الشكل الجديد للتلفزيون
الشكل الجديد للتلفزيون
تقانة تلفزيونية واعدة
أخيرا، بدأت شاشة العرض الپلازمية تحقق تطلعات الصناعة منذ عقود، وهي
التوصل إلى شاشة كبيرة ذات سطوع جيد، ومسطحة كلوحة فنية. إلا أن تحقيق ذلك
يتطلب من المهندسين إيجاد السبل الكفيلة بتخفيض سعر هذه الشاشة إلى أقل من السعر الحالي
والبالغ 000 11 دولار.
<.A. سوبل>
قد يكون جهاز التلفزيون من أنجح الأجهزة الإلكترونية التي أُنْتجت حتى الآن. وبشكل أساسي، لا يخلو بيت في البلدان النامية من تلفزيون واحد على الأقل، وفي كثير من الدول أصبحت أجهزة التلفزيون أكثر بكثير من أجهزة الهاتف.
يمكن تكبير أجهزة العرض الپلازمية، الرقيقة والخفيفة الوزن، لإظهار قدر كاف من التفاصيل التي يوفرها التلفزيون العالي الوضوح، فتجذب المشاهد كما تفعل السينما ذات الشاشة الكبيرة. |
وبغضّ النظر عن هذا النجاح الباهر الذي حققه التلفزيون، بصفته أداة منزلية، فلا يزال أمامه الكثير من الأمور المطلوبة. فهو جهاز كبير وثقيل، ويحتاج استعماله إلى بعض العناية، وربما كان من أكثر العيوب المخيبة للآمال هو الصعوبة العملية للتصنيع التجاري لجهاز اعتيادي يعمل بمبدأ الصمام (الأنبوبة) الإلكتروني وله شاشة يزيد قطرها على 1000 مليمتر (40 إنشا). (في هذه المقالة، اعتمدت وحدات المليمتر لقياس أحجام الشاشة، بحسب الاصطلاح المتبع في العلوم الهندسية.) فإلى جانب تكلفته الباهظة، سيبلغ وزن هذا الجهاز مئات الكيلوغرامات وسيكون من الصعب إدخاله من خلال باب معياري بعرض 76 سنتيمترا (30 إنشا). وفي الوقت الحاضر فإن أجهزة التلفزيون ذات الشاشات الكبيرة تَسْتخدم بصفة عامة إحدى تقانات العرض الإسقاطي المتعددة، والتي تشكو جميعها من محدودية درجة السطوع brightness أو زاوية الرؤية viewing angle، مقارنة بالأجهزة التي تعمل بوساطة الصمامات الإلكترونية.
ومع القدوم الوشيك للتلفزيون العالي الوضوح high-definition television HDTVلم يعد من المقبول تقريبا التذرّع بعدم إمكانية إنتاج شاشات ملوّنة ذات درجة سطوع عالية. والمعروف أن التلفزيون العالي الوضوح ـ أي تقانة التلفزيون ذي الميز resolution العالي جدا الذي أصبح متوافرا حاليا في اليابان وسيصل قريبا إلى أمريكا وأوروبا ـ لا يترك لدى المشاهد الأثر المرجوّ ما لم يعرض على شاشة لا يقل قطرها عن 1000 مليمتر (ويفضّل أن يكون 1250 أو 1500 أو أكثر). إن الشاشة الكبيرة جدا هي وحدها التي تستطيع إعطاء التفاصيل القدر الذي تستحقه، فتشدّ إليها المشاهد مثلما تفعل شاشات السينما الكبيرة.
وللاستعداد لهذا الطلب المتوقع على الشاشات الكبيرة والرقيقة، عمد المعنيّون بمجالات التقانة الرفيعة في اليابان والولايات المتحدة وأوروبا إلى العمل على تطوير العشرات من تقانات أجهزة العرض ذات اللوحات المسطحة، والتي جرى ابتكار معظمها منذ سنوات وحتى منذ عقود. من بين هذه المجموعة، اعتبرت تقانة لوحة العرض الپلازمية plasma display panel PDP، المسماة أيضا عارض التفريغ الغازي gas-discharge display، التقانة الوحيدة القريبة جدا من قابلية التصنيع التجاري. وحتى كتابة هذه المقالة، قدّم المهندسون في شركة NECاليابانية عرضا لشاشة تلفزيونية عالية الوضوح (HDTV) يبلغ قطرها 1270 مليمترا (50 إنشا)، وتساوي النسبة بين عرضها وارتفاعها النسبة الباعيّة aspectratio 16:9. كما عرضت شركات فيجيتسو Fujitsu وميتسوبيشي Mitsubishiوتوشيبا Toshiba وپلازماكو Plasmaco (شركة في الولايات المتحدة تملكها ماتسوشيتا Matsushita) شاشات بلغ قطرها 1056 مليمترا بطرازين: طراز النسق التلفزيوني العادي ذي النسبة الباعية 4:3، وطراز نسق التلفزيون العالي الوضوح ذي النسبة الباعية 16:9.
وبدءا من منتصف الشهر3/1998، صار من الممكن شراء جهاز العرض، الذي صنعته شركة فيجيتسو بقياس 1056 مليمترا، بمبلغ 000 11 دولار تقريبا. وهذا الجهاز يختلف عن جهاز التلفزيون العادي في أنه لا يحتوي على مُوالف tunerولا على مجاهير speakers. وقد اتسمت مبيعاته بالثبات وأحيانا بالتراوح في بعض الأسواق التجارية. وعلى سبيل المثال، فقد ركّبت بورصة نيويورك في قاعتها العامة نحو 1000 لوحة من صنع فيجيتسو لعرض أسعار البورصة. وقد بدأت هذه اللوحات تنتشر في المعارض التجارية؛ حيث يمكن للشاشة الكبيرة أن تترك أثرا في الجمهور. وستنخفض تكاليف هذه الشاشات بسرعة كلما زادت وتيرة إنتاجها. وفي الحقيقة فإنه لكي يصبح جهاز العرض الپلازمي مُنتَجًا جماهيريا لا بد من أن تنخفض هذه الأسعار إلى أقل من 1000 دولار.
والمراهنات على ذلك كبيرة، إذ إن حجم السوق المتوقعة لإنتاج مئات ملايين الشاشات بلغ عدة مليارات من الدولارات. وبمقتضى ذلك سارعت الشركات اليابانية الآنفة الذكر، بشكل جماعي، إلى استثمار أكثر من بليون دولار في إنشاء أو توسيع مرافق جديدة للإنتاج، كما وظَّفت أموالا في بعض الشركات الأمريكية العاملة في هذا المجال. ومن بين الشركات الأخرى التي بذلت جهودا كبيرة في تطوير أجهزة العرض الپلازمية من مختلف الأحجام، من دون أن تنتج شاشات بحجم 1000 مليمتر، الشركة العملاقة فيليپس Philips في هولندا، وشركةThomson Tubes Electroniques في فرنسا التي ركّزت بحوثها على الشاشات الأصغر حجما ذات الميز العالي، وعدد من الشركات الكورية والتايوانية واليابانية (غير تلك المذكورة سابقًا). وفي الولايات المتحدة تقوم ثلاث شركات فقط بإنتاج أجهزة العرض هي: پلازماكو، وإلكتروپلازما ElectroPlasma التي تلقى الدعم المادي من الشركة الكورية LG Electronics، وفوتونك سيستمزPhotonics Systems التي مازالت شركة مستقلة.
وجهاز العرض الپلازمي، إلى جانب إسهامه في جعل التلفزيون العالي الوضوح (HDTV) قابلا للتحقيق، يحقق أيضا هدفا يرجع عهده إلى بدايات التلفزيون عندما قام المهندسون بتخيّل شاشات تلفزيونية رقيقة يمكن تعليقها على حائط مثل اللوحة الفنية. وعلى مرّ السنين، جرى ابتكار الكثير من أجهزة العرض المسطحة لاقى بعضها، وبخاصة أجهزة العرض بالبلورات السائلة liquid- crystal displays، نجاحا تجاريا ملحوظا في الحواسيب الحُجرية (النقالة) laptopcomputers ووكن cachpits قيادة الطائرة ومختلف الأجهزة الإلكترونية. وعلى أية حال، وخلافا لجهاز العرض الپلازمي، فإنه لا يمكن في مطلق الأحوال إنتاج تقانة اللوحات المسطحة بالأحجام التي يتطلبها التلفزيون العالي الوضوح. إضافة إلى ذلك، فإن معظم الأنواع الأخرى لا تناسب عرض ڤيديو الصور المتحركة بشكل جيد، على الرغم من أن أجهزة العرض بالبلورات السائلة، الصغيرة والملونة، هي التي يغلب استخدامها في التلفزيونات النقالة وتجهيزات الڤيديو.
كيف تعمل
تمتاز أجهزة العرض المسطحة بعدة أمور على صمامات الصورة التلفزيونية، المعروفة أساسا باسم صمامات الأشعة المهبطية (الكاثودية) cathode-ray tubes، وعلى أنظمة العرض الإسقاطية projection systems المستخدمة في التلفزيونات الحالية ذات الشاشات الكبيرة [انظر ما هو مؤطر في الصفحتين 30 و 311]. إضافة إلى ميزتيّ الوزن والسّماكة الواضحتين، يكون ميز جهاز العرض المسطّح ودرجة سطوعه منتظمين على مجمل سطح الشاشة، في حين تميل صمامات الأشعة المهبطية وأجهزة العرض الإسقاطية إلى فقدان ميزها ودرجة سطوعها عند الزوايا والحواف. وبصفة عامة تكون اللوحات المسطحة أجمل شكلا وأكثر كفاءة (مردودا) وأقل استهلاكا للطاقة من أجهزة العرض الإسقاطية من الحجم نفسه، إلا أنها أقل كفاءة من صمامات الأشعة المهبطية.
إن التقانة التي شارفت على تتويج جهود استغرقت عقودا من أجل تحقيق التلفزيون المسطح الشاشة تشترك في كثير من الأمور مع المصباح الفلوريfluorescent المعروف. فعلى غرار الصمام الفلوري، تعمل اللوحة الپلازمية عن طريق مرور تيار كهربائي في غاز، الأمر الذي يؤدي إلى انتزاع إلكترونات من ذرّاته أو جزيئاته ـ أي، بمعنى آخر، تأيينها. وفي العارض الپلازمي يكون الغاز بصورة أساسية مزيجا من غازي الهيليوم والزينون. يُصدر الغاز المؤيّن ضوءا فوق بنفسجي يحفز حبيبات الفوسفور الموجودة في داخل لوحة العارض لتولد أشعة مرئية. وتشير كلمة «پلازما» هنا إلى الغاز المؤيّن، وهو مزيج محايد من الإلكترونات والأيونات الموجبة والسالبة وجزيئات الغاز غير المؤيّنة.
إن ظاهرة الإصدار (الانبعاث) الضوئي هذه تحدث على نطاق صغير جدا في مجمل أجزاء اللوحة. وتتألف الشاشة بشكل أساسي من عناصر متناهية في الصغر يتاخم بعضها بعضا، تسمى العنصورات (عناصر الصورة، الپكسلات)picture elements pixels يحوي كل عنصر منها ثلاث خلايا. وتحتوي كل خلية على مسريين (إلكترودين) إضافة إلى مواد كيميائية، تعرف باسم حبيبات الفوسفور، مطلية على جدران الخلية وسطحها الخلفي وأحيانا على واجهتها الأمامية. ويؤيّن التيارُ المارُّ بين المساري الغازَ فيصدر ضوءا فوق بنفسجي يحفز حبيبة الفوسفور في الخلية ذاتها. تحتوي كل خلية على حبيبة فوسفور معدّة لإصدار أحد الألوان الأولية ـ الأحمر أو الأخضر أو الأزرق ـ وينتج من اتحاد هذه الألوان الأولية أيّ لون على الإطلاق.
تتألف العنصورة من ثلاث خلايا بالغة الصغر، مكسوّة من الداخل بمادة فوسفورية كيميائية (في الأسفل). عندما يتأين الغاز داخل الخلية، تُصدر حبيبات الفوسفور ضوءا خاصا بأحد الألوان الأولية. يبدأ تأيّن الخلية عند تسليط ڤلطية نبضية بين مسرى موقع (عنوان) الخلية ومساري ڤلطية الاستدامة sustain voltage، وتستمر هذه الڤلطية النبضية المتواصلة بين مساري الاستدامة بتأيين الغاز بحيث تواصل كل خلية إصدارها للضوء إلى حين إطفائها (بوساطة نبضة أخرى، دقيقة التوقيت، بين مسرى الموقع ومسرى الاستدامة). يُصدر الغاز المؤين، المعروف باسم الپلازما، إشعاعا فوق بنفسجي يحفز حبيبات الفوسفور إلى إصدار الضوء الملوّن (في أسفل اليسار). (أما مسرى التوصيل المجاور لمسرى الاستدامة، فإنه يعطي أعلى قيمة للتيار تحتاج إليها بداية تفريغ كل نبضة.) وكما يحصل في مرقاب الڤيديو العادي أو مرقاب الحاسوب، فإن تعدد مستويات السطوع النسبية لكل لون من الألوان الأولية الثلاثة، عند كل عنصورة من آلاف العنصورات الموجودة، يسمح لجهاز العرض بتوليد أي لون وإعطاء أي صورة على الإطلاق (في اليسار). |
يُلقي هذا الوصف الأولي الضوء على بعض الجوانب التي جعلت تطوير الشاشات الپلازمية أمرا ينطوي على كثير من التحديات. وأحد هذه التحديات هو الطريقة التي يتم بوساطتها تأيين الغاز. فإذا وضعنا مسريين في غاز ما وسلَّطنا بينهما ڤلطية (جهدا) معينة، فلا شيء يحدث إلا إذا وجد في الغاز جسيم مشحون واحد على الأقل ـ إلكترون أو أيون ـ لتوصيل التيار الكهربائي بين المسريين. وعندما يتحرك هذا الجسيم المشحون، الذي يعرف باسم جسيم التحريض priming particle، عبر الغاز بتأثير قوّة الڤلطية المسلطة، فإنه يصطدم بالجزيئات والذرّات المحايدة الأخرى ويؤيّنها. وهذه الجسيمات المشحونة تؤين بدورها ذرّات أخرى فتزداد قيمة التيار. ويتولّد الضوء فوق البنفسجي (وكذلك المرئي وتحت الأحمر) عندما تأسر أيونات الغاز الموجبة إلكترونات الپلازما مُطلِقة بذلك الفوتونات.
ثمة تحديان كبيران يواجهان تصميم الخلايا في جهاز العرض، الأول يتعلق بتوفير جسيمات التحريض والثاني بتحجيم التيار المار بين المساري. أما جسيم التحريض فربما كان بالإمكان توفيره بوساطة شعاع كوني متحوّل يؤين أحد الجزيئات ـ هذا إذا استطعنا أن ننتظر لحظة مرور هذا الشعاع بين المساري. ولا يمكننا ذلك بالطبع ـ لأن خلايا جهاز العرض يجب أن تدار وتُطفأ عدة مرات بالثانية. لذا كان لا بدّ لأجهزة العرض من أن تتضمن أداة تفريغ إضافية مهمتها توفير جسيمات التحريض، مما يمكِّن من إدارة الخلية ولو بعد تأخر زمني قليل.
كذلك فإن خلايا جهاز العرض يجب أن تكون مصنوعة بطريقة تحدّ من التزايد المطّرد للتيار المار بين المساري، وهو أمر لا محالة حاصل إذا لم نحل دون حدوثه. ومن دون هذا التحجيم للتيار، فإن الغاز الموجود بين المساري سيصبح مؤينا بالكامل، وسيؤدي ذلك إلى انهيار مقاومته والسماح بحدوث قوس تفريغ كهربائي فيه، وبالتالي إلى تلف الأداة نفسها.
كبير ومتألق وعضوي
<E .P. بوروز> ـ <R .S. فورست> ـ <E .M. ثومپسون>
من بين عشرات، بل مئات، التقانات المتعلقة بأجهزة العرض المسطحة والتي يجري تطويرها حاليا، قد تكون الأدوات العضوية ذات التألق الكهربائي organic electroluminescent devices أكثرها وعدا بمستقبل ناجح. فهذه الأجهزة التي تحتوي على طبقات فاعلة لا يتعدى سمك الواحدة منها جزءا من ألف من ثخانة شعرة، جرى عرضها بشكلها الحالي للمرة الأولى منذ نحو عشر سنوات. وحتى الآن فإن أفضلها يتميز بدرجة سطوع بوحدة المساحة أعلى بعدة مرات، من تلك التي للصمام العادي للصورة التلفزيونية، ويستطيع العمل ـ على أقل من 10 ڤلط ـ بضع عشرات الآلاف من الساعات. ويعني ذلك أن أجهزة العرض العضوية سريعة بحيث يمكنها مداولة صور الڤيديو السريعة الحركة، ممّا يجعل استخدامها مناسبا ليس فقط في المراقب الحاسوبية وإنما أيضا في أجهزة التلفزيون.
إلا أن أكثر سمات هذه الأجهزة تأثيرا هي تلك المزايا الفريدة التي أصبحت ممكنة بفضل الميزات الأصلية لمكوّناتها العضوية. وعلى سبيل المثال، فإن الترابط الضعيف بين جزيئات هذه المواد يسمح بترسيب (توضيع) الطبقات الفاعلة على ركازات بلاستيكية رقيقة ومرنة. ومن الممكن أن تلف هذه الأجهزة أو تصنع بحيث تلائم سطوحا مختلفة الأشكال. كذلك فإن الطبقات الفاعلة وركازاتها البلاستيكية خفيفة جدا بحيث لا يزيد وزن المرقاب الحاسوبي من الناحية المبدئية على بضع أونصات. إن مقدرة أشباه الموصلات العضوية على تشكيل أغشية رقيقة عالية الجودة على أي ركازة مسطحة تحمل في طيّاتها إمكانية التحويل، لأنها تبشر بالسماح للمهندسين بغرس الأدوات الكهربائية التألق على مساحات كبيرة وبتكلفة منخفضة جدا ـ وهذا مطلب حاسم في أجهزة العرض المسطحة والكبيرة. هذا مقارنة بأشباه الموصلات المعروفة التي يجب أن تُنمى على ركازات مرتفعة الثمن، تسمى رقاقات wafers، يتم اختيارها بحيث تكون بنيتها البلورية مماثلة لبنية الغشاء نفسه. ويوما ما سيكون بالإمكان ابتكار أجهزة عرض عضوية بحجم الحائط على الرغم من أن أكبر أجهزة العرض الملونة، والتي مازالت في طور التجارب، لا يتعدى قطره 125 مليمترا (5 إنشات). هذه الإمكانية حفزت شركات مثل إيستمان كوداك Eastman Kodak وموتورولا وغيرهما، في الولايات المتحدة واليابان وأوروبا، إلى إطلاق برامج أبحاث تجارية بلغت ميزانياتها عدة ملايين من الدولارات. وقد أنشئت شركات صغيرة مستقلة، مثل Universal DisplayCorporation في الولايات المتحدة و CambridgeDisplay Technology في المملكة المتحدة، للعمل على تحويل هذا الابتكار، الذي أطلقت عليه اسم الأداة العضوية المصدرة للضوء organiclight-emitting device (OLED)، إلى منتج تجاري. وعلى النقيض من أشباه الموصلات المعروفة كالسيليكون، تتركب أشباه الموصلات العضوية بشكل أساسي من الكربون والهيدروجين والنيتروجين (الآزوت) والأكسجين، ويحتوي كل جزيء فيها على عشرات أو مئات الذرات. تصدر هذه الجزيئات العضوية الفوتونات عندما تهبط من حالة إلكترونية مثارة إلى حالتها الحضيضية ground state، أو حالة الارتخاء relaxed state. ومن بين أشباه الموصلات الرئيسية Alq3 و NPD ـ وجزيء DCM الذي يصدر الضوء الأحمر ويستخدم أيضا في أدوات الليزر العضوية، وصيغته الكيميائية الكاملة هي التالية: -4 (dicyanomethylen -2-methyl-6-(4-dimethylaminostryl -4H-pyran. |
الضوء طبعا
تتألف أداة التألق الكهربائي العضوي (OLED) بشكل أساسي من ثلاث طبقات من مادة عضوية شبه موصلة ـ طبقة انتقال الإلكترونات والطبقة المصدرة للضوء وطبقة انتقال الثقوب ـ تكون محصورة بين مهبط ومصعد (أنود) [انظر الشكل في الصفحة المقابلة]. تحقن حاملات الشحنة السالبة (الإلكترونات) وحاملات الشحنة الموجبة (الثقوب، والثقب هو غياب الإلكترون) من المهبط والمصعد على التوالي، ثم تنتقل جميعها إلى منطقة الإصدار الضوئي بتأثير حقل كهربائي. وفي الجزيئات العضوية الموجودة في المنطقة المصدرة للضوء، يتحد أحد الإلكترونات مع أحد الثقوب ويشكلان كيانا واحدا اسمه إكسيتون exciton. هذا الكيان المحايد كهربائيا يتمكن من القفز من جزيء إلى آخر، فيتحلل بالتالي خلال بضعة أجزاء من بليون من الثانية ليعطي ضوءا ذا طاقة معينة، أي ذا لون معين. ويكفي انتقاء نوع الجزيء العضوي المناسب في الطبقة المصدرة للضوء ليتولد لدينا أحد الألوان، الأحمر أو الأخضر أو الأزرق. كذلك يجب أن يكون المهبط أو المصعد شفافا ليتسنى للضوء أن يمر من خلالهما إلى عين المشاهد.
والأمر الثاني هو بجعل كلا المسريين شفافين عن طريق صنعهما من شبه موصل أكسيد القصدير والإنديوم. هذه الأدوات العضوية المصدرة للضوء والشفافة تفتح الباب أمام إمكانات مثيرة للاهتمام. ولنتخيل، على سبيل المثال، أن تصبح شاشة العرض مثل ضعف مساحة شباك مكتبك. وهناك صنف آخر من المركبات العضوية المستعملة في أدوات التألق OLED هو الپوليمرات (المتماثرات) polymers. تتكون المواد الپوليمرية، مثل اللدائن العادية، من سلاسل طويلة من وحدة جزيئية تتكرر آلاف المرات في الجزيء. ويمكن لأجهزة العرض الپوليمرية المتألقة ضوئيا والمصنوعة بهذه الطريقة أن يكون لها تقريبا ذات السطوع والفعالية اللذين تتميز بهما الأدوات القريبة منها المصنعة بترسيب جزيئات صغيرة أثناء وجودها في حيز مفرغ. ومع ذلك فحتى يومنا هذا فإن هذه الأخيرة لها عمر تشغيلي يفوق عمر الأدوات الپوليمرية بنحو الضعف، ويرجع ذلك إلى النقاء الخالص للمادة في حالة استخدام الجزيئات العضوية الصغيرة. |
تطبيقات تجارية
إن أجهزة العرض العضوية ذات الترسيب الخوائي والكفاءة الأعلى والعمر الأطول تصدر ضوءا أخضر، في حين مازالت المواد المصدرة للضوءين الأحمر والأزرق متخلفة على هذين الصعيدين. وتصل كفاءة التألق لأفضل الأدوات المتوافرة حاليا إلى 18 لومن بالواط الواحد، وهو رقم يتراوح ما بين خمسة وعشرة أضعاف الكفاءة الناتجة من أجهزة العرض بالبلورات السائلة، ولكنه يساوي نحو ربع كفاءة صمامات الصورة التلفزيونية المعروفة بكفاءتها العالية إلى حد كبير. وإذا وضعت الأدوات OLED في محافظ لمنع دخول بخار الماء الجوي إليها، يصبح عمرها التشغيلي يناهز عشرات آلاف الساعات (بعدها تنخفض درجة السطوع إلى 50% من قيمتها الأصلية)، وهو رقم مماثل لعمر صمام الصورة. إلا أن درجة حرارة تشغيل هذه الأجهزة يجب أن تظل دون 100 درجة مئوية.
وفي هذه الأثناء تعتبر الأدوات OLED الأحادية اللون التي تصدر ضوءا أخضر جيدة نوعا ما للتطبيقات التجارية. ومؤخرا، أطلقت الشركة اليابانية العملاقة للإلكترونيات والتقنيات العالية پايونير Pioneer لوحة مسطحة من الأدوات OLED الأحادية اللون بلغ حجمها 10×2.5 سنتيمتر، وذلك لاستعمالها في السيارات لعرض المعلومات الملاحية. ليست الأدوات OLED الأحادية اللون سوى نقطة البداية. والخصائص الفريدة لأشباه الموصلات العضوية تأخذ بعين الاعتبار بناء أدوات جديدة لم تكن متوافرة في التقانات التقليدية. فعلى سبيل المثال، تبين لنا مؤخرا أنه يمكن تركيب ثلاث من الأدوات OLED الشفافة فوق بعضها بعضا، بمعدل أداة لكل لون من الألوان الثلاثة، الأحمر والأزرق والأخضر. تصدر كل واحدة من هذه الأدوات لونها الخاص بها من خلال الطبقات العضوية الشفافة وسطوح التلامس وطبقة الركازة، مما يجعل الأداة بمجملها قادرة على إصدار أيّ ائتلاف من هذه الألوان، (كما هو موضح بالشكل في الصفحة المقابلة). ويمكن أن تحلّ أداة التألق الضوئي OLED المكدسة محل الهندسة التقليدية لصنع أجهزة العرض الملونة، حيث تكون عنصورات الأحمر والأخضر والأزرق متجاورة على الطبقة نفسها من جهاز العرض. إن الترتيب العادي يعاني بعض العيوب، منها أن الحاجة إلى ثلاث عنصورات على الأقل عند كل نقطة من جهاز العرض تُحدّ من درجة الميز، ومن العيوب أيضا أن النظر من مسافة قريبة (مثل أجهزة العرض التي توضع على الرأس) يحتاج إلى عنصورات صغيرة جدا للمحافظة على الإحساس برؤية الألوان بكاملها. تتجنب الأداة OLED المكدسة هذه المشكلة لأن كل عنصورة فيها يمكن أن تكون من أي لون مطلوب ـ مما يضاعف ثلاث مرات ميز جهاز العرض، في الوقت الذي ينخفض مقدار الحيز المظلم بين العنصورات. إضافة إلى ذلك، ونظرا إلى أن الألوان الثلاثة مكدسة رأسيا فوق بعضها بعضا، فإن الترتيب يعطي انطباعا بكامل الألوان بالنسبة لأي ميز وأي مسافة للرؤية؛ لأن العنصورات ليست موضوعة جنبا إلى جنب لكي تستبينها العين.
المؤلفون Paul E. Burrows – Stephen R. Forrest – Mark E. Thompson بدؤوا عملهم على أجهزة العرض العضوية في جامعة پرنستون. ومازال بوروز وفورست في الجامعة نفسها حتى اليوم، حيث يعمل بوروز باحثا في مركز الفوتونيات والمواد الكهربصرية، وفورست أستاذ كرسي في قسم الهندسة الكهربائية. أما تومپسون فهو أستاذ مشارك في قسم الكيمياء بجامعة كاليفورنيا الجنوبية. |
وثمة نوعان من أجهزة العرض الپلازمية يعمل أحدهما بالتيار المتناوب والآخر بالتيار المستمر. والنموذج الذي يعمل بالتيار المتناوب هو النموذج السائد بينهما. وفيه يكون التيار بطبيعته محدودا بسبب تصميم الخلايا نفسها، ويكون مسريا كل خلية مفصولَيْن عن الغاز المحيط بهما بطبقة رقيقة من مادة عازلة، وهذا الغشاء الرقيق يعمل كالمكثف capacitor، فيسمح فقط للتيار المتناوب بالمرور عبره. إضافة إلى ذلك، يحدّ المكثف من مرور التيار بحيث لا يصل التفريغ إلى مستوى حدوث القوس.
تنظيم الإشارات
ومثلما لا يقتصر دور المصرف على تجميع الأموال، فإن جهاز العرض هو أكثر من مجرّد صفيف array من العناصر المصدرة للضوء. لذا فإن فهم كيفية عمل جهاز العرض الپلازمي يقتضي معرفة، ليس كيفية عمل الخلية نفسها، وإنما أيضا كيفية تحوّل الإشارات إلى صور في جهاز العرض. فالخلايا في اللوحة الپلازمية، مثل الخلايا في أي عارض ذي لوحة مسطحة تكون مرتبة في نسق صفيفي الشكل. وتكون أسلاك التوصيل الكهربائي إلى المساري مرتبة بشكل صفوف وأعمدة، إضافة إلى وجود أداة مصدرة للضوء light-emitting device LEDأو خلية عند كل تقاطع. ويحتاج كل صف وعمود في جهاز العرض إلى دارة (دائرة) تشغيل driving circuit تسلّط الڤلطية اللازمة لإضاءة الخلية أو إغلاقها (إطفائها) على السواء. كانت أجهزة العرض التلفزيونية أول أجهزة إلكترونية لعرض الصور، وقد ورثت جميع أجهزة العرض الحالية طريقة توليد الصور المتبعة في التلفزيون، والتي صُمِّمت أساسا من أجل صمامات الأشعة المهبطية. ففي صمام الأشعة المهبطية تقوم حزمة إلكترونات بمسح الشاشة حسب نمط يعرف باسم النمط الحقلي raster fashion، فتبدأ من أعلى يسار الشاشة وتتحرك عبر عرضها، ثم تنزل خطا واحدا وتعبر الشاشة بالعرض مرة ثانية، وهكذا دواليك. تشكل الصورة الكاملة إطارا frame، وتتكرر الأطر في التلفزيون 30 مرة في الثانية (25 مرة في معظم دول أوروبا وفي أمكنة أخرى من العالم). كذلك فإن معظم أجهزة العرض الحاسوبية يتم «إنعاشها»، أو تجديدها، بمعدل 60 إطارا أو أكثر في الثانية، حتى ولو لم يطرأ أي تغيير على مضمون الصورة نفسها.
وبسبب الترتيب المصفوفي للخلايا في أجهزة العرض المسطحة، وافتقار هذه الأجهزة إلى مجموعة أولية من حزم الإلكترونات، وبطء سرعات استجابتها مقارنة بصمامات الأشعة المهبطية، فإنها غير قادرة على استخدام تقنية المسح الحقلي. ففي هذه الأجهزة يجب أن تكون الإشارة مرتبة ومطبّقة بحيث تنصب في وقت واحد على صف كامل من الخلايا، ثم على الصف الذي يليه، وهكذا إلى أن يتشكل إطار كامل للصورة.
في لوحة العرض الپلازمية (PDP) التي تعمل بالتيار المتناوب، تُسلّط باستمرار على كامل اللوحة متتالية من نبضات متناوبة تكون ڤلطيتها أقل بكثير مما يتطلبه حفز التفريغ الكهربائي. يطلق على هذه الڤلطية اسم ڤلطية الاستدامة (المؤازرة) sustain. ويمكن تشغيل إحدى الخلايا بتسليط ڤلطية أعلى على مسريي الصف والعمود اللذين تشكل الخلية نقطة التقائهما. هذه الڤلطية العالية تسبب انهيار الغاز، مما يؤدي إلى مرور التيار وتراكم شحنة المكثف في الخلية. وتولد الشحنات المتراكمة ڤلطية معاكسة لڤلطية التشغيل تنهي عملية التفريغ الكهربائي وتوقف الخلية عن إصدار الضوء. وبعد ذلك مباشرة يأتي دور النبضة التالية ذات القطبية المعاكسة، والتي كانت قد اختزنت ڤلطية معينة، فتضاف قيمتها إلى ڤلطية الاستدامة المسلّطة وتؤدي إلى اشتغال الخلية مجددا واستمرارها على هذه الحال مادامت موجة الاستدامة مسلّطة. تدوم كل نبضة من نبضات التفريغ الغازي نحو ميكروثانية وتولّد مقدارا قليلا من الضوء. وبما أن عدد النبضات يناهز 000 50 نبضة في الثانية، فإن كمية الضوء الإجمالية تصبح بالتالي كمية لا بأس بها.
التنافس
تتصدر لوحات العرض الپلازمية طليعة السباق من أجل الحصول على الشاشات الكبيرة. إلا أن عددا لا بأس به من الأجهزة المنافسة مازال يتطور باستمرار. وفيما يلي بعض أهم هذه الأجهزة:
أجهزة العرض الإسقاطية projectors: ليست أجهزة العرض الإسقاطية أجهزة تعلق على الحائط، وإنما هي وسيلة للحصول على صور كبيرة، وبذلك فهي تشكل مصدر منافسة حقيقية. تتولد الصورة في هذا الجهاز إما بوساطة ثلاثة صمامات أشعة مهبطية أحادية اللون يتراوح قطر الواحد منها ما بين 180 و 230 مليمترا (7 إلى 9 إنشات)، أو بوساطة مصدر ضوئي عالي الشدة يرسل ضوءه عبر واحد أو أكثر من الصمامات valves الضوئية ـ التي هي بشكل أساسي عبارة عن شفافيات إلكترونية. وأجهزة العرض الإسقاطية، التي تعتبر ضخمة مقارنة بأجهزة العرض الپلازمية، تشكو أيضا من أنها عاجزة عن الوفاء بمتطلبات التلفزيون العالي الوضوح (HDTV).
صمامات الأشعة المهبطية cathode – ray tubes: هذه الأجهزة الضخمة والثقيلة والمتعطشة للطاقة هي في الوقت نفسه تقانة وصلت إلى حد النضج ومازالت في تحسّن مستمر. والعائق الرئيسي فيها هو حجمها المحدود: فعلى الرغم من إمكانية صنع نماذج يتعدى طول قطرها 900 مليمتر (35 إنشا)، فإنها غير عملية إطلاقا فيما يخص معظم التطبيقات. وهناك توافق على أن التلفزيون العالي الوضوح يتطلب صورا لا يقل قطرها عن 1000 مليمتر. أجهزة العرض بالبلورات السائلة liquid – crystal displays LCDs : أسهم انتشار الحواسيب النقالة notebook في تعاظم الطلب على أجهزة العرض بالبلورات السائلة. وقد استجابت صناعة أجهزة العرض لهذا الطلب بإنتاج أجهزة ذات قيم أفضل فيما يخص الميز وزاوية الرؤية واسترجاع اللون والكفاءة، وذلك بأسعار متدنية باستمرار. وهذا النوع المصفوفي الفعّال من أجهزة العرض يتضمن عند كل خلية قاطعا (مفتاحا) إلكترونيا (ترانزستور الغشاء الرقيق). وهذه التركيبة ترفع من تكلفة الجهاز لكنها تعطيه أداء أفضل بكثير من أداء سائر أجهزة العرض. ويجري العمل حاليا على تطوير أجهزة عرض كبيرة ـ عرضت شركة شارپ Sharp شاشة ملونة بقطر 10155 مليمترا (40 إنشا تقريبا) ـ إلا أن تكلفتها ترتفع بشكل هائل كلما زادت مساحة شاشاتها. كذلك فقد تحسنت قيم زوايا الرؤية، إلا أن أجهزة العرض بالبلورات السائلة مازالت تعاني صعوبات في الصور السريعة الحركة نتيجة البطء المتأصل في تبدل حالة مادتها.
وثمة نوع مهم من هذه الأجهزة هي أجهزة العرض بالبلورات السائلة ذات العنونة الپلازمية التي ابتكرتها شركة Tektronix في الولايات المتحدة، وتتابع تطويرها حاليا شركات سوني وشارپ وفيليپس، ويتم انتقاء الصفوف في هذه الأجهزة بوساطة قنوات ضيقة مملوءة بغاز يجري تأيينه صفا بعد آخر. أما تضمين كل خلية فيتم بوساطة التحكم في ڤلطية مساري الأعمدة، مثلما يحدث في أجهزة العرض بالبلورات السائلة المعروفة. والمعروف أن القنوات الپلازمية أقل تكلفة بكثير من ترانزستورات الأغشية الرفيعة، لذا تبدو ذات أهمية في أجهزة العرض الكبيرة. وقد جرى عرض لوحات بحجم 1056 مليمترا في المعارض التجارية. وتعتبر درجة السطوع في هذه الأجهزة ممتازة، إلا أن استعادة الصور السريعة الحركة تخضع، لسوء الحظ، إلى المشكلات نفسها التي تخضع لها أجهزة العرض بالبلورات السائلة، كما أن زاوية الرؤية فيها أصبحت أقل مما هي في بعض أجهزة العرض بالبلورات السائلة المتقدمة. الديودات المصدرة للضوء light-emitting diodes LEDs : أدوات شبه موصلة تحقن فيها الإلكترونات والثقوب holes (الأمكنة التي تشغر مكان الإلكترونات) داخل منطقة حيث تتمكن من الاتحاد مجددا مصدرة الضوء (وكثيرا من الحرارة). والآن، وبعد أن توافرت في الأسواق الديودات المصدرة للضوء الأزرق، بعد صراع طويل ومكلف، صار تركيب أجهزة العرض الملونة أمرا ممكنا. تتألف هذه الأجهزة من عدة آلاف من العنصورات التي يتكون الواحد منها من ثلاثة ديودات مصدرة للضوء، الأحمر والأخضر والأزرق. ومن الممكن أن يصل حجم هذه الأجهزة إلى بضعة أمتار، كما أن درجة سطوعها تسمح بمشاهدتها في وضح النهار. إلا أن تكلفتها المرتفعة حصرت استعمالها في الساحات العامة والمتاجر وما شابه ذلك. ولم يكن بالإمكان تركيب مصفوفات كبيرة من الديودات المصدرة للضوء بوساطة أشباه موصلات مؤلفة من بلورات أحادية. إلا أن تطورا جديدا ـ الديودات العضوية المصدرة للضوء OLED ـ قد يسهم في تغيير هذا الوضع [انظر ما هو مؤطر في الصفحتين 30 و 311]. التألق الضوئي electroluminescence: تستخدم هذه التقانة غشاء فوسفوريا رقيقا محصورا بين طبقتين عازلتين. وتولد الڤلطية العالية المسلطة على الطبقتين إلكترونات عند السطوح البينية بين المادة العازلة وغشاء الفوسفور، وهذه الإلكترونات تولد الضوء بنفس طريقة توليدها له داخل حبيبات الفوسفور في صمام الأشعة المهبطية. وأجهزة العرض ذات التألق الضوئي والغشاء الرقيق تتحمل الصدمات، ولها زوايا رؤية واسعة وعمر طويل. وعلى الرغم من ذلك، مازالت حتى الآن مكلفة جدا وصغيرة وذات تدرج لوني محدود، إلا أنها لاقت بعض النجاح في بضع أسواق خاصة. وثمة تطور جديد يتمثل بظاهرة التألق الضوئي الصادر عن البوليمرات العضوية ربما يكون له وقع مهم على هذه التقانة [انظر ما هو مؤطر في الصفحتين 30 و 31]. أجهزة العرض ذات الإصدار المجالي field – emission displays: منذ أكثر من 20 عاما، أثبت الباحثون في معهد ستانفورد للأبحاث أن تسليط ڤلطيات صغيرة نسبيا على نقاط حادة من الموليبدن أو أي فلز حراري آخر يولد مجالا كهربائيا عاليا يستطيع انتزاع الإلكترونات من الفلز عند درجة حرارة الغرفة. وقد تبين لهم أن مصدرات الإلكترونات ذات المهبط البارد ربما تشكل أساسا لصنع أداة شبيهة بصمام الأشعة المهبطية يكون لكل عنصورة فيها مهبط واحد أو أكثر.
كان العائق في ذلك الحين يتمثل بكيفية صنع المهابط (الكاثودات). ومنذ ذلك الوقت أسهم التقدم في تقانة تصنيع أشباه الموصلات وموادها في زيادة أهمية هذه الأدوات. وحاليا تقوم إحدى الشركات الفرنسية، پكستكPixTech، بإنتاجها على مستوى تجاري. وهناك جهود كبيرة في هذا المجال يتركز أهمها في شركة كاندسنت Candescent بكاليفورنيا والشركة موتورولا بأريزونا. أما الشركة اليابانية كانون Canon، فقد أعلنت عن توصلها إلى إنتاج نوع من المهابط يستطيع تحويل هذا النوع من أجهزة العرض إلى منتج قابل للتسويق. فبدلا من نحت بلورة سيليكون أحادية في نقاط مجهرية، يعتمد مهبط شركة Canon، الذي يعمل بالإصدار والتوصيل السطحيين، على دفع الإلكترونات إلى داخل خواء vacuum ناتج من فرجة ضيقة بين مسريين مطبوعين على ركازة substrate زجاجية. وإذا استطاعت هذه الأداة أن تحقق التوقعات الأولى، حينئذ يصبح بالإمكان إنتاج مهابط مختلفة الأحجام بوساطة الطبع بنفث الحبر أو بأية وسيلة مماثلة غير مكلفة. وعلى الرغم من كثرة المشكلات التي مازالت تحتاج إلى حلول، فإن جهاز العرض ذا الإصدار المجالي قد يشكل منافسا أساسيا لأجهزة العرض بالبلورات السائلة ضمن نطاق الأجهزة الصغيرة الحجم، وقد يكون له حظ أوفر من جهاز العرض البلوري في أنه يشكل تحديا جديا للوحة العرض الپلازمية في نطاق إنتاج الشاشات الكبيرة. أجهزة العرض الفلورية الخوائية vacuum fluorescent displays: هذا الجهاز، المبني على فكرة قديمة أخرى، هو شكل من صمام الأشعة المهبطية المسطحة والمنخفضة الڤلطية. تصدر الإلكترونات عن مهابط سلكية ذات درجات حرارة منخفضة، ويتم توجيهها نحو حبيبات الفوسفور القادرة على إصدار الضوء بفعالية عند تسليط ڤلطية منخفضة. ويتم انتقاء العنصورات الواجب استضاءتها بوساطة شبيكات فلزية توضع بين المهابط وحبيبات الفوسفور. وغالبا ما تشاهد أجهزة العرض الفلورية الخوائية في لوحات قيادة السيارات وعلى أدوات المطبخ الكهربائية وآلات تسجيل الڤيديو، لكن المحاولات الحثيثة لتطبيق هذه التقانة على أجهزة العرض الكبيرة لم تلق نجاحا حتى الآن.
<A. سوبل> |
تطفأ الخلية عند تسليط نبضة تخفّض كمية الشحنة المخزونة في المكثفات. أما الفروقات في درجة السطوع (تدرج ألوان الرمادي gray scale) فيمكن الحصول عليها بوساطة التحكّم في الفترة الزمنية الوجيزة التي تكون فيها الخلية فاعلة. والعائق الرئيسي في هذا المخطط، وهو مشكلة تعانيها جميع أجهزة العرض المسطّحة، يكمن في الحاجة إلى وضع عدد كبير من دارات التشغيل اللازمة حول جهاز العرض نفسه. والمعروف أن جهاز العرض الحاسوبي النموذجي الذي يتألف من 480 صفا و640 عمودا من العنصورات (عناصر الصورة، پكسلات)، وتتألف كل عنصورة فيه من 3 خلايا، تحتاج إلى 2400=(3X 640) +4800 دارة تشغيل، وذلك بغضّ النظر عن الحجم الحقيقي لجهاز العرض نفسه. مقارنة بذلك، يحتاج صمام الأشعة المهبطية إلى دارتي انحراف deflection فقط، دارة للحركة الرأسية لحزمة الإلكترونات ودارة لحركتها الأفقية، وإلى ثلاث دارات تضمين modulating، بمعدل دارة واحدة لكل لون من الألوان الأولية الثلاثة. فاللوحة المسطّحة مكلفة جدا، وحتى ولو أخذنا بعين الاعتبار تدنّي أسعار الدارات المتكاملة integrated circuits، فإن كثرة أعداد الدارات تسهم بشكل رئيسي في الارتفاع النسبي لتكلفة أجهزة العرض المسطحة.
جهاز عرض پلازمي بقطر 1056 مليمترا (42 إنشا) يبلغ ثمنه نحو 000 11 دولار. وهذا العارض الذي لا تتجاوز سماكته 150 مليمترا (6 إنشات) يزن 40 كيلوغراما ويمكنه عرض 16.7 مليون لون. |
في النوع الثاني من اللوحات الپلازمية، أي جهاز العرض الذي يعمل بالتفريغ الغازي والتيار المستمر، تكون الڤلطيات المسلطة نبضية أيضا، إلا أنها تكون دائما من القطبية نفسها، بخلاف النبضات الموجودة في نوع التيار المتناوب. وقد أنفق الباحثون من دون حساب على عمليات التجديد والابتكار في هذا النوع، ومع ذلك فإنه لا يوجد في الوقت الراهن سوى نوع واحد سائد من الشاشات الكبيرة. وقد استمر تطوير هذا النوع بالدرجة الأولى بتمويل من مختبرات شركة NHK على مدى 30 عاما. (NHK هو نظام البث الذي تعتمده الحكومة اليابانية.)
عرضت مختبرات شركة NHK لوحات عرض بحجم 1056 مليمترا وتمتاز بدرجة سطوع وتباين جيدين. ومقارنة بلوحات التيار المتناوب، كانت هذه اللوحات ثقيلة الوزن قليلة الفعّالية، تولّد حرارة شديدة مع الضوء. إضافة إلى ذلك فإن تعقيد هندستها جعل إنتاجها باهظ التكاليف.
ثمة مشكلة إضافية أخرى تتمثل في عمر جهاز العرض. فالمادة المستخدمة في المسرى السالب (المهبط) تنحو إلى التناثر ـ في الحقيقة تُنتزع الذرات من المهبط وتترسب في مكان ما في الخلية. وتتفاقم المشكلة في لوحات التيار المتناوب؛ لأن المادة المتناثرة هي فلز وليست مادة عازلة. وبما أنها مادة معتمة opaque فإنها تُحْدِث فَقْدا في كمية الضوء، كما أنها مادة موصلة للكهرباء قد تولّد دارات قصر كهربائية في الخلية.
وثمة جهاز عرض آخر يعمل بالتيار المتناوب طورته مجموعةٌ مكافِحة شقت طريقها بصعوبة في سان بطرسبرغ بروسيا. وهو ذو تركيبة بسيطة، وأهم مميزاته أنه مركب من رقائق مربعة تبلغ مساحة الواحدة منها 20 سنتيمترا مربعا وتحتوي على 64×64 عنصورة. وتكون خطوط الالتحام بين المربعات رفيعة جدا بحيث يمكن رصفها بجانب بعضها بعضا وتبقى خطوط الالتحام غير ظاهرة تقريبا. تُشغَّل كل رقاقة مربعة بشكل مستقل عن سائر المربعات، لذا يكون سطوع جهاز العرض مستقلا عن حجمه، بخلاف جهاز العرض بنظام NHK حيث تكون درجة السطوع متناسبة عكسيا مع عدد الصفوف. وهذه الميزة تجعل تحقيق أجهزة العرض الكبيرة أمرا ممكنا.
مشكلات لا تحصى
إن أهم مشكلة تعترض أجهزة العرض المصفوفية matrix displays هي أنها تتطلب عددا كبيرا من دارات التشغيل ـ دارة لكل صف ولكل عمود، إضافة إلى دارات التحكم اللازمة لتفعيل المساري في الأوقات المحددة لذلك. ومما يفاقم من حجم هذه المشكلة في أجهزة العرض الپلازمية أن الڤلطيات المطلوبة يجب أن تكون عالية (نسبة إلى الدارات الصغرية (المكروية) microcircuitry) ـ أي بحدود 100 ڤلط. فضلا عن ذلك، يجب أن تكون الدارات قادرة على التكيّف مع نبضات التيار الوجيزة، ولكن الكبيرة، عند بداية كل دورة من دورات التفريغ. ونتيجة لذلك، تصبح تكلفة دارات التشغيل في أجهزة العرض الپلازمية أعلى من تكلفة عدد لا بأس به من التقانات المنافسة، على الرغم من أن هذه التكلفة ستنخفض بالتأكيد مع زيادة حجم الإنتاج.
وثمة مشكلة أخرى تدعو إلى التمهل في تطوير أجهزة العرض الپلازمية، هي أن قصف الأيونات ion bombardment يؤدي مع مرور الوقت إلى إتلاف حبيبات الفوسفور، فتضعف قيمة خرجها الضوئي light output. وكان لهذه الظاهرة في الماضي عمر يصل إلى نحو 000 10 ساعة. أما اليوم فبعض الشركات المصنّعة تضمن أعمارا تناهز 000 30 ساعة (بعدها تنخفض درجة السطوع إلى النصف). ومعظم الاستراتيجيات الهادفة إلى إطالة أعمار هذه الأجهزة تركّز على إبقاء التفريغ الكهربائي بعيدا عن حبيبة الفوسفور.
إن كفاءة ودرجة سطوع أجهزة العرض الپلازمية ـ التي تعمل بالتيار المتناوب ـ تخضعان أيضا لبعض التحسينات. وحاليا بلغت قيم الكفاءة نحو لومن واحد لكل واط، وهي في تحسن مستمر. أما درجات السطوع فقد تخطت قيمة 100 شمعة candela بالمتر المربع (29 قدما ـ لامبرت foot-lambert). ويوجد على الأقل شركة تصنيع واحدة تدعي أنها توصلت إلى قيمة 300 شمعة بالمتر المربع ـ وهو رقم قريب من قيمة 350 شمعة بالمتر المربع، والتي تمثل بصورة عامة الحد الأدنى المطلوب في أجهزة التلفزيون المعدة للمستهلكين. (بصفة عامة، يجب أن تكون أجهزة العرض التلفزيونية أكثر سطوعا من أجهزة العرض الحاسوبية لأنها توضع عادة على مسافات أبعد بالنسبة إلى المشاهد، ويجب أن توفر رؤية جيدة حتى عندما تكون في غرفة مضاءة بشكل جيد.)
وعلى الرغم من أن درجة السطوع في كل من نوعي أجهزة العرض الپلازمية، المتناوب والمستمر، بلغت مستوى عاليا بدرجة كافية للكثير من التطبيقات، فإنها لم تصل بعد إلى المستوى الذي بلغته في صمامات الأشعة المهبطية. وأسهل طريقة لزيادة درجة السطوع تتمثل في تقوية القدرة، إلا أن هذه الوسيلة ترفع، لسوء الحظ، من تكلفة دارات التشغيل ومصادر الطاقة؛ من هنا جاء الطلب المستمر على رفع قيمة الكفاءة. وحاليا، يدرس مطورو هذه الأجهزة احتمالين: الحصول على عدد أكبر من الفوتونات النافشعة من التفريغ الغازي، واستخدام هذه الفوتونات فوق البنفسجية بفعالية أكبر في الخلايا لتوليد الضوء المرئي.
الابتكار والإنتاج الواسع النطاق
وكأي شكل من أشكال التقانة التجارية، يتطلب جهاز العرض الناجح أمرين، ابتكار الأداة وابتكار وتحسين طرق تصنيعها. وهذان الأمران متشابكان بشكل لا فكاك منه؛ فالأداة الذكية جدا، والتي تحول تكلفتها الباهظة دون إنتاجها بسعر تنافسي، هي سلعة لا يمكن إنتاجها إنتاجا واسع النطاق. ومعنى ذلك، من الناحية العملية، أن الأفكار الذكية توضع عادة على الرف ما لم تتبناها شركات ذات رساميل ضخمة (تكون عادة مدعومة من الشركات الحكومية الكبرى للبحث والتطوير).
لقد كان من مصادر قوة الشركات اليابانية الكبرى أنها امتلكت الإدارة والأموال الكافية لكي تستثمر جهودها في تقانة التصنيع على امتداد فترات طويلة. كما أنها أفادت أيضا من خبرة هندسية وقوة عاملة مكّنتاها من المثابرة على تحسين تقاناتها التصنيعية. وهذان هما السببان الرئيسيان وراء وجود معظم مراكز إنتاج أجهزة العرض في بلدان الشرق الأقصى.
إن العمل في مجال أجهزة العرض عمل مثير لأنه ينطوي على كثير من الأفكار المبتكرة. فالطرق والأساليب الجديدة لا تتوقف عن الظهور حتى عندما تتحسن الأساليب القديمة. وهو أيضا عمل مثير لأن أداة العرض، مهما كان شكلها، تمثل إلى حد ما المكوّن الرئيسي لمعظم النظم. وسواء كان الغرض من إحدى قطع التجهيزات غسل الثياب أو التحكم في إطلاق مركبة فضائية، فمن الضروري أن تتفاعل مع البشر وتجعل من جهاز العرض الجيد فيها سمة أساسية. والصناعة، مثلها مثل جهاز العرض الذي تنتجه، تستحق عناء الترقب والنظر. ▪
المؤلف
Alan Sobel
مستشار مقيم في إيڤانستون بإيلينوي، عمل لأكثر من 35 عامًا في مجال البحث والتطوير الخاص بأجهزة العرض الإلكترونية. وهو رئيس تحرير مجلة Journal of the Society for Information Display، ويكتب في المجلة الشهرية للجمعية Information Display. حصل على البكالوريوس في الهندسة الكهربائية من جامعة كولومبيا، وعلى الدكتوراه في الفيزياء من معهد البوليتيكنيك في بروكلين.
مراجع للاستزادة
FLnT-PANEI,’bYS AND CRTs. Edited by Lawrence E. Tannas, Jr. Van Nostrand Reit(llold, 1985.
ELECTRO-OPTICAL DISPLAYS. Edited by Mohammad A. Karim. Marcel Dekker; 1992.
DISPLAY SYSTEMS: DESIGN AND APPLICATIONS. Edited by Lindsay W Mac¬Donald and Anthony C. Lowe. Wiley SID series in display technology. Pub¬lished in association with the Society for Information Display. John Wiley & Sons, 1997.
Scientific American, May 1998