أشباح ماضي المجرّات
أشباح ماضي المجرّات(*)
قد تكون النجوم الغريبة الحركات بقايا
مجرات غابرة ابتلعتها مجرّتنا (درب التبانة).
<R.إيباتا> ـ <B.جِبْسون>
نظرة إجمالية/ جداول النجوم(**)
حتى التيارات المكونة حديثا، من الصعب رؤيتها وتمييزها من بقية المجرة. وعندما تتشتت، فإن نمطها الفضائي يتلاشى تماما. ومع ذلك، لا تكشف الأنماط الدقيقة لحركة النجوم ولا المواد التي يتركب منها موطنها الأصلي أبدا. وبالقيام بإحصاء دقيق للنجوم، يهدف الفلكيون إلى كشف تلك النجوم التي هاجرت إلى مجرتنا، لإعادة النظر في الطريقة التي أوصلت مجرة درب التبانة إلى حجمها الحالي. تقدم لنا التيارات طريقة جديدة لقياس المادة المعتمة (المظلمة) المحيرة، التي تغلف مجرتنا كلها؛ إذ إن أشكال التيارات حساسة لكمية هذه المادة غير المنظورة ولتوزعها. |
إن جميع النجوم التي تراها، عندما تنظر إلى سماء ليلٍ صافٍ، هي نجوم مستقرة في مجرتنا درب التبانة. وأقرب المجرات الضخمة إلينا هي المرأة المسلسلة Andromeda، التي تبعد عن مجرّتنا أكثر من مليوني سنة ضوئية. وهذه مسافة أكبر بنحو عشرين مرة من قطر القرص الرئيسي لمجرتنا كلها، ولا يمكنك تمييز نجومها بالعين المجردة؛ إذ إنها متشابكة بعضها ببعض في زغب مثقل بالضباب. وفيما يتعلق بمجرتنا، فقد تكون هذه النجوم، أيضا، قاطنة في كونٍ منفصل. وبالعكس، فمن الطبيعي أن ننظر إلى النجوم في سمائنا وكأنها شموس طبيعية، وُلدت في كنف درب التبانة وكَبُرت فيه.
ولكن ماذا نفعل عندها بالسِّماك الرامح Arcturus، ثاني النجوم كِبَرا في السماء الشمالية؟ يتحرك السماك الرامح بطريقة دقيقة فريدة، ويختلف تركيبه الكيميائي قليلا عن تركيب معظم نجوم درب التبانة، ويتقاسم خصائصَه الغريبة هذه مع عدد قليل من النجوم المنعزلة التي خطّت لنفسها مسلكا مستقلا والتي نجدها مبعثرة في المجرّة. ويشكل منشأ هذه النجوم وغيرها من النجوم الشاذة (غير القياسية)، محورا لمناقشات ساخنة بدأت في الستينات من القرن الماضي. فهل أجبرت ثقالةُ الأذرع الحلزونية لمجرتنا تلك النجومَ على أن تسلك مسارات غريبة الأطوار؟ أم أنها نجوم مهاجرة تكوّنت في أمكنة خارج درب التبانة من مواد لا تمت إليها بأية صلة؟
بتطبيق تقنيات معقدة وحاذقة مماثلة لتلك المستخدمة في مجالات علمية أخرى، تمكّن الفلكيون، في الأعوام الأخيرة، من اكتشاف أن الجواب هو نعم. إن بعض النجوم القريبة في المجرة إما وُلدت بالفعل في مدارات غريبة وإما دُفعت إلى تلك المدارات، لكن العدد الكبير جدا من النجوم الشاذة، ومن ضمنها السماك الرامح، هو نجوم مهاجرة أصيلة. ربما يجب استخدام استعارة مجازية أفضل من «مهاجرة»، مثل «ضحايا الاختطاف» أو «رعايا المجرات الأخرى»؛ لأن الفلكيين يعتقدون أن هذه النجوم قد ولدت في مجرات أصغر من درب التبانة، ثم أُسرت وسلبت وتم هضمها. وربما استطاعت مجرتنا بمرور الزمن، أن تقهر المئات من جاراتها، وخصوصا تلك التي تمتزج نجومها الآن بنجوم درب التبانة الأصلية، وهي وحدها التي تحتفظ بذكريات باهتة عن موطنها الأصلي. وبتمييزها من غيرها، يستطيع الراصدون إعادة بناء التاريخ العنيف للمجرة وسبر أغوار أشد أسرارها غموضا وهو: طبيعة المادة المعتمة (المظلمة) غير المنظورة، التي تحكم وجودها.
غزاة فضائيون(***)
يتطلب اكتشاف النجوم المهاجرة انتباها وفطنة شديدين. وهي، من حيث المبدأ، تفشي سرها من غير قصد بتوضعها جنبا إلى جنب في تيارات طويلة، كما تفعل مجموعة تؤدي رقصة الكونگا conga، التي يسير فيها الراقصون في خطّ كلّ خلف الآخر بين حشد كبير في باحة الرقص. ويعود العديد من التيارات في مسار نجمي إلى حشد من النجوم الكروية أو إلى واحدة من المجرات التابعة لدرب التبانة، التي من المفترض أن تكون الموطن الأصلي لنجوم التيار أو ما بقي منه. ومع ذلك، فمن الصعب عمليا كشف هذه التيارات؛ لأنه يصعب تمييزها من المجموعات النجمية الموزعة بطريقة سلسلةٍ نسبيا. وللتغلب على هذه الصعوبة، استخدم كثير من الاكتشافات الحديثة تقنية المرشِّح-المتناغم التي ابتُكرت إبان الحرب العالمية الثانية للحصول على صور أوضح للطائرات المهاجمة. تقوم هذه التقنية بترشيح النجوم الأصلية المولد، انطلاقا من فكرة تقريبية عن أنماط هذه النجوم وعن أشكال النجوم المهاجرة.
ولعل أكثر التيارات النجمية المعروفة تشويقا وإثارة كان تيار القوس والرامي، الذي اكتشفه أحدنا (إيباتا) وزملاؤه في عام 1994؛ وهو عقد من النجوم الكثيفة المتراصة يطوّق مجرتنا، ويمتد مسافة تقارب مليون سنة ضوئية، وتقدّر نجومه بنحو 100 مليون نجمة، ويرتبط بمجرّة القوس والرامي القزمة الإهليلجية ـ وهي واحدة مما يراوح بين 12 و20 مجرة صغيرة تدور حول درب التبانة، كما تدور الأقمار حول أحد الكواكب. وتصنف هذه المجرات من حيث الحجم، بدءا من غيمة ماجلاّن الضخمة Large Magellanic Cloud (التي تبلغ كتلتها عُشْر كتلة مجرتنا)، مرورا بمجرة القوس والرامي القزمة (التي تبلغ كتلتها زهاء 1/100 من كتلة مجرتنا)، وصولا إلى المجرات الباهتة (التي لا تتعدى كتلُها جزءا من مليون من كتلة مجرتنا).
لقد شطرتْ مجرتُنا (درب التبانة) مئاتٍ من المجرات الصغيرة إلى أجزاء مولِّدة تيارات نحيلة من النجوم التي امتزجت ببطء بتلك التي تقطن أصلاً درب التبانة. وكما ذكرنا، فإن مجرة درب التبانة تقوم بتمزيق كوكبة القوس والراميSagittarius القزمة، مولِّدة التيار (الذهبي) الذي يحيط بكامل القرص المركزي للمجرة. |
إنه لمن الصعب أن يكون العيش وديا وحميميا بالقرب من المجرات العملاقة، فتوابعها الصغيرة سوف تتشوه تدريجيا إلى أن تُدمَّر في النهاية. وهكذا فإن مجرّة القوس والرامي قد بدأت بالسير إلى حتفها قبل عدة بلايين من السنين، وهي الآن جسم هش التماسك وفي مراحل فنائه الأخيرة. ولسوف تتشتت نجومه عبر مجرّتنا، وإذ ذاك يزول ترتيبها المترابط الجميل المألوف لنا، الذي يشبه التيار. وسيصعب على علماء الفلك في المستقبل تمييزها من النجوم الأصلية لدرب التبانة. ويجري، أيضا، تمزق أوصال العديد من المجرّات الصغيرة، ويشكل التيار للبعض كل ما تبقى منها (انظر الجدول في الصفحة33). إن ما يتسرب بعيدا في بعض الحالات القليلة، كما في غيمة ماجلاّن الضخمة، ليس نجوما، بل غازات(2).
اختباء في الزحام(****)
|
إن آلية التدمير مألوفة جدا لنا جميعا وهي: حوادث المد والجزر التثاقلية، وهي العملية نفسها التي تسبب المد والجزر في البحار والمحيطات على الأرض. تنشأ القوى المدية(3) عندما تتعرض مناطق مختلفة من جسم إلى قوى تثاقلية غير متساوية. فقمر الأرض يجذب جزء الأرض المواجه له بقوة أكبر من تلك التي يجذب بها الجزء الآخر البعيد عنه ـ والفرق بين القوتين هو من الضعف بحيث لا يؤدي إلى سحب كوكبنا، ولكنه يكفي لجعل مياه البحر تنتفخ قليلا. وتؤدي حركة الجسمين إلى جعل هذا الانتفاخ يكتسح الكرة الأرضية رافعا وخافضا مستوى مياه البحر وفق دورات منتظمة. وبالمثل فإن مجرة درب التبانة تشوه مجرّة صغيرة تابعة أو حشدا نجميا عن طريق سحبها لأحد جوانب هذه المجموعة النجمية أكثر من جذبها لجانبها الآخر. وبهذا الفعل، تستطيع أن تجعلها تتخلى عن بعض نجومها [انظر المؤطر في الصفحة 6]. وتفقد المجرّة التابعة عددا متزايدا من نجومها، فتؤلف هذه النجوم عمليا قافلة تبدو لنا شبيهة بكِسَر الخبز التي تدل على طريق الرجوع إلى الوطن الذي تشكلت فيه.
بحث في طريق التقدم(*****)
إذًا، تسهم مجرّة القوس والرامي القزمة، وتوابعُ مجرية أخرى، في النمو المتعاظم لمجرّتنا. وقد أحدثت الاكتشافات الرصدية هذه ثورة في الفهم النظري لتشكل المجرّة. كان الفلكيون يعتقدون، في وقت من الأوقات، أن جميع المجرّات قد نشأت مباشرة نتيجة زيادة تدريجية، تكاد تكون غير محسوسة، في كثافة الكون البدائي؛ ثم خضع في فترة مبكرة لنمو جامح، استقر بعدها بسرعة على ما هو عليه الآن. وفي هذه الأيام، يظن الباحثون، باعتمادهم جزئيا على الأرصاد التي أجريت للتيارات النجمية، أن المجرّات القزمة وحدها (التي تصل كتلها إلى كتلة بليون شمس) هي التي مرت بمثل هذه المرحلة السريعة من التشكل، أما المجرات العملاقة مثل درب التبانة (قرابة تريليون شمس)، فقد تشكلت في وقت متأخر بطريقة النمو الالتحامي أو الاندماج التدريجي للمجرّات القزمة ـ وهذه الطريقة مستمرة إلى يومنا هذا، وإن تكن بخطى أكثر تمهلا من ذي قبل.
هذه هي الطريقة التي تنهار بها المجرات(******)
|
وبعد أن ضبط الفلكيون درب التبانة وهي تقوم بهضم المجرات القريبة منها، انتقلوا إلى الشق الآخر من السؤال: ما هو التركيب الكيميائي الذي كانت تملكه اللبنات المكونة لتلك المجرات القديمة؟ وما هي نسبة النجوم المهاجرة إلى العملاقة في أيامنا هذه؟ وكيف أن العناصر الكيميائية التي جلبتها معها هذه المجرّات الصغيرة إلى درب التبانة غيّرت في تاريخها المبكر؟ وبصرف النظر عن الفوائد المباشرة لتيارات النجوم لكونها سجلات أحفورية للعملية التي تجمعت بها المجرّة، فإن لها أيضا استخدامات عظيمة بوصفها مسابير لتوزع المادة المعتمة [انظر المؤطر في الصفحة المقابلة].
للإجابة عن هذه الأسئلة، لا يحتاج الفلكيون إلى تحديد تلك النجوم التي تهاجر في الوقت الحاضر إلى مجرتنا، بل أيضا إلى تحديد تلك التي هاجرت في الماضي. والمعضلة هي أنه حالما تمتزج النجوم المهاجرة بالغاز في درب التبانة، يصبح من المستحيل جوهريا تعرّفها كمعالم فضائية مميزة. لذا يجب على الفلكيين المختصين البحث عن آثار أدقّ لمنشأ تلك النجوم، مثل أنماط حركاتها وتركيبها الكيميائي الذي يصعب تغيره.
إننا جميعا معتادون على دراسة حركة الأجسام استنادا إلى موضعها وسرعتها، لكن للحركة خصائص أخرى، مثل الطاقة والاندفاع الزاوي. وكما يتعين الموضع في الفضاء الثلاثي الأبعاد، فإن الموضع والاندفاع يمكن أن يتعينا في فضاء مجرد سداسي الأبعاد يعرف بالفضاء الطوري، الذي يتميز من الفضاء الحقيقي بأن للنجوم بداخله مرونة أكبر لاستعادة الشكل الذي كانت عليه. هذا وغالبا ما تدمّر عملية هضم النجوم تماسك الفضاء الحقيقي للتيار، لكن لا يمكنها أن تزيل تماسك الفضاء الطوري للتيار، وذلك طبقا لمبدأ أساسي في الميكانيك الإحصائي يعرف بنظرية ليوفيل(4) .Liouville’s theorem
لذا فإنه بقياس الطاقة والاندفاع الزاوي وكثافة الفضاء الطوري لعينات عشوائية من النجوم، تمكن الباحثون من كشف مجموعات نجمية تستحيل رؤيتها مباشرة. وهذه المجموعات أشباح لمجرّات تحللت قبل زمن بعيد. وقد استخدم كثير من المجموعات البحثية، من ضمنها مجموعة تقودها <أمينة حلمي> [من المعهد الفلكي Kapteyn في گرونينگن بهولندا] و<.B .C بروك> [من جامعة واشنطن]، تقنية للكشف عن عدد من أحافير (مستحاثات) التنامي الالتحامي للتوابع، وكانت جميعها تقع بالقرب من المنظومة الشمسية، وذلك لأن دقة التجهيزات المستخدمة لم تكن كافية لقياس الحركة التامة الثلاثية الأبعاد للنجوم التي تقع على مسافات أبعد من ذلك.
رؤية ما لا يمكن أن يُرى(*******) من الطبيعي أن يركّز الفلكيون، عند إعادتهم بناء تاريخ درب التبانة، على ما يستطيعون رؤيته: وهي النجوم. ولكن النجوم لا تمثل إلاّ جزءا صغيرا جدا من المجرّات؛ أما القسم الأعظم فيكمن في صيغة لا يعرفها العلم: إنها المادة المعتمة (المظلمة) المحيّرة. وكل ما نعرفه عنها ـ وهو ليس بالكثير ـ يأتي من رصد تأثيرها التثاقلي في النجوم والغازات التي نراها. ومن نافلة القول إنه من الصعوبة بمكان أن نرسم بالتفصيل ما لا نستطيع رؤيته. وما يرجوه المراقبون هو توفر القدرة على متابعة حركة النجم وهو يقوم بإتمام دورة كاملة حول مركز المجرّة. فهو يتباطأ في حركته أحيانا ويتسارع أحيانا أخرى، تبعا لشدة الحقل التثاقلي ـ وهذه ستؤدي إلى تبيان الطريقة التي تترتب بها الكتل في مجرّتنا. ولسوء الحظ، فإن حياة الفلكيين المهنية القصيرة جدا لا تسمح بمتابعة تلك الأرصاد إلى النهاية، فالنجم يحتاج إلى مئات الملايين من السنين كي يكمل دورة واحدة. توفر تيارات النجوم(5) طريقة للتغلب على هذه الصعوبة. فنجومها تتبع مسارات متماثلة، والاختلاف الوحيد بينها هو أنها بدأت في أزمنة مختلفة. لذا فإنها تسلك المسار الذي يسلكه نجم منفرد خلال مئات الملايين من السنين. والآن، قام فريقنا بقياس شكل تيار القوس والرامي، واستنتج أن توزع المادة المعتمة حول درب التبانة ليس على هيئة مجسم إهليلجي، كما تنبأت به عمليات المحاكاة التي نُفِّذت بالحاسوب، ولكنه على هيئة كرة. والمثير للانتباه هو أن سلوك التيار يتماشى مع توقعات بعض النظريات غير القياسية للثقالة، كنظرية الديناميك النيوتنيّ المعدل (MOND)(6). لقد تم حديثا تأييد هذه النتيجة من قبل <M.فيلهارو> [من جامعة كامبريدج] ومساعديه، مع تحذير وحيد وهو أن تيار القوس والرامي لا يسبر إلاّ جزءا صغيرا من توزع المادة المعتمة. ومن الضروري إجراء قياسات لتيارات متعددة لمعرفة ما إذا كان توزع المادة المعتمة هو كرويا حقا. وثمة سؤال آخر عما إذا كان توزع المادة المعتمة منتظما أو على شكل تكتلات، لأن الجواب يرتبط بتركيبها. فإذا كانت المادة المعتمة مكوّنة من جسيمات لا تتفاعل إلا من خلال قوة الثقالة، فلا يوجد ما يجعلها توقف تجمعها وتكتلها. أما إذا كانت مكونة من جسيمات تتفاعل، إضافة إلى الثقالة، بطرق أخرى [مثل فعل القوى النووية]، فمن المحتمل أن تقاوم التكتل وتتوزع بشكل منتظم. إن مراقبة تيارات النجوم هي واحدة من الطرق القليلة للبحث عن التكتل. وبرسم ماهر وحذر لمواضع النجوم وسرعاتها في التيارات النحيلة، فإن التابعGaia يجب أن يكون قادرا على إثبات أو دحض وجود تكتلات صغيرة من المادة العاتمة لا تتجاوز أقطارُها مئة سنة ضوئية. وبهذه الطريقة، قد تكشف، ذات يوم، التيارات النجمية التي يتجاوز اتساعها كامل المجرّة خصائصَ الجسيمات التي هي أصغر من الذرات.
<I.R.> ـ <G.B.>
|
أيٌّ منها لا يشبه الأخريات(********)
لقد بدأ الفلكيون باختبار تقانة أخرى مثيرة وهي ما يسمى البصمة الكيميائية chemical fingerprint. فأغلب النجوم لم تولد منعزلةً، بل في مجموعات من عدة آلاف إلى عشرات الآلاف. وقد انبثقت كل مجموعة من غيمة غازية واحدة، وكل غيمة تمتلك خليطا فريدا متجانسا من عناصر كيميائية ونظائر مشعة أورثتها النجومَ الوليدة. وحتى عندما تتبعثر تلك النجوم، فإنها تبقى محتفظةً بعناصرها الكيميائية الفريدة التي ورثتها، وهذا يسمح للفلكيين المختصين باقتفاء أثرها لمعرفة مكان ولادتها. وقد بيّنت <A.K.فين> [من جامعة فيكتوريا في كولومبيا البريطانية] أن للنجوم التي وُلدت في مجرّات قزمة تركيبا كيميائيا مختلفا جدا عن تركيب نجوم درب التبانة الأصلية.
وثمة سؤال أصعب: هل من الممكن تتبع مسار نجوم منفردة إلى حيث ولدت؟ لقد قامت، منذ عهد قريب، <G.دي سلفا> [من المرصد الجنوبي الأوروبي] ومساعدوها بدراسةٍ كيميائية مفصلة لإحدى أهم المجموعات النجمية في درب التبانة المعروفة جيدا، وهي القلائص، فوجدوا أن جميع نجوم هذه المجموعة تمتلك جوهريا توزعا واحدا من العناصر الكيميائية، وهذا يوحي بأن البصمة الكيميائية ستسمح في الحقيقة للفلكيين بتمييز النجوم ذات المنشأ المشترك وفصلها. وقد يتمكنون ذات يوم من تمييز أخوات الشمس ـ وهي تلك النجوم التي تكوّنت معها من الغيمة الغازية الأم نفسها، ثم تبعثرت في كل مكان عبر المجرة.
وبعد أن تم التحقق من جدارة البصمة الكيميائية، بدأ الفلكيون بوضع هذه الفكرة موضع التنفيذ. فأجرى علماء المرصد الإنكليزي-الأسترالي تجربة السرعة الإشعاعية (RAVE)، ونفذ فلكيّو المقراب Sloan تجربة سموها SEGUE. وقد تمكنوا من قياس سرعة أكثر من 100000 من النجوم القريبة ومعرفة تركيبها الكيميائي. وهذان المشروعان هما من أسلاف البعثة Gaia التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية والبعثة SIM التابعة للوكالة ناسا. وقد وُضعت خطة طموح ليقوم مقراب البعثةGaia ـ وهو أكثر المقاريب الفضائية تطورا تقانيا حتى الآن ـ بتنفيذ خريطة، بين عامي 2011 و 2020، تبين المخطط الثلاثي الأبعاد لمجرتنا، وهذا يزودنا بقياسات لمواقع وسرعات عدد مذهل من النجوم يقدّر بنحو بليون نجم ـ وهذا يعادل تقريبا 1 في المئة من نجوم مجرتنا. ومن المتوقع أن يتم الحصول على التركيب الكيميائي لعدة ملايين من هذه النجوم. وبالعمل معا ضمن جدول زمني مشابه، فمن المقدّر للمشروعSIM أن يقدم معلومات دقيقة عن أمكنة عينة جزئية من النجوم الباهتة، وهذا ييسّر سبر معظم نجوم التيارات غير الكثيفة. لذا فإن هاتين البعثتين تمثلان أفضل مسح حساس لكن في مجال ضيق (البعثة SIM)، وأفضل مسح عريض لكن أقل حساسية (البعثة Gaia).
حقل تيارات نجمية(*********)
اكتشف الفلكيون أقل قليلا من اثني عشر تيارا نجميا. ولو كانت النظريات الحالية لتكوّن المجرات صحيحة، لكان درب التبانة قد ابتلع مئات من المجموعات النجمية الصغيرة التي أصبحت معظم نجومها الآن ممتزجة بنجوم درب التبانة الأصلية، ولأصبح من المستحيل العثور عليها.
|
لقد مضى عشرة أعوام على اكتشافنا مجرة القوس والرامي القزمة، وحينئذ اعتبرها العديد من زملائنا مجرّد فضول ليس له مدلولات أوسع. ولكن سرعان ما أصبحت هذه المجرة نموذجا للتاريخ الاندماجي والالتحامي المعقد لدرب التبانة ـ ويُعتقد الآن أن هاتين العمليتين هما الدافعان الرئيسيان لتكوّن المجرّات وتطورها. وقد جلبت المجرّات المندمجة نجوما جديدة وغازًا ومادة معتمة (مظلمة)، كما أطلقت موجات تكوّنِ النجوم. وهذه النجوم المهاجرة هي التي تجعل مجرّتنا محتفظة بنشاطها وحيوتها.
المؤلفان
Rodrigo Ibata – Brad Gibson
لقد بدآ بالعمل معا عام 1997، للاستفادة من الأرصاد الفلكية لمجرّة القوس والرامي القزمة ذات المسار الإهليلجي بغية فهم المادة المعتمة. <إيباتا> راصد يحب الأمور النظرية، أما <جيبسون> فهو منظّر من هواة الرصد. يعمل <إيباتا> في المركز القومي للأبحاث العلمية الفرنسي بمرصد ستراسبورگ، ولايزال يضيف الجديد إلى سجل اكتشافاته. فقد قاد فريق البحث في عام 19944 إلى اكتشاف مجرّة القوس والرامي القزمة، أقرب ما عرف من مجرات تابعة لدرب التبانة، وبعدها وجد مع زملائه في عام 2004 مجرّة أخرى أقرب منها هي: الكلب الأكبر القزمة Canis Major dwarf. يُرجِع حبه للعلوم إلى كتاب الفيزيائي<S.واينبيرگ> بعنوان «الدقائق الثلاث الأولى»، إذ يقول: «أعطاني بكل تأكيد اندفاعا عظيما لتعلم الرياضيات، التي كانت حتى تلك اللحظة تبدو لي بكل بساطة تمارين تحتاج إلى الصبر.» أما<جيبسون> فهو رئيس قسم الفيزياء الفلكية النظرية في جامعة لانكاشير بإنكلترا، وهو رائد في استخدام الحاسوب لمحاكاة تكوّن المجرّات، وقد قام بدراسة سرعة حركة الغيوم الغامضة الشاذة التي تطوف درب التبانة.
مراجع للإستزادة
The Ghost of Sagittarius and Lumps in the Halo of the Milky Way. Heidi Jo Newberg et al.
In Astrophysical Journal, Vol. 569, No. 1, pages 245—274;April 1, 2002. Preprint available at
Arxiv.org/abs/astro-ph/0111095
The New Galaxy; Signatures of its Formation. Ken Freeman and Joss Bland-Hawthorn in
Annual Reviews of Astronomy and Astrophysics, Vol.40, pages 487-537; 2002.
Arxiv.org/abs/astro-ph/0208106
Uncovering Cold Dark Matter Halo Substructure with Tidal Streams. R.A. Ibata, G. F. Lewis,
M. J. Irwin and T. 0uinn in Monthly Notices of the Royal Astronomical Society, Vol. 332, No. 4.
pages 915-920;.june 2002.arxiv.org/abs/astro-ph/0110690
Galactic Chemical Evolution. Brad K. Gibson, Yeshe Fenner. Agostino Renda, Daisuke Kawata
and Hyun.chul Lee in Publications of the Astronomical Society of Australia, Vol. 20, No. 4,
pages 401-415; 2003. arxiv.org/abs/astro-ph/0312255
Taking Measure of the Andromeda Halo; A Kinematic Analysis of the Giant Stream
Surrounding M31. R.Ibata, S.Chapman, A.M.N, Ferguson, M. Irwin, G. Lewis and A. McConnachie
in Monthly Notices of the Royal Astronomical Society. Vol. 351, No, 1, pages 117—124; June 2004.
(*)THE GHOSTS OF GALAXIES PAST
(**)Overview/ Star Streams
(***)Space Invaders
(****)Hiding in the Crowd
(*****)A Work in Progress
(******)THAT’S THE WAY THE GALAXY CRUMBLES
(*******)Seeing That Which Cannot Be Seen
(********)Which Ones Are Not Like the Others
(*********) Find of Streams
(1) stream
(2) انظر: Our Growing, Breathing Galaxy” by Bart P. Wakker – Philipp Richter; Scientific American, January 2004″
(3) tidal forces قوى مدية.
(4) نظرية ليوفيل: إن كثافة احتمال توزع النقاط الطورية في كل مكان في الفضاء الطوري لا تتغير بمرور الزمن. وتحدد العلاقة الإحصائية الناتجة من هذه النظرية مستقبل تطور الحالات الميكروية (الصِّغرية) المختلطة غير المتوازنة لأية مجموعة ماكروية (كبرية). ويستخدم الحاسوب في رسم الخطوط البيانية لاستخلاص المعلومات عن المجموعة الفيزيائية التي يجري بحثها بطريقة تحليلية. (التحرير)
(5) streams of stars أو تيارات نجمية.
(6)انظر: Does Dark Matter Really Exist” by Mordehai Milgrom; Scientific American, August 2002″