أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
اخترنا لكبحثمقالات رئيسية

أطلِقوا العِنان لما هو غير متوقَّع من أجل ابتكار جذري

تنشأ الاختراعات المتقدمة بنحو غير متوقَّع. يمكن للاستكشاف الأفضل تحديدُ الفرص المفاجئة.

شريحة (رقاقة) مقياس التسارع Accelerometer chip – ابتكار صغير لكنه جذري – موجودة في كل مكان في الأجهزة الرقمية حالياً. تُخبر مستشعرات السرعة والتوجيه هذه هواتفنا بما إذا كانت محمولة في الوضع الرأسي أو الأفقي، وتنشر الوسائد الهوائية في سياراتنا، وتُتابع ضرباتنا عندما نلعب التنس الافتراضي. كما أنها تساعد على الشعور بالتغيرات الأرضية قبل الزلازل أو الانفجارات البركانية. لكن على الرغم أن من السهل إدراكَ أهمية هذا الابتكار عندما نُعيد النظر الآن في الماضى، فإن تأثيره الحقيقي لم يتضح لنا إلى أن حدث تطوير عديد من التطبيقات الأكثر قيمةً حالياً. ومن المُدهش حقاً أن هذا الكشف التدريجي عن إمكانات الابتكار بمرور الوقت هو نمط شائع جداً في الواقع، لذا تحتاج الشركات إلى صياغة أنظمة إدارة الابتكار الخاصة بها مع أخذ هذه الظاهرة في الاعتبار.

توقعات دوبونت بالجذرية
في العام 1968 توقع علماء البحث والتطوير في دوبونت نتائج لبعض مشروعات المرحلة المبكرة. ويبين الجدول أدناه النتائج الفعلية للمشروعات حتى العام 1997.

البحث

● كانت جينا كولاريللي أوكونور، إحدى المؤلفين، جزءاً من فريق أجرى أكثر من 600 مقابلة متعمقة مع مديري مشروعات الابتكار وقادتهم في 30 شركة كبيرة عبر الصناعات والبلدان لفهم ممارسات وأنظمة الابتكار.

● صمم المؤلِّفان الآخران، وهما وينجينغ ليو ونيل سي. طومسون، بالتعاون مع مجموعة أكبر، استطلاعاً تمثيلياً Representative survey أُرسِل إلى قادة الابتكار في 300 شركة كبيرة في سبع صناعات في جميع أنحاء أستراليا والصين وفرنسا وألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة والولايات المتحدة كلها لجمع البيانات حول أنجح مشروعات الابتكار الخاصة بها.

إليكم كيف ترك مقياس التسارع بصمته. في أوائل ثمانينات القرن العشرين، سمع عالمٌ يشتغل في البحث والتطوير R&D في شركة أنالوغ ديفايسيس (الأجهزة التناظرية) Analog Devices باختراع جديد في عالم الدارات المتكاملة Integrated circuits أدرجت فيه الأجهزة الميكانيكية Mechanical devices في تصاميم هذه الدارات. حالياً، نعرف هذا الابتكار باسم النظام الكهروميكانيكي الدقيق Microelectromechanical system، أو الأجهزة MEMS. كان هذا العالِم مفتوناً بما يكفي لدعوة المخترع، وهو أستاذ في جامعة قريبة، لإلقاء محاضرة أمام مجموعة البحث والتطوير في شركة أنالوغ. ثم بدأ في إجراء عديد من التجارب على التصميم وتوليد الأفكار مع زملائه حول وضع مثل هذا الجهاز على لوحة دارة Circuit board، والفوائد التي يمكن أن توفرها التكنولوجيا، وكيف يمكن تصنيع هذه الأنظمة على نطاق واسع. وتوقع أنه ستكون هناك استخدامات في صناعة السيارات، وهو قطاع جذاب لشركة أنالوغ لأن السيارات أصبحت تعتمد بقدر متزايد على الأنظمة الإلكترونية الذكية. في النهاية أظهر الفريق إمكانات هذه الأجهزة الجديدة لاستشعار التغيرات في السرعة، وأظهر كيف يمكن إنتاجها اقتصادياً، ومن ثم وُلدت شريحة مقياس التسارع.

على مدى السنوات العشر المقبلة بحثت الشركة عن تطبيقات في سوق السيارات. كانت مشغلات الوسائد الهوائية Airbag detonators هي هدفَها الأول، لكن على طول الطريق ظهرت عديد من التطبيقات معظمها خارج صناعة السيارات. في النهاية وجدت شركة أنالوغ أنه يمكن تعديل الجهاز لتمكين التقدم في تكنولوجيا ألعاب الفيديو، وأجهزة المحاكاة المستخدمة في التدريب Training simulators، والأجهزة الطبية، والبضائع الرياضية، والاتصالات البصرية Optical telecommunications، وتكنولوجيا الأقمار الاصطناعية، بما في ذلك الجيروسكوبات Gyroscopes. بدأت الشركة أيضاً في تلقي استفسارات عن مزيد ومزيد من حالات الاستخدام، إذ بحلول الوقت الذي اعتُمدت فيه التطبيقات المتوقَّعة للتكنولوجيا في صناعة السيارات، كانت تطبيقاتها غير المتوقعة قد حولت Transforming بالفعل عديداً من الأسواق الأخرى.

هذا مجرد مثال واحد على كيف أن الأفكار التي تبدو للوهلة الأولى مجردَ قفزة مثيرة للاهتمام، أو خطوةٍ تالية في تطوير المنتجات، أو مزيجٍ من التكنولوجيات المعروفة يمكن أن تكون لها تأثيرات أكثرُ جذرية. مع حضانة هذه التكنولوجيات تتعلم كل من الشركة والسوق الأوسع مزيداً عنها. تظهر حالات استخدام غير متوقعة، وفي كثير من الحالات تكون بعيدة كل البُعد عن تلك التي حدث تخيُّلُها في الأصل، وربما تستفيد من الخصائص المختلفة للتكنولوجيا أو نماذج الأعمال المختلفة.

صعوبة توقُّع الجذرية
في حين أن قصة مقياس التسارع هي واحدة من قصص النجاح المذهلة، إلا أنها تتحدث أيضاً عن قدرة شركة أنالوغ على استكشاف إمكانات الفكرة كاملةً. يمكن تفويت هذه الفرص إذا ظهر كثير من هذه الجذرية Radicalness فقط كحضانة للتكنولوجيا. تُرى ما مقدار الابتكار الجذري المفقود لأن المؤسسات تتخلى عن المشروعات قبل ظهور هذه الجذرية؟

أحد الأمثلة الصارخة على عدم القدرة على توقُّع حالة التوصل إلى ”اختراق“ Breakthrough (إنجاز خارق) في مشروع معين هو تحليل أساسي نشرته دوبونت DuPont. في العام 1968 طُلِب من مديري البحث والتطوير النظرُ في المشروعات التي كانت في مراحل مبكرة من تطويرها، وتحديد المشروعات التي يجب التخلي عنها، وكذلك تلك التي يعتبرونها ابتكارات متقطعة Discontinuous innovations، والتي عُرِّفتْ بأنها تنطوي على إمكانية ”ظهور مفاجئ لاختراق في التكنولوجيا يمكن أن ينتج عنه منتجات أو عمليات أو خدمات جديدة تماماً“((P.M. Norling and R.J. Statz, “How Discontinuous Innovation Really Happens,” Research Technology Management 41, no. 3 (May-June 1998): 41-44.)) وتؤدي إلى مكافأة عالية للشركة. بعد 30 سنة، في العام 1997، قُورِنت إجاباتهم بالنتائج الفعلية. (انظر: توقُّعات دوبونت عن الجذرية، الصفحة 24).

وأظهرت النتائج أن المديرين كانوا مخطئين في كثير من الأحيان أكثر مما كانوا على صواب، وأنهم بالغوا في تقدير آفاق المشروعات وقللوا من شأنها. بعض المشروعات التي اعتبرها المديرون واعدة انتهى بها الأمر إلى التخلي عنها أو عدم ملاءمتها أو بيعها أو إيقافها. فقط 1 من كل 6 من هذه المشروعات ذات الفوائد العالية المتوقعة كانت لا تزال نشطة. في المقابل، من بين المشروعات السبعة المتوقع أن تفشل بسبب انخفاض العوائد، أصبحت ثلاثة – تيفيك Tyvek وسورلين Surlyn وكليسار Clysar – رابحةً بوضوح، وبقي اثنان آخران قيدَ التطوير، وأُلغِي اثنان. لذلك لم يكن من الممكن توقُّع الاختراقات حتى بالنسبة إلى شركة تأخذ هذا السؤال على محمل الجد مثل دوبونت فحسب، بل كانت ستضيع إنجازاتها الناجحة كلها باستثناء ثلاثة لو أنها تصرفت بناء على آراء المديرين الذين لم يتمكنوا بعدُ من رؤية وعد هذه المشروعات.

يؤكد بحثنا مدى صعوبة توقع الجذرية من قِبل قادة البحث والتطوير. سألنا المشاركين في 300 شركة كبيرة في سبع صناعات في سبع دول عن أنجح مشروع طوروه في السنوات القليلة الماضية – على وجه التحديد، ما إذا كان قد حُكِم على الابتكار بأنه تدريجي أو كبير أو جذري في البَدء، وما إذا كان هذا التوقع قد تحقق. في الواقع، في حين أن 93% من المشروعات انتهت إلى أن تكون مبتكرة بقدر كبير أو جذري (كما هو متوقع من المشروعات الأكثر نجاحاً للمستجيبين)، كانت التوقعات الأولية لمعظم المشروعات – 92% كاملة – أنها ستكون تدريجية فقط. (انظر: بالنسبة إلى مشروعات الابتكار الناجحة كانت التوقعات منخفضة، الصفحة 26).

ممارسات للبحث عن فرص أكثر جذرية
عندما يعتمد المسؤولون التنفيذيون على تقييماتهم الأولية لجذرية الابتكار، يميلون إلى تخطي العمل اللازم للنظر بنحو هادف في مجموعة واسعة من السياقات والصناعات التي قد تؤثر فيها الفكرة. وهذا يجعل المؤسسة أقل وعياً بالفرص الناشئة وأكثر عرضة للتعامل معها على أنها مفاجآت خارج النطاق، أو حتى مضايقات، عندما تظهر. قد تكتشف فرق البحث والتطوير أو كشافة Scouts التكنولوجيا تكنولوجياتٍ متطورة لكنها غير قادرة على إثبات أن السوق كبيرة بما يكفي.

”لدينا أفكار كبيرة تُنفَّذ تدريجياً“، أخبرنا مسؤول تكنولوجي أول في إحدى الشركات. ومضى في وصف مثال نُقِل فيه التطبيقُ الأول والأكثر وضوحاً لمنصة تكنولوجية جديدة تتناسب مع توقعات وحدة أعمال Business unit واحدة بسهولة إلى فريق يعمل على التحويل إلى منتج تجاري Commercialization team، لكن أُهمِل عديدٌ من الفرص المحتملة الأخرى على الطاولة، وتُرِك من دون استكشاف تماماً. في شركة أخرى كُلِّفت وحدة البحث والتطوير المركزية بالتحديد والاختيار والتطوير لبرامج التكنولوجيا المتقدمة التي من شأنها أن تنتج اختراقات تتماشى مع وحدات الأعمال الحالية للشركة، وفق المسؤول التكنولوجي الأول. وبعد ذلك بسنتين أدرك أن الفرص الأكثر إثارة والناشئة عن هذه البرامج لم تكن في الواقع متوائمة مع وحدات الأعمال، لكن بما أن البحث والتطوير لم يخطط لهذه النتيجة، لم تكن هناك آلية بديلة لمتابعة تطويرها.

في كلتا الحالتين، ربما ساعدت كفاءتان مؤسسيتان فرقَ الابتكار على الكشف عن إمكانات الاختراق الخفية: الاكتشاف الاستباقي Proactive discovery والحضانة الواسعة النظر Wide-eyed incubation.

الاكتشاف الاستباقي هو العمل الذي يضطلع به الفريق لتحديد الاحتمالات التي لا تُعَد ولا تُحصَى والتي قد يوفرها الاختراع. يستثمر أعضاء الفريق الجهد مقدماً لتحديد عديد من التطبيقات وحالات الاستخدام والأسواق التي قد تُنشَأ حديثاً نتيجة لهذه التطورات. من خلال التواصُل مع قادة الفكر، والمشاركة مع خبراء من الصناعات الأخرى، ومجموعة من الأساليب الأخرى التي تثير التفكير الترابطي Associative thinking، يمكن لفرق الاكتشاف الكشف عن مشهد الفرص Opportunity landscape الذي يمكن أن تقدمه تكنولوجيا أو فكرة أو نموذج أعمال جديد.

يمكن أن يؤدي الاكتشاف الاستباقي دوراً كبيراً في إقناع متخذي القرارات الداخليين بأن فرصة معينة تستحق المتابعة. يمكن أن يكون له أيضاً دور في مدى التأثير الكبير الذي يمكن أن يحدثه الاختراق التكنولوجي، من خلال توسيع عدد الصناعات والأسواق التي يمكن أن يؤثر فيها. ولكن، عندما تظهر الابتكارات الجذرية، يمكن أن تؤثر بعمق في نمو الشركة.

شاركت شركة التغذية والعلوم البيولوجية دي إس إم DSM في اكتشاف استباقي أوائلَ العام 2010، بعدما أحرزت تقدماً في تطوير البروتين الذي أدى إلى تطوير العناصر الإضافية لعلف أبقار نظيف Clean cow feed additive. تقلل المادة المضافة من انبعاثات الميثان في البقرة بأكثر من 30% من دون أي آثار ضارة في رفاه الحيوان أو استهلاك الأعلاف أو أدائها.

كما بحث أعضاء فريق الابتكار الاستراتيجي في الشركة DSM عن تطبيقات أخرى للمادة المضافة: قرؤوا الأبحاث العلمية والسوقية، وحضروا المؤتمرات والمعارض التجارية، وتفاعلوا مع قادة الفكر، وتخيلوا التطبيقات المحتملة. كما حدد الفريق عديداً من الفرص المحتملة للبروتينات وفهرسَها مع الحفاظ على أعلى معايير الاستدامة. نتيجةً لذلك كانت الشركة DSM مستعدة جيداً حين بدأت هذه الأسواق في الظهور. ومنذ ذلك الحين اضطلعت بتحويل منتجات تجارية بناء على تقنيات مثل عزل البروتين القائم على الكانولا الذي يمكن استخدامه لزيادة كمية البروتين وجودته في البدائل النباتية من دون إدخال فول الصويا أو الغلوتين؛ واستخدام بروتينات نباتية كإضافات غذائية Food additives؛ وتطوير حلول لتصنيع الجبن والآيس كريم ومنتجات الألبان الأخرى.

في دوبونت، بعد عدة سنوات من تحليل المشروع الموصوف سابقاً، شارك مدير تطوير الأعمال الجديدة في الاكتشاف الاستباقي من خلال وضع إعلانات في المجلات العلمية والمجلات التجارية تلتمس مدخلات حول حالات الاستخدام المحتملة للمواد الجديدة الناشئة عن برامج البحث والتطوير الداخلية الجارية. وصف كل إعلان خصائص المواد التي يحدث تطويرُها ودعا القراء – من المفترض أن يكونوا زملاء البحث والتطوير في شركات أخرى – للاتصال بفريق تطوير الأعمال ومناقشة التطبيقات المحتمَلة. تلقى إعلان عن بوليستر قابل للتحلُّل (سمي لاحقاً دوبونت بيوماكس DuPont Biomax) أكثر من 100 استفسار ونتج عنه أكثر من 20 تطبيقاً مختلفاً استكشفتها دوبونت. ونمت أعمال المواد الحيوية في نهاية المطاف من تركيبة واحدة إلى عائلة كاملة من العروض، لم يكن أي منها متوقعاً.

الاكتشاف هو خطوة أولى ضرورية، لكنه لا يكفي لتقييم مدى الوعد الذي قد تصبح عليه الفرصة.

التعلم من خلال الحضانة
الاكتشاف هو خطوة أولى ضرورية، لكنه لا يكفي لتقييم مدى الوعد الذي قد توفره الفرصة. يتطلب القيام بذلك خطوة تالية – الحضانة – لفحص كل من تلك الفرص التي ظهر فيها الاكتشاف الاستباقي بنحو كامل.

الحضانة الواسعة النظر هي عملية فحص الفرص التي لا تُعَد ولا تُحصَى واختبار عديد من أوجه عدم اليقين التي جرى اكتشافها في أثناء الاكتشاف الاستباقي.((M.P. Rice, G.C. O’Connor, and R. Pierantozzi, “Implementing a Learning Plan to Counter Project Uncertainty,” MIT Sloan Management Review 49, no. 2 (winter 2008): 54-62; and R. McGrath, “Seeing Around Corners: How to Spot Inflection Points in Business Before They Happen” (Boston: Houghton Mifflin Harcourt, 2019).)) يمكن أن تتضمن هذه العملية أنشطة متنوعة، مثل توضيح عتبات الأداء Performance thresholds اللازمة للتكنولوجيا لتكون ذات قيمة لحالة استخدام معينة، والعمل على نماذج أعمال قابلة للتطبيق ترغب الشركة في استخدامها، أو التعاون مع الشركاء لسد الثغرات في خبرة الشركة.((C. O’Reilly and A.J.M. Binns, “The Three Stages of Disruptive Innovation: Idea Generation, Incubation, and Scaling,” California Management Review 61, no. 3 (2019): 49-71.)) يمكن أن تظهر تطبيقات جديدة مع مشاركة الأفكار مع السوق واستمرار التطوير التقني.

تظهر التفاعلات مع وكلاء السوق Market agents والخبراء التقنيين في أثناء الحضانة استخدامات وفوائد إضافية غير متوقعة. مع الحضانة الواسعة النظر يجري تحفيز أعضاء الفريق لاستكشاف تلك الفرص بدلاً من تضييق نطاق تركيزهم واعتبار التطبيقات خارج النطاق. عندما يفهم الفريق السوق، تفهم السوق الفوائد المحتملة التي يمكن أن تقدمها التكنولوجيا، ومن ثم يتشكل فهم متزايد لجذرية الابتكار.((G.C. O’Connor and M.P. Rice, “New Market Creation for Breakthrough Innovations: Enabling and Constraining Mechanisms,” Journal of Product Innovation Management 30, no. 2 (March 2013): 209-227.))

مع مرور الوقت اضطلعت مجموعة آي سي إل ICL، وهي شركة كيميائية متعددة الجنسيات، بتطوير وتحسين القدرة على إنتاج الفوسفات العالي النقاء. جرى استخدامه في البدء فقط في الأسمدة، لكن مع تحسن مستويات النقاء، دُمِج في الغذاء واستُخدم في عدد من التطبيقات الأخرى. عندما اتصلت شركة بطاريات صينية بالمجموعة ICL لشراء مواد الفوسفات، أدرك فريق المجموعة ICL أن فوسفات حديد الليثيوم يمكن أن يعالج المشكلات في سوق بطاريات الليثيوم. في النهاية فاز بمنحة كبيرة من وزارة الطاقة الأمريكية لاستكشاف هذه الفرصة وغيرها من الفرص المجاورة لتكنولوجيا البطاريات.

تظهر هذه الأمثلة قدر صعوبة توقُّع مدى جذرية مشروع الابتكار، حتى بالنسبة إلى الشركات التي هي بالفعل في طور حضانة المشروع – تماماً كما تظهر مدى أهمية الحضانة في أثناء عملية تحول المنتج إلى منتج تجاري لتجنب فقدان الفرص المهمة.

يساعد البحث والتطوير الداخلي في رصد إمكانات جذرية الابتكار
مع ظهور كثير من الإمكانات غير المتوقعة في أثناء الحضانة، قد يتساءل المرء عما إذا كان مصدر الابتكار مُهماً. مثلاً قد ينظر المبتكرون الخارجيون، مثل الجامعات أو الشركات الناشئة Startups، على نطاق أوسع من شركة راسخة تواجه صعوبة في رؤية ما وراء قطاعها، ومن ثم يكونون قادرين على تحديد وتنفيذ مزيد من الفرص الواعدة.

والمثير للدهشة أن بيانات الاستطلاع الذي أجريناه أشارت إلى احتمال العثور على مزيد من الجذرية غير المتوقعة عند تطوير المشروعات من قِبَل فرق البحث والتطوير الداخلية: في المتوسط تصبح هذه المشروعات أعلى بمقدار 1.5 نقطة في الجذرية (p<.001) على مقياس من 1 إلى 7 مقارنة بالابتكارات التي يُعهَد بها إلى جهات خارجية.

بالنسبة إلى مشروعات الابتكار الناجحة كانت
التوقعات منخفضة

تُظهر نتائجُ الاستطلاع الجذريةَ التي توقعها قادة الابتكار في 300 شركة عندما بدؤوا ما تبين أنه أنجح مشروعاتهم الابتكارية – وكيف اختلفت هذه التوقعات بقدر كبير عن تقييماتهم بعد الواقعة.
هذه القدرة الأكبر على تعزيز الجذرية داخلياً منطقية لعدة أسباب. أولاً، قد تكون المؤسسات التي تطور التكنولوجيا وتمتلكها وتغذيها بنفسها أكثر قدرة على التواصل داخل شبكاتها الداخلية حول الابتكار، وقد يكتشف الأعضاء المؤسسيون الآخرون استخداماً لم يحدث التفكير فيه من قبل. في استطلاع شمل 47 عضواً في تبادل أبحاث الابتكار Innovation Research Interchange، وهي جمعية مهنية لقادة البحث والتطوير من المستويين المتوسط والعالي، ارتبط عدد من ممارسات الإدارة بنمط إيجابي بالنجاح التجاري من الابتكار الجذري. من بين الممارسات الإدارية الـ15 التي قِيست، كانت قوة الشبكات الداخلية غير الرسمية – العلاقات التي يشكلها الموظفون بين الوظائف والأقسام لتبادل المعرفة وإنجاز المهام – هي الأكثر والأهم ارتباطاً بالنجاح التجاري الجذري للابتكار، مع معامل الارتباط r=.56 (p<.0001).((D. Krackhardt and J.R. Hanson, “Informal Networks: The Company Behind the Chart,” Harvard Business Review 71, no. 4 (July-August 1993): 104-111.))

يبدو أن عديداً من الشركات تدرك أهمية هذه الشبكات غير الرسمية. تشتهر الشركة إم ثري 3M بجلسات منتدى التكنولوجيا Tech Forum البارزة، حيث يقدم أعضاء البحث والتطوير الداخليون مشروعاتهم الحالية، ويحضر زملاؤهم من أجزاء أخرى من البحث والتطوير ووحدات الأعمال للتعرف على محفظة البحث والتطوير R&D portfolio. حدث عديد من الاصطدامات الإبداعية نتيجة للمنتدى، القائم منذ أكثر من 65 سنة.

طوّرت شركة جنرال إلكتريك GE تكنولوجيا التصوير بالمنظار الفلوري Fluoroscopic imaging في الأصل لاستخدامها في وحدة إلكترونيات الطيران الخاصة بها. أدرك عالِم البحث والتطوير الذي قاد هذا البرنامج أن أعمال التصوير في جنرال إلكتريك للأنظمة الطبية قد تستفيد من التكنولوجيا، التي يمكن أن تصور الحركة بطرق لديها القدرة على تقديم مستويات جديدة تماماً من البيانات التشخيصية مقارنة بتكنولوجيات التصوير المقطعي المحوسب CT scanning التقليدية. ذكر العالم هذه الإمكانية لزميل في البحث والتطوير كان يعمل في قسم الأنظمة الطبية في جنرال إلكتريك، وأدى ذلك في النهاية إلى تكنولوجيا التصوير بالرنين المغناطيسي MRI imaging التي سوقتها جنرال إلكتريك – وهو اختراق غير متوقَّع تماماً في الصناعة.

السبب الثاني الذي يجعل مصادر الابتكار الداخلية مفيدة هو أن القادة الداخليين لديهم سيطرة أكبر على نقاط الاختيار الاستراتيجية التي تنشأ حتماً على مسار تطوير التكنولوجيا مقارنةً باستثمارات الشركات أو أبحاث المختبرات الجامعية التي قد تمولها شركتهم. ما التطبيقات التي يجب متابعتها، والمنصات التكنولوجية التي يجب استخدامها، وكيفية دمج ابتكار جذري مع التقنيات المعروفة الأخرى، والقرارات الحاسمة الأخرى – كلها تخضع تماماً لسيطرة متخذي القرارات في الشركة. بالنسبة إلى الابتكارات المطورة خارجياً يمكن للشركة الكبيرة أن تتولى دور العميل أو المستثمر أو عضو مجلس الإدارة، لكن لن تكون لها سلطة اتخاذ القرار المطلقة. يحد هذا النوع من العلاقات من قدرة المؤسسة على فهم الفروق الدقيقة في إمكانات التكنولوجيا بعمق، أو تشكيل مسار التطوير أو الخيارات الاستراتيجية.

ومن المثير للاهتمام أن تجربة دوبونت توفر أيضاً دراسة حالة Case study داعمة لفوائد مصادر الابتكار الداخلية. ومن بين المشروعات الـ13 كلها التي في محفظتها، حصلت دوبونت على ثلاثة مشروعات ناجحة، بمعدل نجاح بلغ 23%. هذا أعلى بقدر ملحوظ مما يتبين عند قياس أداء رأس المال Venture capital performance، حيث تقدر معدلات النجاح بما بين 0.05% و5%.((J. Xavier, “75% of Startups Fail, but It’s No Biggie,” Silicon Valley Business Journal, Sept. 21, 2012, www.bizjournals.com; and D. Gage, “The Venture Capital Secret: 3 out of 4 Start-Ups Fail,” The Wall Street Journal, Sept. 20, 2012, www.wsj.com.))

هذه النتائج لا تنفي أهمية الابتكار المفتوح، واستكشاف التكنولوجيا، والمصادر الخارجية كمكونات حاسمة لأنشطة الابتكار في الشركة. كثيراً ما تعوض هذه العلاقات والأنشطة عن النقص المهم في القدرات.((N.C. Thompson, D. Bonnet, M.J. Greeven, et al., “Why Innovators in China Stay Close to the Market,” MIT Sloan Management Review 64, no. 1 (fall 2022): 28-32.)) بدلاً من ذلك تشير نتائجنا إلى أن الاعتماد على الابتكار المفتوح Open innovation لاستبعاد الاستثمارات الهادفة Exclusion of meaningful investments في البحث والتطوير الاستكشافي الهادف قد يقلل من احتمال أن تدرك الشركة الإمكانات الابتكارية لتقنية جديدة. 

مكافآت الجذرية غير المتوقعة
قد يتخيل المرء أن الجذرية غير المتوقعة ستكون نعمة مختلطة، لأن تنفيذ المشروعات الجذرية عادةً ما يكون أكثر صعوبة من الابتكارات التدريجية. يمكن أن يؤدي مزيد من الجذرية غير المتوقعة إلى زيادة تأثير الابتكار، لكن يمكن أيضاً أن يجعل تنفيذه أكثر صعوبة. ومن المثير للاهتمام أن هذا لا يبدو صحيحاً. بينما تؤكد بياناتنا أن تنفيذ المشروعات الأكثر جذرية يصعب تنفيذه بوجه عام، إذا ظهرت الجذرية مع تقدم تطوير المشروع (مثلاً، في أثناء الحضانة)، يبدو أن تنفيذه يكون أقل صعوبة مما كان متوقعاً.

قد تكون الابتكارات الجذرية الخفية، بمجرد الكشف عنها، سهلة التنفيذ بنحو غير متناسب.

تشير هذه النتائج إلى فائدة إضافية للكشف عن هذه الابتكارات الجذرية الخفية: ستكون سهلة التنفيذ بنحو غير متناسب. ويتجلى ذلك في مشروع اضطلعت به شركة لتطبيقات الهواتف الذكية لتحديد الموقع الجغرافي للعملاء. كان الغرض الأولي من المشروع هو إجراء توقعات بالطقس وإبلاغ العملاء بالفعاليات المُلغاة. مع تقدم المشروع، توصل الفريق إلى التعرف على طرق أكثر (وأكثر أهمية) لاستخدام معلومات تحديد الموقع الجغرافي، مثل تخصيص الإعلانات الخاصة بالموقع، وتسهيل تبادل الموقع في الوقت الفعلي بين الأفواج للقاءات، وتقديم توصيات مخصصة بناء على تاريخ موقع العملاء. مع فهم أعمق للاتساع المحتمل للسوق ونطاق تأثير التكنولوجيا الذي ظهر من خلال الحضانة، أصبح قادة الشركة أكثر استعداداً للاستثمار في تسويقها.

يمكن تفسير نمط المشروعات التي تصبح أسهل في التنفيذ لأنها تصبح أكثر جذرية من خلال الديناميكيات التي تظهر عند إدخال السوق إلى التكنولوجيا الجديدة (دفع التكنولوجيا Technology push). في حين أن دفع التكنولوجيا كثيراً ما يُنتقَد باعتباره النهج الأسوأ لإدارة الابتكار من الاستماع إلى السوق وتلبية متطلباته (جذب السوق Market pull)، نجد أنه مع تعلُّم السوق عن التكنولوجيا، يمكن أن يتحول دفع التكنولوجيا إلى جذب للسوق.

مثلاً وصفَ أحد الأشخاص الذين قابلناهم، وهو زميل باحث في شركة آي بي إم IBM، إلقاءَ محاضرة في مؤتمر علمي ذكر فيها ظاهرة مرتبطة بشريحة أساسها زرنيخيد الغاليوم Gallium arsenide. في نهاية العرض التقديمي، اقترب منه عالم بحث وتطوير من شركة أخرى بمشكلة لم يتمكن من حلها. أصبح عضو الجمهور هذا في النهاية أولَ عميل لحالة استخدام لم يُنظَرْ فيها من قِبل المخترع أو فريقه. يوضح هذا المثال وغيره من الأمثلة المماثلة أنه مع حدوث دفع تكنولوجي، تبدأ السوق في الجذب، مما يمكن أن يمهد الطريق للتنفيذ.

التطور السريع الأخير لتكنولوجيا المسيّرات (الطائرات من دون طيران/الدرونات) Drones هو مثال آخر على دفع التكنولوجيا مما يؤدي إلى جذب السوق. في المقابلات التي أجريناها ذكر أحد القادة في شركة ناشئة للمسيَّرات الصناعية بدء العمل ”بهدف بسيط نسبياً“: زيادة دقة رسم الخرائط. عندما طورت الشركة التكنولوجيا أدركت أنه يمكن دمج الخرائط الدقيقة مع تكنولوجيات أخرى (مثل نظام التحكم في الطيران) لتطوير منتجات صناعية جديدة للمسيَّرات. احتضنت الشركة عديداً من حالات الاستخدام الجديدة هذه، مثل الفحص القائم على المسيَّرات لمحطات الطاقة الكهروضوئية، ما أدى إلى عديد من العروض الجديدة.

باختصارٍ كلما أُخِذت التكنولوجيا من خلال عملية الاكتشاف والحضانة، تمكنت من العثور على تطبيقات واعدة حيث سيطلبها المستخدمون الداخليون أو الخارجيون وتسهل عملية التنفيذ.

احتضان مفاجأة الجذرية
نشجع المؤسسات التي تتطلع إلى زيادة قدراتها الابتكارية الجذرية على اتباع أربعة مبادئ توجيهية

1. تجنُّب الاعتماد المفرط على المصادر التكنولوجية الخارجية Avoid overdependence on external technological sources. إن استنفاد البحث والتطوير الداخلي في محاولة لتبني الابتكار المفتوح بالكامل هو مسار اختارته عديد من الشركات أخيراً. تشير نتائج أبحاثنا إلى أن الاستفادة من التأثير الكامل للابتكارات من دون الشبكات الداخلية والتحكم في القرار والخبرة العميقة التي تأتي مع الاستثمارات المستمرة في البحث والتطوير الداخلي ستكون صعبة. قد تحتاج الشركات أيضاً إلى توسيع خبرتها التكنولوجية إلى ما وراء المجالات التي تنطبق مباشرة على وحدات الأعمال، لاستكشاف الفرص التي ستكون أكثر جذرية بنحو أفضل.

2. بناء القدرات الداخلية للاكتشاف الاستباقي Build internal capabilities for proactive discovery. الهدف من الاكتشاف هو توليد وتطوير ثراء مشهد الفرص. بدلاً من افتراض أن التكنولوجيا تقدم حلاً واحداً لمشكلة كبيرة منتشرة على نطاق واسع، استخدموا أدوات لتحفيز التفكير المتباعد (التباعدي) Divergent thinking والخيال والاستكشاف المبكر لحالات الاستخدام وآثارها من حيث عروض المنتجات وقطاعات السوق. يتمثل أحد الخيارات في تحديد التكنولوجيا والتطبيقات وقطاعات السوق وتركيبات المنتجات، بأي ترتيب، من ضمن مجال المشكلة/الفرصة. تساعد هذه العملية الفِرق على التعرف على عديد من الطرق المختلفة التي يمكن أن تشارك بها شركتهم في معالجة مجال مشكلة معقدة تتطلب ابتكاراً جذرياً.

في أثناء الحضانة قد يظهر تطبيق خارق نتيجة للتفاعلات مع الأسواق المتخصصة الأخرى.

3. التحلي بالصبر لتنمية مشروعات الابتكار من خلال الحضانة Have the patience to cultivate innovation projects through incubation. في أثناء عملية الحضانة، من الممكن أن يظهر تطبيق خارق لم يكن موضعاً للتخيل من قبل نتيجة للتفاعلات مع الأسواق المتخصصة الأخرى. يمكن استخدام أدوات مثل نهج إدارة مشروع خطة التعلم Learning Plan والتخطيط القائم على الاكتشاف لفحص الفرص.((Rice, O’Connor, and Pierantozzi, “Implementing a Learning Plan,” 54-62; and R.G. McGrath and I.C. MacMillan, “Discovery-Driven Planning,” Harvard Business Review 73, no. 4 (July-August 1995): 44-54.))

4. تزويد فرق الاكتشاف والحضانة بخبرة جديدة في إنشاء الأعمال Staff the discovery and incubation teams with new business creation expertise. هذا ليس هو الشيء نفسه مثل مهارات البحث والتطوير. شاركت فرق التسويق والتكنولوجيا الاستكشافية في كورنينغ Corning في اكتشاف استباقي لكل برنامج بحث وتطوير رئيس حيث لم تكن هناك حالات استخدام واضحة على الفور لكن كثيراً منها مما يمكن تخيله. وفي نهاية المطاف أنشأت دوبونت فرقاً للتسويق الداخلي Marketing teams داخل قسم البحث والتطوير للعثور على طلبات لعديد من الأفكار المنبثقة عن منشأة البحث والتطوير المركزية الخاصة بها، ومن ثم البدء في اختبارها مع الأطراف المهتمة. يشير كل مثال من هذه الأمثلة إلى أهمية التوظيف والتطوير والتعزيز للأشخاص الذين يتمتعون بتوليد فرص الابتكار الاستراتيجي ومهارات إنشاء الأعمال الجديدة.((G.C. O’Connor, A.C. Corbett, and L.S. Peters, “Beyond the Champion: Institutionalizing Innovation Through People” (Stanford, California: Stanford University Press, 2018).))

في النهاية يجب أن تكون المؤسسات مستعدة للاستفادة من المفاجآت. عندما تركز الشركات على إيجاد حل تكنولوجي لمشكلة معروفة، تميل إلى تجاهل إشارات الحماسة غير المتوقعة التي تأتي من الأسواق الداخلية والخارجية. يجب أن تكون الشركات التي لديها قدرات اكتشاف وحضانة جاهزة أيضاً على استعداد لتكريس الاهتمام والتمويل عند ظهور هذه الأنواع من المفاجآت. جزء من فن الابتكار الجذري هو حضانة المفاجآت بعقل متفتح واستكشاف رشيق Agile exploration لإمكانياتها خارج حدود المتوقع.

وينجينغ ليو Wenjing Lyu

زميل ما بعد الدكتوراه في مبادرة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا حول الاقتصاد الرقمي MIT Initiative on Digital Economy.

جينا كولاريللي أوكونور Gina Collarelli O’Connor

أستاذة كرسي عائلة فـيشر Fischer Family Chaired Professor في كلية بابسون Babson College.

نيل سي. طومسون Neil C. Thimpson

مدير مشروع أبحاث فيوتشر تك FutureTech التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT.

Related Articles

Back to top button