Corey Keyes، عالم النفس في جامعة إيموري Emory University في جورجيا ومستشار تقرير السعادة العالمي World Happiness Report. كرس كيز حياته المهنية لفهم هذه الحالة الذهنية الخاصة، والأهم من ذلك، كيفية تجنبها.
في كتابه الجديد، Languishing: How to feel alive again in a world that wears us down (فتور الهمة: كيف تشعر بالحياة مرة أخرى في عالم يبعث على الإرهاق)، يجادل كيز في أنه في حين أن المرض العقلي يمثل مشكلة، فإن غياب الصحة العقلية يمثل مشكلة أيضاً. تحدث كيز مع نيو ساينتست حول طبيعة فتور الهمة، ولماذا يعتبر مصدر قلق، وكيف يمكننا جميعاً العمل نحو الازدهار Flourishing بدلاً من ذلك.
لا يعني الفتور بالضرورة المشاعر السلبية مثل الحزن أو الخوف. فالناس الذين يعانون يكادون لا يشعرون بشيء. يعبرون عنها بالقول إنهم مخدرون أو موتى من الداخل
غريس وايد: ما فتور الهمة؟
كوري كيز: فتور الهمة هو غياب الصحة (الرفاه) Well-being. ويحصل عندما يشعر الناس بأنه ليس لديهم شيء إيجابي يحدث في حياتهم. لا معنى. لا قيمة. لا علاقات دافئة وموثوقة. لا سعادة ولا فرح. ومع ذلك، لا يعني ذلك بالضرورة المشاعر السلبية مثل الحزن أو الخوف. فالناس الذين يعانون يكادون لا يشعرون بشيء. يعبرون عنها بالقول إنهم مخدرون أو موتى من الداخل. عادة ما أشير إلى فتور الهمة بأنه الطفل الأوسط المهمل للصحة العقلية، لأنه يقع بين المرض العقلي والصحة العقلية.
كيف يختلف فتور الهمة عن الاكتئاب؟
يتشابه الاكتئاب Depression وفتور الهمة في عَرَض واحد فقط، وهو فقدان الاهتمام بالحياة. أما العلامات الأخرى للاكتئاب؛ فتتمثل بالحزن أو ضعف الأداء بشكل يومي: كأن ينام المرء كثيراً أو قليلاً جداً، وأن يأكل كثيراً أو قليلاً جداً، وأن تكون لديه أفكار انتحارية. يعرف الاكتئاب من خلال الأعراض السلبية، في حين يتميز فتور الهمة بغياب الأعراض الإيجابية.
قد ينطبق وصف بعض الناس للاكتئاب مع فتور الهمة لأنه من الممكن أن تكون مكتئباً وفاتر الهمة في الوقت نفسه. هذا لا يعني أنهما الشيء ذاته.
كيف يمكن لشخص ما أن يكون فاتر الهمة ومكتئباً في الوقت نفسه؟
أظهر بحثي أن الصحة (الرفاه) العقلية Mental wellness موجودة بالفعل على بعدين: المرض العقلي Mental illness والصحة العقلية Mental health. لا يمكن أن يعاني الناس مرضا عقليا وضعف الصحة العقلية – وبعبارة أخرى، فإنهم يعانون فتور الهمة ولكن ليست لديهم مشكلة في الصحية العقلية. أو يمكن أن يكون لديهم مرض عقلي وصحة عقلية عالية. مثلا، لا يزال بإمكان الشخص المصاب بالاضطراب ثنائي القطب Bipolar disorder أن يشعر بالسعادة والاهتمام بالحياة ولديه علاقات دافئة وأصدقاء يثق بهم. كما قد يعاني المرءُ ضعفَ الصحة العقلية ومرض عقلي في وقت واحد.
هل من الممكن أن يعزو الناس فتور الهمة إلى الاكتئاب لأنهم لا يعرفون كيف يصفون شعورهم؟
بالتأكيد. غالباً ما يسعى الأشخاص الذين يستوفون معايير فتور الهمة إلى الحصول على علاجات الصحة العقلية التقليدية. في اعتقادي أن العديد من الأشخاص الذين يعانون فتور الهمة يُدرَجون في الفئة الخاطئة ببساطة بسبب اعتقاد أنهم مصابون بالاكتئاب. أو يُقلَّل من شأن حالتهم وإخبارهم أنهم بخير، على الرغم من أنهم يشعرون بوجود مشكلة ما.
نميل إلى الاعتقاد أن الازدهار هو عكس الاكتئاب، لكن الأدلة تشير إلى أن هذا ليس صحيحاً. لا يعني علاج الاكتئاب أن الشخص سيستعيد صحته العقلية الكاملة. بل إنهم قد يستمرون بفتور الهمة، مما يزيد من خطر عودتهم إلى المرض العقلي.
هل توجد طريقة لتقييم ما إذا كنت فاتر الهمة؟
منذ نحو 25 عاماً، طورت استبياناً مكوناً من 14 بنداً يقيم الرفاهية العقلية، أو ما أسميه الازدهار. يطرح أسئلة عبر ثلاثة مجالات: الرفاهية العاطفية والنفسية والاجتماعية. ويشتمل على أشياء من مثل، كم مرة تشعر بالرضا في الحياة؟ هل تشعر بأنك تنتمي إلى مجتمع ما؟ هل لحياتك معنى أو هدف؟
يعتبر الأشخاص الذين حصلوا على درجات منخفضة في نصف الأسئلة على الأقل فاتري الهمة. وقد تأكدت صحةُ هذه النتائج في مجموعات مختلفة من الناس في جميع أنحاء العالم من الولايات المتحدة وأوروبا إلى جنوب إفريقيا وآسيا. فهناك الآن مجموعة قوية من الأدلة التي تظهر أن هذا المقياس يختلف عن الاكتئاب.
أليس من الطبيعي أن يشعر المرء بهذه المشاعر في بعض الأحيان؟
أنا مستعد للنقد الحتمي الذي يقول إنني أدعو جزءاً طبيعياً من الحياة حالة مرضية. نعم، الفتور أمر طبيعي. وكذلك الحزن والخوف. لكن كون الأمر طبيعياً لا يعني أنه يجب عليك البقاء والانغماس فيه. عندما تشعر بالحزن لفترة طويلة، تبدأ بالدخول في مرحلة المرض العقلي. والأمر ذاته ينطبق على فتور الهمة. تشير الدراسات إلى أن نحو 40% من المراهقين في الولايات المتحدة يعانون فتور الهمة، ومن ثمَّ يمكن اعتباره طبيعياً إلى حد ما. ولكن عندما يفتر الأطفال لفترة طويلة، يكون الأمر خطيراً. ويبدؤون بالانخراط في سلوكيات محفوفة بالمخاطر، مثل تجربة المخدرات، ويصيرون أكثر عرضة لترك المدرسة.
فكِّر في الأمر على أنه تيار راكد. إذا توقف الماء عن التدفق لفترة طويلة جداً، تبدأ الأوساخ والطحالب بالتكون. يشعر الأشخاص الذين يعانون فتور الهمة بالركود أيضاً. وذلك لأنهم لا يتقدمون، ومن المفترض للبشر أن يتقدموا.
ماذا يحدث إذا شعر الناس بفتور الهمة لفترة طويلة؟
يمكن المشابهة ما بين الفتور وضعف الصحة العقلية؛ مثلما يمكن للعادات البدنية غير الصحية من مثل عدم ممارسة الرياضة بما فيه الكفاية أو تناول الكثير من الوجبات السريعة أن تؤدي إلى المرض.
الأشخاص فاترو الهمة أقل إنتاجية في العمل. أظهرت الأبحاث أن فتور الهمة قد يجعلنا عرضة للإصابة بالاكتئاب واضطراب الكرب التالي للصدمة والأفكار الانتحارية. كما قد يزيد من خطر الوفاة المبكرة. بالإضافة إلى ذلك، يزيد فتور الهمة من تفاقم المرض العقلي. فالأشخاص الذين يعانون الاكتئاب والفتور الشديد هم الأكثر عرضة لمحاولة الانتحار، على سبيل المثال.
ما الذي يمكن أن يفعله الناس لمساعدة أنفسهم على الازدهار؟
تظهر الأبحاث أن هناك خمسة أنشطة تساعد الناس على الشعور بمزيد من الفرح والامتنان والأمل وغيرها من المشاعر الإيجابية. أسميها الفيتامينات الخمسة. وهي: مساعدة الآخرين، وتعلم شيء جديد، واللعب، والانخراط في الممارسات الروحية أو الدينية، والتواصل الاجتماعي. لن يقتصر أثر مشاركتك في هذه الأنشطة على تحسين يومك فحسب، بل ستخرج رويداً رويداً من فتور الهمة وتقترب من الازدهار.
هل يمكنك إعطاء بعض الأمثلة على الأنشطة التي تساعد على التغلب على فتور الهمة؟
عندما يتعلق الأمر بمساعدة الآخرين، فإن مجرد شراء القهوة لشخص ما أو مساعدة جارك على حمل البقالة إلى الداخل لن يكون كافياً. هذا أمر لطيف، لكن يتعين عليك القيام بالتزام أكبر قليلاً. فالهدف النهائي هو العثور على هدفك في الحياة. الفكرة هي أن تترك العالم مكاناً أفضل بطريقتك الفريدة. إن وجود هدف هو أمر وقائي جداً – فهو يحميك في مواجهة صعوبات الحياة أو عندما يجب عليك تقديم التضحيات.
بعض الناس محظوظون بما يكفي لمعايشة هذا من خلال حياتهم المهنية. لكن هذا أمر نادر الحدوث – فقط نحو ثلث الناس يجدون هدفاً في عملهم. وأغلب الناس يجدون هدفهم في مكان آخر. وأقترح أن تكون البداية صغيرة. أبق بحثك عن هدفك في محيطك. في كثير من الأحيان، يكفي التطوع ليوم واحد في الأسبوع لبضع ساعات. أو ربما حاول تدريب فريق رياضي محلي للشباب أو تدريس الطلبة.
ماذا أيضا؟
«الفيتامين» الثاني هو تعلم شيء جديد. لا يتعلق الأمر ببناء مهارة ذات قيمة اقتصادية أو عملية فورية. بل ببناء مهارة للنمو والتحسين، والتي تشعر الإنسان بالرضا. وقد يكون هذا على شكل تعلم آلة موسيقية، أو تعلم الرسم أو البدء في الاعتناء بالحديقة.
بالنسبة إلى اللعب، أعني بشكل أساسي ممارسة الألعاب. تخلق اللعبة الجيدة إحساساً بالإنجاز وتساعد الناس على رؤية أنفسهم كمصدر للسبب والنتيجة، وتساعدهم على إدراك أن ما يفعلونه مهم لأن ما يفعلونه له عواقب. لكنه لا يتعين أن تكون اللعبة لعبة بالمعنى التقليدي. فقد يلعب الكتاب والفنانون بالأفكار. كما يمكنك أيضاً القيام بمهام عادية كل يوم وتحويلها إلى لعبة. بالنسبة لي، اللعب هو إنشاء خطوط أو أعمال فنية في العشب عندما أقص عشب حديقتي.
ما أنواع الأنشطة التي تساعد في «الفيتامينين» الأخيرين؟
الانخراط في الممارسات الروحية أو الدينية مهم لأننا بحاجة إلى شيء أو شخص ما خارجنا للمساعدة على تشجيعنا، خاصة عندما نشعر بالضعف، لنكون أقوى ونفعل الشيء الصحيح. ما الذي يرشدك نحو أن تكون شخصاً أفضل؟ كذلك أقترح اللجوء إلى الفلسفة – شيء يسمح لك بممارسة طرق التفكير والتصرف في عالم تحتاج فيه إلى فهم ما يمكنك وما لا يمكنك التحكم فيه.
الفيتامين الأخير يتعلق بالتواصل الاجتماعي. فقد فهمنا أخيراً أن الوحدة يمكن أن تكون ضارة. اتضح أن هناك ثلاثة أمور ضرورية لحدوث الفتور، وكل منها مرتبط بالوحدة. الأول هو غياب العلاقات الدافئة الموثوقة. والثاني هو عدم الانتماء إلى مجتمع والثالث هو عدم المساهمة في المجتمع. طريقة التعامل مع ذلك ليست بتكوين المزيد من العلاقات، ولكن بتحسين جودتها. يجب أن تجد مجتمعك أو منزلك بعيداً عن المنزل. ثم يجب عليك تطوير العلاقات حيث توجد الثقة والضعف والمعاملة بالمثل والمودة.
كم من الوقت تستغرق هذه الأنشطة لتخفيف الفتور؟
لا يوجد بحث حول جدول زمني محدد. نظرت الدراسات الطولية Longitudinal studies في التأثيرات على مدى بضعة أشهر ولا يستغرق الأمر وقتاً طويلاً لرؤية بعض الفوائد. تدور الأنشطة حول تحسين يومك، ولا يتعين عليك القيام بكل الأنشطة الخمسة كل يوم. عادة، يحتاج الناس فقط إلى اختيار واحد في اليوم وسيشعرون بتحسن مقارنة بعدم فعل أي من الأنشطة.
الطريقة الوحيدة للبقاء مزدهراً هي أن تظل ملتزماً بهذه العادات. إذا توقفت، فستبدأ بالانزلاق مرة أخرى نحو الفتور. لذلك، اجعلها جزءاً من روتينك اليومي أو الأسبوعي.
هل الازدهار هو نفسه النجاح؟
لا، على الأقل ليس بالطريقة التي يميل بها المجتمع إلى تعريف النجاح؛ كمهنة مثيرة للإعجاب، أو الدرجات الجيدة، أو الثروة. يمكن أن يكون النجاح بهذا المعنى مدمراً في الواقع.
على سبيل المثال، وجدت دراسة لطلبة الجامعات الأمريكية أن أولئك الذين هم من أصل آسيوي أكثر عرضة للفتور من أولئك الذين ينتمون إلى مجموعات عرقية أو إثنية أخرى. فهذا على الرغم من حقيقة أن الأمريكيين الآسيويين لديهم أعلى متوسط دخل للأسرة ويميلون إلى الحصول على وظائف ذات مكانة أعلى. ولكنني أعتقد أن هذا جزء من المشكلة. إن التصميم والضغط من أجل النجاح قويان لدرجة أنني أظن أنهما يتطلبان التضحية بالعديد من الأشياء، بما في ذلك الرفاه النفسي.
هذا هو السبب في أهمية النية عند ممارسة الفيتامينات الخمسة. لا تمارسها لأنك تريد أن تتحسن فيها أكثر من الآخرين. حدد نيتك الداخلية، في التعرف على نفسك وأن تكون شخصاً أفضل.
© 2024, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC