الحمض النووي القديم يروي قصة طفل صغير عاش في إيطاليا قبل 17 ألف عام
كشفت دراسة أجريت على جينوم صبي صغير عاش في نهاية العصر الجليدي الأخير، ولديه بشرة داكنة، وعينان زرقاوان، وعيبٌ قلبي خِلْقي
بقلم كريستا ليستي – لاسير
كشف تحليل الحمض النووي القديم Ancient DNA analysis عن صورة مُفصَّلة لحياة طفل صغير تُوفي جنوبي إيطاليا، قبل 17 ألف عام، ربما بسبب حالة قلبية خِلْقية Congenital heart condition.
في العام 1998، اكتشف الباحثون بقايا هيكل عظمي لطفل وُضعت بعناية تحت ألواح صخرية في أرضية كهف غروتا ديلا مورا Grotta delle Mura في بوليا Apulia، جنوبي إيطاليا. كان هذا هو الدَّفْنَ الوحيد في الكهف، والذي تضمن أيضًا علامات على الحياة اليومية وسكنى البشر، كما تقول أليساندرا مودي Alessandra Modi، من جامعة فلورنسا University of Florence بإيطاليا.
أخيرًا، تعاونت مودي مع فرق متخصصة متعددة من معظم أنحاء إيطاليا وألمانيا؛ لتنفيذ تقنيات تحليلية حديثة على بقايا الصبي الصغير الذي تُوفي عندما كان يبلغ من العمر نحو 16 شهرًا ونصف الشهر، وكان طوله – آنذاك – نحو 82 سم.
وضع تأريخ الكربون المشع الهيكل العظمي بين 17320 و16910 أعوام، عندما بدأ مناخ الأرض في الاحترار، بعد أبرد جزء من العصر الجليدي Glacial period الأخير.
العظام كانت محفوظة في كهف بارد؛ مما سمح للباحثين باستعادة نحو 75 % من جينوم الطفل
تقول مودي إن أغلب الهياكل العظمية القديمة – في المناطق ذات المناخ الدافئ، مثل جنوب إيطاليا – أصبحت متدهورة جدًّا، بحيث لا يمكن إجراء تحليل ذي مغزى للحمض النووي عليها؛ لكن عظام الطفل كانت محفوظة بشكل جيد، في الظروف الباردة للكهف؛ مما سمح للباحثين باستعادة نحو 75% من جينوم الطفل، وهو «إنجاز رائع لبقايا قديمة من هذا العصر»، كما تقول.
وتقول مودي: «لقد مكَّنَنا هذا من التوصل إلى استنتاجات متينة عن أصل الرضيع وخصائصه الجسدية، وحتى بعض الجوانب الصحية».
كانت بشرة الطفل أغمق من بشرة معظم الأوروبيين المعاصرين، ولكنها لم تكن داكنة مثل بشرة الأشخاص من المناخات الاستوائية، كما تقول. كانت عيناه زرقاوين، بما يتماشى مع الاكتشافات الحديثة الأخرى بشأن لون العين الفاتح لدى الصيادين وجامعي الثمار Hunter-gatherers في أوروبا الغربية. وتقول مودي: «هذا يتحدى الافتراضات الحديثة بشأن ظهور السكان القدامى».
أظهر الجينوم – أيضًا – أن الطفل كان يعاني اعتلال عضلة القلب الضُخامي العائلي Hypertrophic cardiomyopathy، وهو حالة وراثية تُسبِّب سماكة عضلة القلب، ويمكن أن تؤدي إلى قصور القلب الاحتقاني والوفاة، حتى في الشباب. كان والداه قريبين؛ ربما كان ابْنَي عمومة من الدرجة الأولى.
مثل معظم الصيادين وجامعي الثمار القدامى، حمل الطفل جينات عدم تحمل اللاكتوز Lactose intolerance التي بدأت تصبح أقل شيوعًا مع ظهور الزراعة، وتدجين الحيوانات في شمال أوروبا، كما تقول مودي.
أما أسنان الطفل؛ فقد أظهرت القواطع والأضراس المختارة للتحليل خطوطًا تعكس المشكلات الصحية قبل الولادة وبعدها، كما يقول عضو الفريق أوين ألكسندر هيغينز Owen Alexander Higgins، من جامعة بولونيا University of Bologna بإيطاليا. ربما كان ذلك بسبب حالة قلب الطفل، ولكن من المحتمل أيضًا أن الأم واجهت صعوبة في الحصول على تغذية جيدة في أثناء الحمل. إضافة إلى ذلك، يشير كسر في عظم الترقوة – لدى الطفل – إلى أنه ربما مرّ بولادة صعبة.
تشير النظائر Isotopes الموجودة في أسنان الطفل إلى أن والدته – على عكس العديد من الصيادين وجامعي الثمار – بقيت في منطقة واحدة في أثناء الحمل، كما يقول هيغينز. قد يعكس هذا أسلوب حياة مجموعتها.
«نتصور أن الأم عاشت في مجتمع متماسك، ربما كانت حياتها تتضمن جمع الطعام، والمشاركة في أنشطة يومية أخرى، مع البقاء متجذرة في البيئة المحلية»، كما يقول هيغينز.
لا عجب في ذلك، كما تقول سيان هالكرو Siân Halcrow، من جامعة أوتاغو University of Otago بنيوزيلندا: «غالبًا ما يتم تحديد تنقل المجموعات البشرية بفعل توافر الأطعمة، ولا يوجد سبب للاقتراح بأن المنطقة لم تكن قادرة على دعم المجموعة البشرية هذه على مدار العام»، كما تقول.
على نطاق أوسع، يكشف جينوم الطفل عن سمات وراثية من مجموعات مختلفة من الصيادين وجامعي الثمار، من أجزاء أخرى من أوروبا؛ مما يشير إلى تحركات جماعية بدأت في وقت أبكر مما كان يُعتقد سابقًا، كما تقول فانيسا فيلالبا موكو Vanessa Villalba-Mouco من معهد ماكس بلانك للأنثروبولوجيا التطورية Max Planck Institute for Evolutionary Anthropology في ألمانيا، والتي لم تشارك في البحث.
تقول: «يظهر طفل مورا بالفعل الأصولَ الجينية التي انتشرت على نطاق واسع في إيطاليا منذ نحو 14 ألف عام… ومع ذلك، فإن هذا يرجع إلى تاريخ وجود هذه السلالة إلى نحو 17 ألف سنة مضت، وهو ما يتوافق تقريبًا مع نهاية العصر الجليدي».
وتقول: «نحن نتعلم المزيد والمزيد عن سكان العصر الجليدي، وهذه الدراسة تضيف قطعة قيِّمة إلى اللغز».
© 2025, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.