أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
ملف خاص

لماذا يمكن أن يكون الجري البطيء أكثر فائدة من الجري السريع

تزداد في الآونة الأخيرة شهرة حراك الركض البطيء، والذي يلتقي فيه الناس للركض المتأني، ولكن لا تنخدع بالتفكير في أن المكاسب لا تأتي إلا بعد الألم

بقلم كريس سيمز

بالنسبة إلى العديد من العدائين، فإن الركض السريع هو هدفهم الأساسي لا غير. ولكن، في الآونة الأخيرة، يزدهر النهج المعاكس شيئًا فشيئًا؛ والذي يتمثل بحراك الركض البطيء Slow-running movement؛ حيث يلتقي الناس في رحلات اجتماعية غير مستعجلة. قد يكون هذا ممتعًا، ولكن من المعروف أن المكاسب لا تأتي إلا بعد الألم، صحيح؟

تشير العديد من الأبحاث إلى أن الأمر ليس بهذه البساطة. في الواقع، يمكن أن يؤدي السير بوتيرة أكثر راحة إلى تحقيق مجموعة من الفوائد الصحية، من وظيفة القلب، إلى الصحة العقلية، مع تحاشي الجوانب السلبية، لدفع جسمك إلى أقصى حد. قد يساعدك حتى على العيش لفترة أطول، ومن المفارقات أنه يؤدي إلى تحسّن مستواك الرياضي.

يتعلق الجري البطيء بالمشي بوتيرة بطيئة ترفع معدل ضربات قلبك، ولكنها تتركك قادرًا على الدردشة

لا يتعلق الجري البطيء بالسير بسرعة محددة، بل يتعلق بالمشي بوتيرة بطيئة بالنسبة إليك، والتي تتمثل في المشي بسرعة ترفع معدل ضربات قلبك، ولكنها تتركك قادرًا على الدردشة. وإن أردنا الدقة، سيكون معدل ضربات قلبك من 60 إلى 70% من معدل ضربات قلبك الأقصى، بحسب ما تقول ريبيكا روبنسون Rebecca Robinson، العداءة المتحمسة والاستشارية الخصوصية في الرياضة والطب الرياضي.

من المفترض أن يكون هذا المستوى من الجهد – المعروف أيضًا بتدريب المنطقة 2 ( Zone 2 training) – سهلًا إلى حد ما، فهل يعتبر حقًا تمرينًا؟

«نعم»، هكذا يجيب ستيف هاك Steve Haake، من جامعة شيفيلد هالام Sheffield Hallam University في المملكة المتحدة. يقول إن إنفاق الطاقة يزداد خطيًا مع سرعة الجري، ومن ثمَّ فإن إجمالي الطاقة التي تستخدمها لتغطية مسافة ثابتة هو نفسه عمومًا، بغض النظر عن مدى سرعة حركتك. ويقول: «مع الركض البطيء، يستغرق الأمر وقتًا أطول».

هذا هو السبب في أنه يمكنك الحصول على العديد من الفوائد نفسها من المشي مقارنة بالركض، إذا كان لديك الوقت، ومن تلك الفوائد معدل أبطأ من الشيخوخة البيولوجية وتعزيز الصحة العقلية. الإنفاق التراكمي للطاقة هو ما يهم للعديد من الآثار الفيسيولوجية للتمرين، وليس شدة الجهد.

حرق الدهون
لكن الوتيرة غير المستعجلة للجري البطيء تعني أنه يمكن أن يوفر أشياء لا توفرها التمارين عالية الشدة. تؤثر السرعة التي تركض بها في ما يستخدمه جسمك كوقود. إذا كنت تتحرك ببطء، فإن جسمك يمكنه استخدام الاستقلاب الهوائي Aerobic metabolism، والذي يعتمد على إمدادات جيدة من الأكسجين من رئتيك. فهذا يعني أنك تقوم بتحطيم الدهون المخزَّنة لتزويد معظم طاقتك. يقول هاك: «إذا كنت أرغب في حرق الدهون، فإن الركض أبطأ هو الأفضل». عندما تستهلك طاقة عالية، عندما تلهث للتنفس، يتحول الجسم إلى استخدام العمليات اللاهوائية، ويكسر الكربوهيدرات والبروتين بشكل أساسي.

من خلال استقلاب الدهون بشكل أفضل، يمكن أن يساعدنا تدريب المنطقة 2 في إدارة الوزن ومستويات الأنسولين، كما تقول روبنسون. وتقول إن الركض البطيء يمكن أن يساعد أيضًا نظام القلب والأوعية الدموية لدينا على العمل بكفاءة أكبر، من خلال تشجيع عضلة القلب على التطور، وزيادة كمية الدم التي يمكن أن تضخها، وتقليل معدل ضربات القلب أثناء الراحة وخفض ضغط الدم والإجهاد القلبي.

في الواقع، تظهر بعض الدراسات أنه قد يكون أكثر فائدة لنظام القلب والأوعية الدموية إذا كنت تمارس الرياضة بشكل معتدل، بدلًا من دفع نفسك إلى أقصى حد. فعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أجريت عام 2022 حول الصحة طويلة الأمد، على أكثر من 116 ألف بالغ أمريكي، أن فوائد النشاط البدني القوي لصحة القلب والأوعية الدموية تتلاشى عند مستويات النشاط العالية، على عكس النشاط معتدل الشدة، على الرغم من أن الفوائد الصحية أو غيرها من الفوائد للتمارين عالية الشدة لا يزال حولها خلاف كبير.

وبالمثل، وجدت دراسة أجريت عام 2020، على 138 عداء ماراثون لأول مرة، أن التدريب على السباق وإكماله، حتى بوتيرة بطيئة، يعادل انخفاضًا لمدة أربع سنوات في العمر البيولوجي لنظام القلب والأوعية الدموية، مع وجود ارتباط بين بطء الركض وانخفاض نسبة تصلب الأورطي (الأبهر) Aorta المرتبط بالعمر، وهو الشريان الكبير الذي يحمل الدم من القلب.

هناك تعزيزات ذهنية Mental boosts تنتج عن الركض البطيء أيضًا. وبحسب روبنسون، فإنه في حين أن التدريب عالي الشدة يشتهر بـ«ضجة» إطلاق الإندورفين، إلا أن التمرين البطيء في الخارج يوفر نوعًا خاصًا من الضجة. تقول: «يمكننا أن نكون أكثر وعيًا بمشاعرنا وبالطبيعة من حولنا إذا اخترنا ممارسة الرياضة ببطء في الهواء الطلق. ونظرًا لأنه يمكننا ممارسة الرياضة بوتيرة تسمح لنا بإجراء محادثة، فقد يكون هذا وقتًا مهمًا للتواصل مع الأصدقاء الذين نعمل معهم – مما يساعد على صحتنا العقلية».

تدريب المنطقة 2
ولكن كيف يمكن أن يتناسب الركض البطيء مع حياة شخص هدفه تسجيل أوقات سريعة؟ في الواقع، يتم الاعتماد على هذه الممارسة من قبل نخبة الرياضيين. يقضي العديد من عدائي المسافات الطويلة نحو 80% من تدريبهم في المنطقة 2، بدلًا من التدريب بوتيرة أسرع.

تقول روبنسون: «بصفتي عداءة، أحب أن أبذل جهودًا شاقة وعالية الشدة، لكنني أعلم أن الركض البطيء جزء مهم من برنامجي. للركض البطيء فوائد فسيولوجية محددة للتدريب، ويتيح أيضًا التعافي بين التدريبات الصعبة؛ فمحاولة الجري بجد كل يوم تزيد في النهاية من قدرة الجسم على التكيف والتعافي».

البرنامج التدريبي المتنوع المكوَّن من تدريبات منخفضة وعالية الشدة؛ وأيام راحة يسمح للعدائين بالتكيف؛ حتى يصير في إمكانهم تحمل القوى العالية التي تبذلها عضلاتهم ومفاصلهم وأوتارهم، والتي تسمح للقوة والسرعة بالتطور، بحسب ما تقول روبنسون. بمعنى آخر، يمكن أن يمنحك الركض البطيء قاعدة لياقة بدنية مناسبة، وحالة جسم مناسبة؛ للسماح لك برفع المستوى، إذا كنت ترغب في ذلك.

خلاصة القول هي: إن البطء يمكن أن يساعدك على التحرك بسرعة، وقد يساعدك على العيش لفترة أطول أيضًا.

© 2024, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى